الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دفاع العقاد عن الصيام ردًا على المستشرقين
دائمًا وأبدًا يمكر أعداء دين الله بالمسلمين ويلمزون أغلى شيء عندهم وهو دينهم ويسخرون من نور عباداتهم فهذا الصليبي القديم الذي ما كان يفيق من شرب الخمر.. هذا الأخطل
…
يعيب شعائر الإسلام فيقول في قحة وتطاول:
ولست بصائم رمضان عمري
…
ولست بآكل لحم الأضاحي
ولست بزاجر عنسًا بكورًا
…
إلى بطحاء مكة للنجاح
ولست بصائح في جنح ليل
…
كمثل العير حيّ على الفلاح
فمات على كفره وأمّه الهاوية
واليوم يطعنون في الصيام
…
جاء في موسوعة الحضارات الصادرة عن هيئة اليونسكو على لسان مستشرق صليبي ما يعتبر أن صيام شهر رمضان مرهق وشاق للغاية إلى غير ذلك من المفتريات وهو معذور فإنه لو ذاق لعرف، ويرحم الله الأستاذ العقاد فقد أغنانا في رده المسهب على ذلك المستشرق الفرنسي وأمثاله من خلال كتابه "ما يقال عن الإسلام" ومن المجدي هنا أن انقل لك فقرات من هذا الرد.
يقول رحمه الله للرد عليه: "قد ثبت للعبادات الروحية من الفضائل ما لم يثبت لها قبل القرن العشرين بغير فضيلة الطاعة الواجبة لأوامر الدين أو بغير الأسباب التي ينفرد الدينيون بتفسيرها وإقامة الأدلة على لزومها فلا تدخل في نطاق البحوث التي يتصدى لها علماء الماديات أو علماء المحسوسات، والصيام في مقدمة هذه الأوامر المادية التي أعيد فيها النظر على أيدي أبناء القرن العشرين فظهرت لها مزاياها الكثيرة إلى جانب مزايا العبادة والإيمان بحقوق الغيب مع حقوق الشهادة والعيان فقد أصبح أبناء القرن العشرين جميعًا يزاولون نوعًا من أنواع الصيام في وقت من الأوقات لصلاح البنية أو صلاح الخلق أو
صلاح الذوق والجمال، ومعنى الصيام أنه هو الكف عن شهوات الطعام وسائر الشهوات الجسدية وقتاً من الأوقات.
وهذا هو الصيام الذي تدعو إليه الحاجة في تحقيق أغراض التربية النفسية والتربية الاجتماعية وسائر دروب التربية النافعة على حالة من الحالات:
1-
فمن الصيام "ما يتقرر اليوم لتربية الأخلاق الفدائية في الجنود" ومن يؤدون عملاً يستدعي من الشجاعة ورياضة النفس على تقلبات الحياة ما تستدعيه أعمال الجنود الفدائيين.
وقد يستدعي عمل الجندي الفدائي أن يكف عن الطعام بضعة أيام، أو يستدعي أن يقبل الطعام الذي تعافه نفسه أيامًا، أو يستدعي أن يرفض الطعام الجيد المشتهى وهو حاضر بين يديه.
2-
ومن الصيام الذي ثبت لزومه في هذا العصر "صيام الرياضيين" وهم يملكون بإرادتهم زمام وظائفهم الجسدية، ويتجنبون كل طعام يحول بينهم وبين رشاقة الحركة أو يحول بينهم وبين الصبر على الحركة العنيفة والحركة تتعاقب على انتظام إلى مسافة طويلة من المكان أو من الزمان ولا يستطيعها من يجهل نظام الصيام ويروض نفسه وجسده على نوع من أنواعه طوال الحياة.
3-
ومن الصيام العصري "صيام التجميل" وقد يصبر عليه من لا يصبرون عادة على "صيام الرياضة النفسية"، أو "صيام الرياضة البدنية"، وقد يقضي على الصائم من الرجال والنساء أن يلتزم الحمية في تناول الغذاء المستطاب وإن يكن صالحًا للتغذية موفور الفائدة للبنية الحية، ولكنه يؤخذ بمقدار لا يزيد عليه من يحرص على الوسامة واعتدال الأعضاء.
4-
ومن الصيام الشائع في العصر الحديث "صيام الاحتجاج على الظلم" والتنبيه إلى القضايا والحقوق التي يهملها الظالمون، ولا يعطونها نصيبها لواجب من الفهم والعناية.
وهذه الأنواع من الصيام كلها صالحة لغرض من أغراض التربية العامة أو الخاصة يهتدي إليه أبناء القرن العشرين، ويعلمون منه أن الآداب الدينية تسبق
التحقيق العلمي إلى خلق العادات الصالحة واشتراع الآداب الضرورية لمطالب الجسد والروح في الجانب الخاص أو الجانب العام في حياة الإنسان.
ولعل الفضيلة العصرية -فضيلة القرن العشرين- التي تحسب من الأخبار الصادقة ولا تحسب من الإشاعات المسجاة أنه يعرض مسائل الحياة للبحث والتقرير، ويجمع الأشتات والمتفرقات من معلومات الأقدمين ليجري عليها حكم العقل والعلم في نسق جديد، وعلى هذا النسق يتناول الباحثون العصريون أنواع الصيام ويقسمو-نها إلى أقسامها على حسب أغراضها ا-لعامة أو الخاصة من قديم العصور إلى العصر الحديث.
وقد أحسنوا تقسيمها حقا حين حصروها في هذه الأقسام الخمسة التي تحيط بها ولا تستثني نوعًا منها وهي:
1-
صيام التطهير الذي يكف الصائم عن الإلمام بالخبائث والمحظورات من شهوات النفوس أو الأجسام.
2-
وصيام العطف، ومنه صيام الحداد في أيام الحزن أو المحنة ليشعر الصائم بأنه يذكر أحبابه الذاهبين أو الغائبين ولا يبيح لنفسه ما حرموه بفقدان الحياة أو فقدان النعمة والحرية.
3-
وصيام التكفير عن الخطايا والذنوب تطوعًا من الصائم يعاقب نفسه على الذنب الذي يندم على وقوعه، ويعتزم التوبة منه والتماس العذر فيه.
4-
وصيام الاحتجاج والتنبيه، وهو صيام المظلومين وأصحاب القضايا العامة التي لا تلقى من الناس نصيبها الواجب من الاهتمام أو الإنصاف.
5-
وصيام الرياضة النفسية أو البدنية التي تمكن الصائم من السيطرة بإرادته على وظائف جسمه تصحيحًا لعزيمته أو طلبًا للنشاط واعتدال الأعضاء.
كل هذه الأنواع الصومية تستدعي الكف عن الطعام وشهوات الجسد تارة بالامتناع عن الطعام كله بعض الوقت وتارة بالامتناع عن بعضه في جميع الأوقات، وتارة بالإقلال من جميع مقاديره، والمباعدة بين وجباته أو بالقدرة على مخالفة العادات المتبعة في تقديره وتوقيته على جميع الأحوال وشريطته
العامة التي تلاحظ في جميع أنواعه هي: تحكيم الإرادة في شهوات النفس والجسد أو تربية العزيمة على قيادة الإنسان لنفسه حيث يريد، والمتواتر من أقوال البا-حثين من عادات الأجناس البشرية أن ا-لصيام بجميع أنواعه -قديمًا في أمم العالمين القديم والجديد.
مزايا الصيام الإسلامي:
وعند المقابلة بين أنواع الصيام نتبين مزايا الصيام الإسلامي بين جميع هذه الأنواع فإنه واف بالشريطة العامة للصيام المفروض بحكم الدين أو المتبع لرياضة الأخلاق، وهو على ذلك صالح لمقاصد التطهير والعطف والتوبة والتكفير.
ولا جدال في رجحان الصيام بنظامه الإسلامي على نظام الصيام الذي يتحرى الصائم فيه اجتناب بعض الألوان من الأطعمة الفاخرة أو الأطعمة الشهية فإن اجتناب بعض الألوان لا يكفي لترويض وظائف الجسد وتغليب حكم الإرادة عليها.
ولا جرم كان الصيام في الإسلام نظاما لا يَفْضُله نظام بين شتى الأنظمة التي تقدمت بها فرائض الصيام" (9) .
***
(1)"ما يقال عن الإسلام ". عباس محمود العقاد.