الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(4/155) :
وقال ابن حزم: صح حديث "أفطر الحاجم والمحجوم" بلا ريب، لكن وجدنا من حديث أبي سعيد "رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم"، وإسناده صحيح فوجب الأخذ به، لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة، فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجماً أو محجوماً.
قال الحافظ ابنُ حجر في "الفتح"(4/206) :
"أما الحجامة فالجمهور على عدم الفطر بها مطلقاً، وعن علي وعطاء والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور يفطر الحاجم والمحجوم، وأوجبوا عليهما القضاء، وشذ عطاء فأوجب الكفارة أيضاً، وقال بقول أحمد من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وأبو الوليد النيسابوري وابن حبان. ونقل الترمذي عن الزعفراني أن الشافعي علق القول على صحة الحديث، وبذلك قال الداودي من المالكية".
مذاهب العلماء في حجامة الصائم:
قال النوري في "المجموع"(6/389-393) : "مذهبنا أنه لا يفطر بها لا الحاجم ولا المحجوم، وبه قال ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وأم سلمة وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والشعبي والنخعي ومالك والثوري وأبو حنيفة وداود وغيرهم".
قال صاحب الحاوي: وبه قال أكثر الصحابة وأكثر الفقهاء.
* وقال جماعة من العلماء الحجامة تفطر، وهو قول علي بن أبي طالب وأبي هريرة وعائشة والحسن البصري وابن سيرين وعطاء والأوزاعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وابن خزيمة والحاكم.
* قال الخطابي: قال أحمد وإسحاق: يفطر الحاجم والمحجوم وعليهما القضاء دون الكفارة، وقال عطاء: يلزم المحتجم في رمضان القضاء والكفارة.
واحتج هؤلاء بحديث ثوبان قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: "أفطر الحاجم
والمحجوم". رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه بأسانيد صحيحة وإسناد أبي داود على شرط مسلم.
* وعن شدّاد بن أوس: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل بالبقيع وهو يحتجم وهو آخذ بيدي لثمان عشرة خلت من رمضان فقال: "أفطر الحاجم والمحجوم". رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه بأسانيد صحيحة. وعن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفطر الحاجم والمحجوم" رواه الترمذي وقال حديث حسن.
وهذا الحديث صححه لفيف من العلماء، فحديث أبي موسى عند الحاكم قال عنه ابن المديني: صحيح، وحديث ثوبان قال عنه ابن حنبل: أصح ما روي في الباب. وعن علي بن المديني: لا أعلم فيها أصح من حديث رافع بن خديج.
قالما الحاكم: فقد حكم أحمد لأحد الحديثين بالصحة، وعلي للآخر بالصحة، وحكم إسحاق بن راهويه لحديث شداد بن أوس بالصحة وقال: هذا إسناد تقوم به الحجة. قال إسحاق: وقد صح هذا الحديث بأسانيد وبه نقول.
قال الحاكم: رضي الله عن إسحاق فقد حكم بالصحة لحديث صحته ظاهرة وقال به.
وصحح الدارمي: حديث شداد وثوبان: قال: وبه أقول. قال: وسمعت أحمد بن حنبل يقول: صح عندي حديث ثوبان وشداد.
واحتج الجمهور بحديث ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم وأحتجم وهو صائم" رواه البخاري.
* وحديث ابن أبي ليلى قال: "حدثني رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحجامة والمواصلة، ولم ينه عنهما إلا إبقاء على أصحابه".
رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم. واحتج به أبو داود والبيهقي وغيرهما في أن الحجامة لا تفطر.
* وعن أنس قال: "أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أفطر هذان" ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة
للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم" رواه الدارقطني وقال: رواته كلهم ثقات، قال: ولا أعلم له علة.
قال البيهقي: وروينا في الرخصة في ذلك عن سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وابن عباس والحسين بن علي وزيد بن أرقم وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم، واستدل الأصحاب بالقياس على الفصد والرعاف.
وقد رد العلماء على حديث "أفطر الحاجم والمحجوم" بأجوبة:
(أحدها) ما ذكره الشافعي في "الأم" وتابعه عليه الخطابي والبيهقي أنه منسوخ بحديث ابن عباس وغيره.
فحديث شداد بن أوس قال الشافعي: وابن عباس إنما صحب النبي صلى الله عليه وسلم محرماً في حجة الوداع سنة عشر من الهجرة ولم يصحبه محرماً قبل ذلك، وكان الفتح سنة ثمان بلا شك، فحديث ابن عباس بعد حديث شداد بسنتين وزيادة، قال: فحديث ابن عباس ناسخ.
قال البيهقي: ويدل على النسخ أيضاً قوله في حديث أنس "ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة" قال: وحديث أبي سعيد الخدري السابق أيضاً فيه لفظ الترخيص، وغالب ما يستعمل الترخيص بعد النهي.
(الجواب الثاني) أجاب به الشافعي أيضاً أن حديث ابن عباس أصح، ويعضده أيضاً القياس فوجب تقديمه.
* قال ابن خزيمة: ثبتت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفطر الحاجم والمحجوم" فقام بعض من خالفنا في هذه المسألة وقال: لا يفطر لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم "احتجم وهو محرم صائماً" ولا حجة له في هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما احتجم وهو محرم صائم في السفر لأنه لم يكن قط محرماً مقيماً ببلده، والمسافر إذا نوى الصوم له الفطر بالأكل والشرب والحجامة وغيرها، فلا يلزم من حجامته أنها لا تفطر فاحتجم وصار مفطراً، وذلك جائز. هذا كلام ابن خزيمة حكاه الخطابي في "معالم السنن" ثم قال: وهذا تأويل باطل، لأنه قال: احتجم وهو صائم فأثبت له الصيام مع الحجامة، ولو بطل صومه بها لقال: أفطر بالحجامة كما يقال: أفطر الصائم بأكل الخبز، ولا يقال: أكله وهو