الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مزيداً على ذلك ولا التفت إلى موافقة من عنده على ذلك، فلو كان يجب إمساك جزء من الليل لاشترك الجميع في معرفة ذلك والله أعلم".
واختلفوا في
أول زمن الإمساك:
* فقال الجمهور: هو طلوع الفجر الثاني وهو الفجر الصادق والمراد الطلوع الذي يظهر لنا لا الذي في نفس الأمر.
ولا يتعلق بالفجر الكاذب الأول شيء من الأحكام بإجماع المسلمين.
والصوم بطلوع الفجر الصادق "الثاني" وتحريم الطعام والشراب والجماع به هو مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم. قال ابن المنذر وبه قال عمر بن الخطاب وابن عباس وعلماء الأمصار قال صلى الله عليه وسلم: "الفجر فجران، فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان (1) فلا يُحل الصلاة، ولا يحرم الطعام، وأما الفجر الذي يذهب مستطيلاً في الأفق فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام"(2) .
* وقال صلى الله عليه وسلم: "كلوا واشربوا ولا يهدينكم (3) الساطع المصُعد، فكلوا واشربوا حتى
يعترض لكم الأحمر" (4) .
* وقال صلى الله عليه وسلم: "ليس الفجر بالأبيض المستطيل في الأفق، ولكنه الأحمر المعترض"(5) .
* وقال صلى الله عليه وسلم: "الفجر فجران: فجر يحرم فيه الطعام، وتحل فيه الصلاة، وفجر تحرم فيه
الصلاة ويحل فيه الطعام" (6) .
* وقال صلى الله عليه وسلم: "إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم"(7) .
(1) الذئب.
(2)
صحيح: رواه الحاكم في "المستدرك" والبيهقي في سننه عن جابر، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (4278) .
(3)
يهدينكم: أى يغرنكم.
(4)
حسن: رواه أبو داود والترمذي عن طلق، والطحاوي وابن خزيمة والدارقطني وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (4506) .
(5)
صحيح: رواه أحمد عن طلق بن علي، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (5378) .
(6)
صحيح: رواه الحاكم والبيهقي في سننه عن ابن عباس، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (4279) .
(7)
رواه مالك وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن ابن عمر، ورواه البخاري والنسائي عن عائشة.
* وقال صلى الله عليه وسلم: "إن بلالاً يؤذن بليل، ليوقظ نائمكم، وليرجع قائمكم"(1) .
* وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يغرنكم في سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل حتى يستطير"(2) .
* وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره، فإنه يؤذن بليل ليرجع قائمكم، ولينبه نائمكم، وليس الفجر أن يقول هكذا، حتى يقول هكذا، يعترض في أفق السماء"(3) .
عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: "لما نزلت (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: "إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار" (4) ، وفي رواية "إن وسادك إذن لعريض طويل، إنما هو سواد الليل وبياض النهار" (5) .
* وقال سهيل بن سعد: "أنزلت (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) ولم ينزل (من الفجر) فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد (من الفجر) فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار" رواه البخاري.
* وذهب حذيفة وابن مسعود إلى أنه طلوع الفجر الأحمر كالشفق الأحمر.
* والجمهور القائلون بأنه الفجر الأبيض المستطيل في الحد المحرم للشرب والأكل والجماع اختلفوا أيضاً:
* فقال الجمهور: هو طلوع الفجر نفسه.
* وذهب جماعة من الصحابة إلى جواز السحور إلى أن يتضح الفجر.
روى ابن المنذر بإسناد صحيح عن علي أنه صلى الصبح، ثم قال: الآن حين يتبينّ الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
(1) رواه النسائي عن ابن مسعود، ورواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو دواد.
(2)
رواه أحمد ومسلم وأبو دواد والترمذي والنسائي عن سمرة.
(3)
رواه أحمد والبخارى ومسلم وأبو دواد وابن ماجة عن ابن مسعود.
(4)
رواه البخاري.
(5)
رواه البخاري.
قال ابن المنذر: وذهب بعضهم إلى أن المراد بتبينّ بياض النهار من سواد الليل إلى أن ينتشر البياض في الطرق والسكك والبيوت.
قال إسحاق: هؤلاء رأوا جواز الأكل والصلاة بعد طلوع الفجر المعترض حتى يتبين بياض النهار من سواد الليل.
قال إسحاق: وبالقول الأول أقول، لكن لا أطعن على من تأول الرخصة كالقول الثاني ولا أدري عليه قضاء ولا كفّارة.
فمعنى قولهم هو: تبينّ طلوعه عند النظر إليه، وهو مروي عن عروة ومجاهد والحسن وإسحاق قالوا: إن أكل أو شرب يظن أن الفجر لم يطلع فبان له أنه طلع فلا قضاء عليه، وكذلك إذا ظن غياب الشمس ووجدها لم تغب فلا قضاء عليه.
وسبب الخلاف:
الاحتمال الموجود في قوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) هل المراد به الإمساك بالتبين نفسه أو بالمتبين وهو الفجر؟
واستدلّ الجمهور بما رواه البخاري عن فاطمة عن أسماء قالت: أفطرنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس فقيل لهشام بن عروة راوي الحديث عن فاطمة: أمروا بالقضاء؟ قال: بد من قضاء.
* والقائلون بعدم القضاء حملوا التبين على تبين الفجر إذا نظر إليه الناظر ولو بعد طلوعه بزمن.
مسائل:
(1)
"لو غمّ هلال رمضان فأصبحوا مفطرين، ثم تبين أن ذلك اليوم من رمضان فالقضاء واجب بالاتفاق" قاله ابن حجر (4/236) .
(2)
من أكل أو شرب شاكاً في طلوع الفجر فذهب ابن عباس وعطاء وهو مروي عن أبي بكر وابن عمر والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبي حنيفة والمشهور عن مالك إلى أنه لا قضاء عليه.
وروى عن مالك القول بوجوب القضاء عليه.
والراجح الأول: لظاهر الآية ولحديث أذان ابن أم مكتوم.
روى عبد الرزاق بإسنادٍ صحيح عن ابن عباس قال: "أحل الله لك الأكل والشرب ما شككت". قال ابن المنذر: وإلى هذا صار أكثر العلماء.
"ذكر ابن المنذر في "الإشراف" باباً في إباحة الأكل للشاك في الفجر، فحكاه عن أبي بكر الصديق، وابن عمر وابن عباس وعطاء والأوزاعي وأصحاب الرأي وأحمد وأبي ثور واختاره ولم ينقل المنع إلا عن مالك"(1) .
فقال بتحريمه مالك وأوجب القضاء على من أكل شاكاً.
(3)
إذا أكل أو شرب أو جامع ظاناً غروب الشمس أوعدم طلوع الفجر فبان خلافه فعليه القضاء وبه قال ابن عباس ومعاوية بن أبي سفيان وسعيد بن جبير ومجاهد والزهري والثوري، هكذا حكاه ابن المنذر عنهم، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وأبو ثور والجمهور.
وقال إسحاق بن راهوية وداود وعطاء وعروة والحسن ومجاهد: صومه صحيح ولا قضاء.
(4)
فيمن أولج ثم نزع مع طلوع الفجر.
قال الشافعي وأبو حنيفة: لا يفطر ولا قضاء ولا كفارة.
روى البيهقي بإسناده الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان إذا نودي بالصلاة والرجل على امرأته لم يمنعه ذلك أن يصوم إذا أراد الصيام قام واغتسل وأتم صيامه".
وقال مالك والمزني وزفر وداود: يبطل صومه.
وعن أحمد رواية: أنه يفطر وعليه الكفّارة. وفي رواية يصح صومه ولا قضاء ولا كفارة.
(1)"المجموع"(6/335-336) .
(5)
إذا جامع في الليل وأصبح وهو جنب صح صومه، وكذا لو انقطع دم الحائض والنفساء في الليل فنوتا صوم الغد ولم يغتسلا، صح صومهما بلا خلاف وبه قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وممن قال به علي بن أبي طالب وابن مسعود وأبو ذر وزيد بن ثابت وأبو الدرداء وابن عباس وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم، وجماهير التابعين والثوري وأحمد ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور خلافاً لقول سالم ابن عبد الله وأبي هريرة والحسن والنخعي والأوزاعي.
وحجة الجمهور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم"(1) .
وعن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما قالتا: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصبح جُنباً من غير حلم ثم يصوم" رواه البخاري ومسلم. وفي روايات لها في الصحيح "من جماع غير احتلام".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من غير حلم فيغتسل ويصوم" رواه البخاري ومسلم.
وعنها: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه وهي تسمع من وراء الباب، فقال: يا رسول الله.. تدركني الصلاة وأنا جنب أفأصوم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم" فقال: لست مثلنا يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال:"والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي" رواه مسلم.
قال ابن المنذرعن حديث أبي هريرة: "من أصبح جنباً فلا صوم له" رواه الشيخان: أحسن ما سمعت فيه أنه منسوخ.
(6)
إذا طلع الفجر وفي فيه طعام فليلفظه، فإن لفظه صح صومه، فإن ابتلعه بعد علمه بالفجر بطل صومه بلا خلاف ودليله قوله صلى الله عليه وسلم:"إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" رواه البخاري.
(1) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك عن عائشة وأم سلمة.