المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب العشرونالعيد لمن طاعاته تزيد - نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان - جـ ٢

[سيد حسين العفاني]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابع عشرفقه الصوم ورمضان

- ‌الصيام لغة:

- ‌الصيام شرعاً:

- ‌الصوم الواجب:

- ‌فرض الصوم على أحوال

- ‌على من يجب الصيام

- ‌أركان الصوم

- ‌الركن الأول: الزمان

- ‌إحصاء عدة شعبان:

- ‌رؤية الهلال هي المعتبرة فقط دون الحساب:

- ‌الشهادة على رؤية الهلال:

- ‌مذاهب العلماء فيما إذا رأى الهلال أهل بلد دون غيرهم:

- ‌إذا رأى القمر نهاراً

- ‌صيام الأسير والمطمور

- ‌زمن الإمساك

- ‌ أول زمن الإمساك:

- ‌الركن الثاني: وهو الإمساك

- ‌ ما يُفطر من غير المأكول والمشروب:

- ‌القبلة للصائم

- ‌مذاهب العلماء في القبلة للصائم:

- ‌القيءُ للصائم

- ‌الحجامة للصائم

- ‌مذاهب العلماء في حجامة الصائم:

- ‌الجماع في نهار رمضان

- ‌ مذاهب العلماء فيمن كرر جماع زوجته في يوم من رمضان:

- ‌ مذاهب العلماء فيمن وطء في يومين أو أيام من رمضان:

- ‌ مذاهب العلماء في المباشرة فيما دون الفرج - القُبل والدبُر

- ‌ مذاهب العلماء فيمن أفطر بغير الجماع في نهار رمضان

- ‌الركن الثالث: النية

- ‌تقديم النيّة في الصوم

- ‌تأخير النية في الصوم

- ‌النية لكل يوم

- ‌حكم من ظهر له وجوب الصيام نهاراً

- ‌الليل كلة وقت للنية

- ‌المدى الذي يصحّ أن يحدث فيه النيّة من النَّهار:

- ‌شروط من أجاز صوم النفل بنيّةٍ من النهار:

- ‌المقدار الذي يثاب عليه الناوي من النهار:

- ‌صفة النيّة في الصوم

- ‌مباحث تتعلق بالنية في الصوم:

- ‌1- استصحاب حكم النية:

- ‌(2) رفض النية:

- ‌(أ) رفض النية بعد تمام العبادة:

- ‌(ب) رفض نية الصوم في أثنائه:

- ‌(3) قلب نية الصوم وتغييرها:

- ‌أقسام النية التي قلبت

- ‌(1) نقل فرض إلى فرض:

- ‌(2) نقل نفل إلى فرض:

- ‌(3) نقل نفل إلى نفل:

- ‌(4) عدم التشريك في النية:

- ‌(5) قصد الصوم دفعة واحدة:

- ‌النيابة في النيات في الصوم

- ‌موقف الذين أجازوا النيابة في بعض العبادات من حجج المجيزين مطلقًا:

- ‌تحرير محل النزاع

- ‌الرأي الراجح:

- ‌إهداء ثواب العبادة للأموات

- ‌النية: ركن أم شرط في الصوم

- ‌الصوم في السفر

- ‌المسألة الأولى [إن صام المريض أو المسافر هل يجزيه

- ‌المسألة الثانية [هل الصوم في السفر أفضل أم الفطر]

- ‌المسألة الثالثة[هل الفطر الجائز للمسافر هو في سفر محدود أم غير محدود

- ‌المسألة الرابعة [متى يفطر المسافر ومتى يمسك

- ‌سُنَّة ميتة فتمسك بها:

- ‌المسألة الخامسة[هل يجوز للصائم أن ينشئ سفرًا ثم لا يصوم فيه]

- ‌يريد الله بكم اليسر

- ‌صيام المريض

- ‌الحامل والمرضع ماذا عليها إذا أفطرت

- ‌بحث للألباني في "الحامل والمرضع

- ‌ القضاء

- ‌المسألة الأولى [هل يقضى الصوم متتابعًا أم لا

- ‌متى يقضى

- ‌ماذا على من أخر القضاء حتى دخل رمضان آخر

- ‌إذا مات وعليه صوم هل يصوم عنه وليه أم لا

- ‌الكفارة

- ‌هل هذه الكفارة مرتبة ككفارة الظهار أو على التخيير

- ‌حكمة الأنواع الضعيفة في الكفارة

- ‌اختلافهم في وجوب الكفارة على المرأة إذا طاوعته على الجماع

- ‌مسألة [مقدار الكفارة بالإطعام]

- ‌مسألة [هل تسقط الكفارة بالإعسار

- ‌خلافهم في الكفارة

- ‌الفدية

- ‌صوم النذر

- ‌مسائل

- ‌صوم الكفارات

- ‌مسألة [اختلافهم في اشتراط تتابع الأيام

- ‌الباب الخامس عشرالاعتكاف

- ‌أركان الاعتكاف أربعة:

- ‌[مكان الاعتكاف]

- ‌الرد على فضيلة الشيخ الألباني

- ‌[وقت الاعتكاف]

- ‌العمل الذي يخص الاعتكاف

- ‌الخروج إلى الجمعة

- ‌الصوم في الاعتكاف

- ‌مذاهب العلماء في أقل الاعتكاف

- ‌ما يباح للمعتكف

- ‌الجماع في الاعتكاف

- ‌من جامع ناسيا في اعتكافه

- ‌هل تجب الكفارة على من جامع

- ‌هل يجوز للمعتكف أن يتزوج

- ‌الطيب للمعتكف

- ‌المعتكفه إذا حاضت

- ‌البيع والشراء للمعتكف

- ‌مسألة

- ‌مرض المعتكف

- ‌إذا أخرجه السلطان

- ‌قضاء الاعتكاف

- ‌الأولى للمعتكف أن يبيت في المسجد

- ‌الباب السادس عشروداع رمضان

- ‌في وداع رمضان

- ‌فضل الجوع:

- ‌سجع على قوله تعالى: (إني جزيتهم اليوم بما صبروا)

- ‌الباب السابع عشرحيوانات تصوم

- ‌معجزة الدب الأبيض:

- ‌طائر البطريق ومدرسة الحضانة:

- ‌ صوم بعض الحيوانات آثناء فترة النزو الجنسي:

- ‌ الصوم بعد الولادة

- ‌ الصوم حين يكون حس الجوع غائبًا:

- ‌ الصوم في حالات الغضب:

- ‌ السبات الشتوي عند النباتات:

- ‌الباب التاسع عشرالصوم علاج رباني

- ‌الصوم والأمراض الجلدية:

- ‌ الصوم ومستوى جديد من الصحة:

- ‌الصوم الطبي:

- ‌الفرق بين الصيام الإسلامي والتجويع [الصوم الطبي]

- ‌وظائف الأعضاء في الصيام الإسلامي

- ‌وظائف الأعضاء في التجويع المطلق:

- ‌أوجه الاتفاق والاختلاف بين الصيام الإسلامي والتجويع:

- ‌نظريات علمية في بعض فوائد الصيام الإسلامي وآدابه

- ‌الصيام والتخلص من السموم

- ‌هل الأفضل في الصيام الحركة أم السكون

- ‌الصيام والتخلص من الشحوم

- ‌الصيام وتجدد الخلايا

- ‌لماذا الإفطار على التمر

- ‌أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصائم بالهدوء والبعد عن الشجار وتفسير ذلك طبيًا:

- ‌من فوائد عدم شرب الماء في الصيام

- ‌الصيام وجهاز المناعة

- ‌الصيام ومكونات الدم

- ‌الصيام وهرمونات المرأة

- ‌الصيام ومرضى الجهاز البولي

- ‌الصيام وعمل الغدة الدرقية

- ‌الصيام وهرمونات الشدة

- ‌الصيام وخلايا الدم

- ‌الصيام وتجلط الدم

- ‌الصيام ومرضى السكري

- ‌تأثير الصيام على الحمل والرضاعة

- ‌تأثير الصيام الإسلامي على وزن الجسم

- ‌الصيام والإخصاب عند الرجل

- ‌تأثير الصيام المتواصل على مرضى التهاب المفاصل الشبيه بالرثية

- ‌تأثير الصيام على قرحة المعدة

- ‌تأثير الصيام المتواصل على الغدد الجنسية

- ‌صيام رمضان وأثره على بعض أمراض الأوعية الدموية الطرفية

- ‌تأثير الصيام على الوارد الكهربائية والتناضح في البول والدم

- ‌وجوه الإعجاز في الصوم

- ‌دفاع العقاد عن الصيام ردًا على المستشرقين

- ‌الباب التاسعزكاة الفطر

- ‌حكمها:

- ‌فيمَنْ تجب عليه، وعمن تجب

- ‌اليسار شرط لوجوب الفطرة:

- ‌ وقت خروجها:

- ‌ دفع الزكاة إلى كافر أو ذمي:

- ‌أصناف زكاة الفطر:

- ‌ مقدارها

- ‌عمن يؤديها الرجل

- ‌جهة إخراجها:

- ‌هل تجزيء القيمة في الزكاة

- ‌ كيف يقدر الصاع

- ‌الباب العشرونالعيد لمن طاعاته تزيد

- ‌سنن العيد

- ‌ الخروج إلى المصلى:

- ‌ التكبير في العيدين:

- ‌ صيغ التكبير:

- ‌ حكم صلاة العيدين:

- ‌وقت صلاة عيد الفطر:

- ‌ التخيير بحضور الخطبة:

- ‌ التوسعة على العيال

الفصل: ‌الباب العشرونالعيد لمن طاعاته تزيد

‌الباب العشرون

العيد لمن طاعاته تزيد

ص: 355

"العيد هو موسم الفرح والسرور، وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بمولاهم إذا فازوا بكمال طاعته، وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته كما قال تعالى:(قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)[يونس: 58] .

قال بعض العارفين: ما فرح أحد بغير الله إلا بغفلته عن الله، فالغافل يفرح بلهوه وهواه والعاقل يفرح بمولاه.

وكان فؤادي خاليًا قبل حبكم

وكان بذكر الخلق يلهو ويمرحُ

فلما دعا قلبي هواك أجابه

فلست أراه عن فنائك يبرحُ

رُميتُ ببُعد منك إن كنت كاذبًا

وإنْ كنت في الدنيا بغيرك أفرحُ

وإن كان شيء في البلاد بأسرها

إذا غبتَ عن عيني لعيني يملحُ

فإن شئت واصلني وإن شئت لم تصل

فلست أرى قلبي لغيرك يصلُح

ليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن طاعاته تزيد، ليس العيد لمن تجمل باللباس والركوب، إنما العيد لمن غُفرت له الذنوب، في ليلة العيد تفرق خلع العتق والمغفرة على العبيد، فمن ناله منها شيء فله عيد، وإلا فهو مطرود بعيد" (1) .

للناس فطر وعيد

إني فريد وحيد

يا غايتي ومُنايَ

أتمّ لي ما أريد

ويقول عابد:

ليس عيد المحب قصد المصلى

وانتظار الأمير والسلطان

إنما العيد أن تكون لدى الحب كريمًا

مقربا في أمان

(1)"لطائف المعارف".

ص: 357

وأنشد:

إذا ما كنت لي عيدًا

فما أصنع بالعيد

جرى حبك في قلبي

كجري الماء في العود

وأما أعياد المؤمنين في الجنة فهي أيام زيارتهم لربهم عز وجل فيزرونه ويكرمهم غاية الكرامة ويتجلى لهم وينظرون إليه، ليس للمحب عيد سوى قرب محبوبه.

إن يومًا جامعًا شملي بهم

ذاك عيدي ليس لي عيد سواه

كل يوم كان للمسلمين عيدًا في الدنيا فإنه عيد لهم في الجنة يجتمعون فيه على زيارة ربهم ويتجلى لهم فيه، ويوم الجمعة يدعى في الجنة يوم المزيد، ويوم الفطر والأضحى يجتمع أهل الجنة فيهما للزيارة، وروي أنه يشارك النساء الرجال فيهما كما كن يشهدان العيدين مع الرجال دون الجمعة فهذا لعموم أهل الجنة فأما خواصهم فكل يوم لهم عيد يزورن ربهم كل يوم مرتين بكرة وعشيا؛ الخاص كانت كلها لهم أعيادًا فصارت أيامهم في الآخرة كلها أعياد.

قال الحسن كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد:

عيدي مقيم وعيد الناس منصرف

والقلب مني عن اللذات منحرف

ولي قرينان مالي منهما خلف

طول الحنين وعين دمعها يكفُ

وكيف لا يكون يوم الفطر عيدًا، بعد الصيام والاعتكاف والعشر الأواخر من رمضان، وغفران الذنوب، وطول التهجد والقيام.

كل ما في الدنيا يذكر بالآخرة فمواسمها وأعيادها وأفراحها تذكر بمواسم الآخرة وأعيادها وأفراحها.

صنع عبد الواحد بن زيد طعامًا لإخوانه يوماً، فقام عتبة الغلام على رؤوس الجماعة يخدمهم وهو صائم فجعل عبد الواحد ينظر إليه ويسارقه النظر ودموع عتبة تجري، فسأله بعد ذلك عن بكائه حينئذ، فقال: ذكرت موائد الجنة والولدان قائمون على رؤوسهم، فغشى على عبد الواحد.

ص: 358

أبدان العارفين في الدنيا وقلوبهم في الآخرة:

جسمي معي غير أن الروح عندكم

فالجسم في غربة والروح في وطن

أخي: يومنا هذا يوم العيد، قد ميز فيه الشقي والسعيد، فكم فرح بهذا اليوم مسرور وهو مطرود مهجور.

* قال بعض أصحاب سفيان الثوري: خرجت معه يوم عيد فقال: إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا غض البصر. ورجع حسان بن أبي سنان من عيده فقالت امرأته: كم من امرأة حسناء قد رأيت؟ فقال: ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت إلى أن رجعت!

* يا من يفرح في العيد بتحسين لباسه، ويوقن بالموت وما استعد لبأسه، ويغتر بإخوانه وأقرانه وُجلاسه، وكأنه قد أمن سرعة اختلاسه، كيف تقر بالعيد عين مطرود عن الصلاح، كيف يضحك سن مردود عن الفلاح، كيف يُسَر من يُصر على الأفعال القباح، كيف لا يبكي من قد فاته جزيل الأرباح.

* فيا من وفى في رمضان على أحسن حال، لا تتغير بعده في شوال، يا من رأي العيد ووصل إليه، متى تشكر المنعم وتثنى عليه، فكم من صحيح هيأ طيب عيده صار ذلك الطيب في تلحيده.

يا من يصلح في رمضان وعزمه على الزلل في شوال أفسدت رمضان، ويحك! رب الشهرين واحد.

* أخي: ليس العيد ثوبًا يجرّ الخيلاء جره، ولا تناول مطعم بكف شره لا يؤمن شره، إنما العيد لبس توبة عاص تائب يسر بقدوم قلب غائب.

* والله ما عيد يعقوب إلا لقاء يوسف، ولا أيام تشريق الصديق إلا أيام الغار.

يا راكبا تطوى المهامة عيسهُ

فتريه رضراض الحصى مُترضرضا

بلغ رعاك الله سكان الغَضَى

مني التحية إن عَرْصت مُعرضا

وقل انقضى زمن الوصال وودُّنا

باق على مر الليالي ما انقضى

ص: 359

ليس المحب من غيره انقضاء رمضان وتوليه، فالجليل باق لا يزول، ورب الشهر لا يحول.

قد يبلغ الشوق إلى الله بالمشتاق أن يقول:

الناس بالعيد قد سُروا وقد فرحوا

وما فرحتُ به والواحد الأحد

لما تيقنت أني لا أعاينكم

غَضَّمتُ عيني فلم أنظر إلى أحد

رمضانهم دائم وشوالهم صائم، أعيادهم سرور القوم بالمحبوب، وأفراحهم بكمال التقوى وترك الذنوب، إذا جن عليهم الليل عادت القلوب بالمناجاة جُدُدا وإذا جاء النهار سلكوا من الصوم جددا (1) .

يجمعون هممهم فيما أهمهم إذا بات هم الغافل بددا، جزموا على ما عزموا، أبدا أعيادهم بقرب القلوب إلى الحبيب دائمة، وأقدامهم في الدجى على باب اللجأ قائمة، وأرواحهم بالاشتياق إلى الملك الخلاق هائمة، قربهم مولاهم فالنفوس عن الفاني الأدنى صائمة.

مغزى العيد الاجتماعي والإنساني:

"أما مغزاه الاجتماعي فهو ما يضيفه على القلوب من أنس، وعلى النفوس من بهجة وعلى الأجسام من راحة، وما يدعو إليه من تجديد أواصر الحب بين الأصدقاء، والتراحم بين الأقرباء.

في العيد تتقارب القلوب على الود، وتجتمع على الألفة، ويتناسى الناس أضغانهم، يجتمعون بعد افتراق، ويتصافون بعد كدر.

* وفي العيد من المغزى الاجتماعي تذكير أبناء المجتمع بحق الضعفاء والعاجزين عليهم حتى تشتمل الفرحة بالعيد كل بيت، وتعم النعمة كل أسرة، وإلى هذا المغزى الاجتماعي العظيم يرمز تشريع "صدقة الفطر" في عيد الفطر، ونحو "الأضاحى" في عيد الأضحى، إن في تقديم صدقة الفطر ليلته إطلاقًا للأيدي الخيّرة، فلا تشرق الشمس العيد إلا والبسمة تعلو شفاه الناس جميعًا.

(1) الجدد: الأرض الغليظة المستوية.

ص: 360

* أما المعنى الإنساني في العيد، فهو أن يشرك أعدادًا لا حصر لها من أبناء الشرق والغرب بالفرح والسرور في وقت واحد، فإذا بالأمة تلتقي على الشعور المشترك بالغبطة، وإذا بأبناء الأمة الواحدة على اختلاف ديارهم يشتركون في السراء كما يشتركون في الضراء، ففي العيد تقوية لهذه الروابط الفكرية والروحية التي يعقدها الدين بين أبناء من مختلف اللغات والأقوام.

* تلك هي بعض المعاني الاجتماعية والإنسانية في العيد، ومن ثم كانت الأعياد مظهرًا واضحًا لهذه المعاني في كل مجتمع.

ومن أراد معرفة أخلاق الأمة فليراقبها في أعيادها إذ تنطلق فيها السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول على حقيقتها، والمجتمع السعيد هو الذي تسمو أخلاقه في العيد إلى أرفع ذروتها، ويمتد شعوره إلى أبعد مدى.

يوم كانت أمتنا تتذوق طعم السعادة في مجتمعاتنا، كان الأخ يفكر في ليلة العيد بجاره قبل أن يفكر بنفسه، ويقدم حاجة أولاد صديقه على حاجة أولاده.

* حدّث الواقدي قال: كان لي صديقان أحدهما هاشمي، وكنا كنفس واحدة، فنالتني ضائقة شديدة، وحضر العيد فقالت امرأتي: أما نحن في أنفسنا فنصبر على البأس والشدة، وأما صبياننا هؤلاء فقد قطعوا قلبي -رحمة لهم- لما عليهم من الثياب الرثة، فانظر كيف تعمل لكسوتهم؟.

قال الواقدي: فكتبت إلى صديق الهاشمي أسأله التوسعة علي، فوجه إلي كيسا مختومًا فيه ألف درهم، فما استقر في يدي حتى كتب إليّ الصديق الآخر يشكو مثل ما شكوت إلى صديقي الهاشمي، فوجهت إليه الكيس بختمه، ثم أخبرت امرأتي بما فعلته فاستحسنته ولم تعنفني عليه، فينما أنا كذلك إذا وافاني صديقي الهاشمي ومعه الكيس كهيئته، فقال لي: اصدقني عما فعلت بالكيس الذي وجهته إليك، فعرّفته الخبر فقال لي: إنك حين طلبت مني المال لم أكن أملك إلا ما بعثت به إليك، ثم أرسلت إلى صديقي الثالث أساله المواساة فوجه إلي الكيس الذي بعثت به إليه.

ص: 361

قال الواقدي: فتواسينا الألف درهم فيما بيننا: كل واحد ثلاثمائة، ثم أخرجنا للمرأة مائة درهم، ونمى الخبر إلى المأمون، فدعاني وسألني فشرحت له الخبر، فأمر لنا بسبعة آلاف دينار، لكل واحد منا آلفا دينار، وللمرأة ألف دينار" هذا هو التعبير الصادق عند سمو الأخلاق الاجتماعية في كل أمة.

أريد أن نظهر في أعيادنا بمظهر الأمة الواعية التي لا يحول احتفاؤها بأعيادها دون الشعور بمصائبها.

أريد أن نقتصد في ضحكنا فتبدو على وجوهنا مسحة من الحزن الكريم الوقور ينم على مبلغ عنايتنا بقضايانا واهتمامنا بما يجري في وطننا من أحداث ونكبات (1) .

ما العيد إلا أن نعود لديننا

حتى يعود قدسنا المفقودُ

ما العيد إلا أن نكون أمة

فيها محمد لا سواه عميدُ

ما العيد إلا أن نعدَّ نفوسنا

للحرب حيث بها هناك نجودُ

ما العيد إلا أن تكون قلوبنا

نحو العدو كأنها جلمودُ

كونوا أشداءًا على أعدائكم

والله إن عدوكم لعنيدُ

فالمسلمون مكلفون بواجب

لم يلههم عنه هوى وجمودُ

والمسلمون كبيرهم وصغيرهم

بين الخلائق عالم محمود (2)

***

(1)"أحكام الصيام وفلسفته"(ص90-93) تأليف الدكتور مصطفى السباعي - المكتب الإسلامي.

(2)

"منكرات الأفراح"(ص 67) لمحمود مهدي استنابولي.

ص: 362

عيد بأي حال جئت يا عيد:

أقبلت يا عيد، والأحزانُ أحزانُ

وفي ضمير القوافي ثار وبركانُ

أقبلت يا عيد، والرمضاء تلفحني

وقد شَكَت من غبار الدرب أجفانُ

أقبلت يا عيد، هذي أرض حسرتنا

تموج موجًا وأرض الأنس قيعانُ

أقبلتَ يا عيد، والظلماء كاشفة

عن رأسها، وفؤاد البدر حيرانُ

أقبلت يا عيد، أجري اللحن في شفتي

رَطبًا، فيغبطني أهل وإخوانُ

أزف تهنئتي للناس أشعرهم

أني سعيد وأن القلبَ جَذلانُ

وأرسل البسمة الخضراء تذكرة

إلى نفوسهمو تزهو وتزدانُ

قالوا وقد وجّهوا نحوي حديثهمو

هذا الذي وجهه للبشر عنوان

هذا الذي تصدر الآهات عن دمه

شعرًا رصينًا له وزن وألحانُ

لا لن أعاتبهم، هم ينظرون إلى

وجهي، وفي خاطري للحزن كتمانُ

والله لو قرأوا في النفس ما كتتبت

يَدُ الجراح، وما صاغتْه أشجانُ

ولو رأوا كيف بات الحزن متكئًا

على ذراعي، وفي عينيه نُكرانُ

لأغمضوا أعينًا مبهورةً وبكوا

حالي، وقد نالني بؤس وحرمانُ

أقبلتَ يا عيد، والأحزان نائمة

على فراشي، وطرف الشوق سهرانُ

من أين نفرح يا عيد الجِرَاح وفي

قلوبنا من صنوف الهم ألوانُ؟

ومن أين نفرح والأحداث عاصفة

وللدُمى مقِل ترنو وآذانُ؟

من أين.. والمسجد الأقصى محطمة

آماله، وفؤاد القدس ولهانُ؟

من أين.. نفرح يا عيد الجراح وفي

دروبنا جُدُر قامت وكثبان؟

ص: 363

من أين

والأمة الغراء نائمة

على سرير الهوى، والليل نشوان؟

من أين.. والذل يبني ألف منتجع

في أرض عزّتنا، والربح خُسْرانُ؟

من أين نفرح والأحباب ما اقتربوا

منا، ولا أصبحوا فينا كما كانوا؟

يا من تسرب منهم في الفؤاد هوى

قامت له في زوايا النفس أركان

أصبحت في يوم عيدي والسؤال على

ثغري يئنّ وفي الأحشاء نيرانُ

أين الأحبة.. لا غيم ولا مطر

ولا رياض ولا ظل وأغصانُ؟

أين الأحبة.. لا نجوى معطرة

بالذكريات ولا شيح وريحانُ

أين الأحبة.. لا بدر يلوح لنا

ولا نجوم بها الظلماء تزدانُ؟

أين الأحبة.. لا بحر ولا جزر

تبدو، ولا سفن تجري وشطآنُ؟

أين الأحبة.. وارتد السؤال إلى

صدري سهامًا لها في الطعن إمعانُ (1) ؟

***

(1) قصيدة "عندما يحزن العيد" من ديوان "شموخ في زمن الإنكسار" لعبد الرحمن صالح العشماوي.

ص: 364