الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل الأفضل في الصيام الحركة أم السكون
؟
ذكرت المراجع، أن الحركة العضلية في فترة ما بعد امتصاص الغذاء - (أثناء الصوم) - تؤكسد مجموعة خاصة من الأحماض الأمينية (ليوسين وأيسولوسين والفالين) ، وتسمى الأحماض ذات السلسلة المتفرعة (BrCAAs) ، وبعد أن تحصل الخلايا العضلية على الطاقة المنبعثة من هذا التأكسد، يتكون داخل هذه ا-لخلايا حمضين أمينيين -في غاية الأهمية، وهما حمضا الألانين والجلوتامين، ويعتبر الأول وقودًا أساسيًا في تصنيع الجلوكوز الجديد في الكبد، ويدخل الثاني في تصنيع الأحماض النووية، ويتحول جزء منه إلى الحمض الأول، كما يتكون أثناء النشاط والحركة حمضًا البيروفيت واللاكتيت، من أكسدة الجلوكوز. في الخلايا العضلية واللذان يعتبران أيضاً الوقود الأولي لتصنيع جلوكوز الكبد.
تتأكسد الأحماض الأمينينة ذات السلسلة المتفرعة أساسًا في العضلات، حيث يوجد الأنزيم الخاص بتحويل مجموعة الأمين (Amino Transteraset) بكثرة في جهازي الاحتراق (الميتوكندريا) والسيتوزول (Cytosol) في الخلايا العضلية، وتزداد هذه الأكسدة بالحركة، لذلك فعملية تصنيع جلوكوز جديد في الكبد تزداد بازدياد الحركة العضلية، وربما تصل إلى ثلاثة أضعافها في حالة عدم الحركة، ويعتبر حمض الألانين أهم الأحماض الأمينية المتكونة في العضلات أثناء الصيام، إذ يبلغ 30% منها، وتزيد هذه النسبة بالحركة والنشاط، ويتكون من أكسدة بعض الأحماض الأمينية ومن البيروفيت، كما يتحول هو أيضاً إلى البيروفيت عبر دائرة تصنيع الجلوكوز في الكبد، وأكسدته في العضلات.
ويستهلك الجهاز العضلي الجلوكوز القادم من الكبد، للحصول منه على الطاقة، فإن زادت الحركة وأصبح الجلوكوز غير كاف لإمداد العضلات بالطاقة، حصلت على حاجتها من أكسدة الأحماض الدهنية الحرة القادمة من تحلل الدهن في الأنسجة الشحمية؛ فإن قلت الأحماض الدهنية حصلت العضلات على الطاقة من الأجسام الكيتونية الناتجة من أكسدة الدهون في الكبد؛ والذي يؤكد
أن النشاط والحركة تنشط جميع علميات الأكسدة لكل المركبات التي تمد الجسم بالطاقة؛ وتنشط عملية تحلل الدهون، كما تنشط أيضاً عملية تصنيع الجلوكوز بالكبد، من الجليسرول الناتج من تحلل الدهون في النسيج الشحمي ومن اللاكتيب الناتج من أكسدة الجلوكوز في العضلات.
لذلك فالحركة والنشاط أثناء الصيام الإسلامي عمل إيجابي وحيوي يزيد من كفاءة عمل الكبد والعضلات؛ ويخلص الجسم من الشحوم، ويحميه من أخطار زيادة الأجسام الكيتونية.
كما أن الحركة العضلية تثبط تصنيع البروتين في الكبد والعضلات، وتتناسب درجة التثبيط مع قوة الحركة ومدتها، وهذا بدوره يوفر طاقة هائلة تستخدم في تكوين البروتين، حيث تحتاج كل رابطة فن الأحماض الأمينية إلى مخزون الطاقة في خمسة جزئيات للأدينوزين والجوانين ثلاثي الفوسفات (ATP & GTP) وإذا كان كل جزيء من هذين المركبين يحتوي على كمية من الطاقة -تتراوح من 5-10 كيلو كا-لوري، وإذا علمنا أن أبسط أ-نواع البروتين لا يحتوي ا-لجزيء منه على أقل من 100 حمض أميني، فكم تكون إذًا الطاقة المتوفرة من تثبيط تكوين مجموعة البروتينات المختلفة بأنواعها المتعددة؟
وفي أثناء الحركة أيضاً يستخدم الجلوكوز والأحماض الدهنية والأحماض الأمينية في إنتاج الطاقة للخلايا العضلية، وهذا بدوره يؤدي إلى تنبيه مركز الأكل في الوساد تحت البصري (Hypothalamus) ، وذلك لوجود علاقة عكسية (Freed Back) بين هذه المواد في الدم ودرجة الشبع وتنبيه مركز الأكل في الدماغ.
لذلك فالحركة العضلية تنبه مركز الأكل وتفتح الشهية للطعام.
كما أن الحركة والنشاط العضلي الزائد، يحلل الجليكوجين إلى جلوكوز في عدم وجود الأكسجين، وينتج من جراء التمثيل الغذائي للسكر الناتج حمض اللا-كتيك، الذي -يمر إلى الدم ويتحول بدوره إ-لى جلو-كوز، وجليكوجين بواسطة الكبد، ففي العضلات لا يتحلل الجليكوجين إلى جلوكوز في حالة السكون كما في الكبد، وذلك لغياب أنزيم فوسفاتاز -6- الجلوكوز
(Glusose 6 Phosphatase) ، فالحركة إذن عامل هام لتنشيط استقلاب المخزون من الجليكوجين العضلي إلى جلوكوز، وتقديمه للأنسجة التي تعتمد عليه كالمخ، والجهاز العصبي، وخلايا الدم، ونقيُ العظام، ولب الكلى.
كما يمكن أن تكون للحركة العضلية علاقة بتجديد الخلايا المبطنة للأمعاء، فتحسن بذلك الهضم والامتصاص للمواد الغذائية، إذ تحتاج هذه الخلايا لحمض الجلوتامين لتصنيع الأحماض النووية (Nucleotide Synthesis) والذي تنتجه العضلات بكثرة أثناء الحركة.
ويتجدد شباب الخلايا المبطنة للأمعاء (Mucosal) كل يومين إلى 6 أيام، وتفقد يوميًا 17 بليون خلية (15) ، فهل يمكن أن تكون الحركة العضلية علاجًا لاضطرابات الهضم وسوء الامصاص؟
إن فلسفة الصيام مبنية على ترك الطعام والشراب، وتشجيع آليات الهدم (العمليات الكيمائية الحيوية) أساسًا في عملية التمثيل الغذائي، والنهار هو الوقت الذي تزداد فيه عمليات التمثيل الغذائي، وخصوصًا عمليات الهدم، لأنه وقت النشاط والحركة واستهلاك الطاقات في أعمال المعاش، وقد هيأ الله سبحانه وتعالى للجسم البشري ساعة بيولوجية تنظم هرمونات الغدد الصماء، وكثيرًا من آليات التمثيل الغذائي بما يتوافق ونشاط هذه الآليات أثناء النهار.
ولنضرب مثلاً بهرمون الكورتيزول والأدرينالين، فالأولى يكون في أقصى زيادة له عند التاسعة صباحًا تقريبًا -في الشخص الذي ينام ليلاً-، ويقل تدريجيًا حتى يصل إلى خمس معدل تركيزه عند منتصف الليل، وهذا الهرمون هو من هرمونات الهدم، إذ يعمل على تكسير اليروتينات إلى أحماض أمينية، والثاني هرمون الأدرينالين، إذ يصل إلى أقصى معدل له في نهاية فترتي الصباح والظهيرة (حوالي التاسعة صباحًا والثانية ظهرًا) . وهذا الهرمون يرفع معدل تركيز الجلوكوز والأحماض الدهنية، ويزيد من معدل هدمها، كما يساعد في تثبيط كون البروتين، وأكسدة الأحماض الأمينية في العضلات، ويحرك الألانين إلى الكبد، لتكوين جلوكوز جديد فيه وتقديم المزيد من الطاقة للجسم، كما ينبه الجهاز العصبي.
لذلك فقد يكون هذا أحد الأسرار التي جعل الله من أجلها الصيام في النهار، وقت النشاط والحركة والسعي في مناكب الأرض، ولم يجعله بالليل وقت السكون والراحة!
من أجل هذا يمكننا أن نقول وبكل ثقة إن النشاط والحركة أثناء الصيام يوفر للجسم من الجلوكوز المصنع أو المخزون في الكبد، وهو الوقود المثالي، لإمداد المخ، وكرات الدم الحمراء، ونقيُ العظام، والجهاز العصبي، بالطاقة اللازمة، لتجعلها أكثر كفاءة لأداء وظائفها، كما توفر الحركة طاقة للجسم البشري، تستخدم في عملياته الحيوية، فهي تثبط تكون البروتين من الأحماض الأمينية، وتزيد من تنشيط آليات الهدم أثناء النهار، فتستهلك الطاقات المختزنة، وتنظف المخازن من السموم التي يمكن أن تكون متماسكة أو ذائبة في المركبات الدهنية، أو الأمينية، وإن الكسل والخمول والنوم أثناء نهار الصيام ليعطل كل هذه الفوائد، بل قد يصيب صاحبه بكثير من العلل ويجعله أكثر خمولاً وتبلدًا.
كما أن النوم أثناء النهار والسهر طوال ليل رمضان، يؤدي إلى اضطراب عمل الساعة البيولوجية في الجسم، مما يكون له أثر شيء على الاستقلاب الغذائي داخل الخلايا.
ولقد أجريت دراسة أثبتت هذا الاضطراب على هرمون الكورتيزول، قام بها الدكتور محمد الحضرامي في كلية الطب جامعة الملك عبد العزيز، وقد أجرى الدراسة على 10 أشخاص أصحاء مقيمين خارج المستشفى، وأظهرت الدراسة أن أربعة منهم حصل عندهم اضطراب في دورة الكورتيزول اليومية، وذلك خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر رمضان، مع انقلاب النسب المعهودة في الصباح وفي منتصف الليل، فقد لوحظ أن المستوى الصباحي قد انخفض، والمستوى المسائي قد ارتفع، وهذا على عكس الوضع الاعتيادي اليومي، وقد عزا الباحث هذا الاضطراب إلى تغير العادات السلوكية عند هؤلاء الصائمين، الذين يقضون النهار في النوم، والليل في السهر، وقد عاد الوضع الطبيعي للكورتيزول بعد 4 أسابيع من نهاية شهر الصيام، وبعد أن استقر نظام النوم ليلاً والنشاط نهارًا، عند هؤلاء الأشخاص.