الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلنا: لا نسلم؛ لأن الاحتمال لا يمنع من ظهور العموم، فالعمل بالظن واجب على المكلف.
قوله: (يجوز أن يأمر الله - تعالى - المكلفين مع أنه يجوز أن يموت بعضهم قبل الوقت، وهذا تخصيص لم يتقدم بيانه):
قلنا: لا نسلم أنه لم يتقدم بيانه؛ لأن العقل والسمع دل على أن جميع التكليف يرد مشروطًا بالقدرة، وانتفاء الموانع العادية، والشرعية من الحيض، والجنون، والإغماء، والنوم، والعجز، بالهرم، ونحو ذلك، فعند الخصم: ذلك مستثنى بالعقل.
وعندنا وعنده أيضًا بالنصوص الواردة في تلك الوقائع؛ على التفصيل المعلوم عند حملة الشريعة، ومنها ما هو معلوم بالضرورة؛ كالموت ونحوه، فيصير معنى صيغ التكاليف: أن من كان موصوفًا بهذه الصفات من القدرة وغيرها، فهو المراد، وهذا لم يدخل فيه تخصيص ألبتة، ومن ليس موصوفًا بتلك الصفات، فهو معلوم الخروج من صيغ التكاليف، خصوصًا الموتى، فإنهم معلومو الخروج بالضرورة.
(سؤال)
قال ابن التلمساني في (شرح المعالم): المعتزلة تمنع التكليف في حق من علم الله - تعالى - أن شرط الفعل في حقه مفقود، وقد تقدم ذلك في الأوامر
.
قلت: كلامه لا يتجه؛ لأن التكليف إذا لم يتناوله - بناء على قاعدتهم، مع أن اللفظ تناوله - كان ذلك تخصيصًا ناجزًا.
قوله: (لا معنى لتوجيه الخطاب نحونا، إلا قصد إفهامنا):
قلنا: لا نسلم؛ بل قد يوجه الخطاب نحو المخاطب، ويقصد الإلباس
عليه؛ لأن المصلحة تقتضي ذلك، أو لا يكون المتكلم حكيمًا، فلا يراعي المصلحة، وعلى كل تقدير فيصدق عليه أنه مخاطب له.
قوله: (إذا لم يقصد إفهامنا في الحال، فقد أغرانا بالجهل):
قلنا: حديث الجهل ونحوه لا يصح عندنا منه شيء؛ لأنا لا نقول بالقبح العقلي، وكذلك العبث ونحوه.
قوله: (جاز أن يستعمل الأمر في غير موضوعه، وذلك مساو لخطاب الزنجي بالعربية):
قلنا: لا نسلم المساواة؛ لأن السامع، وإن جوز صرف الأمر عن ظاهره، لكنه يعلم من لغة العرب أن المجاز لابد فيه من علاقة، فالعلاقة مرشدة لما يصلح أن يكون مجازًا، فيقع التردد بين الحقيقة وبين ما يصلح أن يكون مجازًا وهو محصور؛ بخلاف الزنجي لا ينضبط له ذلك بشيء.
قوله: (هذه الدلالة تتناول استعمال المطلق في المقيد، ثم قال: والنكرة في المعين):
قلنا: ما الفرق بين المطلق والنكرة، وهل هما إلا سواء، وقد تقدم البحث في هذا في أول العموم في الفرق بين المطلق والعام، مما انفرد به صاحب (الحاصل).
نعم المطلق أعم من المعين، فإن كل معين فلابد له من مخصصات هي قيوده، والمقيد قد يكون نوعًا؛ كما يقيد الحيوان بالناطق، وقد يكون شخصيًا؛ كما تقدم.
قوله: (لو جاز إطلاق العموم، ويريد الخصوص، ولا يبين، لم يبق لنا طريق إلى معرفة وقت الفعل؛ لأنه إذا قال: افعلوا غدًا أو الآن، جاز أن يريد غير غد، وغير الآن، ونحن لان نعلمه):
قلنا: هذا الاحتمال لا يمنع الظهور والظن، والعمل بالظن واجب.
قوله: (لا يجوز اعتقاد العموم إلا بعد الفحص عن المخصص).
قلنا: قد تقدم الخلاف في هذه المسألة في التخصيص بين الصيرفي، وابن سريج، ورجحتم هنالك مذهب الصيرفي، وهاهنا رجحتم مذهب ابن سريج، غير أن تلك المسألة فهرست هنالك بجواز التمسك بالعام، قبل طلب التخصيص، وهاهنا بالاعتقاد، وقد بينا في تلك المسألة: أن فهرستنا خلاف الإجماع، وأن المقصود إنما هو الاعتقاد.
قوله: (إذا جوزتم أن يكون تجويزه لقيام المخصص في الحال مانعًا من اعتقاد الاستغراق في الحال، فلم لا يجوز أن يكون تجويز الحدوث في ثاني الحال مانعًا من اعتقاد الاستغراق؟):
قلنا: الفرق أن المتكلم هنالك أبدى المخصص، وإنما لم يصل لهذا لقصوره غالبًا؛ فلا قبح من جهة المتكلم، وهاهنا لم يبين المتكلم شيئًا، فكان القبح من جهته لا من تقصير السامع، والبحث في هذه المسألة، إنما هو فيما يتعلق بالقبح من جهة المتكلم فقط.
قوله: (يجوز تأخير البيان بالزمان القصير، وأن يعطف كلامًا على كلام قبل البيان):
قلنا: المدار في هذه المسألة على القبح العادي؛ لأنه عند المعتزلة عقلي، فإنهم سووا في حق الله- تعالى- بين العاديات والعقليات، فكل ما يقبح عادة جعلوه يقبح عقلًا، وهذه الصورة ليس فيها قبح عادي؛ بخلاف ما نحن فيه.
قوله: (العموم لا يفيد إلا الاعتقاد الراجح؛ لتوقفه على أمور عشرة).
قلنا: هذا بالنظر إلى الوضع، وأما بالنظر إلى القرائن الحالية والمقالية،
فقد يحصل القطع بظاهر العموم، ويتعذر التخصيص لغة وعادة، وقد تقدم تقريره في فصل التأويل عند ذكر المجمل، والمؤول؛ لإمام الحرمين.
قوله: (تردد العام بين الخصوص إن وجد معه المخصص، والعموم، إن عدم المخصص- كتردد المشترك):
قلنا: أبو الحسين يفرق؛ فيقول: التردد في المشترك لا يوجب جهلًا مركبًا، وهاهنا يوجبه، وقولكم:(الشك في الشرط الذي هو ورود المخصص يوجب الشك في المشروط الذي هو العموم):
قلنا: عنه جوابان.
أحدهما: أن التخصيص من قبيل الموانع، لا أن عدمه شرط، وقد تقدم أن لاشك في المانع يوجب غلبة الظن بترتيب الحكم؛ لأن الأصل في كل شيء العدم، ولذلك رتبنا الأحكام الشرعية على أسبابها في هذه المواطن، فإذا شك هل طلق أم لا؟ فلا شيء عليه، أو هل ارتد أم لا؟ ورثناه، أو قتل أم لا؟ عصمنا دمه وعلى هذه الطريقة.
فعلمنا أن الشك في المانع لا يمنع من ترتيب أحكام السبب، ويظهر بهذا أيضًا أن عدم المانع ليس شرطًا.
وكثير من الفقهاء يغلظ فيه؛ فيقول: عدم المانع شرط؛ لأن الشك في الشرط يوجب ترتب الحكم على سببه؛ كالشك في الطهارة والنية، وغير ذلك، فلو كان عدم المانع شرطًا، لوجب الترتب لكونه عدم مانع، وعدم الترتب لكونه شرطًا، إذا حصل الشك، فيلزم اجتماع النقيضين.
وثانيهما: سلمنا أنه شرط، لكن لا نسلم أن الشك حاصل، بل تجويزه على التأويل، وذلك احتمال خفي لا يمنع الظن والاعتقاد؛ بخلاف اللفظ المشترك لا يحصل فيه ظن البتة، فلا يكون الجهل المركب حاصلًا، فلا مفسدة في تأخير البيان عن وقت الخطاب.