الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك إيتاء موسى الكتاب، وشهادة الله - تعالى - أعظم مما تقدمها، وهذا خير من القول الأول، وهما في الكتاب بمعنى (الواو)، ومهما أمكن الحمل عليه لا يعدل عنه؛ فإنه أنفس في المعنى، وقد تقدم بسطه قبل هذا.
قوله: عليكم الترجيح):
قلنا: القاعدة اللغوية: أن المضاف في كلام العرب يقع الاهتمام به أكثر، فإنك إذا قلت: غلام زيد منطلق، فإنك تخبر عن الغلام، وكذلك النعت والبدل ونحوه.
وعود الضمائر إنما يقصد بها غالبًا المضاف دون المضاف إليه؛ ولذلك منع جمهور النحاة أن يكون الحال من المضاف إليه، وأجمعوا عليها من المضاف.
إذا تقرر هذا، فقوله تعالى:{ثم إن علينا بيانه} [القيامة: 19] فقوله: (بيانه) هو اسم (إن) و (الهاء) مضاف إليها، فهي في القوة ليست مثل المضاف الذي هو البيان؛ لما تقدم، فصرف التخصيص عن القوى إلى غيره أولى من صرفه إليه، فهذا ترجيح نحوي من قواعد العربية.
(سؤال)
قال سيف الدين: البيان يراد به الإظهار لغة
.
تقول: تبيَّن الحق، وتبيَّن الكوكب، فيكون معنى الآية: إن علينا بيانه للخلق، وإظهاره فيهم، وإشهاره في الآفاق؛ فلا يكون فيها حجة على صورة النزاع.
(سؤال)
قلت: قوله: (إن الضمير عائد على كل القرآن) - يرد عليه أنه تقدم في
وضع الحقيقة الشرعية: أن لفظ القرآن متواطئ بين الكل والبعض، فلا يكون ظاهرًا في الكل، ويؤكده قوله تعالى:{لا تحرك به لسانك لتعجل} [القيامة: 16] والنهي إنما يتناول المستقبل، والمستقبل بعد هذا النهي، إنما هو بعض القرآن، وغيره من الضمائر ملحق به، لأن الأصل أن الضمائر تنسيق للتساوي.
قوله: (الآية تدل على وجوب تأخير البيان):
تقريره: ليس المراد - هاهنا - الوجوب الشرعي الذي هو خطاب الله - تعالى - بل المراد الوجوب العقلي الناشيء عن الخبر، فإن الله - تعالى - أخبر عن تأخير البيان؛ لكونه ورد بلفظ (ثم) الدالة على التراخي.
وإذا قال القائل: جاء زيد فعمرو، فقد أخبر بالتعقيب، أو (ثم عمرو) فقد أخبر بالتراخي، أو (وعمرو) فقد أخبر بمطلق التشريك فقط، فيكون الله - تعالى - مخبرًا عن تأخير البيان، فيكون واجبًا عقلاً؛ لن خبر الله - تعالى - واجب المطابقة عقلاً، وباتفاق الأمم؛ غير أن الآية ظاهرة في هذا الوجوب، ليست قطعًا فيه؛ لأن خبر الله - تعالى - وإن كان واجب الصدق - غير أن اللفظ قابل للتخصيص، والتخصيص لا يحل بوجوب الصدق؛ لأن أيا فيما قصده المتكلم بالخبر والمخصوص لم يقصد فيه الإخبار عن ظاهره، فلا تنافي بين قبول التخصيص، ووجوب الصدق.
قوله: (والجواز لم تدل عليه الآية):
قلنا: لا نسلم؛ لأن الجواز له معنيان: الإمكان الخاص، والإمكان العام، والجواز بالمعنى العام لا ينافي الوجوب العقلي، بل هو شامل للوجوب والاستحالة، والجواز بخلاف الإمكان الخاص، وقد تقدم بسطه في الحسن والقبح، حيث فات في علم الله - تعالى - أن وجوبه لا ينافي صحته.
قوله: المراد بالآيات التأخير في الحكم الظاهر يريد بالحكم ما تقدم.
تقريره: لغيره من التأخير في الرتبة، أي رتبة حكم هذا متراخية عن رتبة هذا.
قوله: (اللفظ مطلق، وتقييده خلاف الظاهر):
قلنا: المطلق لا يتناول محل النزاع، إنما يتناول القدر المشترك، وأنتم حاولتم الدلالة على تأخير بيان خاص، والمطلق لا يتناوله.
ولقائل أن يقول: إذا تأخر المطلق، تأخر كل أفراده؛ لأنه في معنى النفي، ويلزم من نفي المشترك نفي جميع جزئياته، فتأخر الإجمالي والتفصيلي، فهذا التقرير يتجه.
أما تقرير صاحب الكتاب، فغير متجه؛ لأن السائل ما قيد مطلقًا، وإنما منع اندراج محل النزاع في الدليل، بل الأحسن أن يقول: هو عام؛ فإنه اسم جنس أضيف؛ فيعم كقوله عليه السلام: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته) والأصل عدم التخصيص، أما الإطلاق، فليس واقعًا بل العموم.
(سؤال على العموم)
لأنا وإن قلنا: بل بيانه صيغة إضافة للعموم، فإنه لا يحصل المقصود؛ لأن البيان مضاف للضمير، إلا ما صدق عليه: أنه من جملة بيانه، وكونه من جملة بيان الإجمال هو موضع النزاع، فاندراجه في العموم هو فرع صدق كونه من جملة بيانه، وهذا كقوله تعال:{ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها} [الإسراء: 19] لا يندرج فيه إلا السعي اللائق بها.
وكذلك (الطهور ماؤه)، إنما يندرج منه ما ثبت بدليل خارجي؛ أنه ماء البحر؛ فحينئذ يحتاج كل فرد من أفراد البيان لدليل خارجي؛ أنه بيان للقرآن، ويحسن إضافته له، فلا يحصل المقصود بسبب أن الخصم لا يعتقد أن
البيان الإجمالي بوصف التأخير في نفس الأمر من جملة بيانه ألبتة، بل هو مستحيل عقلاً عنده.
قوله: (نحن نقول بوجوب تأخير البيان):
تقريره: أن اسم الفاعل يصدق على بعضه كما تقدم، وبعض بيان القرآن تأخر بالضرورة، كما تأخر بيان مقادير الزكوات وغيرها، وإذا ثبت ذلك في البعض كان الخبر صادقًا، فأمكن القول بوجوب التأخير عقلاً؛ تصديقًا للخبر.
قوله: (الآية تقتضي تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ لأنهم كانوا محتاجين لذبح البقرة؛ لبيان أمر القتيل، ورفع الفتنة من بينهم، وأنتم لا تقولون به):
قلنا: لا نسلم أنَّا لا نقول به، بل هذا هو الصحيح من مذهبنا؛ بناء على جواز تكليف ما لا يطاق، وهو الصحيح المشهور عندنا.
فإن قلت: هاهنا سؤال آخر، وهو أن المصنف، إنما أجاب، بناء على أن الأمر ليس على الفور، وهذا الجواب ضعيف لوجهين:
أحدهما: أنه لا يعم مذاهب القائلين بالفور وغيره.
وثانيهما: أن الأمر - وإن كان للتراخي - فذلك ما لم تحتف قرينة تقتضي الفور، وهاهنا قرينة، وهي الحاجة لرفع النزاع بسبب القتيل، وسد باب القتل والفساد والعناد؛ فهو للفور هاهنا.
قلت: الجواب عنه: أن المقصود حاصل على كل تقدير؛ لأن الآية، إذا دلت على جواز التأخير عن وقت الحاجة، دلت على التأخير عن وقت الخطاب، لوجهين:
أحدهما: أن كل من قال بتأخير البيان عن وقت الحاجة، قال بتأخير البيان عن وقت الخطاب، فلا قائل بالفرق.
وثانيهما: أنه إذا ثبت تأخيره عن وقت الحاجة، جاز تأخيره عن وقت الخطاب بطريق الأولى؛ لأن المفسدة في التأخير عن وقت الحاجة أعظم.
قوله: (الكنايات كنايات القصة والشأن):
قلنا: هذه عبارة عادة النحاة يتوسعون فيها على هذه الطريقة، فيجمعون أبدًا بين لفظي القصة والشأن في كل ضمير يجدونه من هذا الباب، وطريق المناقشة عليهم: أن القصة مؤنثة، فضميرها لا يكون إلا مؤنثًا، والشأن مذكر، فضميره لا يكون إلا مذكرًا، فيحمل كل ضمير على ما يليق به، فهذا الضمير مؤنث، فيتعين أن يقال فيه: ضمير القصة ولا يذكر الشأن، وكذلك قوله تعالى:{فإنها لا تعمى الأبصار} [الحج: 46].
وقوله تعالى: {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] ضمير الشأن فقط، وكذلك قوله تعالى:{إنه من يأت ربه مجرمًا} [طه: 74] لأجل التذكير.
وأيضًا، فإن ضمير الشأن، أو القصة أجمع النحاة على أنه لا بد في بيانه من جملة بعده لأنه لا يبين بالمفرد؛ بسبب أن الشأن والقصة في أنفسهما كلام تام، وتفسير الكلام التام بالمفرد مستحيل، إلا أن يكون اللفظ المفرد موضوعًا بإزائه، فيجمل؛ كلفظ الخبر والحديث ونحو ذلك، فإن مدلول هذه الكلمات كلام تام مفيد، فيصلح أن يفسر الشأن والقصة لحصول المطابقة في المعنى؛ بخلاف قولنا:(إنها بقرة صفراء) هذا القول بعد الضمير صفة وموصوف لا يستقل كلامًا، فيتعين أن يكون الضمير ضمير الشأن.
قوله: (أمروا بذبح بقرة مطلقة، وذلك يقتضي سقوط التكليف بأي بقرة كانت):
قلنا: هذا غير متجه؛ لأن مدعاكم أن المطلوب غير معين، فينبغي أن تأتوا