الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
فائدة
"
"إذا": قد تعرى عن الشرط؛ كقوله تعالى: (والليل إذا يغشى) الليل: 1.
إى: أقسم بالليل زمان غشياته أو فى حالة غشيانه؛ فلا شرط فيها، بل ظرف محض.
وكذلك قوله تعالى: (والضحى والليل إذا سجى) الضحى: 1 ـ 2.
وهو كثير، مع أن الأكثر أنها متضمنة الشرط، وأصلها الظرفية، وإنما الشرط وارد عليها، وأصل الشروط كلها إنما هى "إن" وغيرها متضمن لمعناها.
المسألة الثالثة
فى أن المشروط، متى يحصل؟
قال الرازى: وذلك يستدعى مقدمة، وهى أن الشرط على أقسام ثلاثة:
أحدها: الذى يستحيل أن يدخل فى الوجود إلا دفعة واحدة بتمامه، سواء كان ذلك؛ لأنه فى نفسه واحد لا تركيب فيه، أو إن كان مركباً، لكن يستحيل أن يدخل شيء من أجزائه فى الوجود إلا مع الآخر.
وثانيها: ما يستحيل أن يدخل بجميع أجزائه فى الوجود؛ كالكلام، والحركة، فإن المتكلم بلفظة، يكون حينما وجد الحرف الأول منها، لا يكون الثانى حاصلاً، وحين حصل الثانى، صار الأول فانياً.
وثالثها: ما يصح أن يدخل فى الوجود، تارة بمجموعه، وتارة بتعاقب أجزائه. ثم نقول: على هذه التقديرات الثلاثة: فالشرط إما عدمها، وإما وجودها:
فإن كان الشرط عدمها: حصل الحكم فى الأقسام الثلاثة فى أول زمان عدمها. وإن كان الشرط وجودها: فنقول: أما فى القسم الأول: فالحكم يحصل مقارناً لأول زمان وجود الشرط.
وأما فى القسم الثانى: فإنه يحصل عند حصول آخر جزء من أجزاء الشرط فى الوجود؛ لأنه ليس لذلك المجموع وجود فى التحقيق، بل أهل العرف يحكمون عليه بالوجود؛ وإنما يحكمون عليه بذلك عند دخول آخر جزء من
أجزائه فى الوجود؛ والحكم كان معلقاً على وجوده؛ فوجب أن يحصل الحكم فى ذلك الوقت.
وأما فى القسم الثالث فنقول: وجوده إنما يتحقق عند دخول جميع أجزائه فى الوجود دفعة واحدة؛ لكنا فى القسم الثانى عدلنا عن هذه الحقيقة؛ للضرورة، وهى مفقودة فى هذا القسم؛ فوجب اعتبار الحقيقة حتى إنه، إن حصل مجموع أجزائها دفعة واحدة، ترتب الجزاء عليه، وإلا فلا.
هذا مقتضى البحث الأصولى، اللهم إلا إذا قام دليل شرعى على العدول عنه.
المسألة الثالثة
فى أن المشروط، متى يحصل؟
قال القرافى: قوله: "من الشرط ما لا يدخل إلا دفعة، كان بسيطاً أو مركباً، لكن لا تدخل بعض أجزائه، إلا مع البعض الآخر".:
مثال الأول: النية؛ فإنه عرض فرد من أفراد المقصود، والعرض الفرد لا يوجد إلا فى زمان فرد.
وحيث قال الفقهاء: من شرط النية أن تنبسط على تكبيرة الإحرام.
معناها: أنه يجب أن يوالى إفراد النية، وأمثالها إلى حين الفراغ من التكبيرة؛ لأن العرض الفرد يتمادى حتى يفرغ {من} التكبير، فإن ذلك محال؛ لأن التكبير عدة أصوات وحروف، يحتاج عدداً من الأزمنة، والعرض الفرد يستحيل وقوعه بعينه فى عدة أزمنة.
ومثال الثانى: المتضايقان، إذا جعلتا شرطاً؛ كمجموع الأبوة والبنوة، فإن هذين المعنيين لا يمكن أن يتقدم أحدهما الآخر، بل هما معاً فى الوجود، والمتناقضان اللتان بين النقيضين، فإن هذا نقيض وذاك أيضاً حصل مثل
هذه المناقضة، فهو نقيض هذا، وكذلك المتضادات والمتماثلات، وجميع المتضايفات التى لا يمكن أن تقع إلا معاً فى زمن واحد، فإذا جعل مجموعها شرطاً لشيء اتجه فيها ذلك.
ومثال الثالث: المصادر السيالة، كالكلام المؤلف من الحروف، والمجموع المركب من الأصوات، ومن هذا الباب إفراد الزمان وأيامه؛ ليستحيل حصولها معاً، ويستحيل أن يحصل يوم مع يوم آخر، أو ساعة مع ساعة، وكذلك أفراد الألوان كأفراد الاجتماع والافتراق، وأفراد الحركة والسكون لا يمكن أن يوجد من هذه فردان معاً، بل جميع هذه الأمور مترتبة بذاتها، فمتى علق على مجموع منها، استحال وجوده معاً.
ومثال الرابع: القائل الأمرين؛ كقول القائل: إن وضعت فى يدى عشرة دنانير، فأنت حر، فله وضعها جملة، وله وضعها مفرقة ديناراً بعد دينار.
قوله: "إن كان الشرط عدمها، حصل المشروط فى أول أزمنة عدمها":
تقريره: إذا قال القائل: إن لم ينو، أو لم يقرأ البقرة، أو إن لم يعط عشرة دنانير، فمضى زمن فرد، ولم يحصل شيء من ذلك، صدق الشرط، هذا إن فهم من التعليق مطلق العدم، كيف كانت، وإلا فقد يصدق.
وهو كثير فى الأيمان؛ لعدم الشامل للعمر؛ كقول القائل: إن لم أعتكف عشرة أيام، فعلى صدقة دينار، فإن ذلك لا يتعين له الزمن الحاضر، ولا يلزمه الصدقة بمجرد مضى زمن فرد لم يعتكف فيه، أو مضى زمن يسع الاعتكاف المذكور، وفتاوى الفقهاء على مثل هذا، وبالجملة: ذلك يتبع النيات والمقاصد، وما دلت عليه العوائد.
قوله: "وإن كان الشرط وجودها، ففى القسم الأول يحصل الوجود مقارناً لأول أزمنة حصول الشرط":
قلنا: هذه المسألة مختلف فيها، هل المشروط يحصل مع الشرط أو بعده؟
وجه الأول: أن غاية الشرط أن يكون كالعلة العقلية، والعلة العقلية تحصل معها معاً فى الزمان، وإن كانت متقدمة عليه بالذات، ففى الزمان الذى قام بك العلم فيه بعينه، حصلت لك العالمية، وإن كان العلم قبل العالمية بالذات لا بالزمان.
ووجه الثانى: أنه لو حصل معه، لم يكن أحدهما مترتباً على الآخر فأولى من العلتين، فيجب أن يوجد الشرط فى زمان يترتب عليه المشروط فى الزمان الثانى، وعليه يتخرج: إن بعتك، فأنت حر، وإن قلنا بعده: فلا يعتق عليه؛ لأن بعد البيع يصير فى ملك المشترى.
قوله: "وفى الثانى يحصل عند آخر أزمنة أجزائه":
تقريره: إذا قال: إن قرأت البقرة، فأنت حر، فإن أهل العرف لا يعدونه قارئاً للبقرة، إلا إذا فرغ منها، وإن مجموعها يستحيل أن يوجد معاً؛ لكونها أصواتاً سيالة، بل الموجود منها دائماً إنما هو حرف واحد ليس إلا فقد اعتبرنا الوجود العرفى.
قوله: "وفى الثالث يحصل عند حصول جميع أجزائه فى الوجود دفعة":
تقريره: أنه إذا فهم من التعليق وجود المجموع بالهيئة الصورية، كان كما قال، وقد يفهم الوجود، كيف كان، مجتمعاً أو مفترقاً، فإذا قال: إذا أعطيتنى عشرة دنانير، فأنت حر، لا يفرق أهل العرف بين إعطائها جملة أو مفرقة، لا سيما إذا لم تفترق الأزمنة يسيرة، ولا تفوت مصلحة على أحد، فعلى هذا يحصل عند أجزائها، ولا يشترط اجتماعها دفعة، وهذا كله يتبع الألفاظ اللغوية كيف صدرت، والعوائد كيف قضت وخصصت.