الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن قال: "إن جاء، فأعطه ديناراً ودرهماً" استحقهما بالمجئ، وإن اختل لم يستحق شيئاً.
وإن قال: "إن جاء، أو سلم عليك، فأعطه ديناراً" ففعل أحدهما، استحق، وهذه الأقسام فى "المعتمد" لأبى الجسن*.
فرع
فلو قال: "فأنت طالق، أو أنت حرة" ففيه الخلاف الذى بين العلماء، وظاهر مذهب مالك: يطلقان معاً، كما إذا قال: إحداكما طالق، وقد تقدم تقريره فى "الواجب المخير" وكذلك: "أنت حر أو أنت
…
" يجرى الخلاف فيه الخلاف.
المسألة السادسة
قال الرازى: اختلفوا فى أن الشرط الداخل على الجمل، هل يرجع حكمه إليهما بالكلية؟ فاتفق الإمامان الشافعى، وأبو حنيفة ـ رحمة اله عليهما ـ على رجوعه إلى الكل، وذهب بعض الأدباء إلى أنه يختص بالجملة التى تليه، حتى إنه، إن كان متأخراً، اختص بالجملة الأخيرة، وإن كان متقدماً، اختص بالجملة الأولى.
والمختار: التوقف؛ كما فى مسألة الاستثناء.
المسألة السادسة
الشرط الداخل على الجمل
قال القرافى: قوله: "اتفق الإمامان أبو حنيفة والشافعى؛ على أنه يعم الجمل، وسوى بعض الأدباء بينه وبين الأستثناء":
قلت: والفرق قد تقدم أن الشروط اللغوية أسباب متضمنة للحكم والمقاصد؛ لأن ذلك شأن الأسباب؛ فيتعين عموم تعلقه بجميع الجمل؛ تكثيراً لتلك المصلحة؛ بخلاف الاستثناء إنما هو إخراج لما هو غير مراد، ولعله، لو بقى لم يخل بحكمه المذكور المراد، فأمر الاستثناء ضعيف، وهو يعكر على اللفظ بالتخصيص، فيختص بالأخير؛ تقليلاً لمفسدة التخصيص.
المسألة السابعة
قال الرازى: اتفقوا على وجوب اتصال الشرط بالكلام؛ ودليله ما مر فى الاستثناء، واتفقوا على أنه يحسن التقييد بشرط أن يكون الخارج أكثر من الباقى، وإن اختلفوا فيه فى الاستثناء.
قال القرافى: قوله: "اتفقوا على وجوب اتصال الشرط بالكلام":
تقريره: أنه سب متضمن للحكمة؛ كما تقدم، فيكون متعلق الاهتمام به والعناية، فلا يتأخر النطق {به} فى الزمان، فيعجل بالتنبيه عليه؛ لنفاسته، بخلاف الاستثناء؛ لضعفه: يجوز تأخير التنبيه عليه، هذا إن فسرنا الاستثناء بالإخراج بـ "إلا" ونحوها، وإن فسرنا بال؛ كما هو المروى عن ابن عباس رضى الله عنهما ـ فالفرق ـ وإن كان كل واحد منهما تعليقاً وسبباً متضمناً للحكمة؛ كما تقدم ـ أن الاستثناء بمشيئة الله ـ تعالى ـ رافع لما تقدم، ومعارض له، ومضاد، وهذه الأمور على خلاف الأصل، والشرط اللاحق للجمل لم تتعين معارضته لها، ولا لأسبابها، بل غايته أنه قد لا يوجد فى بعضها، أو بعض أفرادها، فينتفى الحكم من ذلك الفرد لعدم الشرط، مع اقتضاء اللفظ ثبوته فيه، فيحصل التعارض، غير أن ذلك لم يتعين عند التعليق، بل جاز حصول الشرط فى جميعها، فلا ينتفى الحكم فى شيء منها، ويكون الشرط زائداً فى المصالح، لا معارضاً لشيء منها؛ بخلاف المشيئة المعارضة، والمنافاة حاصلة قطعاً عند التعليق، وما يتعين فيه ذلك، فضعف عن رتبة الشرط العام، فلم تتوفر العناية على تعجيل النطق به عند ذكر الحكم، على رأى من يرى ذلك.
قوله: "واتفقوا على حسن التقييد به، إن كان الخارج أكثر من الباقى":
تقريره: أن الاستثناء، إذا خرج به أكثر مما نطق به؛ نحو:"له عندى عشرة إلا تسعة" عند أهل العرف: المتكلم مقدم على النطق بما لا يحتاجه لغير ضرورة، وأنه أقر ثم أنكر، وأنه ناقض لفظه، واستعمل ما لا فائدة فيه، وهو النطق بذكر التسعة، وهو أيضاً يعلم ذلك؛ وأنه مقدم عليه فيعاب ذلك عليه، على رأى القاضى وغيره، وأما الشرط فلم يتعين فيه شيء من ذلك، فإذا قال:"أكرم قريشاً" فهذا يقتضى إكرام جميعهم، فإذا قال:"إن أطاعوا الله" يحتمل أنهم كلهم يطيعون الله، فلا ينخرم من الكلام الأول شئ، ويحتمل ألا يطيع أحد منهم، فلا يبقى من الكلام الأول شئ، ويحتمل البعض والبعض، لكن عند النطق لم يتعين الإبطال فى فرد منهم؛ فلم يكن ذلك قبيحاً، ولا عده أهل العرف مستعملاً الهذر من الكلام، ولا قاصداً لما لا يفيده، ولا ناطقاً بما لا يحتاجه لعدم تعين الإبطال؛ فلذلك حسن الشرط، وإن بطل أكثر الكلام، بل كله بخلاف الاستثناء.
المسألة الثامنة
قال الرازى: لا نزاع فى جواز تقديم الشرط وتأخيره، إنما النزاع فى الأولى، ويشبه أن يكون الأولى هو التقديم؛ خلافاً للفراء.
لنا: أن الشرط متقدم فى الرتبة على الجزاء؛ لأنه شرط تأثير المؤثر فيه، وما يستحق التقديم طبعاً، يستحق التقديم وضعاً، والله أعلم.
المسألة الثامنة
يجوز تقديم الشرط وتأخيره فى اللفظ
قال القرافى: اختار الإمام التقديم، وعلل بأنه شرط تأثر المؤثر فى الجزاء، على قاعدته فى تفسير الشرط بما يتوقف عليه تأثير المؤثر.
وتقريره: أن الشيء متأخر عن المؤثر بالذات، وعن جزء مؤثره، وشرط مؤثره، فإذا كان هذا طبيعته فى ذاته، وجب أن يكون ذلك وضعه فى صيغته، والفراء يرى أن الشرط لا يستقل بنفسه، فأشبه الفضلات فى الكلام؛ كالاستثناء، والغاية، والصفة، وقد وافقوه فى هذه المواطن، غير أن الفرق بينهما: أن الشرط سبب متضمن للحكمة، والمصالح بخلافها؛ ولأن النحاة اتفقوا ـ فيما علمت ـ على أن الشرط له صدر الكلام، وإن تأخر فى الرتبة، وأن جوابه لا يتقدم عليه.
وأنا إذا قلنا: "أنت حر، إن دخلت الدار" فقولنا: "أنت حر" سد مسد الجواب عندهم، وليس بجواب حقيقى، بل وضع الجواب أن يكون متأخراً، بل بالغوا فى ذلك، فقالوا فى المفعول، إذا تقدم: مفعول مقدم، ولم يقولوا فى جواب الشرط: جواب مقدم، وإن كان كلاهما على خلاف
الأصل، قالوا: سد مسد الجواب، ولم يقولوا: جواب مقدم، فقد سامحوا فى المفعول مالم يسامحوا فى جواب الشرط، وذلك يدل على أن الشرط يقتضى هذه الرتبة اقتضاء قويا، أشد من اقتضاء تأخير المفعول عن الفاعل، وعن الفعل، وهذا كله يؤكد بحث الإمام.
الباب الثالث
فى تخصيص العام بالغاية والصفة، وفيه فصلان:
الفصل الأول: فى تقييد العام بالغاية، وفيه أبحاث:
قال الرازى: البحث الأول: أن غاية الشئ: نهايته، وطرفه، ومقطعه.
الثانى: ألفاظها وهى: "حتى" و "إلى" كقوله تعالى: (ولا تقربوهن حتى يطهرن) البقرة: 222. وقوله: (وأيديكم إلى المرافق) المائدة: 6.
الثالث: التقييد بالغاية يقتضى أن يكون الحكم فيما وراء الغاية؛ بخلاف الحكم فيما قبلها؛ لن الحكم، لو بقى فيما وراء الغاية، لم يكن العام منقطعاً؛ فلم تكن الغاية.
والأولى، أن يقال: الغاية: إما أن تكون منفصلة عن ذى الغاية بمفصل معلوم؛ كما فى قوله تعالى: (ثم أتموا الصيام إلى الليل) البقرة: 178. أو لا تكون كذلك؛ كقوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) فإن المرفق غير منفصل عن اليد، بمفصل محسوس.
أما القسم الأول: فيجب أن يكون حكم ما بعد الغاية بخلاف حكم ما قبله؛ لأن انفصال أحدهما عن الآخر معلوم بالحس.
وأما الثانى: فلا يجب أن يكون حكم ما بعده، بخلاف ما قبله؛ لأنه لما لم
يكن المرفق منفصلاً عن اليد بمفصل معلوم معين، لم يكن تعيين بعض المفاصل؛ لذلك، أولى من بعض؛ فوجب من هاهنا دخول ما بعده فيما قبله.
الرابع: يجوز اجتماع الغايتين؛ كما لو قيل: "لا تقربوهن حتى يطهرن، وحتى يغتسلن" فهاهنا الغاية فى الحقيقة هى الأخيرة، وعبر عن الأول بها؛ لقربه منها، واتصاله بها.
الباب الثالث
فى الغاية والصفة
قال القرافى: قوله: "غاية الشيء نهايته وطرفه ومنقطعه":
قلنا: أختلف الناس فى سطح الشئ، هل هو وجودى أو عدمى؟ بناء على أن السطح آخر أجزاء الجسم، فيكون وجودياً، أو فناء أجزائه، فيكون عدمياً، كذلك ينبغى أن يجرى الخلاف ـ هاهنا ـ إلى الغاية، هل هى وجودية أو عدمية؟
إن فسرناها بآخر أجزاء الشيء الموجود، فهى وجودية، أو بالعدم الذى يلى آخر أجزائه، فتكون عدمية.
قوله: "حكم ما بعد الغاية مخالف لما قبلها":
قلنا: قد تقدم ذلك، وإنه من باب المفهوم المدلول؛ التزاماً لامطابقة؛ لأن الغاية تخرج من أحد النقيضين، فالدخول فى النقيض الآخر إنما يكون لدلالة العقل على أنه لا واسطة بين النقيضين، فيتعين النقيض الأخر، فالدخول فيه ليس من اللفظ، فهو مفهوم لا منطوق، والتزام لا مطابقة.
قوله: "والأولى أن يقال: الغاية: إما أن تكون منفصلة عن ذى العاية بمفصل معلوم، فيكون ما بعدها مخالفاً لما قبلها": عليه سؤالان: