الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
سؤال
"
لا تستقيم حكاية الخلاف فى هذه المسألة مطلقاً، ولا فى الشرط، ولا فى الصفة؛ لأن الجمل المعطوفة قد تعطف بالحروف الجامعة "الواو" و"الفاء" و"ثم" فيكون هذا موطن الخلاف، وتكون الستة الباقية غير موطن الخلاف؛ حتى لا يستقيم ذلك فيها اتفاقاً؛ لأن المراد بها أحد الشيئين، فكيف يعمهما الاستثناء؟ وينبغى التوقف فى "حتى" من جهة أنها تتمة لغيرها، فتلحق بالتعميم اتفاقاً، ولا يختلف فيها، ويقال: فيها أمران، شملهما الحكم؛ فيجرى الخلاف فيهما.
قوله: "إما أن يكونا من نوع واحد" يريد أمرين، أو نهيين، أو خبرين، بخلاف أن يكون أحدهما أمراً، والآخر خبراً، والمتفقى الاسم: ربيعة، وربيعة، يذكر اللفظ الواحد فى الجملتين، واتحاد الحكم؛ نحو: أكرم ربيعة أكرم ربيعة، فتتفق الجملتان فى الاسم والحكم، أو: أكرم ربيعة، وأكرم مضر اتفقا فى الحكم دون الاسم، و:"أكرم ربيعة، واخلع على مضر" اختلفا فيهما، والجملتان التى لا تعلق لإحداهما نحو ما تقدم، وإضمار حكم إحداهما فى الأخرى؛ كقوله: أكرم ربيعة ومضر، كما قال:"مضر" مفعول بفعل مضمر يدل عليه الأول، تقديره: وأكرم مضر، وهذا يتخرج
على اختلاف النحاة فى الواو العاطفة، هل نابت مناب العامل، أو هى العامل، أو العامل مضمر معها؟
ثلاثة أقوال لهم: فعلى الثالث؛ يتجه دعوى الإضمار، وأطلقه فى هذه المسألة.
قال المازرى فى "شرح البرهان": مذهب مالك عوده إلى جميع الجمل.
قوله: "أو أضمر اسم إحداهما فى الأخرى؛ كقوله: أكرم ربيعة، واخلع عليهم" يريد أن المجرور فى الثانية يفتقر عوده على الظاهر الذى هو المنصوب الأول، فلإحدى الجملتين بالأخرى ارتباط من هذا الوجه، كما حصل الارتباط من جهة إضمار الحكم؛ فصارت الجملتان كالجملة الواحدة من هذا الوجه.
قوله: "يختص الاستثتاء فى الآية بالجملة الأخيرة":
تقريره: أن الله ـ تعالى ـ قال: (فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً، وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا) النور: 3 ـ 5. فيختص بالآخر، فيكون التائبون لا يقتضى عليهم بأنهم فاسقون، ويقام عليهم الحد، ولا تقبل شهادتهم؛ لكونهم حدوا فى القذف، وإن لم يكونوا فسقة، وهذا فيه خلاف بين العلماء، هل تقبل شهادة المحدود فى غير ما حد فيه؟ وهو مذهب مالك، أو لا تقبل مطلقاً؛ لحديث ورد فى ذلك؛ خلاف، وإن أعدناه على جملة الجمل، لا يقام الحد عليهم، ولا ترد شهادتهم، ولا يقضى بفسقهم، وهذا أيضاً مختلف فيه وهل تسقط التوبة الحد أم لا؟
والصحيح عدم إسقاطها للحد؛ لقوله عليه السلام فى الغامدية: "تابت توبة، لو تابها صاحب مكس، لغفر له" مع أنه عليه السلام أمر برجمها.
قوله: "يعود إلى الكل كالشرط":
قلنا: فيه خلاف؛ فيمتنع الحكم فى الأصل، سلمناه، لكن الفرق أن الشروط اللغوية أسباب، وهى موطن المقاصد والمصالح، فيكون أشرف وأنفع؛ فيتناسب عودها على الكل؛ تكثيراً لتلك المصلحة، أما الاستثناء، فلإخراج ما عساه اندرج فى الكلام مم ليس منه، فهو يلغى غير المقصود، ولا يحقق مقصوداً، فضعف عن رتبة الشرط؛ فظهر الفرق.
قوله: "إن الاستثناء يجرى مجرى الشرط؛ لأن قوله تعالى: (إلا الذين تابوا) النور: 5.
يجرى مجرى قوله تعالى: (وأولئك هم الفاسقون) النور: 4. إن لم يتوبوا.
قلنا: لا نسلم ن هذا معناه؛ لأن ما ذكرتموه يقتضى أن عدم التوبة: هو سبب الفسوق؛ لأنك إذا قلت: إن أكرمتنى، أكرمتك، وإن آمنت، دخلت الجن، يقتضى أن هذه الشروط أسباب، وكذلك غالب تعاليق اللغة، وهاهنا ليس سبب الفسوق عدم التوبة، بل القذف سبب مستقل فى ثبوت حكم الفسوق؛ فلا يحتاج إلى ضم شيء آخر إليه، ولكن قولنا:"إن لم يتوبوا" إشارة إلى نفى المانع من القضاء بالفاسق، ففيه توسع بالنسبة إلى قواعد الشروط.
قوله: "الاستثناء بمشيئة الله ـ تعالى ـ عائد إلى كل الجمل، فكذلك الاستثناء":
قلنا: فيه خلاف فنمنعه، لكن الفرق أن الاستثناء بالمشيئة جعله الشرع سبباً رافعاً لليمين؛ كقوله عليه السلام:"من حلف واستثنى، عاد كمن لم يحلف".
أى: ارتفع عنه الانعقاد الذى ترتب عليه بالحلف موجباً للكفارة، وإذا كان سبباً رافعاً ـ والأسباب مواطن الحكم، والمصالح الشرعية والعادية ـ فيناسب التعميم؛ تكثيراً للمصلحة، بخلاف الاستثناء لما تقدم.
قوله: "المعطوفات كالجملة الواحدة":
قلنا: لا نسلم، ويدل على عدم التسوية وجوه:
أحدها: أنه لا يجوز: رأيت زيداً وعمراً، ويجوز: رأيت العمرين إلا عمراً.
وثانيها: أن المعطوفات لفظ، كل واحد منها يدل عليه مطابقة؛ استقلالاً، وهو سبب منع استثنائه بجملتة، والدلالة فى الجملة الواحدة، إنما هى تضمن، وهذا يناسب ألا يعود فى الأول، ويعود فى الثانى؛ لعدم الاستقلال.
وثالثها. أن الفعل كمل عمله فى الجملة الأولى قبل النطق بالثانية، فهى مستقلة، والثانية لها فعل آخر، فهى مستقلة.
ورابعها: أن الأولى يحسن السكوت عليها؛ بخلاف بعض الجملة الواحدة، وإذا حصل التباين فى هذه اللوازم والأحكام، ظهر الاختلاف، والمختلفات لا يجب اشتراكها فى جميع اللوازم، ولا فى لازم معين، إلا بدليل منفصل؛ بل قاعدة الاختلاف التباين فى اللوازم.
أما التسوية فلا.
قوله: "تعليقه بالجملة الواحدة يكفى فى خروجه عن اللغوية":
تقريره: أن اللغوية ـ هاهنا ـ بفتح اللام من اللغو؛ الذى هو الهذر، لا من اللغة؛ التى هى النطق المخصوص، ومعناه يخرج عن أن يكون لغواً.
قوله: "إذا اجتمع عاملان، فإذا اجتمع عاملان، فإعمال الأقرب أولى":
تقريره: قام وقعد، فهل زيد مرفوع بالأول، ويضمر فى الثانى؛ قاله الكوفيون، لأن الأول استحق العمل قبل ورود الثانى، أو يرتفع بالثانى؛ لأن أقرب إليه، ويضمر فى الأول، ويكون إضماراً قبل الذكر؛ على خلاف الأصول؛ قاله البصريون.
أو نمنع المسألة؛ قاله بعضهم، وكذلك: أكرمت وأكرمنى زيد، فعلى اعتبار الأول ينصب زيداً؛ لأنه مفعول، وعلى اعتبار الثانى برفعه، وقد نقض البصريون أصلهم بما إذا اجتمع الشرط والقسم؛ أن الجواب للأول دون القريب من الجواب؛ كقوله تعالى:(كلا لئن لم ينته انسفعاً بالناصية) العلق: 15. فاللام جواب القسم الذى أشعرت به اللام، ولم يؤت بجواب الشرط، ولهم فروق ومباحث مذكورة فى كتب النحو، لا نطول بذكرها هاهنا، وإنما ذكرت البعض ليتأتى منه السؤال على أبى حنيفة فى ترجيح القرب، وأن البصريين الذين احتج بهم؛ قواعدهم مختلفة، ثم إنهم معارضون بمذهب الكوفيين.
قوله: "أعطى زيد عمراً بكراً":
تقريره: أن المفعول الأول هو الآخر أبداً؛ فهو فى معنى الفاعل.
قوله: "العامل فى الاستثناء الفعل الذى قبله":
قلنا: فيه أقوال للنحاة:
أحدها: أن الفعل الذى قبل "إلا"عدته "إلا" فنصب ما بعدها.
وثانيها: أن "إلا" هى الناصبة؛ لأن معناها أخراج من الكلام كذا، كما نصبوا بـ "إن" وهى حرف؛ لأن معناها أؤكد، ونصبوا الحال بها للتنبيه، وهى حرف؛ لأن معناها أشير وأنبه.
وثالثها: أن معها فعلاً مضمراً دل عليه الظاهر؛ لأن الأول قد استوفى مفعوله، فلم يبق فيه ما ينصب اسماً آخر، فيضمر غيره، وهذه الأقوال الثلاثة إنما تأتى فى الجملة الفعلية. أما الاسمية، فلا يأتى فيها إلا قولان؛ نحو: القوم قريش إلا زيداً.
قوله: "الاستثناء فى القرآن عاد على كل الجمل، وعلى بعضها، والأصل الحقيقة":
مثال عوده على الكل قوله تعالى: (كيف يهدى الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) آل عمران: 86، 87، 88، 89. هذا فى آل عمران.
وفى المائدة قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم) المائدة: 3.
فقيل: منقطع، لكن "ما ذكيتم" من غير المذكور.
وقيل: متصل يعود على المنخنقة، وما بعدها، أى: ما أدركتم ذكاته من المذكورات، ومثال العائد على جملة واحدة قوله تعالى:(فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك) هود: 81.
قرئ بالنصب والرفع، فعلى النصب هى مستثناة من الجملة الأولى؛
لأنها موجبة، وعلى الرفع مستثناة من الثانية؛ لأنها منفية، وتكون خرجت معهم، ثم رجعت وهلكت ـ قاله المفسرون.
وقوله تعالى: (إن الله مبتليكم ينهر فمن شرب منه فليس منى ومن لم يطعمه فإنه منى إلا من اغترف غرفة {بيده، فشربوا منه إلا قليل منهم}) البقرة: 249. فهذا يتعين عوده إلى الجملة الأولى دون الثانية؛ لأن مناسبة المعنى تقتضيه.
ومما يلتبس قوله تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً) الفرقان: 68 ـ 70. فيتخيل أنه من الجمل، وإنما هو من لفظ "م ن" وهو مفرد.
قوله: "احتمل ما ذكره فى الحال، والظرفين":
يريد بالظرفين قوله: فى الدار، ويوم الجمعة؛ لأنه اشتهر فى اصطلاح النحاة؛ تسمية المجرور بالظرف، فهما ظرفان.
قوله: "لا يلزم من اشتراك شيئين من بعض الوجوه اشتراكهما فى كل الأحكام":
قلنا: إن ادعيتم نفى اللزوم العقلى، فمسلم، ولكن هذه مباحث لغوية يكفى فيها القياس المفيد للظن؛ بناء على جواز القياس فى اللغات، والقياس يكفى فيه الشبه من بعض الوجوه.
قوله: "إن ادعيتم الفرق، طالبناكم بالجمع":
قلنا: الجامع كون كل واحد من اللفظين لا يستقل بنفسه.
قوله: "ينتقض بالاستثناء بالمشيئة وبالشرط؛ فإنه يعود إلى الكل عندهم":
قلنا: قد تقدم الفرق، أن الشروط اللغوية أسباب، والأسباب متضمنة للحكم والمصالح، فعادت للكل؛ تكثيراً للمصالح، والحكم بخلاف الاستثناء؛ لإخراج ما عساه دخل فى الكلام، وهو غير مقصود.
قوله: "الشرط، وإن تأخر صورة، فهو متقدم معنى":
قلنا: قد منع الفراء ذلك؛ على ما يحكيه الإمام عنه بعد هذا، واختار الإمام التقديم، مع أنه حكى الخلاف فيه، فيمنع؛ بناء على الخلاف.
قوله: "لفظ الاستثناء مع الأصل يصير كاللفظة الواحدة":
قلنا: قد تقدم أن ذلك مسامحة فى القول، بل يعلم بالضرورة أنهما لفظان متعارضان:
أحدهما: ينفى شيئاً.
والآخر يثبته.
قوله: "واجتماع المعرفات على مدلول واحد غير محال":
تقريره: أن الصنعة معرفة للصانع، وكل ذرة فى العالم، فهى دليل على وجود الله ـ تعالى ـ ووجود صفاته العلا {المتقارب}:
وفى كل شيء له آية
…
تدل على أنه واحد
ومع ذلك، فأجزاء العالم أعظم من أن نحصيها نحن بالعدد.
وقوله: "نص سيبويه معارض بنص الكسائى؛ لأن القاعدة: من تمسك بشاذ ومشهور، لا يرد عليه الشاذ من تلك القاعدة، وهذه قاعدة قررها