الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقدم الإبراء، لغي أو تقدم القرض، اعتبر، وأبرئ من خمسين، وإن جهل الحال، اعتبرت البينتان، وألزم بخمسين فقط مع جهل التاريخ، ولا يحصل هاهنا توقف أصلًا، مع جواز أن يكون الإبراء قبل القرض؛ فلا يؤثر شيئًا في الإسقاط، والمائة على حالها؛ لتأخرها عن زمن الإبراء، مع أنه لم يقل أحد به، فكما لم يحصل التوقف في الشهادتين في حالة من الحالات، علم التاريخ، أو جهل ذلك في الخبرين، وهذا مستند أعابهم في ترك العمل بالخاص في الربا في النقد، فقدم احتمال التخصيص على احتمال النسخ؛ لأنه أخف، وكما في الشهادتين.
(سؤال)
قال النقشواني: ثم قوله: (إذا تقدم النص، الذي هو أصل القياس، لا يصح القياس عنده) لا يتجه
؛ لأن النص، الذي هو أصل القياس، قد يتقدم على العام، ولا يكون بينه وبين العام معارضة، من حيث اللفظ، كما إذا ورد الأمر بأخذ الجزية من النصارى، ثم ورد الأمر بقتل اليهود، فهذان نصان، لا تعارض بينهما، مع أنه لو رغب أحد من اليهود في بذل، الجزية أمكن قياسه على النصارى؛ بجامع المصلحة، مع أن هذا ليس من باب الخاص والعام، الذي يقول أبو حنيفة بنسخه، ومنع القياس عليه؛ لعدم التعارض في اللفظ، ولو صح ما قاله، لانسد باب تخصيص العموم بالقياس.
(تنبيه)
وافقه سراج الدين في قوله عندنا في تقدم أصل القياس، وسكت تاج الدين عن هذا البحث بالكلية، وكذلك التبريزي، و (المنتخب) قال: إذا كان أصل القياس مقدمًا على العموم، مع انتفاء التاريخ، لم يجز القياس عليه بالإجماع، فغير العبارة، وحكي الإجماع، وما أدري، هذا الشرط
في القياس من قاله من المتقدمين، ولا من المتأخرين غير (المحصول) ومختصراته تبع له.
ولم يزل الناس وجماهير الفقهاء يقيسون، ويخصصون، مع أن أصل ذلك القياس غير معلوم التاريخ فهو مشكل، وقد خطر، فيه جواب حسن، وهو أن قوله:(وهذا ضعيف إلى آخر كلامه) السؤال هو من جهة الحنيفة، فأمكن أن يكون الإمام أورد هذا على ألسنتهم، ويكون قوله (عندنا) عائدًا على الحنيفة، والضمير الذي هو النون والألف عائد عليهم، وهو مستقيم، كما قررته أول المسألة على أصولهم، ولا يكون في هذا التأويل كبير بعد، ويكون الإجماع الذي حكاه (المنتخب) خطأ؛ فإن المصنف لم يقله، ويندفع الإشكال بالكلية.
ثم إني بعد الوصول إلى هذه الغاية في الكلام، وجدت أبا الحسين في (المعتمد) قد صرح بهذا، فقال: والجواب عن القياس: أن أصله، إذا تقدم على العام، وكان منافيًا له- امتنع القياس عليه عند الخصم؛ لأنه منسوخ بالعام، فإذا جهل التقدم، امتنع القياس، لاحتمال التقدم.
قال: وإن كان أصل القياس متقدمًا على وجه لا ينافيه لنهيه- عليه السلام عن بيع البر، ثم يقول بعده:(أحللت لكم بيع ما سوى البر) - فيجوز القياس على البر؛ لأنه لا نسخ حينئذ لعدم المنافاة؛ بخلاف لو قال: (أحللت لكم البياعات) فإنه ينافيه وينسخه، ويمتنع القياس، فصرح أن هذا المنع إنما هو على مذهب الخصم.
وفصل هذا التفصيل الحسن، وزال الإشكال، ولله الحمد، وظهر أن الذي ظهر لي أن الضمير ضمير الحنفية في قوله:(عندنا)، وأن لفظ (المحصول) صواب، ولفظ (المنتخب) خطأ.
وكذلك رأيت العالمي الحنفي ذكر في كتابه (الموضوع في أصول الفقه)
على أصولهم ذكر حججنا عليهم، ومنع صحة القياس على أصولهم، وعلله بأن أصل القياس، إن تقدم، كان منسوخًا؛ فلا يصح القياس عليه، وإنما يصح القياس عليه، وهو متقدم، إذا لم يتناوله العام اللاحق، كما قاله صاحب (المعتمد) حرفًا بحرف، ولم يدع موافقتنا على ذلك، ولا إجماعًا، ولم يرد على المنع بناءً على أصله.
***
القول فيما ظن أنه من مخصصات العموم، مع أنه ليس كذلك، وفيه مسائل
المسألة الأولى
قال الرازي:
الخطاب الذي يرد جوابًا عن سؤال سائل: إما ألا يكون مستقلا بنفسه، أو يكون:
والأول على قسمين؛ لأن عدم استقلاله إما أن يكون لأمر يرجع إليه؛ كقوله صلى الله عليه وسلم، وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر:(أينقص، إذا جف؟ قالوا: نعم، قال: فلا، إذن).
وإما أن يكون لأمر يرجع إلى العادة كقوله: (والله لا آكل) في جواب من يقول: (كل عندي) لأن هذا الجواب مستقل بنفسه، غير أن العرف اقتضي عدم استقلاله، حتى صار مفتقرًا إلى السبب الذي خرج عليه.
والقسم الثاني على ثلاثة أنواع؛ لأن الجواب إما أن يكون أخص، أو مساويًا، أو أعم، والأعم إما أن يكون أعم مما سئل عنه؛ كقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن بئر بضاعة:(الماء طهور لا ينجسه شيء).
أو يكون أعم في غير ما سئل عنه؛ كقوله صلى الله عليه وسلم، وقد سئل عن ماء البحر:(هو الطهور ماؤه، الحل ميتته).
إذا عرفت هذه الأقسام فنقول: أما الجواب الذي لا يستقل بنفسه؛ فإنه يفيد مع سببه، فيكون السبب موجودًا في كلام المجيب تقديرًا، وإلا لم يفد.
ولو أن المتكلم أتي بالسبب في كلامه؛ فقال: (والله، لا آكل عندك) لكان اليمين مقصورًا على الأكل عنده.
وأما الجواب المستقل المساوي، فلا إشكال فيه، وأما الأخص فهو جائز بثلاث شرائط:
أحدها: أن يكون فيما خرج عن الجواب تنبيه على ما لم يخرج منه.
وثانيها: أن يكون السائل من أهل الاجتهاد.
وثالثها: ألا تفوت المصلحة، باشتغال السائل بالاجتهاد.
وبدون هذه الشرائط، لا يجوز.
وأما إذا كان الجواب أعم في غير ما سئل عنه، فلا شبهة في أنه يجري على عمومه.
أما إذا كان الجواب أعم مما سئل عنه، فالحق أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب خلافًا للمزني، وأبي ثور؛ فإنهما زعما أن خصوص السبب يكون مخصصًا لعموم اللفظ.
قال إمام الحرمين: (وهو الذي صح عن الشافعي- رضي الله عنه)
لنا وجهان:
الأول: أن المقتضي للعموم قائم، وهو اللفظ الموضوع للعموم، والمعارض الموجود، وهو خصوص السبب، لا يصلح معارضًا؛ لأنه لا منافاة. بين عموم اللفظ، وخصوص السبب؛ فإن الشارع لو صرح؛ وقال: يجب عليكم أن
تحملوا اللفظ العام على عمومه، وألا تخصصوه بخصوص سببه، كان ذلك جائزًا، والعلم بجوازه ضروري.
الثاني: أن الأمة مجمعة على أن آية اللعان، والظهار، والسرقة، وغيرها، إنما نزلت في أقوام معينين، مع أن الأمة عمموا حكمها، ولم يقل أحد: إن ذلك التعميم خلاف الأصل.
واحتج المخالف: بأن المراد من ذلك الخطاب إما بيان ما وقع السؤال عنه أو غيره:
فإن كان الأول: وجب ألا يزاد عليه؛ وذلك يقتضي أن يتخصص بتخصص السبب.
وإن كان الثاني: وجب ألا يتأخر ذلك البيان عن تلك الواقعة.
والجواب: أن ما ذكروه يقتضي أن يكون ذلك الحكم مقصورًا على ذلك السائل، وفي ذلك الزمان، والمكان، والهيئة.
وأيضًا فلم لا يجوز أن يكون ذلك السؤال الخاص اقتضي ذلك البيان العام؟ لابد على امتناعه من دليل، والله أعلم.
تنبيه: هذا العام، وإن كان حجة في موضع السؤال، وفي غيره، إلا أن دلالته على موضع السؤال، أقوى منها على غير ذلك الموضع، وهذا يصلح أن يكون من المرجحات، والله أعلم.
قال القرافي: قوله: (الذي يستقل بنفسه، إن كان لأمر يرجع إليه):