الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدها: أنه نهي عن الوصال وواصل، وهذا نص لم يتناوله، وإنما قالوا (إنك تواصل)؛ لأنهم فهموا اندراجه في حكمهم.
وثانيها: نهي عن استقبال القبلة واستدبارها، وصيغة الحديث لا تتناوله، ثم إنه- عليه السلام استدبر البيت الحرام، ويحتمل أن يكون هذا مخصصًا؛ لأنه كان في خلوة، والبيان يلزمه- عليه السلام إظهاره.
ونهي عليه السلام عن كشف العورة، ثم كشف فخذه بحضرة أبي بكر وعمر، ويحتمل أنه لم يدخل في النهي، أو أريد بالفخذ ما يقرب منه.
(سؤال)
قال النقشواني: إذا علم أنه- عليه السلام فعل على خلاف العام، فقد حصل التخصيص؛ فلا حاجة إلى دليل آخر في حق الغير
؛ لأن ذلك زيادة تخصيص، ونحن إنما نبحث في أصل التخصيص لا في تكثيره، ثم ذلك الغير، إن كان كل الأمة، لزم النسخ، والكلام إنما هو في التخصيص.
جوابه: أن المصنف جزم بالتخصيص بفعله- عليه السلام وحده.
ثم قال: وهل يكون مخصصًا في حق الغير؟
فذكر المدرك لهذا الفرع لا أصل التخصيص، فهذا تفريع لا تأصيل.
(سؤال)
بحثه في هذه المسألة يعكر عليه في موضعين:
أحدهما: عند قوله القول في تخصيص العام، فذكر الحس، والسمع، والعقل، ولم يذكر الفعل النبوي، ثم إنه هاهنا قد جعل تخصيصًا من الفعل والسمع، وجعل المجموع هو المخصوص، وهذا المجموع لم يذكره هناك.
وثانيهما: أنه في هذه المسألة فهرس التخصيص بفعله عليه السلام، ثم اقتضاء الحال إلى أن المخصص هو مجموع الدليل المسوي مع الفعل، ولا يلزم من اقتضاء مجموع لشيء اقتضاء أجزائه له؛ غير أنه في هذه المسألة قد ذكر الفعل وحده تخصيصًا، في حقه عليه السلام، فخرج عن العهدة بهذا القسم، ثم فرع بعد ذلك.
***
المسألة السادسة
قال الرازي: من فعل ما يخالف مقتضي العموم بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم ينكره عليه- فعدم الإنكار من الرسول صلى الله عليه وسلم قاطع في تخصيص العام في حق ذلك الفاعل.
أما في حق غيره: فإن ثبت أن حكمه صلى الله عليه وسلم في الواحد، حكمه في الكل- كان ذك التقرير تخصيصًا في حق الكل؛ وإلا فلا، والله أعلم.
المسألة السادسة
التخصيص بالإقرار
قال القرافي: قوله: (إن ثبت أن حكمه- عليه السلام في الواحد حكمه في الكل، كان ذلك التقرير تخصيصًا في حق الكل، وإلا فلا):
قلنا: عليه سؤالان:
الأول: أنه علق على كلمة (إن) ما هو معلوم؛ لأنه يعلم عليه السلام أنه إذا كرر حكمًا في حق شخص، فهو للأمة.
الثاني: أن كلامه يفضي إلى النسخ؛ كما تقدم، فإذا خرج الكل، أي شيء يبقي في النص، فيكون نسخًا، فيفضي تقرير النسخ إلى إبطاله، إلا أن يحمل على التأويلات المتقدمة.
***
الفصل الرابع
في تخصيص المقطوع بالمظنون، وفيه مسائل:
قال الرازي: المسألة الأولى: يجوز تخصيص الكتاب بخبر الواحد عندنا، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة ومالك- رحمهم الله.
وقال قوم: لا يجوز أصلًا.
وقال عيسى بن أبان: إن كان قد خص قبل ذلك بدليل مقطوع به، جاز؛ وإلا فلا.
وقال الكرخي: إن كان قد خص بدليل منفصل، صار مجازًا- فيجوز ذلك، وإن خص بدليل متصل، أو لم يخص أصلًا، لم يجز.
وأما القاضي أبو بكر- رحمه الله فإنه اختار التوقف.
لنا: أن العموم وخبر الواحد دليلان متعارضان، وخبر الواحد أخص من العموم؛ فوجب تقديمه على العموم.
إنما قلنا: إنهما دليلان؛ لأن العموم دليل بالاتفاق.
وأما خبر الواحد: فهو أيضًا دليل؛ لأن العمل به يتضمن دفع ضرر مظنون؛ فكان العمل به واجبًا؛ فكان دليلًا.
وإذا ثبت ذلك، وجب تقديمه على العموم؛ لأن تقديم العموم عليه يفضي إلى إلغائه بالكلية، أما تقديمه على العموم، فلا يفضي إلى إلغاء العموم بالكلية؛ فكان ذلك أولى؛ كما في سائر المخصصات.
وأما جمهور الأصحاب، فقالوا: أجمعت الصحابة على تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد، وبينوه بخمس صور:
إحداها: أنهم خصصوا قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: 11] بما رواه الصديق- رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: (نحن- معاشر الأنبياء- لا نورث).
وثانيها: خصصوا عموم قوله تعالى: {فإن كن نساء فوق اثنتين، فلهن ثلثا ما ترك} [النساء: 11] بخبر محمد بن مسلمة، والمغيرة بن شعبة أنه صلى الله عليه وسلم (جعل للجدة السدس) لأن المتوفاة، إذا خلفت زوجًا، وبنتين، وجدة، فللزوج الرابع (=) ثلاثة، وللبنتين الثلثان (=) ثمانية، وللجدة السدس (=) اثنان؛ عالت المسالة إلى ثلاثة عشر، وثمانية من ثلاثة عشر أقل من ثلثي التركة.
وثالثها: أنهم خصصوا قوله تعالى: {وأحل الله البيع} [البقرة: 275] بخبر أبي سعيد (في المنع من بيع الدرهم بالدرهمين).
ورابعها: خصصوا قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5] بخبر عبد الرحمن بن عوف في المجوس: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب).
وخامسها: خصصوا قوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء: 24] بخبر أبي هريرة: (في المنع من نكاح المرأة على عمتها، وخالتها، وبنت أخيها، وبنت أخيها).
ولقائل أن يقول: هل أجمعت الصحابة على تخصيص هذه العمومات، في هذه الصور، أو ما أجمعت؟
فإن قلتم: (ما أجمعوا) فقد سقط دليلكم، وإن قلتم (أجمعوا) فلم لا يجوز أن يقال: المخصص لهذه العمومات ذلك الإجماع؟
فإن قلت: لابد لذلك الإجماع من مستند هو هذه الأخبار؛ إذ رب إجماع خفي مستنده لاستغنائهم بالإجماع عنه.
سلمنا أن ذلك المستند هو هذه الأخبار؛ لكن لعل هذه الأخبار كانت متواترة عندهم، ثم صارت آحادًا عندنا.
واحتج المانعون بالإجماع، والخبر، والمعقول:
أما الإجماع: فهو: أن عمر- رضي الله عنه رد خبر فاطمة بنت قيس؛ وقال: (لا ندع كتاب ربنا، وسنة نبينا؛ لقول امرأة لا ندري؛ لعلها نسيت أو كذبت).
وأما الخبر: فما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا روى عني حديث، فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقه فاقبلوه، وإن خالفه فردوه) والخبر الذي يخصص الكتاب، على مخالفة الكتاب؛ فوجب رده.
وأما المعقول: فوجهان:
الأول: أن الكتاب مقطوع به، وخبر الواحد مظنون؛ والمقطوع أولى من المظنون.
والثاني: أن النسخ تخصيص في الأزمان، والتخصيص تخصيص في الأعيان؛ فنقول: لو جاز التخصيص بخبر الواحد في الأعيان، لكان لأجل أن تخصيص العام أولى من إلغاء الخاص، وهذا المعنى قائم في النسخ؛ فكان يلزم جواز النسخ بخبر الواحد، ولما لم يجز ذلك، علمنا أن ذلك أيضًا غير جائز.
والجواب عن الأول أنا لا ندعي تخصيص العموم بكل ما جاء من أخبار الآحاد؛ حتى يكون ذلك علينا؛ وإنما نجوزه بالخبر الذي لا يكون راويه متهمًا بالكذب والنسيان، وهذا الشرط ما كان حاصلًا هنا؛ لأن عمر- رضي الله عنه قدح في روايتها بذلك؛ فلم يكن قادحًا في غرضنا؛ بل هو بأن يكون حجة لنا أولى؛ وذلك لأن عمر- رضي الله عنه بين أن روايتها إنما صارت مردودة؛ لكون الراوي غير مأمون من الكذب والنسيان، ولو كان خبر الواحد المقتضي لتخصيص الكتاب مردودًا كيفما كان، لما كان لذلك التعليل وجه.
وعن الثاني: أن ما ذكرتموه يقتضي ألا يجوز تخصيص الكتاب بالسنة المتواترة، فإن قلتم: إن ما يقتضي تخصيص الكتاب، لا يكون على خلافه قلنا: في مسألتنا ذلك بعينه.
وعن الثالث: أن البراءة الأصلية يقينية، ثم إنا نتركها بخبر الواحد؛ فبطل قولكم:(إن المقطوع لا يترك بالمظنون).
ثم نقول: لا نسلم حصول التفاوت؛ وبيانه من وجهين:
الأول: أن الكتاب مقطوع في متنه، مظنون في دلالته؛ والخبر مظنون في دلالته، فلم قلتم: إنه حصل التفاوت بينهما؛ على هذا التقدير؟!
الثاني: أن الدليل القاطع، لما دل على وجوب العمل بالخبر المظنون، لم يكن وجوب العمل مظنونًا؛ لأن تقدير ذلك: أن الله تعالى قال: (مهما حصل في قلبكم ظن صدق الراوي، فاقطعوا أن حكمي ذلك).
فإذا وجدنا ذلك الظن، واستدللنا به على الحكم، كنا قاطعين بالحكم؛ وإذا كان كذلك، فلم قلتم: إن التفاوت حاصل على هذا التقدير؟
وعن الرابع: أن الأصوليين اعتمدوا في الجواب على حرف واحد، وهو أن العقل ليس يأبي ذلك، وإنما فصلنا بينهما؛ لإجماع الصحابة على الفصل بينهما؛ فقبلوا خبر الواحد في التخصيص، وردوه في النسخ.
وهذا الجواب ضعيف؛ لأنا بينا أن الذي عولوا عليه في أنهم قبلوا خبر الواحد في التخصيص- ضعيف.
وإذا ثبت ذلك، فنقول: ثبت بما ذكرنا أن القياس يقتضى أنه لو قبل خبر الواحد في التخصيص، لوجب قبوله في النسخ، وثبت بالاتفاق أنهم ما قبلوه في النسخ؛ فوجب أن يقال: إنهم ما قبلوه في التخصيص أيضًا؛ ضرورة العمل بالدليل.
والجواب الصحيح لا يحصل إلا بذكر الفرق بينهما، وهو: أن التخصيص أهو من النسخ، ولا يلزم من تأثير الشيء في الأضعف تأثيره في الأقوى، والله أعلم.
تنبيه: فأما قول عيسى بن أبان، والكرخي، فمبنيان على حرف واحد، وهو أن العام المخصوص عند عيسى مجاز، والعام المخصوص بالدليل المنفصل مجاز عن الكرخي، وإذا صار مجازًا، صارت دلالته مظنونة، ومتنه مقطوعًا، وخبر الواحد متنه مظنون، ودلالته مقطوعة؛ فيحصل التعادل.
فأما قبل ذلك، فإنه حقيقة في العموم؛ فيكون قاطعًا في متنه، وفي دلالته؛ فلا يجوز أن يرجح عليه المظنون.
فهذا هو مأخذهم، والكلام عليه هو ما تقدم، والله أعلم.