الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأمالوا هذه الضمات نحو الكسرة لتكون أشدّ مشاكلة لما بعدها وأشبه به، وهو كسر الراء.» «1»
على أن بين الصائتين فرقا، وهو أنه في (قيل) مركب، في حين أنه في (من المنقر) ونحوه بسيط.
-
الاختلاس
-
- الاختلاس: إخفاء الحركة، وإضعاف الصوت بها، وليس سلبها، إذ الحرف المختلس حركته بزنة المتحرك «2» «3» .
وبيّن د. عبد الصبور شاهين أن الحركة في الاختلاس تكون أقصر زمنا، وتكاد تفقد الجهر مثلما يحدث في الإسرار أو الوشوشة «4» .
- وقد يتجوزون فيسمون الاختلاس إشماما، قال الأزهري:
«روي عن أبي عمرو أنه كان يشمّ الباء من بِالصَّبْرِ [العصر 3] جرة خفيفة ولا يشبع
…
قال أبو منصور: كأن هذا من اختلاس أبي عمرو
…
» «5»
وقال ابن خالويه في قوله تعالى: أَمَّنْ لا يَهِدِّي [يونس 35]:
«فأما ما رواه اليزيدي «6» عن أبي عمرو أنه كان يسكن الهاء ويشمها شيئا
(1) الحجة (ع): 1/ 347 - 348. وهو مذهب سيبويه، ويؤخذ من حكاية ابن جني لمذهب الأخفش أنها عنده صوائت مركبة. انظر سر الصناعة: 1/ 53.
(2)
انظر الحجة (ع): 2/ 83، 4/ 174، 402؛ والهداية: 1/ 165؛ والموضح: 3/ 1133.
(3)
انظر سر الصناعة: 1/ 56.
(4)
أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي: 370، وانظر اللغة العربية معناها ومبناها:71.
(5)
المعاني: 3/ 161.
(6)
يحيى بن المبارك، أبو محمد، اليزيدي: مولى بني عدي بن مناة، بصري، سكن بغداد، وحدث عن أبي عمرو والخليل، وعنهما أخذ العربية، كان أحد القراء الفصحاء، أدّب المأمون، له: مختصر في
النحو، والمقصور والممدود، والنقط والشكل، والنوادر.-
من الفتح، فإنه وهم في الترجمة، لأن السكون ضد الحركة، ولا يجتمع الشيء وضده، ولكنه من إخفاء الفتحة واختلاسها، لا من الإسكان.» «1»
- وأكثر ما يكون الاختلاس في الضم والكسر، ويكون في الفتح على قلة.
قال أبو علي: «واعلم أن الحركات التي تكون للبناء والإعراب يستعملون في الضمة والكسرة منهما ضربين:
أحدهما: الإشباع والتمطيط.
والآخر: الاختلاس والتخفيف.
وهذا الاختلاس والتخفيف إنما يكون في الضمة أو الكسرة، فأما الفتحة فليس فيها إلا الإشباع، ولم تخفف الفتحة بالاختلاس، كما لم تخفف بالحذف في نحو: جمل وجبل، كما خفف نحو: سبع وكتف؛ وكما لم يحذفوا الألف في الفواصل والقوافي من حيث حذفت الياء والواو فيهما
…
وكما لم يبدل الأكثر من التنوين الياء ولا الواو في الجر والرفع، كما أبدلوا الألف في النصب.» «2» «3»
غير أن مما جاء باختلاس الفتح قراءة أبي عمرو قوله تعالى: أَمَّنْ لا يَهِدِّي، وقد مرّ بنا من قبل قول ابن خالويه فيه.
- والاختلاس وإن كان لا يبلغ أن يكون سكونا، فهو قريب منه قربا جعله يمتنع حيث يمتنع السكون. قال المهدوي: «وعلة امتناع الاختلاس إذا سكن ما
توفي في خراسان سنة 202 هـ.
انظر البلغة: 315 - 316، والبغية: 2/ 340، والأعلام: 8/ 163.
(1)
الحجة (خ): 182، وانظر الحجة (ع): 1/ 179، 4/ 278، 6/ 296؛ والموضح:
3/ 1268 - 1269.
(2)
الحجة (ع): 2/ 83، وانظر الهداية: 1/ 167، والموضح: 1/ 276.
(3)
انظر الكتاب: 4/ 202 - 204.
قبل الحركتين [الضمة والكسرة] نحو: ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ [لقمان 28] أنه لو اختلس بعد الساكن لأشبه الجمع بين الساكنين، لأن الحرف المختلس الحركة مقرّب من الساكن.
فإذا كان الحرف الذي يستحقّ الاختلاس في أول الكلمة لم يجز اختلاس حركته أيضا، نحو: وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ [غافر 9]، لأن الاختلاس يقرب من الساكن، فإذا كان الحرف الذي تختلس حركته في أول الكلام لم يجز كون الاختلاس فيه، لئلا يبتدأ بما قرب من الساكن، وذلك يمتنع كما يمتنع الابتداء بالساكن.» «1»
حتى إن سيبويه ردّ قول من روى عن أبي عمرو الإسكان في بارِئِكُمْ [البقرة 54] ونحوه، بأنه ظن الاختلاس إسكانا، لقربه منه. قال المهدوي:
«بارِئِكُمْ علة إسكان الهمزة ذكرها اليزيدي عن أبي عمرو، قال:
العرب تستغني بإحدى الحركتين عن الأخرى
…
قال سيبويه: لم يكن أبو عمرو يسكن شيئا من هذا، وإنما كان يختلس الحركة، فيظن من سمعه يختلس أنه أسكن «2» .
وليس قول سيبويه مما يعارض به رواية من روى الإسكان لثبوت الرواية، ولأنه مستعمل في كلام العرب.» «3»
- وإنما تختلس الحركة لأحد شيئين:
الأول: للدلالة على أنها عارضة غير لازمة.
والآخر: لكراهة تتابعها في الكلمة الواحدة.
(1) الهداية: 1/ 168.
(2)
انظر الكتاب: 4/ 202، وليس فيه هذا النص، وهو في كتاب السبعة في القراءات: ابن مجاهد، تحقيق: د. شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، ط 3، ص 155 - 156؛ وانظر الخصائص: 1/ 72.
(3)
الهداية: 1/ 165 - 166، وانظر المعاني: 1/ 150 - 151، والحجة (خ): 77 - 78.
فمن الأول قوله تعالى: لا تَعْدُوا [النساء 154]، قال مكي:
«قرأ قالون باختلاس حركة العين، لأنها حركة عارضة عليها، لأن أصلها:
تعتدوا، فأصلها السكون، ثم أدغمت التاء في الدال بعد أن ألقيت حركتها على العين، فاختلس حركة العين ليخبر أنها حركة غير لازمة، ولم يمكنه أن يسكن العين، لئلا يلتقي
ساكنان: العين وأول المدغم، وكره تمكين الحركة، إذ ليست بأصل فيها، وحسن ذلك للتشديد الذي في الكلمة ولطولها.» «1»
ومن الآخر قوله تعالى: نُطْعِمُكُمْ [الإنسان 9]، قال الأزهري:
«القراءة: (نطعمكم) بضم الميم، وما روي عن أبي عمرو فهو من اختياره الاختلاس عند تتابع الحركات.» «2»
- والاختلاس أحسن وأجود في العربية من الإسكان، لأنه يجمع التخفيف والدلالة على الإعراب، ولأنه يؤمن معه اجتماع الساكنين في نحو: لا تَعْدُوا [النساء 154]«3» «4» .
- ونطق الحركات مختلسة يحتاج إلى لطافة يجفو عنها كثير من ألسنة الحضريين، ولا تتأتى لهم إلا بالدربة والمران. قال الأزهري:
«
…
لأن العربي يختلس الحركات اختلاسا خفيا، إذا سمعه الحضري ظنه جزما، وذلك الظن منه وهم.» «5»
(1) الكشف: 1/ 401 - 402، وانظر المصدر نفسه: 1/ 519، 2/ 217 - 218؛ والموضح:
3/ 1268 - 1269.
(2)
المعاني: 3/ 111، وانظر إعراب السبع: 1/ 279، 2/ 424؛ والحجة (ز): 97؛ وإعراب الشواذ: 1/ 263.
(3)
قراءة قالون بخلف عنه، وأبي جعفر.
(4)
انظر الهداية: 2/ 260، وإعراب الشواذ: 2/ 662.
(5)
المعاني: 1/ 262 - 263.