الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«ولو أمال الألف في نحو (ناشط) و (واقد) لصوّب لسانه بإمالة الألف ثم صعّده «1» بالحرف المستعلي، فكان في ذلك تصعد بعد تسفل، وكان يثقل، فهذا بعيد؛ ألا ترى أنهم قالوا: صقت في (سقت)، وصويق في (سويق)، والصّراط في (السّراط)، فأبدلوا من السين حرفا مستعليا ليوافق المستعلي ولا يقع تصعد بعد تسفل، وقالوا: قست وقسوت وقسور «2» ، فلم يبدلوا من السين الصاد، لأن فيه التسفل بعد التصعد، وهذا لا يستثقل، لأن الانحدار بعد التصعد غير ثقيل، فلهذا لا يستنكر، وإنما المستنكر عكسه، وهو التصعد بعد التسفل.» «3» «4»
-
كثرة الاستعمال
-
- هي أن يكثر دور الكلمة، فتكون أولى بالتخفيف من غيرها «5» .
ولا تكون هذه الكثرة سببا لاستعمال التغيير في الكلمة، وإنما تعضد سببا ضعيفا لا يقوم وحده، فيقوى بها.
وهذه التغييرات التي تنشط أسبابها بفعل كثرة الاستعمال قد تكون صوتية، أو صرفية، أو نحوية، أو دلالية.
- فمن التغييرات الصرفية التركيب المزجي في قوله تعالى: قالَ ابْنَ أُمَ
(1) صوّب الشيء: خفضه، وصعّده: رفعه.
(2)
من معاني القسور: الأسد.
(3)
الموضح: 1/ 212، وانظر الحجة (ع): 1/ 51 - 52، 403 - 404، 2/ 347 - 348، 3/ 134؛ والكشف: 1/ 171، 302؛ والهداية: 1/ 16 - 18، 129، 135 - 136؛ والموضح: 1/ 230، 334 - 335.
(4)
انظر الكتاب: 4/ 130.
(5)
انظر اللغة: فندريس، 274؛ والأصوات اللغوية: 237؛ ومحاضرات في اللغة: د. أيوب، 188؛ ودراسة الصوت اللغوي: د. أحمد مختار عمر، 375.
[الأعراف 150] بفتح الميم «1» ، قال ابن أبي مريم:«والوجه أنهما اسمان جعلا اسما واحدا، وبنيا على الفتح كبناء خمسة عشر، لكثرته في كلامهم، وكما قالوا: لقيته كفّة كفّة «2» ، وهو جاري بيت بيت.
والفتحة في (ابن) فتحة بناء وليست بنصب، كما في الاسم المضاف إذا نودي، قال سيبويه «3»: إنما بني هذا، لأنه أكثر في كلامهم من: يا ابن أبي ويا غلام غلامي. أشار إلى أن كثرة استعمالهم له دعتهم إلى أن طلبوا فيه الخفة، فجعلوا الاسمين اسما واحدا.» «4» «5»
- ومن التغييرات النحوية سلب المصادر عملها، قال أبو علي:
«
…
إذ لم يعملوا من المصادر ما كثر استعمالهم له، كما ذهب «6» إليه في قولهم: لله درّك، وتمثيله إياه بقولهم: لله بلادك. فإذا قال: رهنت زيدا رهنا وارتهنت رهنا، فليس انتصابه انتصاب المصدر، ولكن انتصاب المفعول به كما تقول: رهنت زيدا ثوبا، ورهنته ضيعة.» «7»
- ومن التغييرات الدلالية تعميم معنى كلمة (تعال)، قال ابن خالويه:
«والأصل: ارتفع، ثم كثر في كلامهم حتى صار من في البئر يقول للذي فوق: تعال.» «8»
(1) وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وحفص وأبي جعفر ويعقوب، وقراءة الباقين بكسرها.
(2)
أي: مواجهة.
(3)
انظر الكتاب: 2/ 214.
(4)
الموضح: 2/ 557، وانظر إعراب السبع: 1/ 209، والحجة (خ): 164 - 165، والحجة (ع): 4/ 89 - 92، والحجة (ز): 297، والكشف: 1/ 478.
(5)
انظر معاني القرآن: الفراء، 1/ 394؛ ومجاز القرآن: 2/ 25.
(6)
أي: سيبويه، انظر الكتاب: 1/ 194.
(7)
الحجة (ع): 2/ 446، وانظر المصدر نفسه: 1/ 230، 4/ 215، 398.
(8)
إعراب السبع: 1/ 326، وانظر الحجة (خ):201.
- وأما التغييرات الصوتية فكثيرة، منها حذف النون في قوله تعالى: وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ [النحل 127]. قال ابن خالويه:
«فإن قيل: لم سقطت النون في قوله: وَلا تَكُ؟ فالجواب في ذلك أن الأصل: (ولا تكون)، فاستثقلوا الضمة على الواو فنقلوها إلى الكاف فالتقى ساكنان: الواو والنون، فحذفوا الواو لالتقاء الساكنين، فصار:(لا تكن).
والموضع الذي حذفت النون مع الواو، فلأن النون يضارع حرف المد واللين، وكثر استعمال (كان، يكون)، فحذفوها لذلك؛ ألا ترى أنك تقول: لم يكونا، والأصل: لم يكونان، فأسقطوا النون للجزم، فشبهوا (لم يك) في حذف النون ب (لم يكونا)؛ فاعرف ذلك.» «1» «2»
- ومنها حذف الهمزة في اسمي التفضيل: خير وشرّ، قال ابن جني في قراءة من قرأ: الْكَذَّابُ الْأَشِرُ [القمر 26]: «(الأشرّ) بتشديد الراء هو الأصل المرفوض، لأن أصل قولهم: هذا خير منه، وهذا شرّ منه- هذا أخير منه، وأشرّ منه؛ فكثر استعمال هاتين الكلمتين، فحذف الهمزة منهما.» «3»
- ومنها إدغام لام التعريف في أربعة عشر حرفا، هي: الشين، والضاد، واللام، والنون، والراء، والطاء، والدال، والتاء، والصاد، والزاي، والسين، والظاء، والذال، والثاء.
قال ابن أبي مريم:
«وإنما أدغمت لام المعرفة في هذه الحروف لمقاربتها «4» لها، ولم يدغم
(1) إعراب السبع: 1/ 361، وانظر المحتسب: 1/ 37.
(2)
انظر الكتاب: 4/ 399، والأصول في النحو: 3/ 343.
(3)
المحتسب: 2/ 299، وانظر إعراب السبع: 2/ 331.
(4)
قال: (لمقاربتها) لأنه لم يذكر بينها اللام، فهي تدغم في لام التعريف كما يدغم الحرف في مثله.
سواها من اللامات فيها كلها، لكثرة استعمالهم لام التعريف في الكلام.» «1» «2»
- ومنها إمالة أبي عمرو ألف (النار) دون (الجار) مع اتفاقهما في الوزن وانقلاب الألف عن واو. قال ابن خالويه:
«فإن سأل سائل: لم أمال أبو عمرو أَصْحابُ النَّارِ [البقرة 39] ولم يمل الْجارِ الْجُنُبِ [النساء 36]، وألفهما منقلبتان من الواو، ووزنهما سيّان، والأصل فيهما: نور، جور، فقلبوا من الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها؟
فالجواب في ذلك: أن (النار) كثر دورها في القرآن فأماله تخفيفا، و (الجار) لمّا قلّ دوره في القرآن تركه على أصله، والدليل على ذلك أن أبا عمرو يميل بِالْكافِرِينَ [البقرة 19] في موضع الجرّ والنصب لكثرة دوره في القرآن، ولا يميل (الجبارين) في موضع النصب، لأنه في القرآن في موضعين:
إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ [المائدة 22]، وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ [الشعراء 130].» «3»
- ومنها قلب حمزة والكسائي الضمة كسرة في (أمّ) إذا سبقت بكسرة أو ياء ساكنة، قال المهدوي:«من كسر الهمزة إذا كان قبلها ياء أو كسرة، فإنه استثقل أن يأتي بالهمزة مضمومة وقبلها ياء ساكنة أو كسرة، فغيّر الهمزة اتباعا لما قبلها كما غيّرت بالبدل والتخفيف، وخصّ بذلك همزة (أمّ) دون غيرها من الهمزات نحو همزة (أفّ) ونظائره لكثرة استعمالهم (أم) و (أمهات).» «4» «5»
(1) الموضح: 1/ 207، وانظر الكشف: 1/ 141 - 142، والهداية: 1/ 88.
(2)
انظر الكتاب: 4/ 457، والمقتضب: 1/ 348.
(3)
إعراب السبع: 1/ 60 - 61، وانظر المصدر نفسه: 1/ 75 - 76؛ والحجة (خ): 67، 73، 94؛ والهداية:99.
(4)
الهداية: 2/ 245 - 246، وانظر الحجة (ع): 3/ 138، والكشف: 1/ 379، وإعراب الشواذ: 1/ 373.
(5)
انظر معاني القرآن: الفراء، 1/ 5 - 6.