الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملحق الثالث الجهر والهمس في أصوات العربية
- الجهر والهمس عند المحدثين:- يعتمد المحدثون في تقسيم الأصوات اللغوية إلى مجهورة ومهموسة على اهتزاز الطيتين الصوتيتين في الحنجرة، فإن اهتزتا في نطق الصوت كان مجهورا، وإلا فهو مهموس «1» .
- وتبعا لهذا الأساس، صنّفوا أصوات العربية في زمرتين:
الأولى- أصوات مجهورة: وهي (ع، غ، ج، ي، ض، ل، ن، ر، د، ز، ظ، ذ، ب، م، و)، إضافة إلى الصوائت الطويلة والقصيرة.
والأخرى- أصوات مهموسة: وهي (هـ، ح، خ، ق، ك، ش، ط، ت، ص، س، ث، ف)«2» .
واختلفوا في الهمزة: فمنهم من جعلها مهموسة، ومنهم من نفى أن تكون مهموسة أو مجهورة «3» .
وتجدر الإشارة إلى أن هذا التصنيف قائم على نطق المعاصرين للعربية الفصحى، دون التفات إلى قيمة معيارية ما.
(1) انظر الأصوات اللغوية: 19 - 20.
(2)
انظر المرجع نفسه: 21.
(3)
انظر مناهج البحث في اللغة: 125، والأصوات اللغوية: 90، وأثر القراءات في الأصوات والنحو العربي:167.
- ولاختبار جهر الصوت، ينطق مفردا هكذا (ب، ت،
…
)، وتوضع إحدى الأصابع على القردحة (تفاحة آدم) تتحسس اهتزاز الطيتين الصوتيتين؛ أو تسدّ الأذنان، فلا يسمع حينئذ إلا دنين يصنعه ذلك الاهتزاز إن كان الصوت مجهورا، فإن كان مهموسا لم يسمع شيء البتة «1» .
- ودلّت التجارب على أن الصوامت المجهورة أوضح في السمع من الصوامت المهموسة، مع أن نطق الأخرى يحتاج أكثر من نطق الأولى إلى هواء الزفير (النّفس).
ولنا أن نعتبر هذا إذا بسط أحدنا كفّه أمام فيه ونطق صامتا مهموسا متلوّا بنظيره المجهور، نحو (س/ ز)«3» .
ونطق الصوامت المهموسة يحتاج أيضا إلى بذل جهد أقوى من نطق الصوامت المجهورة:
أما الصوامت الانفجارية المهموسة كالتاء مثلا، فيكون حبس الهواء فيها أحكم من الصوامت الانفجارية المجهورة كالدال، وتسريح الهواء في الأولى أسرع منه في الأخرى.
وأما الصوامت الاحتكاكية المهموسة كالسين مثلا، فتكون درجة الانفتاح فيها أقلّ من الصوامت الاحتكاكية المجهورة كالزاي «4» .
(1) انظر الأصوات اللغوية: 20.
(2)
الأصوات اللغوية: 21.
(3)
انظر علم اللغة: د. السعران، 151 - 152.
(4)
انظر المرجع نفسه: 152.
- الجهر والهمس عند القدامى: لمّا كان سيبويه أسبق من وصل إلينا قوله في قضية (الجهر والهمس)«1» ، ولم يخرج جلّ من أتى بعده عن جملة ما أورده فيها، فقد جعل مدار هذه الفقرة ما جاء لديه منها.
- نصّ سيبويه: «فأما المجهورة: فالهمزة، والألف، والعين، والغين، والقاف، والجيم، والياء، والضاد، واللام، والنون، والراء، والطاء، والدال، والزاي، والظاء، والذال، والباء، والميم، والواو. فذلك تسعة عشر حرفا.
وأما المهموسة: فالهاء، والحاء، والخاء، والكاف، والشين، والسين، والتاء، والصاد، والثاء، والفاء. فذلك عشرة أحرف.
فالمجهورة: حرف أشبع الاعتماد في موضعه، ومنع النّفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد عليه ويجري الصوت. فهذه حال المجهورة في الحلق والفم، إلا أن النون والميم قد يعتمد لهما في الفم والخياشيم فتصير فيهما غنة.
والدليل على ذلك أنك لو أمسكت بأنفك ثم تكلّمت بهما لرأيت ذلك قد أخلّ بهما.
وأما المهموس: فحرف أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه.
وأنت تعرف ذلك إذا اعتبرت فرددت الحرف مع جري النفس، ولو أردت ذلك في المجهورة لم تقدر عليه.
فإذا أردت إجراء الحروف، فأنت ترفع صوتك إن شئت بحروف اللين والمدّ، أو بما فيها منها، وإن شئت أخفيت.» «2»
(1) إلا ما جاء عند الخليل من قوله في كتاب العين: «الهمس: حسّ الصوت في الفم مما لا إشراب له من صوت الصدر، ولا جهارة في المنطق، ولكنه كلام مهموس في الفم كالسرّ.» كتاب العين: 4/ 10.
(2)
الكتاب: 4/ 434.
- تعليقات: 1 - أراد سيبويه بالنّفس: هواء الزفير، وبالصوت: ما تحسّ به الأذن من عمل أعضاء النطق، وبالاعتماد: ما تبذله تلك الأعضاء من جهد في إنتاج الصوت، وإشباع الاعتماد قوته، لمقابلته بالإضعاف.
ويؤخذ من قوله: (الحلق والفم) و (الفم والخياشيم) أن موضع الاعتماد لا يقتصر عنده على مخرج الحرف، بل هو أعمّ منه، لهذا قال:«فالمجهورة حرف أشبع الاعتماد في موضعه» ، ولم يقل: في مخرجه.
على أنه إن صحّ هذا التفسير للاعتماد عند سيبويه، فسيكون كلامه فيه قلبا للحقيقة وما عليه واقع الأمر. فقد مرّ بنا من قبل أن الأصوات المهموسة أكثر كلفة على أعضاء النطق من الأصوات المجهورة، لا العكس.
ويبدو أن الذي كان من وراء سبق هذا الوهم إلى سيبويه واللغويين من بعده هو أن الأصوات المجهورة أوضح في السمع من الأصوات المهموسة، وهم قد عرفوا هذا «1» ، فحسبوا أن قوة الصوت في المجهورات ناتجة عن فضل جهد في نطقها لا يكون في المهموسات، فذهبوا إلى ما ذهبوا إليه.
2 -
كان اعتماد سيبويه في تمييز الأصوات مجهورها ومهموسها على أمرين اثنين: الأول الاعتماد، والآخر النّفس.
فإذا أشبع الاعتماد حتى انقطع جري النفس كان الصوت مجهورا، وإذا أضعف الاعتماد حتى جرى النفس كان الصوت مهموسا.
وليس مراده بانقطاع جري النفس نفي جريه بالكلية، بل انقطاع جري النفس الكثير كما يجري مع المهموس. فإن الصوت لا يتحقق بلا نفس معه، سواء أكان مجهورا أم مهموسا «2» .
(1) انظر ص 68 من هذا البحث.
(2)
انظر جهد المقلّ: 146.
3 -
قول سيبويه: «فإذا أردت إجراء الحروف، فأنت ترفع صوتك إن شئت بحروف اللين والمدّ، أو بما فيها منها، وإن شئت أخفيت» أراد به أن يبيّن طريقة اختبار الجهر والهمس في الأصوات، وهي تكرير الصوت مع جري النفس مدعوما بحروف اللين والمدّ، أو بما فيها منها وهي الحركات، لأنها بعض حروف المد، أو بالإخفاء وهو التسكين. فإذا استقام ذلك كان الصوت مهموسا، وإلا فهو مجهور.
قال ابن جني: «وأما المهموس، فحرف أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى معه النفس. وأنت تعتبر ذلك بأنه قد يمكنك تكرير الحرف مع جري الصوت «1» ، نحو: سسسس، كككك، هههه. ولو تكلفت مثل ذلك في المجهور لما أمكنك.» «2»
وعجيب تفسير د. إبراهيم أنيس الإخفاء هنا بالإهماس، قال:
4 -
ولو ذهبنا نقارن الأصوات المجهورة عند القدامى بما عند المحدثين منها، رأينا أن الأولين قد سلكوا فيها الهمزة والقاف والطاء، وهي عند الآخرين مهموسة؛ وذلك أمر اختلف القوم في تفسيره على أربعة أقوال:
الأول: أن معنى الجهر والهمس عند القدامى مباين لمعناهما عند المحدثين «4» .
(1) كذا، ولعل الصواب: مع جري النفس.
(2)
سر الصناعة: 1/ 60.
(3)
الأصوات اللغوية: 121.
(4)
انظر دروس في علم أصوات العربية: 34 - 35.
والثاني: أن القدامى أخطئوا حين جعلوا هذه الأصوات مجهورة «1» .
والثالث: أن القاف والطاء كان لهما نطقان، أحدهما مجهور هو الذي خصّه القدامى بالوصف، والآخر مهموس هو الذي شاع بعد على الألسنة «2» .
والرابع: أن القاف والطاء كانتا عند وصف القدامى لهما مجهورتين، ثم طرأ تغيّر عليهما فأحالهما مهموستين «3» .
مع سكوت أكثر من قال بالثالث والرابع عن أمر الهمزة «4» .
ويبدو أن القدامى أرادوا من الجهر والهمس ما يريده المحدثون منهما.
وهم إن جهلوا منشأ افتراقهما، وهو اهتزاز الطيتين الصوتيتين، فقد أحسوا أثره، ودعوه بصوت الصدر «5» . ولا أدل على دقة إحساسهم هذا مما اصطلحوا عليه في ذلك من كلمتي (الجهر) و (الهمس)، قال مكي:
(1) انظر مناهج البحث في اللغة: 123، وعلم اللغة العام:103.
(2)
انظر علم اللغة العام: 103، 111.
(3)
انظر الأصوات اللغوية: 62، 85؛ وعلم اللغة العام: 103؛ وفي التطور اللغوي: 214.
(4)
ذكر بعضهم أن الهمزة بحكم آلية نطقها لا يمكن إلا أن تكون مهموسة. انظر دراسات في فقه اللغة: 166.
(5)
انظر ص 47 من هذا البحث.
(6)
الرعاية: 92.
(7)
الرعاية: 93.
فإذا علمنا أن كل مجهور يعود في الهمس (الوشوشة) مهموسا «1» ، أدركنا كم نال أولئك اللغويون من التوفيق حين تواضعوا على هذين اللفظين.
غير أنهم لمّا أرادوا أن يجعلوا لهذا الإحساس ضابطا يرجعون إليه، توهموا أن قوة الصوت في المجهورات عائدة إلى قوة الجهد في نطقها، حتى ينقطع معها جري النفس.
وعلى ما في الهمزة والقاف والطاء من جريان النفس معها، نظمت في الأصوات المجهورة لقوة الاعتماد في نطقها.
وزاد في ركونهم إلى هذا الحكم، فلم يعاودوا النظر فيه، أن لهذه الأصوات نظائر بيّنة الهمس، هي: الهاء، والكاف، والتاء.
فحسبوا أن مما يميز الهمزة من الهاء، والقاف من الكاف، والطاء من التاء، مع أن كلا من هذه الأزواج من مخرج واحد أو مخرجين متقاربين، هو الجهر في الأول، والهمس في الآخر.
******
(1) انظر علم اللغة العام: 68.