الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن القلب قول ابن زنجلة «قرأ حفص عن عاصم: وَما أَنْسانِيهُ [الكهف 63] بضم الهاء على أصل الكلمة، وأصلها الضم، وإنما عدل عن كسر الهاء إلى الضم لما رأى الكسرات من (أنسانيه) وكانت الهاء أصلها الضم، رأى العدول إلى الضم ليكون أخف على اللسان من الاستمرار على الكسرات.
ومن كسر فلمجاورة الياء كما تقول: فيه وعليه.» «1»
ومنه أيضا قول العكبري: «قوله تعالى: سُرُرٍ [الحجر 47] يقرأ بفتح الراء الأولى مع ضم السين، وهي لغة فرّ فيها من الضم إلى الفتح لاجتماع الضمات.» «2» «3»
-
السهولة والتخفيف
-
- هو ميل المتكلم إلى الاقتصاد في الجهد، بتخفيف المستثقل من الكلام «4» .
- وعبّرت كتب الاحتجاج عن هذا القانون ب (التخفيف) أو (الاستثقال) غالبا، وب (السهولة) و (اليسر) نادرا، ومن هذا النادر قول مكي في نحو قوله تعالى: أَنِ اعْبُدُوا [المائدة 117] في قراءة نافع وابن كثير وابن عامر والكسائي وأبي جعفر وخلف بضم النون:
«
…
وأيضا فإنه كره الخروج من كسر إلى ضم ليس بينهما غير حرف ساكن، والساكن غير حائل لضعفه، فلا يعتدّ به، وألف الوصل لا حظّ لها في
(1) الحجة (ز): 422، وفي تسمية ضم الهاء هنا قلبا تسامح، لأنه الأصل.
(2)
إعراب الشواذ: 1/ 748، وانظر المحتسب: 1/ 301، 2/ 200، 288؛ والحجة (ز):
127؛ وإعراب الشواذ: 1/ 566، 631، 2/ 423، 476.
(3)
انظر مجاز القرآن: 1/ 351، والنوادر:240.
(4)
انظر الأصوات اللغوية: 234 - 235، والتطور اللغوي:75.
الوصل ولا يعتد بها حاجزا، فلما ثقل ذلك ضم الساكن الأول ليتبع الضم الضم فيكون أيسر عليه في اللفظ وأسهل، وهي لغة.» «1»
- ونصّ ابن خالويه على أمر جامع في هذا الباب، وهو أن «الخفيف فرع على الثقيل» «2» ، ودونه في صراحة التعبير عن هذا الأمر قول المهدوي:
- ومن المستثقل الذي يقع عليه التخفيف: الهمز، قال ابن أبي مريم:
واستدل أبو علي على «أن الهمزة حرف مستثقل، بدلالة تخفيفهم لها» «6» .
(1) الكشف: 1/ 275، وانظر المصدر نفسه: 1/ 167، والموضح: 1/ 194.
(2)
إعراب السبع: 1/ 106.
(3)
الهداية: 1/ 18.
(4)
أي: التقيّؤ.
(5)
الموضح: 1/ 185، وانظر الكتاب: 3/ 548، والتطور النحوي: 42، وفي اللهجات العربية: 77، والتطور اللغوي:76.
(6)
الحجة (ع): 3/ 137 - 138، وانظر في ثقل الهمز إعراب السبع: 1/ 56، 2/ 148؛ والحجة (ز): 84، 525؛ والكشف: 1/ 89، 379؛ والهداية: 1/ 41؛ وإعراب الشواذ:
1/ 95.
وأثقل ما يكون الهمز إذا كان ساكنا، قال المهدوي:
«ألا ترى أنهم أجمعوا على إبدالها إذا اجتمعت مع همزة أخرى متحركة، نحو: آدم وآخر، ولم يجمعوا على الإبدال إذا كانتا متحركتين نحو: أئمة، فذلك لأن الساكنة أثقل من المتحركة. وقد قيل: المتحركة أثقل
…
» «1» .
وبيّن ابن زنجلة وجه ثقل الهمزة الساكنة فقال: «وذلك أنه تخرج الهمزة الساكنة من الصدر، ولا تخرج إلا مع حبس النفس؛ والهمزة المتحركة تعينها حركتها وتعين المتكلم بها على خروجها.» «2»
وحبس النفس مع نطق الهمزة ناشئ عن انطباق الطيتين الصوتيتين، فإذا كانت ساكنة طالت مدته، وهو ما يزيدها ثقلا.
على أن تخفيف الهمز قد يكون أثقل من تحقيقه في مواضع، قال المهدوي في استثناء أبي عمرو تخفيف الهمز في تؤيه [المعارج 13] وتؤي [الأحزاب 51] من أصله في تخفيف الساكنة إذا أدرج القراءة أو قرأ في الصلاة:
(1) الهداية: 1/ 54.
(2)
الحجة (ز): 85. غير أنه عاد بعد هذا فنقض قوله عند ما احتج لتخفيف الهمزتين من كلمة فقال: «وحجتهما في ذلك أن العرب تستثقل الهمزة الواحدة فتخففها في أخف أحوالها وهي ساكنة نحو: كاس. فإذا كانت تخفف وهي وحدها، فأن تخفف ومعها مثلها أولى.» الحجة (ز): 86، وانظر المصدر نفسه: 91، 287؛ وإعراب السبع: 1/ 57، والحجة (خ): 65، 152؛ والكشف: 1/ 84.
(3)
الهداية: 1/ 55، وانظر المعاني: 1/ 127؛ وإعراب السبع: 1/ 56، 2/ 204؛ والحجة (ز): 579؛ والكشف: 1/ 85 - 86.
(4)
انظر معاني القرآن: الفراء، 2/ 130.
- ومن المستثقل اجتماع الحروف المتقاربة فضلا عن الأمثال، فمن الأول حذف التاء في قوله تعالى: فَمَا اسْطاعُوا [الكهف 97]، قال أبو العلاء الكرماني:
«أصله: فما استطاعوا، فلما اجتمع المتقاربان وهما التاء والطاء، أحبوا التخفيف بالحذف. قال ابن السّكّيت «1» : يقال: ما أستطيع، وما أستتيع، وما أسطيع، وما أستيع: أربع لغات «2» .» «3» «4»
فإذا اجتمع مثلان أو متقاربان، فإن للتخفيف صورا شتى، منها الإدغام.
قال مكي: «واعلم أن أصل الإدغام إنما هو في الحرفين المثلين، وعلة ذلك إرادة التخفيف، لأن اللسان إذا لفظ بالحرف من مخرجه ثم عاد مرة أخرى إلى المخرج بعينه ليلفظ بحرف آخر مثله صعب ذلك. وشبّهه النحويون بمشي المقيّد، لأنه يرفع رجلا ثم يعيدها إلى موضعها أو قريب منه «5» ؛ وشبهه بعضهم بإعادة الحديث مرتين، وذلك ثقيل على السامع.» «6»
ومنها الحذف، وهو أخفّ من الإدغام، نحو قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأنعام 152]، قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وشعبة وأبو
(1) يعقوب بن إسحاق، ابن السكيت، أبو يوسف: إمام في اللغة والنحو والأدب، ومن أهل الدين والخير والتقوى، لقي فصحاء الأعراب وأخذ عنهم، كان معلما للصبيان في بغداد، ثم أدّب أولاد المتوكل، له: إصلاح المنطق، والألفاظ، والقلب والإبدال، والأمثال. توفي سنة 244 هـ.
انظر البلغة: 318 - 319، والبغية: 2/ 349، والأعلام: 8/ 195.
(2)
انظر الإبدال: ابن السكيت، تحقيق: حسين محمد محمد شرف، مراجعة: علي النجدي ناصف، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، 1978 م، ص 129.
(3)
المفاتيح: 264، وانظر الحجة (ع): 5/ 179.
(4)
انظر في لغات (استطاع) الكتاب: 4/ 483، 484؛ والخصائص: 1/ 260.
(5)
انظر الكتاب: 3/ 530.
(6)
الكشف: 1/ 134، وانظر إعراب السبع: 1/ 56، والحجة (ز): 84، والهداية: 1/ 81، والموضح: 1/ 193 - 194.
جعفر ويعقوب: (تذّكّرون) بالتشديد، وقرأ الباقون:(تذكّرون) بالتخفيف. قال أبو علي:
«والقول في ذلك أن التخفيف مثل التشديد في المعنى، إنما هو:
تتذكرون، فخفف «1» لاجتماع المتقاربة بالحذف كما خففه غيره بالإدغام.
ويمكن أن يقال: إن الحذف أولى لأنه أخف في اللفظ، والدلالة على المعنى قائمة» «2» .
ومنها الإبدال، قال ابن جني في حديثه عن أصل (ذرّيّة) وأنها تحتمل أوجها كثيرة منها «أن تكون ذرية: فعّيلة كمرّيقة «3» ، إلا أن أصلها ذريرة على هذا، فلما كثرت الراءات أبدلوا الآخرة ياء وأدغموا فيها ياء فعلية التي قبلها» «4» - قال:
تقضّي البازي إذا البازي كسر
وهو تفعّل من الانقضاض، وأصله: تقضّض، كما أن أصل تظنيت:
تظننت، وتسريت: تسررت
…
وأصل تلعيت: تلععت، وأصل قصيت أظفاري قصصت
…
وأصل تفضيت: تفضضت
…
» «6» .
(1) في المطبوع: فحذف.
(2)
الحجة (ع): 3/ 430، وانظر الموضح: 1/ 512، 2/ 929.
(3)
المرّيق: العصفر بلغة أهل الشام. انظر تفسير غريب ما في كتاب سيبويه من الأبنية: أبو حاتم السجستاني، تحقيق: د. محمد الدالي، دار البشائر، دمشق، ط 1، 2001 م، ص 151.
(4)
المحتسب: 1/ 156 - 157، وانظر الحجة (ع): 4/ 106 - 107، والهداية: 2/ 315 - 316، وإعراب الشواذ: 1/ 202 - 203.
(5)
سبق تخريجه في ص 122 من هذا البحث.
(6)
المحتسب: 1/ 157، وانظر الحجة (ع): 5/ 420، 478؛ والمحتسب: 1/ 283 - 284؛ والحجة (ز): 143؛ والكشف: 1/ 309؛ والهداية: 1/ 204؛ والموضح: 1/ 341، 2/ 982، 1037 - 1038.
- ومن المستثقل طول الكلمة «1» ، قال المهدوي:
«إسكان أبي عمرو السين في رُسُلُنا [المائدة 32] ونظائره، والباء في سُبُلَنا [إبراهيم 12] على وجه التخفيف، لأن العرب تخفف جميع ما جاء على (فعل)، وتخفيف رُسُلِهِ [البقرة 98] ورُسُلِكَ [آل عمران 194] وسُبُلَ رَبِّكِ [النحل 69] ورُسُلُ اللَّهِ [الأنعام 124] وما أشبه ذلك جائز، غير أن أبا عمرو خصّ بالتخفيف ما اتصل بضمير الجماعة
دون غيره لطول الكلمة.» «2»
وقال في موضع آخر: «وكان أبو عمرو يعتبر في أغلب الأمر طول الكلمة، فإذا طالت الكلمة أسكن الياء، نحو: لَيَحْزُنُنِي [يوسف 13] ولِيَبْلُوَنِي [النمل 40] وتَأْمُرُونِّي [الزمر 64] وما أشبه ذلك «3» .
وعلة ذلك أن الكلمة لمّا طالت ثقلت، فكره أن يزيد في طولها بحركة الياء، فخففها بالإسكان.» «4»
- ومن المستثقل تكرر الحركات، أو كثرتها، أو تنافرها.
فأما ما يكره من تكرر الحركات فالضمة والكسرة «5» ، دون الفتحة لخفتها «6» .
(1) انظر اللغة: فندريس، 89.
(2)
الهداية: 1/ 213.
(3)
انظر الكشف: 1/ 327.
(4)
الهداية: 1/ 160، وانظر في التخفيف لطول الكلمة الحجة (خ): 263؛ والحجة (ع):
2/ 462 - 463؛ والمحتسب: 1/ 349؛ والحجة (ز): 225، 438؛ والهداية: 1/ 207؛ وإعراب الشواذ: 1/ 431، 682.
(5)
وابن خالويه يرى أن الضمة أثقل الحركات. انظر إعراب السبع: 1/ 81، والحجة (خ): 74؛ وانظر الخصائص: 1/ 55.
(6)
انظر في خفة الفتحة إعراب السبع: 2/ 174؛ والحجة (خ): 277؛ والحجة (ع): 5/ 77؛ والمحتسب: 1/ 53، 249، 274، 2/ 335 - 336؛ والموضح: 1/ 276 - 277؛ وإعراب الشواذ: 1/ 393 - 394.
قال الفراء: «وقوله: أَنُلْزِمُكُمُوها [هود 28] العرب تسكن الميم التي من اللزوم فيقولون: أنلزمكموها، وذلك أن الحركات قد توالت فسكنت الميم لحركتها وحركتين بعدها وأنها مرفوعة، فلو كانت منصوبة لم يستثقل فتخفف، إنما يستثقلون كسرة بعدها ضمة، أو ضمة بعدها كسرة، أو كسرتين متواليتين، أو ضمتين متواليتين
…
فإنما يستثقل الضم والكسر لأن لمخرجيها مئونة على اللسان والشفتين:
تنضم الرفعة بهما فيثقل الضمة، ويمال أحد الشدقين إلى الكسرة فترى ذلك ثقيلا، والفتحة تخرج من خرق الفم بلا كلفة.» «1»
فمن تكرر الضمة قوله تعالى: عُرُباً [الواقعة 37]، قال ابن خالويه:
«إجماع القراء على ضم الراء، إلا ما تفرد به حمزة وأبو بكر عن عاصم من إسكانها
…
والحجة لمن أسكن أنه استثقل الجمع بين ضمتين متواليتين، فخفف بإسكان أحدهما.» «2»
ومن تكرر الكسرة قوله تعالى: وَمَكْرَ السَّيِّئِ [فاطر 43]، قرأ حمزة بإسكان الهمزة وصلا، قال الكرماني:«ويحتمل أنه خفف آخر الاسم لاجتماع الكسرتين والياءين كما خففوا الباء من (إبل) لتوالي الكسرتين، ونزّل حركة الإعراب بمنزلة غير حركة الإعراب.» «3» «4»
وتخفيف ما تكرر من الضمة والكسرة يكون بالفتحة كما يكون بالسكون، قال ابن جني:
(1) معاني القرآن: الفراء، 2/ 12 - 13.
(2)
الحجة (خ): 340، وانظر معاني القرآن: الفراء، 3/ 125.
(3)
المفاتيح: 341، وانظر معاني القرآن: الفراء، 2/ 371.
(4)
انظر في استثقالهم تكرر الضمة والكسرة إعراب السبع: 1/ 100، 279، 2/ 227؛ والحجة (خ): 85، 91 - 92، 102، 222، 297؛ والحجة (ز): 105، 120 - 121، 146، 227، 319، 324؛ والكشف: 1/ 253، 273 - 274، 503؛ والهداية: 1/ 165 - 188؛ وإعراب الشواذ: 1/ 263.
«وقد دللنا في كتابنا (الخصائص) «1» على تقاود «2» الفتح والسكون، ولأنهما «3» يكادان يجريان مجرى واحدا في الفم في عدة أماكن.
منها أن كل واحد منهما قد يفزع ويستروح إليه من الضمة والكسرة؛ ألا تراهم قالوا في غرفات ونحوها تارة: غرفات بالفتح، وأخرى: غرفات بالسكون؛ كما قالوا في سدرات تارة: سدرات بالفتح، وأخرى: سدرات بالسكون.» «4» «5»
وأما ما يكره من كثرة الحركات، فحدّه أبو علي بما زاد على ثلاث حركات، قال:
«وقد كرهوا الحركة فيما تتوالى فيه الحركات، وإن كانت للإعراب، فزعم أبو الحسن «6» أن بعضهم قال: رُسُلُهُمْ [إبراهيم 10]«7» ، ونحو هذا ما أنشده سيبويه من قوله «8»:
إذا اعوججن قلت صاحب قوّم «9»
(1) 1/ 59.
(2)
التقاود: الاستواء.
(3)
كذا، ولعل الصواب: وأنهما.
(4)
المحتسب: 1/ 54، وانظر الحجة (ع): 2/ 150، والمحتسب: 1/ 56.
(5)
انظر النوادر في اللغة: 52.
(6)
هو الأخفش، نصّ على ذلك مكي في مشكل إعراب القرآن: 1/ 427.
(7)
انظر المرجع نفسه: 1/ 427.
(8)
هو أبو نخيلة، والبيت في الكتاب: 4/ 203؛ ومعاني القرآن: الفراء، 2/ 12؛ والخصائص:
1/ 75، 2/ 317؛ وشرح الشافية: 4/ 225؛ واللسان: مادة (ع وم)، 9/ 484.
(9)
وبعده:
بالدّوّ أمثال السّفين العوّم
إذا اعوججن: يريد الإبل في سيرها. قوّم: أي قومها على الطريق ولا تتركها تعدل عنه.
الدّوّ: الفلاة الواسعة. العوّم: جمع عائمة، وهي السفينة التي تشق الماء وتدخل فيه. انظر شرح أبيات سيبويه: ابن السيرافي، تحقيق: د. محمد علي سلطاني، دار العصماء، دمشق، ط 1، 2001 م، ص 2/ 399.
ونحوه قول جرير «1» :
سيروا بني العمّ فالأهواز منزلكم
…
ونهر تيرى ولا تعرفكم العرب
فأما حدّ المستخفّ والمستثقل، فإن جعل ما زاد على الثلاثة غير مستخف كان مذهبا، وإن جعل المستثقل ما توالى فيه أربع حركات كان مذهبا، لأنك قد علمت استثقالهم له برفضهم إياه في الشعر، إلا في موضع الزحاف.
وإذا لم يستخف الأربعة، فالخمسة أجدر بألا تستخف «2» .» «3»
فممّا أسكن لكثرة الحركات لام الأمر في قوله تعالى: فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [إبراهيم 11]، قال ابن جني في قراءة من قرأ بكسرها:«هذا لعمري الأصل في لام الأمر، أن تكون مكسورة، إلا أنهم أقروا إسكانها تخفيفا. وإذا كانوا يقولون: مره فليقم، فيسكنونها مع قلة الحروف والحركات، فإسكانها مع كثرة الحروف والحركات أمثل، وتلك حالها في قوله: فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، لا سيما «4» وقبلها كسرة الهاء «5» ؛ فاعرف ذلك، فإن مصارفة الألفاظ باب معتمد في الاستثقال والاستخفاف.» «6»
وقد تحذف الفتحة على خفتها لكثرة الحركات، نحو قوله تعالى: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر 30]، قرأ أبو جعفر:(تسعة عشر)، قال ابن جني:
«أما (تسعة عشر) بفتح هاء (تسعة) وسكون عين (عشر)، فلأجل كثرة الحركات، وأن الاسمين جعلا كاسم واحد، فلم يوقف على الأول منهما فيحتاج إلى الابتداء بالثاني.
(1) سبق تخريجه في ص 226 من هذا البحث.
(2)
انظر الكتاب: 4/ 437.
(3)
الحجة (ع): 2/ 5 - 6، وانظر المصدر نفسه: 1/ 82 - 83، 2/ 460 - 463.
(4)
ذكر الخضري في حاشيته على شرح ابن عقيل أن قول المصنفين: (لا سيما والأمر كذا) تركيب عربي، انظر: 1/ 81.
(5)
يريد الهاء من (الله) في قوله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.
(6)
المحتسب: 1/ 359.
فلما أمن ذلك أسكن تخفيفا أوله، وجعل ذلك أمارة لقوة اتصال أحد الاسمين بصاحبه.» «1» «2»
وأما ما يكره من تنافر الحركات، فهو الخروج من كسر إلى ضم، قال المهدوي:
«فَمَنِ اضْطُرَّ [البقرة 173] وما أشبهه، من كسر الساكن الأول من الساكنين الملتقيين إذا كانا من كلمتين، وكان أول الكلمة الثانية ألف وصل تبتدأ بالضم، فإنه جاء به على أصل الساكنين، وهو أن يكسر الأول منهما نحو قولك:
قل الحقّ، واضرب الرجل، وما أشبهه
…
ومن ضم الساكن الأول
…
فإنه استثقل أن يكسره وبعده ضمة، والخروج من كسر إلى ضم ثقيل، فضم لالتقاء الساكنين، ليخرج من ضم إلى ضم.
ويقوي ذلك أنهم ضموا ألف الوصل في قولك: اخرج وما أشبهه، وكرهوا أن يكسروها لثقل الضم بعد الكسر.» «3» «4»
والخروج من ضم إلى كسر على ضربين: لازم وعارض، والأول مرفوض في حين أن الآخر جائز، لأنه لا حكم لعارض. قال أبو علي:
«إن الضم بعد الكسر على ضربين:
(1) المحتسب: 2/ 339، وانظر معاني القرآن: الفراء، 2/ 34، 3/ 203؛ ومعاني القرآن:
الأخفش، 1/ 394.
(2)
انظر في استثقالهم كثرة الحركات المعاني: 1/ 332؛ والمحتسب: 2/ 338؛ والحجة (ز):
97، 594؛ والكشف: 1/ 241، 2/ 156؛ والموضح: 1/ 375، 2/ 572؛ وإعراب الشواذ: 1/ 410، 2/ 642.
(3)
الهداية: 1/ 188 - 189، وانظر الكتاب: 4/ 335، والخصائص: 1/ 68.
(4)
انظر في استثقالهم الخروج من كسر إلى ضم إعراب السبع: 1/ 51، 81، 300؛ والحجة (خ): 63، 92، 93 - 94؛ والحجة (ع): 1/ 61، 6/ 324؛ والمحتسب: 1/ 227؛ والحجة (ز): 82، 122، 192، 290؛ والكشف: 1/ 275؛ والهداية: 1/ 22؛ والمفاتيح:
140؛ والموضح: 1/ 234، 2/ 669.
أحدهما: أن يكون في بناء الكلمة وأصلها، كالضم بعد الفتح في (عضد).
والآخر: أن يكون عارضا في الكلمة غير لازم لها.
فما كان من الضرب الأول فهو مرفوض في أبنية الأسماء والأفعال كما كان (فعل) في أبنية الأسماء مرفوضا، وما كان من الضرب الثاني فمستعمل، نحو قولهم: فرق، ونزق في الرفع
…
وقد أعلمتك
…
أن كثيرا مما لا يلزم الكلمة لا يقع الاعتداد به «1» .» «2»
وذهب د. عبد الصبور شاهين إلى «أن اللغة تستثقل دائما أن تتوالى في النطق ضمة وكسرة، أو كسرة وضمة، والسبب في ذلك واضح من الناحية العضوية، لأن الكسرة هي أضيق الحركات وأكثرها تقدما، والضمة أضيق الحركات وأكثرها تراجعا، والناطق يصعب عليه أن ينقل لسانه من وضع معين إلى نقيضه تماما، مع التزام السرعة العادية في الأداء.
ولذلك تجنب العربي أن يعاني هذه الصعوبة في الأبنية الثابتة، أما بناء الفعل للمفعول فهو حالة عارضة تعبّر عن وظيفة لغوية يقصد إليها المتكلم، فهو يعمد إلى التتابع الصعب في هذه الحالة وحدها.» «3»
على أن في توالي (كسرة فضمة) زيادة ثقل ليست في توالي (ضمة فكسرة)، وذلك لأن الضمة أثقل من الكسرة «4» ، ففي الصورة الأولى خروج من ثقيل إلى أثقل، وهو غاية الثقل، وليس كذلك في الأخرى.
- ومن المستثقل التصعّد بعد التسفّل، قال ابن أبي مريم:
(1) انظر الكشف: 1/ 87.
(2)
الحجة (ع): 1/ 97 - 98، وانظر الكتاب: 4/ 335.
(3)
المنهج الصوتي للبنية العربية: 53 - 54.
(4)
قال د. إبراهيم أنيس: «نجد أن الضمة هي التي تحتاج إلى جهد عضلي أكثر، لأنها تتكون بتحرك أقصى اللسان، في حين أن الكسرة تتكون بتحرك أدنى اللسان، وتحرك أدنى اللسان أيسر من تحرك أقصاه.» في اللهجات العربية: 96.