الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - حذف الصوائت الطويلة:
- نحو قوله تعالى: فِيهِ هُدىً [البقرة 2]، قرأ ابن كثير بصلة هاء (فيه) بياء، وقرأ الباقون بحذفها.
لمّا كانت هاء الكناية اسما، على حرف واحد، وهو حرف خفي- قوّوه بزيادة واو، فقالوا: ضربهو زيد «1» .
فإذا جاءت الهاء بعد كسرة أو ياء، قلبت الواو ياء، نحو:(به، وعليه).
وأكثر القراء على حذف صلة الهاء، إذا جاءت بعد ساكن، نحو:(منه، وفيه)، إلا ابن كثير فيقرأ بإثباتها على الأصل.
وللحذف علتان:
الأولى: أنهم كرهوا اجتماع حرفين ساكنين بينهما حرف خفي ليس بحاجز حصين، فحذفوا الزيادة، وبقيت حركة الهاء تدل عليها.
والأخرى: أن الياء إذا كانت قبل الهاء، ووصلت الهاء بياء بعدها، اجتمعت ثلاثة أحرف متقاربة. وقد كرهوا اجتماع الحروف المتقاربة، حتى
(1) وتحتمل هذه الواو عندي وجها آخر، وهو أن تكون أصلا، وذلك على جعل الضمير الغائب المنفصل أصلا في المتصل، فنحو:(ضربه) أصله: (ضرب هو)، ثم تخففوا فيه فقالوا:(ضربهو). ومثل هذا التخفيف سمع في الشعر، كقول أحدهم:
بيناه في دار صدق قد أقام بها
…
حينا يعلّلنا وما نعلله
أراد: بينا هو. (انظر الكتاب: 1/ 31).
وقول الآخر:
دار لسعدى إذ هـ من هواكا
أراد: إذ هي. (انظر الكتاب: 1/ 27).
ويشكل عليه أنه لا يقال في نحو: (ضرب هي): (ضربهي)، وكأنه لما قلبوا الواو ياء في نحو:(بهو) و (فيهو)، فقالوا:(بهي) و (فيهي) لمناسبة الكسرة والياء- قلبوا الياء ألفا في نحو: (ضربهي)، فقالوا:(ضربها) لأمن اللبس.
خففوا بالحذف والبدل والإدغام «1» «2» .
قال المهدوي: «الاسم المضمر هو الهاء وحدها، وما وصلت به من واو وياء فهو زائد.
قال سيبويه «3» : زيدت الواو على الهاء في المذكر، كما زيدت الألف على الهاء في المؤنث، ليستويا في باب الزيادة، يعني بذلك قولك: منه ومنها ونظائر ذلك.
وقال أصحاب الخليل وسيبويه: إنما زيدت الواو على الهاء لخفاء الهاء، لتخرجها الواو من الخفاء إلى الإبانة
…
لكن الواو إذا زيدت على الهاء وقبل الهاء كسرة قلبت الواو ياء
…
وكذلك إذا كان قبل الهاء ياء ساكنة
…
» «4»
وقال أبو علي: «وأما ترك إتباع الهاء الياء في فِيهِ هُدىً [البقرة 2] وما أشبهه في الوصل، فلكراهة اجتماع حروف فيه متقاربة، وقد كرهوا من اجتماع المتقاربة ما كرهوا من اجتماع الأمثال؛ ألا ترى أنهم يدغمون المتقاربة كما يدغمون الأمثال؟ فالقبيلان من الأمثال والمتقاربة إذا اجتمعت خففت تارة بالإدغام، وتارة بالقلب، وتارة بالحذف
…
ومما يحسّن الحذف هاهنا، مع ما ذكرنا من اجتماع المتشابهة، أن الهاء حرف خفي، فإذا اكتنفها ساكنان من حروف اللين كان كأن الساكنين قد التقيا، لخفاء الهاء وأنهم لم يعتدوا بها للخفاء في مواضع
…
» «5»
(1) انظر المعاني: 1/ 126 - 127؛ وإعراب السبع: 1/ 72؛ والحجة (خ): 71 - 72؛ والحجة (ع): 1/ 207 - 211، 4/ 60 - 61؛ والحجة (ز): 83؛ والكشف: 1/ 42 - 44؛ والهداية: 1/ 26 - 29؛ والموضح: 1/ 237 - 239.
(2)
انظر الكتاب: 4/ 189 - 190، 195؛ ومعاني القرآن: الأخفش، 1/ 26 - 28؛ والمقتضب:
1/ 399 - 401.
(3)
انظر الكتاب: 4/ 189.
(4)
الهداية: 1/ 26 - 27.
(5)
الحجة (ع): 1/ 208 - 209.
على أن د. رمضان عبد التواب أرجع تقصير الصائت الطويل بعد هاء الغائب إذا لم يأت قبلها مقطع قصير إلى المخالفة الكمية بين المقاطع، قال:
«ومن المخالفة الصوتية
…
ما يسمى بالمخالفة الكمية بين المقاطع الصوتية، ومن أمثلة ذلك ما يحدث لحركة الضمير المفرد الغائب في العربية الفصحى، فالأصل في هذه الحركة هو الضمة الطويلة، وتحدث له المماثلة الصوتية مع الكسرات قبله
…
وتحتفظ العربية الفصحى بالطول في حركته بعد المقاطع القصيرة، مثل:
له لهو، وبه بهي، وغير ذلك. كما تقصّر حركته في العربية بعد المقاطع الطويلة، عن طريق المخالفة الكمية بين المقاطع، فيقال مثلا:(فيه) بدلا من (فيهي)، و (منه) بدلا من (منهو)، وغير ذلك.» «1»
- ونحو قوله تعالى: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا [المائدة 44]، قرأ أبو عمرو وأبو جعفر:(واخشوني) بإثبات الياء وصلا، وبحذفها وقفا.
وقال ابن أبي مريم في نحو هذا من الياءات الزوائد:
«والوجه أن الأصل أن تثبت هذه الياءات، وحذفها لأجل التخفيف، فإن الكسرة التي بقيت تدل عليها، فمعناها حاصل، والشيء إذا أفاد محذوفا ما
(1) التطور اللغوي: 67، وانظر التطور النحوي: برجشتراسر، 67.
(2)
الحجة (ع): 3/ 221.
يفيده ثابتا، كان حذفه هو الأحسن.» «1» «2»
- ونحو قوله تعالى: حاشَ لِلَّهِ [يوسف 31]، قرأ أبو عمرو بإثبات ألف بعد الشين وصلا فقط:(حاشى لله)، وقرأ الباقون بحذف الألف، لأن الفتحة تدل عليها، مع كثرة الاستعمال. ونحوه قولك: لا أدر «3» ، وقولهم: أصاب الناس جهد ولو تر أهل مكة «4» ، وقول رؤبة «5»:
وصّاني العجّاج فيما وصّني «6»
(1) الموضح: 1/ 400، وانظر مثلا المعاني: 2/ 66؛ والحجة (ع): 4/ 115 - 116، 377، 6/ 214 - 215؛ والمحتسب: 1/ 349؛ والحجة (ز): 127، 349؛ والموضح: 2/ 665.
(2)
انظر معاني القرآن: الفراء، 1/ 90 - 91.
(3)
انظر الكتاب: 4/ 399.
(4)
انظر اللسان: مادة (رأي)، 5/ 86.
(5)
انظر مجموع أشعار العرب (ديوان رؤبة بن العجاج)، تحقيق: وليم بن الورد، مكتبة المثنى، بغداد، 1903 م، ص 187.
والبيت في الحجة (ع): 4/ 424، 6/ 424.
(6)
انظر الحجة (خ): 195؛ والحجة (ع): 1/ 95، 4/ 340، 376، 423 - 424؛ والمحتسب: 1/ 277، 298 - 300؛ والحجة (ز): 767؛ والكشف: 2/ 10، 383؛ والهداية: 2/ 361 - 362، 555؛ والموضح: 1/ 434، 2/ 657، 678، 3/ 1382.