الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدّمَة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمَّد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وبعد: فهذه هي المجموعة الثالثة من "سلسلة تقريب رواة السنة بين يدي الأمة"، والتي ظلت أصولها حبيسة الأدراج أكثر من خمس سنوات، وها أنا اليوم أتشرف بتقديمها خدمة لأهل العلم وطلابه، وراجيًا من الله تعالي أن أكون بذلك ممن قد ساهم وضرب بسهم في سبيل حفظ السنة الغراء، وتقريب ما تناثر وتباعد من حملتها ورواتها الفضلاء، الذين سلكوا محجة الصالحين، واتبعوا آثار السلف الماضين، ودمغوا أهل البدع والمخالفين، بحفظهم سنن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
والذين آثروا قطع المفاوز والقِفَار، على التنعم في الدمن والأوطار،
وتنعموا بالبؤس في الأسفار، مع مُساكنة العلم والأخبار، وقنعوا عند جَمْع الأحاديث والآثار، بوجود الكسر والأطمار، رفضوا الإلحاد الذي تتوق إليه النفوس الشهوانية، وتوابع ذلك من البدع والأهواء والمقاييس والآراء الشيطانية، جعلوا المساجد بيوتهم، وأساطينها تكاءهم، وبَوَاريها فرشهم، أصحاب الحديث وحملته، وصيارفته وحفظته، خير الناس، نبذوا الدنيا بأسرها وراءهم، وجعلوا غذاءهم الكتابة، وسمرهم المعارضة، واسترواحهم المذاكرة، وخلوقهم المِدار، ونومهم السهاد، واصطلاءهم الضياء، وتوسدهم الحصى، فالشدائد مع وجود الأسانيد العالية عندهم رخاء، ووجود الرخاء مع فقد ما طلبوه عندهم بؤس، فعقولهم بلذاذة السنة غامرة، وقلوبهم بالرضا في الأحوال عامرة، تَعلُّم السُّنن سرورهم، ومجالس العلم حبورهم (1)، ولله در القائل فيهم:
علم الحديث أجلَّ علم يُذكرُ
…
وله خصائصُ فضلُها لا يُنكرُ
ورجالُه أهل الزَّهادة والتُّقى
…
وهم بتحقيق المناقب أجدرُ
وقفوا نفوسهم عليه فحدُّهم
…
لاينثني ودؤوبهم لايَفْتُرُ
ينفون عنه إفك كلِّ معاند
…
بدلائل متلألئاتٍ تُزهِرُ
ويميزون صحيحه وسقيمه
…
بمقالةٍ تبيانها لا يُقْصَرُ
لله درُّهم رجالًا ما لهم
…
في هذه الدنيا مبان تُعمرُ
في الله محياهم وفيه مماتهم
…
وهم على كلف المشقَّة صُبَّرُ
قنعوا بِمُجْزئ قوتهم من دارهم
…
ورضوا بأطمارٍ رثاثٍ تسترُ
ماضرهم مافات من دنياهم
…
فلذيذ عيشهمُ الهنيء مؤخرُ
(1)"المعرفة"(108 - 109).
ولذا فقد اهتم العلماء بذكر بيان أهمية معرفة مراتب الرواة وعلم الرجال، فاستعملوا في تمييز أحوالهم الفكر والبال، ليوضحوا سبيل المتحمل، ويبينوا وسيلة التوصل، حتى قال إمام العلل في زمانه علي بن المديني كما في "المحدث الفاصل"(1)، بإسناد صحيح:"معرفة الرجال نصف العلم"، وقال الفضل بن دكين: لا ينبغي أن يؤخذ الحديث إلا عن حافظ له، أمين عليه، عارف بالرجال (2). وقال أبو الحسين ابن الدمياطي (ت 749 هـ): علم الحديث من أشرف العلوم قدرًا، وأكملها شرفًا وذُخرًا، لا سيما معرفة تراجم العلماء، وأحوال الفضلاء (3). وقال السخاوي (ت 902 هـ): من المعلوم المقرر عند أولي العقول "الصحيحة" وثاقب الفهوم، أن الاشتغال بنشر أخبار الأخيار ولو بتواريخهم، من علامات سعادات الدارين لأولي العرفان والاختبار، بل يرجى إسعافهم للمقصر الذاكر لهم بالشفاعة، وإتحافهم من المولي بمرافقة أهل السنة والجماعة، إلى غير هذا مما يرغب فيه، ويحبب للتوجه إليه كل وجيه. (4) وقال بعضهم: دراسة حياة الأجداد تربي أخلاق الأبناء والأحفاد، لما فيها من الحكمة البالغة الحسنة، والموعظة المستحسنة. (5)
وقال الشيخ العباد -حفظه الله تعالى-: علم الرجال يشتغل فيه الرجال،
(1) برقم (222).
(2)
"تهذيب الكمال"(1/ 162).
(3)
"المستفاد من ذيل تاريخ بغداد" ص (75).
(4)
"التحفة اللطيفة"(1/ 3).
(5)
مقدمة "شجرة النور الزكية"(1/ 8 - 9).
وليس كل أحد يصبرُ على هذا الفن. (1)
وقد أحببت أن يكون لي سهمٌ في هذا المضمار، الذي يحبب للتوجه إليه كل وجيه، فشمرت عن ساق الجد، واستعنت بالله فإنه خير معين وممد،
وقلَّ من جدَّ في أمر يحاوله
…
فاستعمل الصبر إلا فاز بالظفر
وإن لم اكن أرى نفسي أهلًا لما هنالك، ولا من فرسان ميادين تلك المسالك، فلا يمنعني ذلك من أن أجود بقليِّ وموجودي، ورحم الله القائل:(2)
أسير وراء الركب ذا عرج
…
مؤملًا جبر ما لاقيت من عرج
فإن لحقت بهم من بعد ما سبقوا
…
فكم لرب الورى في الناس من فرج
وإن ضللت بقفر الأرض منقطعًا
…
فما على أعرج في ذاك من حرج
فتشبهًا بطريقة هؤلاء الأخيار، في جمع رواة الأخبار، من الأجزاء والمشيخات وبطون كتب الأحبار، فقد جمعت في هذه المجموعة الثالثة -والتي أسميتها "الروض الباسم في تراجم شيوخ الحاكم"- مشيخة أحد شيوخ الإِسلام، واحد الأئمة الأعلام؛ الذابين عن سنة خير الأنام، عليه وعلى آله أفضل صلاة وأتم سلام، ذاك العَلَم الشامخ الهمام، أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الحاكم بن البيِّع الإِمام، قمت بجمع ذلك من جميع كتبه المطبوعة، والتي هي:"المستدرك على الصحيحين"، و"معرفة علوم الحديث"، و"المدخل إلي معرفة الإكليل"، و"المدخل إلي الصحيح"، و"تسمية من أخرج لهم البخاري ومسلم"، و"أجوبته على سؤالات البغاددة
(1)"إتحاف العباد" ص (14).
(2)
مقدمة "شرح سنن النسائي" ص (7) للعلامة محمَّد المختار الشنقيطي رحمه الله تعالي -.
والسِّجْزِي"، و"أسئلته لأبي الحسن الدارقطني".
كما أني قمت -أيضًا- بنسخ جميع شيوخه -من "مختصر تاريخ نيسابور" للخليفة النيسابوري- الذين ذكرهم في آخر الطبقة السادسة من "تاريخ نيسابور"، ممن أدركهم ورزق السماع منهم بنيسابور.
كما قمت -أيضًا- بجمع شيوخه من كتب راويته أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 هـ) رحمه الله تعالي-، والتي بلغت سبعًا وعشرين مصنفًا، وهي:"السنن الكبرى" الطبعة الحجرية، و"السنن الصغرى" مع شرح الأعظمي مكتبة الرشد، و"الجامع لشعب الإيمان" مكتبة الرشد، و"مناقب الشافعي" دار التراث القاهرة، و"معرفة السنن والآثار" دار الكتب العلمية، و"الزهد الكبير" مؤسسة الكتب الثقافية، و"القضاء والقدر" مكتبة الرشد، و"الاعتقاد" دار الفضيلة، و"الأسماء والصفات" مكتبة السوادي للتوزيع، و" فضائل الأوقات" مكتبة المنارة، و"الآداب" مؤسسة الكتب الثقافية، و"بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" مؤسسة الرسالة، و"الخلافيات" دار الصميعي، و "دلائل النبوة" دار الكتب العلمية، و"المدخل إلي السنن" أضواء السلف، و"إثبات عذاب القبر" مكتبة التراث الإِسلامي، و"المدخل إلي دلائل النبوة" مطبوع ضمن "الدلائل"، و"البعث والنشور" مؤسسة الكتب الثقافية، و"القراءة خلف الإِمام" دار الكتب العلمية، و"أحكام القرآن" دار إحياء العلوم، و"الدعوات الكبير" منشورات مركز المخطوطات والتراث والوثائق، و"رسالة إلى أبي محمَّد الجويني"، و"رسالة إلى عميد الملك" وهما ضمن ترجمته من
"طبقات الشافعية الكبرى"، و"حياة الأنبياء في قبورهم" مكتبة العلوم والحكم، و"جز الجويباري في مسائل عبد الله بن سلام" ضمن أجزاء حديثية تحقيق مشهور، و"الرد على الانتقاد على الشافعية في اللغة".
أودعت كل ذلك هذه المجموعة من هذه السلسلة المباركة -إن شاء الله تعالي-، وذكرت بين يدي ذلك ترجمة موسعة، لصاحب هذه "المشيخة" أبي عبد الله الحاكم رحمه الله تعالي-، ذكرت فيها:
اسمه، ونسبه، وكنيته، وبلده، ولقبه، ومولده، وصفاته الخُلُقية، وأسرته، وطلبه للعلم ونشأته فيه، ورحلاته، وبعض الفوائد المتعلقة بشيوخه، من ذكر عددهم، وذكر من أفردهم أو ترجم لهم، وبعض تلامذته، وعقيدته، ومذهبه الفقهي، وتوليه القضاء، وثناء أهل العلم عليه، والمآخذ التي أخذت عليه مع مناقشة ذلك، ومؤلفاته، ومرضه، ووفاته، ومكانها، وسببها، والمنامات التي رؤيت له بعد موته. رحمه الله تعالي-.
وأما عن طريقتي التي سلكتها، ومنهجي الذي انتهجته في هذا الكتاب، فهو على النحو التالي:
1) رتبته على ترتيب حروف المعجم، اقتداءً بأول من رتب الأسماء على الحروف من المحدثين، وهو أبو عبد الله البخاري شيخ إلإسلام والمسلمين (1)، وراعيت في ترتيبه الأول فالأول ثم الثاني وهكذا، ليقود الطالب إلى مطلوبه من غير مشقة وكلال، ويسوق الراغب إلى مرغوبه دون تعسر وملال (2).
(1)"الرد الوافر" لابن ناصر الدمشقي (57).
(2)
"مقدمة نضد الإيضاح" ص (2 - 3).
2) أذكر اسم الشيخ حسب وقوعه في الإسناد الذي ذكر فيه مصحفًا كان أو منسوبًا إلى جدٍ.
3) ثم أشير إلى الموضع الذي ترجمت له فيه، ويكون ذلك في الموضع الذي ذكرت فيه نسبه كاملًا حسب وقوعه لدي، وذلك مأخوذ إما من ترجمته، أو ترجمة أبيه، أو ابنه، أو أحد أقاربه، وما ذكرت من أني أترجم له عند ذكري لنسبه الكامل هذا في الغالب وإلا فقد لا أترجم له فيه، ولكن مع التنبيه على ذلك، والله المستعان.
4) تصحيح ما وقع من تحريف أو تصحيف في اسمه أو اسم أبيه أو جده أو كنيته أو نسبته قدر الإمكان، مستعينًا في ذلك بأمور منها:
أ - بالرجوع إلى "إتحاف المهرة" وذلك فيمن كان مذكورًا في "المستدرك".
ب- بالرجوع إلى من أخرج الحديث من طريق الحاكم، أو ذكره عنه.
ج- بالرجوع إلى موضع آخر أخرج فيه الحاكم حديثه هذا.
د- بالرجوع إلى ترجمة شيخه الذي ذكر أنه يروي عنه.
هـ - بجمع طرق الحديث.
و- بالنظر إلى الترجمة نفسها.
5) ثم أذكر كنيته، فإن كان له أكثر من كنية ذكرتها أيضًا.
6) ثم أذكر نسبته، فإن كان إلى قبيلة أو حرفة أو خِلْقة أو نحو ذلك قدمتها على النسبة إلى البلد غالبًا، فإن نسب إلى بلدتين قدمت أعمها، وكذا إن كانت إلى قبيلتين، قال الإِمام النووي رحمه الله تعالي- في "تهذيب الأسماء واللغات" (1/ 13): عادة الأئمة الحذاق المصنفين في الأسماء
والإنساب؛ أن ينسبوا الرجل النسب العام ثم الخاص؛ ليحصل في الثاني فائدة لم تكن في الأول اهـ، فإن كانت إلى بلدتين مختلفتين كأن يقال له مثلًا: البغدادي والنيسابوري معًا، ففي هذه الحالة غالبًا ما أقدم أقدمها حسب ظهور ذلك لي، والله أعلم.
7) ثم أذكر لقبه إن كان له لقب.
8) ثم أشير إلى مذهبه الفقهي إن ذكر، وذلك بقولي مثلًا: الفقيه الشافعي، أو الحنفي
…
ويكون ذلك ماخوذًا إما من ترجمته، وإما اعتمادًا على ذكره في كتب طبقات أصحاب المذاهب، وقد لا يُنَص فيها على كونه فقيهًا فأذكره بذلك، وقد أقول فيمن كان من هذا القبيل، الشافعي، أو الحنفي
…
دون ذكري له بالفقيه، فإن نسب إلى أكثر من مذهب نظرت في آخر أمره وأشهره فصدرت به ترجمته، فإن كان ذكره بأحد الأمرين كان على جهة الوهم، بينت ذلك في أثناء ترجمته، وصدرتها بما كان هو المحفوظ عنه.
9) ثم أذكر جميع شيوخه الذين ذكروا في كتب الحاكم ممن وقفت عليه في كتبه، وكذا كتب راويته البيهقي في الغالب إلا إذا كان هذا الشيخ ممن أكثر عنه الحاكم فإني -والحالة هذه- أكتفي في ذلك بالتنصيص على كونه أكثر عنه، وأرجئ ذلك -إن شاء الله تعالي- إلى كتابي "إتحاف الخيرة بمن ليس في تهذيب التهذيب من رواة كتب إتحاف المهرة" يسر الله إتمامه.
10) ثم أذكر بعض تلامذته مبتدئًا في ذلك بذكر الحاكم -رحمه الله تعالى-.
11) ثم أشير إلى كتابه الذي أخرج له فيه الحاكم من كتبه مكتفيًا غالبًا بذكر مصدر واحد، فإن خُرِّج له في كتب البيهقي ذكرت ذلك غالبًا كذلك.
12) ثم أذكر ما قيل فيه من ثناء ومدح، وجرح وقدح (1)، مراعيًا في ذلك ما يلي:
أ- تقديم كلام الحاكم لأنه أعرف بشيوخه من غيره خاصة النيسابوريين منهم، قال ابن نفطة في "التقييد" (105) ترجمة محمد بن عيسى بن عمرويه بن منصور: رأيت نسبه بخط غير واحد من الحفاظ: محمَّد بن عيسى بن عمرويه بن منصور، وقاله الحاكم بخلافهم، وهو أعرف به اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في "اللسان"(4/ 202): الحاكم أعلمُ بأهل بلده.
وقال الخليلي في "الإرشاد"(3/ 853): وكنت أسأله -يعني الحاكم- عن الضعفاء الذين نشأوا بعد الثلاثمائة بنيسابور وغيرها من شيوخ خراسان، وكان يبين من غير محاباة.
ب- نقل ترجمة هذا الشيخ إن كان نيسابوريًا أو نزلها من "تاريخ نيسابور" بنصها، إن ذكرت كذلك في أحد مصادر ترجمته، وإن لم تذكر بنصها كاملة جمعت ما تناثر وتبعثر وتفرق منها وسقتها مساقًا واحدًا، وهذا كله في الغالب.
ج- جمع ما تفرق من كلام الحاكم في شيوخه مما هو مبثوث في أسانيده أو كتبه الأخرى كـ "المستدرك"، و"المعرفة" وغيرهما، فقد كان أهل العلم ممن صنف في الرجال يعتنون بذلك، كما لا يخفى على من طالع في ذلك، ومن ذلك ما جاء في "تاريخ الإِسلام"(25/ 454) ترجمة
(1) تنبيه: قد أذكر بعض الأشعار من باب الحكاية لما ذكر في ترجمته، دون إقرار مني لما تحمله من معانٍ قد تخالف الشريعة كالأشعار التي ذكرت فيها سب الدهر، أو بعض أشعار الغزل، ونحو ذلك، فلزم التنبيه على ذلك، والله الموفق.
هبة الله بن محمَّد، قال الذهبي: روى عنه الحاكم وقال: إنه مقرئ. وغالبًا أذكر ما كان من هذا القبيل عند ذكري لرواية الحاكم عنه، وما لم يذكر من ذلك في هذا الموضع ذكرته في أثناء ترجمته، مقدمًا في ذلك الصريح منه على الضمني، ومن كان مشهورًا منهم اكتفيت بكلامه الصريح فيه.
د- نقل تصحيحه لمن لم أقف فيهم على شيء من كلام أهل العلم، أو أني وقفت على ذلك إلا أنهم قد اختلفوا فيه بين موثق له ومضعف قال الخليلي في "الإرشاد" (3/ 855) ترجمه الأصم: وأدخله الحاكم في "الصحيح"، وقال الحافظ في "اللسان" (8/ 253): ترجمه نجدة بن عامر الحَرُوْري: وقد أخرج حديثه المذكور الحاكم في "المستدرك" ومقتضاه أنه عنده ثقة.
13) ذكرت ما ظفرت به من عبارات الباحثين والمحققين في عدم العثور على هذا الشيخ، وليس ما أذكره من باب الغمز لهم حاشا وكلا، كما أن ذلك -أيضًا- ليس بمزحزحهم عن مُنيف مقامهم، وذلك لمن استفرغ وسعه في البحث عنهم.
14) اعتنيت في ترجمتي لهم بذكر أمور منها:
أ- موضع السماع، وذلك كأن يقول الحاكم مثلًا: حدثنا فلان ببخارى أو بغداد أو نحو ذلك، قال ابن نقطة في "تكملته" (6/ 25): جَناح بن نَذِيْر حدَّث عنه البيهقي، وذكر أنه سمع منه بالكوفة.
ب- تاريخ السماع، وذلك كأن يقول الحاكم مثلًا: حدثنا فلان في سنة
كذا وكذا. (1)
ج- كيفية السماع، وذلك كأن يقول الحاكم مثلًا: حدثنا فلان إملاءً، أو من أصله أو من كتابه ونحو ذلك، فقد كان أهل العلم يعتنون بذلك، ففي "النبلاء" (5/ 381) ترجمة محمَّد بن حاتم الكشي قال الذهبي: روى عنه الحاكم وكذبه، وقال: حدثنا إملاءً من كتابه. وفي "الإنساب" ترجمة أبي الطيب المناديلي: روى عنه الحاكم أبو عبد الله، وذكر أنه كتب عنه إملاءً. وأذكر ما كان من هذا القبيل كله عند ذكري لرواية الحاكم عنه.
15) جمع ما تناثر من كلام الحافظ الذهبي فيهم، سواء المذكور منه في موضع ترجمته لهم، أوكان في غير مظنته، مستعينًا في ذلك بما جمعه الشيخ خليل بن محمَّد العربي -حفظه الله تعالى- في كتاب "الجرح والتعديل" للإمام الذهبي.
16) ذكر ما وقفت عليه من كلام محدث العصر الألباني -رحمه الله تعالى- فيهم، مستعينًا في ذلك بفهارس كتبه، وبما جمعه أحمد بن إسماعيل شكوكاني وصالح بن عثمان اللحام -حفظهما الله تعالي- في "معجم أسامي الرواة الذين ترجم لهم العلامة محمَّد ناصر الدين الألباني"، وقد رجعت فيما استفدته مما جمع في هذين الكتابين إلى الأصول التي عُزي إليها النقل، سواء كان ذلك من كلام الذهبي أو الألباني، فإن كان ما ذكر مجرد نقل كلام من تقدم فإني أكتفي -في مثل هذه الحالة- بنقل كلام من تقدم، وأشير في مصادر ترجمته إلى المصدر الذي نقل فيه كلام
(1) انظر مقدمة "تاريخ جرجان" ص (14)، تحقيق العلامة المعلمي رحمه الله تعالي-.
المتقدم، وهذا في الغالب.
17) ثم أختم الترجمة بذكر وفاته، فإن سبق لها ذكر في أثناء الترجمة اكتفيت بذلك غالبًا، والمتأمل في هذه الفقرة في تراجم رواة كتابنا هذا، ورواة كتابنا الآخر"شيوخ الطبراني" يجد حقًا ما يقوله الحافظ الذهبي في مقدمة "تاريخ الإِسلام" (1/ 16): لم يعتن القدماء بضبط الوفيات كما ينبغي، بل اتَّكلوا على حفظهم، فذهبت وفيات خلقٍ من الأعيان من الصحابة ومن تبعهم إلى قريب زمان أبي عبد الله الشافعي، ثم اعتنى المتأخرون بضبط وفيات العلماء وغيرهم، حتى ضبطوا جماعة فيهم جهالة بالنسبة إلى معرفتها لهم، فلهذا حفظت وفيات خلْقٍ من المجهولين، وجُهلت وفيات أئمة من المعروفين.
18) وأخيرًا أذكر المصادر التي ترجم له فيها، مرتبًا لها على الوفيات، إلا ما كان من "مختصر نيسابور" فإني أنزلته منزلة أصله، وكذا إذا كان للكتاب مختصرات أو تهذيبات فإني أنزلها منزلة أصلها فأذكرها عقبه.
19) الأصل أن العزو إذا كان إلى كتاب ذي جزئين فأكثر يكون إلى الجزء والصحيفة، فإن كان إلى كتاب ذي جزء واحد فإلى الرقم إن كان مرقمًا، وإلا فإلى الصحيفة، وكذا إن ذكر ضمن ترجمة أخرى يكون العزو إلى الصحيفة.
20) وأختم هذه الفقرات ببعض التنبيهات:
1 -
قولي مثلًا: روى عنه الحاكم في "المستدرك"، ووصفه بكذا، أو ذكر أنه حدثه في المكان الفلاني، أو ما أشبه ذلك، لا يلزم منه أن يكون ما ذكر يكون في المصدر المذكور.
ب- إذا أطلقت لفظ "الحافظ" فالمراد الحافظ ابن حجر العسقلاني.
ج- وكذا إذا أطلقت "شيخنا" فالمراد علامة اليمن ودُرّتها مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالي-.
د- لا أذكر في سرد المصادر جميع المصادر التي ذكر فيها شيوخ هذا المترجم له، من كتب الحاكم، أو راويته البيهقي.
هـ - إذا كان الشيخ مترجم له في الكتاب الآخر "شيوخ الدارقطني"، فإني أكتفي بالإحالة إليه مع نقل حكم شيخنا أبي الحسن السليماني -حفظه الله تعالى-.
هذا ما تيسر بيانه في هذه المقدمة، وقد حاولت قدر الإمكان أن يكون كتابي هذا يكفي بنفسه في موضوعه عن الرجوع إلى غيره، ومع ذلك فلا أبيعه بشرط البراءة من كل عيب، فإن الإنسان عرضة للسهو والنقصان، وكماله في أن يزيد صوابه على خطئه، ولم يجعل الله العصمة لغير أنبيائه، وليس المخطئ من أخطأ الصواب فحسب، بل أن أكبر الخطأ في أن يعتقد الإنسان أن أحدًا من الناس لا يخطئ، وقد اجتهدت وما علي وراء الاجتهاد من سبيل، والله حسبي ونعم الوكيل، فإن صادف سعيي من ينظر إليه بعين الرضا فسيجد فيه ما يستفيد منه، ولعله يرضى، وإن كانت الأخرى وهي أن ينظر إليه بعين السخط فينزل منه منزلة المسْخِطِ وما عليه أَئِلُّ، ولا على مثله أشجى وأُوَلول، ولكن يقول من سبقني لحاله أتمثل:
تركت هوى سعدى ولبنى بمعزل
…
وعدت إلى مصحوب أول منزل
ونادتني الأشواق مهلًا فهذه
…
منازل من تهوى رويدك فأنزل
غزلت لهم غزلًا رقيقًا فلم أجد
…
لغزلي نساجًا فكسرت مغزلي (1)
فرحم الله امرأً أنصف أخاه، ودعا له بخير على ما بذله وأسداه، فإن الجزاء من جنس العمل، والله الذي يحقق لطالب الخير الأمل، وفيه الرَّجاء وعليه المُعَوَّل، وإني لأرجو أن ينفعني به من هو مطلع على سري وعلانيتي، ومدى تعبي فيه، وأن يرزقني الإخلاص في العمل كله، والرغبة في فضله وكرمه دون غيره، وأن يجعله لي ذخرًا أنتفع به عند القدوم عليه، وذكرًا لي بعد الموت يدعو لي من نظر فيه، وأن يعينني على تتمة هذه السلسلة المباركة -إن شاء الله تعالي- إنه خير معين، ويبده أزمة الأمور، وإليه المصير يوم الدين وصلى الله على محمَّد وآله وصحبه وسلم (2).
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه:
أبو الطبب نايف بن صلاح بن علي المنصوري
قبيل أذان الفجر الأول 27/ 2/ 1428 هـ
بمكتبة دار الحديث الخيرية بمأرب
حرسها الله، والقائمين عليها من كل سوء ومكروه
(1)"فائدة"، قال ابن عساكر في "تاريخه" (52/ 46): أنشدنا أبو المُظَفر لنفسه بماردين وكتبه لي بخطه:
تركتُ هوى سلمى وليلى بمعزلي
…
وعدت إلى مصحوب أوّل منزلِ
ونادت بي الأشواق مهلًا فهذه
…
منازل مَنْ تهواه دونك فانزلِ
وخذ بنعيم قد صَفا لك شربه
…
ودع ما سوى الأحباب عنك بمعزلِ
(2)
انظر: مقدمة "شرح سنن النسائي" للعلامة الشنقيطي (1/ 9).