الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينقطع، وقد أنشد بعضهم (1):
يموت قوم فيُحي العلم ذكرهم
…
والجهل يلحق أمواتًا بأموات
ويقول أبو الفتح البستي (2):
يقولون ذكر المرء يبقى بنسله
…
وليس له ذكر إذا لم يبق له نسل
فقلت لهم نسلي بدائع حكمتي
…
فمن سره نسل فإنا بذا نسلو
وقال أبو بكر بن الأنباري (3):
ما مات من كان مذكورًا روايته
…
قد مات قوم وهم في الناس أحياء
وعاش قوم ولم تذكر مآثرهم
…
فمات ذكرهمُ والقوم أحياء
**
طلبه للعلم ونشأته فيه:
نشأ -رحمه الله تعالى- في بيئة مباركة؛ علا نجمها وانتشر صيتها، وامتلأت بالعلم والعلماء والمحدثين خاصة، بيئة أنجبت الفحول من أئمة المنقول والمعقول، بيئة ذات مكانة سامية مرموقة بين بلدان العالم الإِسلامي آنذاك، قال السبكي في "طبقاته" (1/ 324): كانت نيسابور من أجل البلاد وأعظمها، لم يكن بعد بغداد مثلها. وكيف لا تكون بهذه المنزلة الشامخة، وقد ساهم وساعد وشجع في تأسيسها وبنائها الصحيح العلماء والأمراء السامانيين الذين حكموها حقبة طويلة من الزمن، وانتشرت فيها المدارس الحديثية كمدرسة ابن فُورك، ومدرسة أبي إسحاق الإسفراييني، ومدرسة أبي إسحاق الصبغي، وكلهم شيوخه، بل كان من المقربين لديهم،
(1)"فتح المغيث"(3/ 319).
(2)
المصدر السابق (3/ 320).
(3)
"فهرس الفهارس"(1/ 15).
وممن له اختصاص بهم، فساعده هذا كله في تكوينه العلمي، وتضلعه الحديثي، إضافة إلى ما أكرمه الله تعالي به من صلاح أسرته وأهل بيته؛ الذين ترعرع ونشأ منذ نعومة أظفاره بين أوساطهم وهم يوجهونه إلى العلم، قال عبد الغافر في "السياق" كما في "المنتخب" ص (16): وبيته بيت الصلاح والورع والتأذين. فحرصوا عليه غاية الحرص، واعتنوا به غاية العناية، فبكروا به إلى مجالس العلم والعلماء صغيرًا، فكان أول سماعه للحديث سنة ثلاثين وثلاثمائة 330 هـ أي وعمره لم يتجاوز سن التاسعة، ففي "معرفة علوم الحديث" ص (128): نشأت وطلبت الحديث بعد وفاة محمَّد بن إسحاق بعشرين سنة. وقال الخطيب في "تاريخه"(5/ 473): ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وأول سماعه في سنة ثلاثين وثلاثمائة. وقال الذهبي في "النبلاء" (17/ 163): طلب هذا الشأن في صغره بعناية والده وخاله، وأول سماعه كان في سنة ثلاثين. واستمر رحمه الله على هذه الحال من الانكباب والتحصيل للعلم، ولم تثنه عن ذلك طفولته، وما تُغري به من اللهو واللعب والدعة والكسل عن الجد والاجتهاد في طلب معالي الأمور.
فقل لمُرَجِّي معالي الأمور
…
بغير اجتهاد رجوت المحالا!
ولنباهته منذ حداثته ونبوغه وحدة ذكائه، وتوفر علائم النجابة عليه، جعله ابن حبان -صاحب الصحيح- حين قدم نيسابور سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة مستمليًا عليه، وهو ابن ثلاث عشرة سنة، مع وجود من هو أكبر منه سنًا، وأشهر منه ذكرًا، فقد قال متحدثًا عن ذلك في "تاريخ نيسابور" ترجمة ابن حبان: "ثم ورد نيسابور سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، وحضرناه