الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[43] أحمد بن إسحاق بن أيوب بن يزيد بن عبد الرحمن بن نُوح، أبو بكر، الصِّبْغِي، النَّيسَابُوري، الفقيه الشافعي
.
سمع بنيسابور: إسماعيل بن قتيبة السُّلمي، ومحمد بن صالح بن هانئ، وأبا جعفر محمَّد بن أحمد بن ماهان السَّرَّاج، وبالري: يعقوب بن يوسف القَزْويني، وببغداد: الحارث بن أبي أسامة، وبالبصرة: همام بن علي السَّدوسي، وبواسط: محمَّد بن عيسى بن السكن، وبمكة -حرسها الله-: علي بن عبد العزيز البغوي، وجماعة كثيرة.
وعنه: أبو عبد الله الحاكم في "مستدركه" وأكثر عنه، وذكر أنه قرأ عليه من أصوله، ومرةً ذكر أنه حدثه إملاءً، ومرَّة قال: من أصل كتابه. ومرَّة قال: إملاءً سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة. وحمزة بن محمَّد الزيدي، وأبو علي الحافظ، وأبو أحمد الحاكم، وأبو بكر الإسماعيلي، ومحمد بن إبراهيم الجرجاني، وخلق كثير.
قال الحاكم في "تاريخه" سمعته يقول: لما ترَعْرَعْت اشتغلت بتعلّم الفروسية، ولم أسمع حرفًا، وحُملت إلى الرَّي، وأبو حاتم حيّ، وسألته عن مسألة في ميراث أبي، ثم رجعنا إلى نيسابور في سنة ثمانين ومائتين، فبينما أنا على باب دارنا، وأبو حامد الشرقي، وأبو حامد بن حسنويه جالسين، فقالا لي: اشتغل بسماع الحديث، قلت: ممن؟ قالا: من إسماعيل بن قتيبة. فذهبت إليه، وسمعت، فرغبت في الحديث، ثم خرجت إلى العراق بعدُ بسنة، وبقي يُفْتِي بنيسابور نيفًا وخمسين سنة، ولم يؤخذ عليه في فتاويه مسألة وهِمَ فيها وله الكتب المطولة مثل:
"الطهارة"، و"الصلاة" و"الزكاة" ثم كذلك إلى آخر كتاب "المبسوط ". قال: وسمعت محمَّد بن حَمدون يقول: صحبت أبا بكر بن إسحاق سنين؛ فما رأيته قط ترك قيام الليل في سفر ولا حضر. وسمعت أبا الفضل بن إبراهيم يقول: كان أبو بكر بن إسحاق يخلف إمام الأئمة ابن خزيمة في الفتوى بضع عشرة سنة في الجامع وغيره. قال الحاكم: رأيت أبا بكر غير مرة عقيب الأذان يدعو ويبكي، وربما كان يضرب برأسه الحائط، حتى خشيت يومًا أن يدمي رأسه، وما رأيت في جماعة مشايخنا أحسن صلاة منه، وكان لا يدع أحدًا يغتاب في مجلسه. ومصنفاته -يعني الصِّبْغي- في الفقه من أدل الدليل على علمه، ومصنفاته في الكلام لم يسبقه إلى مثلها أحد من مشايخ أهل الحديث. سمعت الشيخ أبا بكر يقول: رأيت في منامي كأني في دار فيها عُمَر، وقد اجتمع الناس عليه يسألونه عن المسائل، فأشار إليَّ أن أجيبَهم، فما زِلْتُ أُسأل وأجيب وهو يقول لي: أصَبْت، امض، أَصَبْتَ امض، فقلتُ: يا أميرَ المؤمنين، ما النّجاةَ من الدنيا، والمخرج منها؟ فقال لي بإضبعه: الدُّعاء، فأعدت عليه السؤال، فجَمَع نَفْسَه كأنه ساجد لخضوعه، ثم قال: الدُّعاء.
وسمعته يقول: رأيت في منامي كأني في دار وأنا أظن أن أبا بكر الصِّديق رضي الله عنه فيها، فدخلت وفي الدار بستان أردت دخوله، فاستقبلني أبو بكر الصِّديق رضي الله عنه فعانقني وقبّل وجهي ودعا لي، وهذا عند ابتدائي في تصنيف كتاب "الفضائل".
وسمعته يقول: لما فرغت من تصنيف كتاب "الفضائل" رأيت في
المنام كأني خارج من منزل شخص -ذَكَرَه - واستقبلني النبي صلى الله عليه وسلم ومعه
أبو بكر، وعمر، وعثمان، أو علي رضي الله عنهم أحدها فإني شككت ولم أَشُك في أنهم كانوا أربعة -، فتقدّمت فسلّمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فردَّ عليَّ السلام، ثم تقدّمت إلى أبي بكر رضي الله عنه فقبّل بين عينيّ وقال: جزاك الله عن نبيه خيرً وعنا خيرًا. قال أبو بكر -يعني الصِّبْغِي-: فأخرجت خاتمي هذا من أصبعي وجعلته في أصبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: نزعته فجعلته في أصبع أبي بكر ثم إلى آخر الأربعة، ثم قلت: يا رسول الله قد عمت بركة هذا الخاتم إذ دخل أصابعكم، ثم انتهيت.
وقد كان الشيخ أوصى أن يُدْفَن ذلك الخاتم معه.
وكتَبَ علي بن أبي هريرة إلى نَيْسابُور ليُكتب له "فضائل الأربعة" وكتاب الأحكام، فكُتِبَ وحِمِلَ إلى مدينة السلام، فأكثر الثنا عليه.
سمعته وسُئل عن حديث ابن عباس؛ أن رجلين صلَّيا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهما: "أعيدوا وضوءكما"، قالا: لمَ يا رسول الله؟ قال: "اغتبتما فلانًا"، قال: يجوز أن يكون أمرهما بالوضوء ليكون كفارة لمعصيتهما وتطهيرًا لذنوبهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الوضوء يحُطّ الخطايا.
وسمعته وسُئِل عن قوله صلى الله عليه وسلم: "من غَسَّل ميتًا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ"، قال: إن صحَّ هذا الخبر فمعناه أن يتوضأ قبل حمله شفقة أن تفوته الصلاة بعد الحمد، كما قال صلى الله عليه وسلم:"من راح إلى الجمعة فليغتسل"، أي قبل الرواح.
وله كتاب "الأسماء والصفات"، وكتاب "الإيمان والقدر" وكتاب "فضل الخلفاء الأربعة"، وكتاب "الرؤية"، وكتاب "الأحكام" وحُمِلَ إلى بغداد، فكثر الثناء عليه، وكتاب "الإمامة".
وسمعته غيرَ مرَّة إذا أنشد بيتًا، يفسده ويغيِّره حتى يُذْهِبَ الوَزْن. وكان يضرب المثل بعقله ورأيه.
وسُئل عمّن يدرك الركوع ولم يقرأ الفاتحة، فقال: يُعيد الركعة، وكان يرى أن الرجل إذا أتى والإمام راكع أنه لا يعتدّ بتلك الركعة، وروي ذلك عن أبي هريرة، وجماعة من التابعين، وصنّف فيه مصنّفا.
وسمعته وهو يخاطب فقيهًا فقال: حدّثونا عن سليمان بن حرب، فقال ذلك الفقيه: دَعْنا من حدثنا، إلى متى حدثنا وأخبرنا؟ فقال: يا هذا، لستُ أشمُّ من كلامك رائحة الإيمان، ولا يحَلُّ لك أن تدخل هذه الدار، ثم هَجَره حتى مات.
وقال الحاكم -أيضًا-: حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه الإِمام المقدم الحجة لفظًا من أصل كتابه عودًا على بدء (1). وقال في "المعرفة": سمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن إسحاق الفقيه -وهو يناظر رجلًا- فقال الشيخ: حدثنا فلان، فقال له الرجل: دَعْنَا من حدثنا، إلى متى حدثنا؟! فقال له الشيخ: قم يا كافر، ولا يحل لك أن تدخل داري بعد هذا، ثم
(1) قال في "لسان العرب"(3/ 315 - 316): "رجعت عودي على بدئي، أي: رجعت كما جئت
…
، وحكى بعضهم:"رجع عودًا على بدء" من غير إضافة
…
" وذكر الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله تعالي-؛ كما نقل ذلك عنه الدكتور نايف الذُعَيْس -حفظه الله- أن الفائدة من هذه العبارة هي بيان أن القراءة في المرة الثانيهَ إنما كانت من أصل كتاب الشيخ، ولذلك لم يقل "حدثنا" من كتابه مرة ثانية إذ لا تفيد ذلك. قال الدكتور: وما ذكره الشيخ حماد أفاده قوله: "من أصل كتابه" فجاءت الجملة الثانية لتأكيد الأولى، والله أعلم. اهـ من حاشية "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" (240) برقم: 3.
التفت إلينا فقال: ما قلت لأحد قط لا تدخل داري إلا لهذا. قال الخليلي: سمعت الحاكم أبا عبد الله كما يروي عنه ليجمع بين جماعة يقول: وأبا بكر هو الإِمام المقدم، كان عالمًا بالحديث والرجال والجرح والتعديل، وفي الفقه كان المشار إليه في وقته، ثقة مأمون، سمع منه الكبار الحفاظ، وله بنيسابور دار وقفها على أهل العلم من الغرباء، وسكنها الفضلاء، ووقف عليهم من الضياع ما يكفيهم لطعامهم ولباسهم، وقد كتب على الحافظ أن يسكنها، وذكر قصة طويلة من أصول الدين، ممن كان مذهبه هذا، وهي بعد عامرة. قال الحاكم: ما عهدت بنيسابور أحسن ديانة منه وأكبر نفسًا. وقال السمعاني: أحد العلماء المشهورين بالفضل والعلم الواسع، شمائله وفضائله أكثر من أن يسعها هذا المقام. وقال الذهبي: الإمام العلامة المفتي شيخ الإِسلام، جمع وصنَّف، وبرع في الفقه، وتميز في علم الحديث. وقال السبكي: أحد الأئمة الجامعين بين الفقه والحديث.
ولد في رجب سنة ثمان وخمسين ومائتين، ومات في شعبان سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة عن أربع وثمانين سنة.
قلت: [ثقة حافظ فقيه ورع].
"المستدرك"(1/ 43)، "مختصر تاريخ نيسابور"(36/ ب)، "الأسامي والكنى"(2/ 227)، "فتح الباب"(908)، "الإرشاد"(3/ 840)، "السنن الكبرى"(1/ 466)، "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" ص (240)، "الإكمال"(5/ 233)، "الأنساب"(3/ 531)، التدوين (2/ 141)، "النبلاء"(15/ 483)، "تاريخ الإِسلام"