الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(4/ 155)، والأسنوي (1/ 195)، وابن كثير (1/ 358)، وابن قاضي شهبة (1/ 153)، وابن هداية الله ص (123)، وغيرهم.
**
توليه القضاء:
قال أبو حازم العبدوي كما في "التبيين" لابن عساكر ص (229): قلد القضاء بنسا سنة تسع وخمسين في أيام حشمة السامانية ووزارة العتبي، ودخل الخليل بن أحمد السجزي القاضي على أبي جعفر العتبي يوم الثاني من مفارقته الحضرة، فقال: هنأ الله الشيخ فقد جهز إلى نسا ثلاثمائة ألف حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتهلل وجهه، وقلد بعد ذلك قضاء جرجان فامتنع. وقال ابن خلكان في "وفيات الأعيان" (4/ 281): وإنما عرف بالحاكم لتقلده القضاء.
وفي كتاب "المختصر في أخبار البشر"(2/ 144)، و"تاريخ ابن الوردي"(1/ 453)، ما يدل على أن أباه كان قاضيًا، ففيهما ما نصه: وإنما عرف أبوه بالحاكم لأنه تولى القضاء اهـ. قلت: وهذا وهم فإن أباه لم يعرف بالقضاء، وإنما عرف بالتأذين، والله أعلم.
**
ثناء أهل العلم عليه:
لقد تبوأ الإمام الحاكم رحمه الله تعالي- مكانة عالية، ومنزلة رفيعة بين علماء الحديث، فروى عنه الكبار منهم، وروى عنه شيوخه وأقرانه، ورحل إليه الناس من الآفاق وحدثوا عنه في حياته.
فروى عنه من الكبار أحمد بن محمد بن الفضل بن مُطَرِّف الكرابيسي، ففي "النبلاء"(17/ 172)، و"تاريخ الإسلام"(28/ 129)، وممن روى عن الحاكم من الكبار، قال أبو صالح المؤذن: أخبرنا مسعود السِّجْزِي
حدثنا ابن فورك، حدثنا أبو عمر البحيري، حدثنا أحمد بن محمد بن الفضل بن مطرف الكرابيسي في سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، حدثنا محمد بن عبد الله بن حمدويه الحافظ
…
وساق حديثًا قال الذهبي: كان الحاكم لما روى عنه الكرابيسي هذا شابًا طريًا. وقال مرة: كان للحاكم لما رووه عنه ست وعشرون سنة.
وروى عنه من شيوخه: أبو الحسن الدراقطني (1)، وأحمد بن أبي عثمان الحيري، وأبو بكر القفال الشاشي، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد المزني، وابن المظفر (2)، قال ابن الملقن في "العقد المذهب" ص (71): روى عنه الأئمة الدارقطني وناظره، والقفال الشاشي وهما من شيوخه. وقد لازمه بعضهم، قال أبو حازم العبدوي: أملى بالعراق سبع سنين، ولازمه ابن المظفر، والدارقطني (3). وقال الذهبي في "تاريخه" (28/ 124): حُدِّث عنه في حياته، وأبلغ من ذا أبا عمر الطَّلَمَنْكي كتب "علوم الحديث" للحاكم، عن شيخ له سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، بسماعه من صاحب الحاكم عن الحاكم. وفي "النبلاء"(17/ 165)، و"التذكرة" (13/ 1041): أعجب ما رأيت أن محدث الأندلس أبا عمر الطَّلَمَنْكي قد كتب كتاب "علوم الحديث" للحاكم في سنة تسع وثمانين وثلاثمائة عن شيخ له عن آخر عن الحاكم. وقال ابن كثير في "طبقاته"(1/ 358): حدثوا عنه في حياته، ومن أغرب ذلك
…
- وذكر قصة الطَّلَمَنْكي.
(1)"تاريخ الإسلام"(28/ 123).
(2)
"تاريخ الإسلام"(28/ 124).
(3)
التبيين ص (228).
وقد أقر للحاكم رحمه الله تعالي- بالفضل والتقدم والرسوخ في هذا الشأن جماعة من شيوخه -فضلًا عمن دونهم- ممن يشار إليهم بالبنان، في الحفظ والإتقان، وإليك طرفًا من ذلك مبتدئًا فيه بالأول فالأول:
1) أبو بكر أحمد بن إسحاق الصِّبْغي (ت 342 هـ).
قال أبو حازم العبدوي: سمعت مشايخنا يقولون: كان الشيخ أبو بكر بن إسحاق، وأبو الوليد يرجعان إلي أبي عبد الله في السؤال عن الجرح والتعديل وعلل الحديث وصحيحه وسقيمه. (1) وقال عبد الغافر الفارسي في "السياق" كما في "المنتخب" ص (16) /اختص بصحبة إمام وقته أبي بكر محمد بن إسحاق بن أيوب الصبغي، فكان في الخواص عنه والمرموقين، وكان يراجعه في السؤال عن الجرح والتعديل وعلل الحديث، ويقدمه على أقرانه.
2) أبو أحمد محمد بن محمد الكرابيسي الحاكم "الكبير"(ت 342 هـ).
قال أبو حازم العبدوي: سمعت أبا أحمد الحافظ يقول: إن كان رجلٌ يقعد مكاني فهو أبو عبد الله. (2)
3) أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه (ت 349 هـ).
تقدم كلامه في نقل كلام أبي بكر الصِّبغي.
4) أبو علي الحسين بن علي الحافظ النيسابوري (ت 349 هـ).
ذكر الحاكم في "تاريخه" أنه تذاكر يومًا بحضرة أبي علي الحافظ وجماعة من المشايخ، فحمل بعضهم عليه فقال أبو علي: لا تَفْعَل، فما
(1)"التبيين" ص (229)، "الأربعين" ص (410)، "المنتخب"(16).
(2)
"الأربعين" ص (410).
رأيتَ أنتَ ولا نحن في سِنِّه مثلَه، وأنا أقول إذا رأيتُه رأيت ألف رجل من أصحاب الحديث (1).
5) أبو الحسين محمَّد بن محمَّد الحجاجي (ت 368 هـ).
قال أبو حازم العبدوي: وسمعت السُّلمي يقول: كتبت على ظهر "جزء من حديث أبي الحسين الحجاجي": الحافظ، فأخذ القلم وضرب على الحافظ، وقال: أيش أحفظ أنا؟ أبو عبد الله البيَّاع أحفظ مني، وأنا لم أر من الحفاظ إلا أبا علي الحافظ، وابن عقدة (2).
6) أبو سهل محمَّد بن سليمان بن محمَّد الصُّعْلوكي (ت 369 هـ).
قال عبد الغافر في "السياق": ولقد سمعت مشايخنا يذكرون أيَّامه، ويحكون أن مُقدَّمي عصره مثل أبي سهل الصعلوكي، والإمام ابن فورك، وسائر الأئمة يقدمونه على أنفسهم، ويراعون حق فضله، ويعرفون له الحرمة الأكيدة بسبب تفرده بحفظه ومعرفته (3).
7) أبو عبد الله محمد بن محمَّد العُصْمي (ت 378 هـ).
قال أبو حازم العبدوي: أقمت عند الشيخ أبي عبد الله العُصْمي قريبًا من ثلاث سنين، ولم أر في جملة مشايخنا أتقن منه ولا أكثر تنقيرًا، فكان إذا أشكل عليه شيء أمرني أن أكتب إلى الحاكم أبي عبد الله، فإذا ورد جواب كتابه حكم به، وقطع بقوله (4).
(1)"النبلاء"(17/ 176 - 177)، "طبقات السبكي"(4/ 160).
(2)
"التبيين" ص (229)، "الأربعين"(410).
(3)
"النبلاء"(17/ 170).
(4)
"التبيين" ص (230).
8) أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني (ت 385 هـ).
قال السلمي: سألت الدارقطني: أيهما أحفظ ابن مندة أو ابن البيع؟ فقال: ابن البيع أتقن حفظًا. (1)
9) أبو بكر محمَّد بن الحسن بن فُوْرك الأصبهاني (ت 406 هـ).
تقدم في أبي سهل الصُّعْلوكي.
10) أبو محمَّد عبد الغني بن سعيد الأزدي (ت 409 هـ).
قال كما في المنتظم (15/ 131): لما وصل كتابي الذي عملته في أغلاط أبي عبد الله الحاكم أجابني بالشكر عليه، وذكر أنه أملاه على الناس، وضمن كتابه إليَّ الاعتراف بالفائدة، وبأنه لا يذكرها لي غني، وأن أبا العباس الأصم حدثهم عن الدروري عن أبي عبيد قوله: من شكر العلم أن يستفيد الشيء، فإذا ذكر ذلك قلت حقي على كذا وكذا، ولم يكن به علم حتى أفادني فلان كذا وكذا، فهذا شكر العلم اهـ. وفي "طبقات ابن عبد الهادي" (3/ 243): قال عبد الغني بن سعيد المصري: لما رددت على أبي عبد الله الحاكم الأوهام التي في "المدخل إلي الصحيح" بعث إلى يشكرني ويدعو لي، فعلمت أنه رجل عاقل.
11) أبو حازم عمر بن أحمد العبدوي (ت 417 هـ).
قال -رحمه الله تعالى- كما في "التبيين"(227، 230): الإِمام الحافظ، إمام أهل الحديث في عصره،
…
، أول من اشتهر بحفظ الحديث وعلله بنيسابور، بعد الإِمام مسلم بن الحجاج، وإبراهيم بن
(1)"التبيين" ص (230)، "الأربعين" ص (411).
أبي طالب، وكان يقابله النسائي، وجعفر الفريابي، ثم أبو حامد بن الشرقي، وكان يقابله أبو بكر بن زياد النيسابوري، وأبو العباس سعيد، ثم أبو علي الحافظ، وكان يقابله أبو أحمد العسال، وإبراهيم بن حمزة، ثم الشيخان أبو الحسين الحجاج، وأبو أحمد الحاكم، وكان يقابلهما في عصرهما ابن عدي، وابن المظفر، والدارقطني، وتفرد الحاكم أبو عبد الله في عصرنا، من غير أحد بالحجاز، والشام، والعراقين، والجبال، والرّي، وطبرستان، وقُومَس، وخراسان بأسرها، وما وراء النهر، جعلنا الله لهذه النعمة من الشاكرين، ولما يلزمنا من تأدية مواجبه من المؤدين، وبارك في حياته، ونفسه في مدته، وجعل ما أنعم به عليه وعلينا بمكانه موصولًا بالنعيم المقيم، إنه سميع قريب، وصلى الله على محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
12) الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن محمَّد الإسفراييني (ت 418 هـ).
استفتي الحاكم عن "مسائل عبد الله بن سلام رضي الله عنه" التي تروى عن أحمد بن عبد الله الجويباري، فأجاب عن ذلك بجواب خطي، ووُجد تحت خط الحاكم: هذا خط الأستاذ الإِمام أبي إسحاق الإسفراييني، المرجع في الجرح وتصحيح الأخبار، وما يقبل منها وما يرد من طريق الرجال إلى الحاكم الفاضل أبي عبد الله، وكتبه إبراهيم. (1)
13) أبو يعلى الخليلي (ت 446 هـ).
قال في "الإرشاد"(3/ 851): الحاكم أبو عبد الله عالم عارف واسع
(1) حديث الجويباري ضمن مجموعة أجزاء حديثية (2/ 239).
العلم، ذو تصانيف كثيرة، لم أر أوْفى منه. وفي (3/ 852): هو ثقة واسع العلم،
…
، سألني في اليوم الثاني لما دخلت عليه، ويقرأ عليه في "فوائد العراقيين": سفيان الثوري عن أبي سلمة عن الزهريّ عن سهل بن سعد حديث الاستئذان، فقال لي: من أبو سلمة هذا؟ فقلت من وقته: هو المغيرة بن سلمة السَّراج، فقال لي: كيف يروي المغيرة عن الزهريّ؛ فبقيت، ثم قال: قد أَمْهَلتك أسبوعًا حتى تتفكر فيه، فمن ليلته تفكرت في أصحاب الزهريّ مرارًا، حتى بقيتُ فيه أكرِّر التفكر، فلما وقعت إلى أصحاب الجزيرة من أصحابه تذكرت محمَّد بن أبي حفصة، فإذا كنيته أبو سلمة، فلما أصبحت، حضرت مجلسه، ولم أذكر شيئًا، حتى قرأت عليه مما انتخبت قريبًا من مائة حديث، قال لي: هل تفكرت فيما جرى؛ فقلت: نعم، هو محمَّد بن أبي حفصة، فتعجب، وقال لي: نظرت في حديث سفيان لأبي عمرو البحيري؛ قلت: والله ما لقيت أبا عمرو، ولا رأيته، فذكرت له مما أَممَّتُ في ذلك، فتحير، وأثنى علي، ثم كنت أسأله، فقال لي: أنا إذا ذاكرت اليوم في باب فلا بد من المطالعة لكبر سنين، فرأيته في كلِّ ما ألقي عليه بحرًا لا يُعجْزُه عنه. قال: وكنت أسأله عن "الضعفاء" الذين نشأوا بعد الثلاثمائة بنيسابور وغيرها من شيوخ خراسان، وكان يبين من غير محاباة.
14) أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 هـ).
قال في "الخلافيات"(1/ 497): إمام أهل الحديث في عصره رحمه الله. وقال في "جزء القراءة خلف الإِمام" ص (176): أحفظ عصره وأتقنهم في الرواية.
15) أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت 463 هـ).
قال في "تاريخه"(5/ 473): كان من أهل الفضل والعلم والمعرفة والحفظ،
…
، وكان ثقة.
16) أبو القاسم سعد بن علي الزَّنْجَاني (ت 471 هـ).
قال محمَّد بن طاهر المقدسي في مقدمة "أطراف الغرائب والأفراد"(1/ 151): سألت أبا القاسم سعد بن علي الزنجاني الحافظ بمكة -وما رأيت مثله- قلت له: أربعة من الحفاظ تعاصروا أيّهُم أحفظ؟ فقال: من؟ قلت: الدارقطني ببغداد، وعبد الغني بمصر، وأبو عبد الله بن مندة، وأبو عبد الله بنيسابور، فسكت، فألححت عليه، فقال:
…
، أما الحاكم فأحسنهم تصنيفًا.
17) أبو شجاع شيرويه بن شَهْردار (ت 509 هـ).
قال ابن الصلاح في "طبقاته"(1/ 203): وذكره الحافظ شيرويه، فقال: روى عنه ابن لال مع جلالته، وكان الحاكم إمام الوقت شرفًا بخراسان.
18) أبو الحسن بن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي (ت 529 هـ).
قال في "السياق": أبو عبد الله الحاكم هو إمام أهل الحديث في عصره، العارف به حق معرفته، كان إذا حضر مجلس سماع محتوى على مشايخ وصدور؛ يؤنسهم بمحاضراته، ويطيب أوقاتهم بحكاياته، بحيث يظهر صفاء كلامه على الحاضرين، فيأنسون بحضوره،
…
، ثم أطنب في تعظيمه. وقال: هذه جمل يسيرة، هي غيض من فيض سيره وأحواله، ومن تأمل كلامه في تصانيفه، وتصرفه في "أماليه"، ونظر في
طرق الحديث أذن بفضله، واعترف له بالمزية على من تقدمه، وإتعابه من بعده، وتعجيزه اللَاّحقين عن بلوغ شأوه، عاش حميدًا، ولم يخلِّف في وقته مثله. (1)
19) أبو الوليد يوسف بن عبد الرحمن بن الدباغ (ت 546 هـ).
قال ابن عبد الهادي في "طبقاته"(3/ 242): ذكره ابن الدباغ في الطبقة الثامنة من الحفاظ.
20) أبو سعد عبد الكريم بن محمَّد السمعاني (ت 562 هـ).
قال في "الأنساب"(1/ 455): كان من أهل الفضل والعلم والمعرفة والحفظ والفهم.
21) أبو عمرو ابن الصلاح بن عبد الرحمن (ت 643 هـ).
قال في "طبقاته"(1/ 198): الحافظ الذي لا يُستغنى عن تصانيفه في الحديث وعلمه.
22) أبو العباس أحمد بن محمَّد بن خلِّكان (ت 681 هـ).
قال في "وفيات الأعيان"(4/ 280): إمام أهل الحديث في عصره، والمؤلف فيه الكتب التي لم يسبق إلى مثلها، كان عالمًا عارفًا واسع العلم.
23) أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن عبد الهادي (ت 744 هـ).
قال في "طبقاته"(3/ 237): الحافظ الكبير، شيخ أهل الحديث في عصره، صاحب التصانيف.
(1)"المنتخب" ص (15، 17)، طبقات ابن عبد الهادي (3/ 240)، "تاريخ الإِسلام"(28/ 128)، "طبقات السبكي"(4/ 159).
24) أبو عبد الله الذهبي محمَّد بن أحمد (ت 748 هـ).
ذكره في رسالته "من يعتمد قوله في الجرح والتعديل" ص (196) في الطبقة العاشرة. وقال في "التذكرة"(3/ 1039): الحافظ "الكبير" إمام المحدثين. وقال في "النبلاء": (17/ 163، 165): الإِمام الحافظ، الناقد العلامة، شيخ المحدثين، صنَّف وخرَّج، وجرَّح وعدَّل وعلَّل، وكان من بحور العلم، على تشيع قليل فيه. وقال في "الميزان" (3/ 608): الحافظ صاحب التصانيف، إمام صدوق،
…
، ثم قال: فأما صدقه في نفسه ومعرفته بهذا الشأن فأمر مجمع عليه. وقال في "التاريخ"(28/ 123): انتخب على خلق كثير، وجرح وعدل، وقبل قوله في ذلك لسعة علمه ومعرفته بالعلل والصحيح والسقيم.
25) أبو نصر عبد الوهاب بن علي السبكي (ت 771 هـ).
قال في "طبقاته"(4/ 156، 157): كان إمامًا جليلًا، وحافظًا حفيلًا، اتّفِق على إمامته، وجلالته، وعِظَم قدره، رحل إليه من البلاد لسعة علمه وروايته، واتفاق العلماء على أنه من أعلم الأئمة الذين حفظ الله بهم الدين.
26) أبو محمَّد عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي (ت 772 هـ).
قال في "طبقاته"(1/ 195): كان فقيهًا حافظًا ثقة حجة،
…
، انتهت إليه رياسة أهل الحديث.
27) أبو حفص ابن الملقن عمر بن علي (ت 804 هـ).
قال في "العقد المذهب" برقم (159): الرحال الإِمام الحافظ "الكبير"، قام الإجماع على ثقته.
28) ابن خلدون عبد الرحمن بن محمَّد (ت 808 هـ).
قال في "مقدمته" ص (281): وقد ألف الناس في علوم الحديث وأكثروا، ومن فحول علمائه وأئمتهم أبو عبد الله الحاكم، وتآليفه فيه مشهورة، وهو الذي هذْبه وأظهر محاسنه.
29) أبو عبد الله بن ناصر الدين الدمشقي محمَّد بن عبد الله (ت 842 هـ).
قال في "بديعته" ص (181):
مثل الرّضي محمد بن البَيِّع
…
الحاكم المصنف المُنوِّع
وقال في شرحها كما في "الشذرات"(5/ 34): صدوق من الإثبات.
30) أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ).
قال في "اللسان"(7/ 256): والحاكم أجل قدْرًا، وأعظم خطرًا، وأكبر ذكرًا من أن يذكر في الضعفاء
…
الخ.
31) أبو المحاسن يوسف بن تغري (ت 874 هـ).
قال في النجوم الزاهرة (4/ 238): كان أحد أركان الإِسلام، وسيد المحدثين وإمامهم في وقته، والمرجوع إليه في هذا الشأن.
قال مقيده -عفا الله عنه-: هذه جمل يسيرة، وهي غيض من فيض سِيَره وأحواله، كما قال عبد الغافر، وإلا فنقل أقوال العلماء وثنائهم عليه يطول، وقد أفرد ترجمته الحافظ أبو موسى المديني في مصنف مستقل، كما ذكر ذلك ابن قاضي شهبة في "طبقاته"(1/ 194)، وأختم هذه الفقرة بما رواه أبو موسى المديني في "مصنفه" هذا قال: حدثنا الحسين بن عبد الملك، عن سعد بن علي الزَّنجاني، سمع أبا نصر الوائلي يقول: لما ورد أبو الفضل الهمذاني نيسابور، تعصبوا له، لقبوه: بديع الزمان، فأعجب
بنفسه إذ كان يحفظ المائة بيت إذا أنشدتْ مرة، وينشدها من أولها إلى آخرها مقلوبة، فأنكر على الناس قولهم: فلان الحافظ في الحديث، ثم قال: وحفظ الحديث مما يُذكر؟! فسمع به الحاكم ابن البيع، فوجه إليه بجزء، وأجَّل له جُمعة في حفظه، فردَّ إليه الجزء بعد الجمعة وقال: من يحفظ هذا؟ محمَّد بن فلان، وجعفر بن فلان، عن فلان؟ أسامي مختلفة، وألفاظ متباينة؟ فقال له الحاكم: فاعرف نفسك، واعلم أن هذا الحفظ أصعب مما أنت فيه. (1) وهذه القصة إسنادها صحيح، رجالها كلهم ثقات. وهناك قصة منامية ذكرها الحافظ ابن عساكر في "تبيين كذب المفتري" ص (230) يحسن إيرادها هنا، قال أبو حازم العبدوي: وحكى القاصي أبو بكر الحيري أن شيخًا من الصالحين حكى أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قال: فقلت له يا رسول الله بلغني أنك قلت: ولدت في زمن الملك العادل، وإني سألت الحاكم أبا عبد الله فقال: هذا كذب، ولم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: صدق أبو عبد الله.
** المآخذ التي أخذت عليه:
بعد عرض ما تقدم نقله عن الأئمة المعتبرين من بيان ثقته وإمامته، وإذعانهم له بالفضل، واعترافهم له بالمزية على من تقدمه، وإتعابه من بعده، فإنني سأتعرض في هذا المبحث لكل مأخذ وقعت عليه في هذا الإِمام الجبل، فأقول مستعينًا بالله عز وجل: لقد انتقد هذا الإِمام بعدة انتقادات منها:
(1)"النبلاء"(17/ 173).
المأخذ الأول: التشيع:
وقد انقسم الناس في ذلك إلى ثلاث فرق، منهم من اقتصر على رميه بالتشيع فحسب، ومنهم من غلا فرماه بالرفض والغلو في التشيع، ومنهم من نفى منه التشيع أصلًا.
فأول من عرف عنه القول بتشيع الحاكم، فيما بين أيدينا من مصادر، هو أبو ذر الهَرَوي، فقد ساق السِّلفي في "معجم السَّفَر" ص (239) بإسناده إلى أبي الوليد الباجي أنه قال: قال لنا أبو ذر عبد بن أحمد بن عفير الهَرَوي بمكة: كنا في حلقة الحاكم أبي عبد الله بن البيع الحافظ بنيسابور إذ أخرج عن السُّدِّي في "الصحيح" نتغامز عليه، وذلك أنه روى حديث الصبر ولم يتابعه أحد عليه، وكان يُنسب إلى التشيع. والخطيب البغدادي (ت 463 هـ)، حيث قال في "تاريخه" (5/ 474): وكان ابن البيع يميل إلى التشيع. ثم تتابعت كلمات بعض من ترجم له على ذلك، فقال السمعاني في "الأنساب" (1/ 455): كان فيه تشيع ثم ذكر كلام الخطيب.
وقال ابن عبد الهادي في "طبقاته"(3/ 242): هو شيعي معظم للشيخين. وقال الذهبي في "العبر"(2/ 211): كان فيه تشيع. وفي "النبلاء"(16/ 358): تشيعه خفيف. وقال في "الميزان"(3/ 608): هو شيعي مشهور بذلك من غير تعرُّض للشيخين. وقال الأسنوي في "طبقاته"(1/ 195): كان يميل إلى التشيع ويظهر التسنن. وقال الحافظ في "اللسان"(5/ 11): إن في ابن قتيبة انحرافًا عن أهل البيت، والحاكم على الضد من ذلك. وقال ابن الجزري في "غاية النهاية" (2/ 185): كان شيعيًا مع حبه للشيخين رضي الله عنهما. وقال ابن ناصر الدين في شرح
"بديعته" كما في "الشذرات"(5/ 34): فيه تشيع. وقد استدل أصحاب هذا الفريق على ذلك بما يلي:
الدليل الأول: ما أخرجه ابن الجوزي في "المنتظم"(15/ 115) قال: أنبأنا محمَّد بن عبد الباقي، عن أبي محمَّد التميمي، عن أبي عبد الرحمن السلمي. والذهبي في "النبلاء"(17/ 174)، و"تاريخ الإِسلام" (28/ 131) قال: أنبأني أحمَد بن سلامة عن محمَّد بن إسماعيل الطَّرسُوسي عن محمَّد بن طاهر المقدسي، قال: سمعت أبا "الفتح" سمكويه بهراة يقول: سمعت عبد الواحد المليحي يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: دخلت على الحاكم أبي عبد الله وهو في داره لا يمكنه الخروج إلى المسجد من جهة أصحاب أبي عبد الله بن كرام، وذلك أنهم كسروا منبره ومنعوه من الخروج، فقلت له: لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل يعني معاوية لاسترحت من هذه المحنة، فقال: لا يجيء من قلبي، لا يجيء من قلبي، لا يجيء من قلبي. وفي بعض المصادر: لا يجيء من قبلي.
وهذه قصة صحيحة الإسناد إلى أبي عبد الرحمن السلمي، رجالها كلهم ثقات. وقد استدل بهذه القصة على تشيعه ابن طاهر المقدسي حيث قال: كان منحرفًا عن معاوية وآله متظاهرًا بذلك، ولا يعتذر منه. (1)
وقال شيخ الإِسلام ابن تيمية في "منهاج السنة"(7/ 373) بعد ذكره حديث الطير: هذا مع أن الحاكم منسوب إلى التشيع، وقد طُلب منه أن
(1)"تذكرة الحفاظ"(3/ 1045).
يروي حديثًا في فضل معاوية فقال: ما يجيء من قلبي، ما يجيء من قلبي، وقد ضربوه على ذلك فلم يفعل. وقال الذهبي في "التذكرة" (3/ 1045): أما انحرافه عن خصوم علي فظاهر، وأما أمر الشيخين فمعظم لهما بكل حال، فهو شيعي لا رافضي. وقال في "العبر" (2/ 211): كان فيه تشيع وحط على معاوية. وقال في "المعجم المختص" ص (303): كان شيعيًا ينال من الذين حاربوا عليًا رضي الله عنه، ونحن نترضّى عن الطائفتين، ونحب عليًا أكثر من خُصومه.
وقد أجاب من نفى عنه ذلك بعدة أجوبة:
1) أنها قصة مكذوبة على أبي عبد الرحمن السلمي، قال السبكي في "طبقاته" (4/ 163): والغالب على ظني أن ما عُزِي إلى أبي عبد الرحمن السلمي كذب عليه، ولم يبلغنا أن الحاكم ينال من معاوية، ولا يُظن ذلك فيه، وغاية ما قيل فيه الإفراد في ولاء علي -كرم الله وجهه-، ومقام الحاكم عندنا أجل من ذلك اهـ
قلت: وما ذكره السبكي رحمه الله تعالي - مجرد ظن عارٍ عن البرهان والدليل، وقد سبق أن بينت أنها قصة صحيحة الإسناد، رجالها كلهم ثقات، ولولا خشية الإطالة لترجمة لكل واحد منهم.
2) قال السبكي في "طبقاته"(4/ 163): ثم إن هذه حكايته لا يحكيها إلا هذا -يعني محمَّد بن طاهر- الذي يخالف الحاكم في المعتقد، فكيف يسع المرءُ بين يدي الله تعالى أن يقبل قوله فيها، أو يعتمد على نقله؟
قلت: وفي هذا الجواب نظر -أيضًا- فقد سبق وأن ذكرت أن ابن الجوزي رواها في "المنتظم" من غير طريق ابن طاهر، فقال: أنبأنا محمَّد
بن عبد الباقي، عن أبي محمَّد التميمي، عن أبي عبد الرحمن السلمي. وهذا إسناد صحيح -أيضًا-، فشيخ ابن الجوزي محمَّد بن عبد الباقي مترجم في "النبلاء" (20/ 481) قال الذهبي: الشيخ الجليل العالم الصدوق، مسند العراق. وشيخه التميمي هو: رزق الله بن عبد الوهاب أبو محمَّد التميمي البغدادي، ترجمه الذهبي في "النبلاء" (18/ 609) وقال: الشيخ الإِمام، المعمر، الواعظ رئيس الحنابلة.
3) أن رفض الحاكم رواية ما جاء في فضائل معاوية، لم يكن نابعًا من موقف بغض لمعاوية وآله، بل لأنه لم يصح في فضائل معاوية شيء، كما قال الحفاظ قبل الحاكم؛ كإسحاق بن راهويه، والنسائي، والحاكم يروى عنهما ذلك وإسناده إليهما كما في "الموضوعات" لابن الجوزي (2/ 263/ 823)، و"تهذيب الكمال" للمزي (1/ 338 - 339)، فرفض الحاكم لذلك رفض العالم الذي يتقي ربه، ويترفع أن يبيع دينه بدنياه، فجاء هذا الرد القاطع في أن مثله لا يفعل هذا، ولا يصدر منه، ولا يجيء من قلبه، أو من قبله. (1)
4) إن الحاكم رحمه الله تعالي- ما قصد الغض من معاوية رضي الله عنه، ولكن جرى أهل العلم والفضل كما قال الشيخ العلامة ذهبي العصر المعلمي اليماني رحمه الله تعالي- في "التنكيل" (1/ 1): على أنهم إذا رأوا بعض الناس غلو في بعض الأفاضل أنهم يطلقوا فيهم بعض كلمات يؤخذ منها الغض من ذاك الفاضل لكي يكف الناس عن الغلو فيه، الحامل لهم على اتباعه فيما ليس لهم أن يتبعوه فيه، وذلك لأن أكثر الناس مغرمون
(1)"الإِمام الحاكم النيسابوري" ص (61).
بتقليد من يعظم في نفوسهم، والغلو في ذلك حتى إذا قيل لهم: أنه غير معصوم عن الخطأ، والدليل قائم على خلاف قوله في كذا، فدل على أنه أخطأ ولا يحل لكم أن تتبعوه على ما أخطأ فيه، قالوا: هو أعلم منكم بالدليل، وأنتم أولى بالخطأ منه، فالظاهر أنه قد عرف ما يدفع دليلكم هذا، ولذا ترى بعض أهل العلم يغض من مكانة ذلك الفاضل لردع هؤلاء السائمة
…
الخ.
5) أنه قد ذكر في "تاريخ نيسابور" ترجمة حمزة بن محمَّد العلوي، أنه جرى بحضرته ذكر يزيد بن معاوية فقال: أنا لا أكفر يزيد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني سألت الله أن لا يسلط على أمتي أحدًا من غيرهم فأعطاني ذلك"(1). قالوا: فكيف يتصور فيمن يروي مثل هذه الحكاية في يزيد الذي يقول فيه الذهبي في "النبلاء"(4/ 36): يزيد ممن لا نسبه ولا نحبه، أنه ينال من معاوية رضي الله عنه؟!
الدليل الثاني: ما يحُكى عنه من أنه يقدم عليًا على عثمان رضي الله عنه.
قال السبكي في "طبقاته"(4/ 161): وقد رمي هذا الإِمام الجليل بالتشيع، وقيل: إنه يذهب إلى تقديم علي، من غير أن يطعن في واحد من الصحابة رضي الله عنهم. وقال ابن هداية الله في "طبقاته" ص (124): أبو عبد الله الحاكم كان فقيهًا حافظًا ثقة عليًا، لكنه يفضل علي بن أبي طالب على عثمان رضي الله عنهما.
(1)"الأنساب"(3/ 212).
وقد أجيب عن ذلك.
1) أن نسبة ذلك إليه تحتاج إلى صحة النقل عنه.
2) أنه لما ذكر فضائل الخلفاء الأربعة في كتابه "المستدرك" رتبهم ترتيبهم عند جماهير السلف والخلف: أبو بكر، فعمر، فعثمان، فعلي رضي الله عنهم أجمعين، فكيف يقال بعد ذلك هو يقدم عليًا على عثمان (1)؟!
3) قالوا: وعلى فرض تسليمنا لذلك جدلًا، فقد قال البيهقي في "الاعتقاد" ص (522): وروينا عن أبي ثور، عن الشافعي، قال: ما اختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر، وعمر، وتقديمها على جميع الصحابة، وإنما اختلف من اختلف منهم في علي وعثمان، ونحن لا نخطئ واحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعلوا.
وقال الذهبي في "النبلاء"(16/ 457 - 458): ليس تفضيل علي بالرفض، ولا هو ببدعة، بل ذهب إليه خلق من الصحابة والتابعين، فكل من عثمان وعلي ذو فضل وسابقة وجهاد، وهما متقاربان في العلم والجلالة، ولعلهما في الآخرة متساويان في الدرجة، وهما سادة الشهداء رضي الله عنهم، ولكن جمهور الأمة على ترجيح عثمان على علي، وإليه نذهب، والخطب في ذلك يسير
…
وقال شيخ الإِسلام في "الواسطية": مسألة عثمان وعلي ليست من الأصول التي يُضَلَل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة. قال الشيخ العثيمين في "شرحه"(2/ 271): يعني: المفاضلة بين
(1)"طبقات السبكي"(4/ 167).
عثمان وعلي رضي الله عنهما ليست من أصول أهل السنة التي يضلل فيها المخالف، فمن قال: إن عليًا أفضل من عثمان؛ فلا نقول: إنه ضال، بل نقول: هذا رأي من آراء أهل السنة، ولا نقول فيه شيئًا اهـ.
وفي "اللسان"(1/ 314) ترجمته إبراهيم بن عبد العزيز الأصبهاني، ذكر أبو الشيخ، ثم أبو نعيم، أنه قعد للتحديث فأخرج الفضائل، فأملى فضائل أبي بكر، ثم عمر، قال: فبدأ بعثمان أو بعلي؟ فقالوا: هذا رافضي، فتركوا حديثه. قال الحافظ رحمه الله تعالي-: وهذا ظلمٌ بين، فإن هذا مذهب جماعة من أهل السنة، أعني التوقف في تفضيل أحدهما على الآخر، وإن كان الأكثر على تقديم عثمان، بل كان جماعة من أهل السنة يقدمون عليًا على عثمان، منهم: سفيان الثوري، وابن خزيمة اهـ.
الدليل الثالث: ما يحُكي عنه من أنه قال: إن عليًا وصي.
قال الذهبي في "الميزان"(3/ 608) ومن شقاشقه قوله: إن عليًا وصي.
وقال ابن الجزري في "غاية النهاية"(2/ 185): ومما انتقدت عليه قوله: إن عليًا رضي الله عنه وصي، قال: وهذا من زلاته، فإنه لا يجهل أن هذا غير صحيح.
ويجاب عن ذلك بثلاثة أجوبة:
أحدها: أن نسبت ذلك إليه تحتاج إلى نقل صحيح عنه، وكما قيل: ثبت العرش ثم انقش.
ثانيًا: أن الحاكم روى في كتابه "المستدرك"(3/ 109/ 4596) ما يكاد يكون نصًا في خلافة أبي بكر الصديق، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم، وصححه على شرط الشيخين من حديث عائشة رضي الله عنها -
قالت: أول حجر حمله النبي صلى الله عليه وسلم لبناء المسجد، ثم حمل أبو بكر حجرًا آخر، ثم حمل عمر حجرًا آخر، ثم حمل عثمان حجرًا آخر، فقلت: يا رسول الله، ألا ترى إلى هؤلاء كيف يساعدون؟ فقال:"يا عائشة هؤلاء الخلفاء من بعدي".
قال السبكي في "طبقاته"(4/ 168): فمن يخُرِّج هذا الحديث الذي يكاد يكون نصًا في خلافة الثلاثة، مع ما في إخراجه من الاعتراض عليه، يظن به الرَّفض!!
ثالثًا: قال شيخ الإِسلام ابن تيمية في "منهاج السنة"(7/ 273) بعد ذكره حديث الطير: هذا مع أن الحاكم منسوب إلى التشيع،
…
، ولكن تشيعه -أي على فرض ثبوته- وتشيع أمثاله من أهل العلم بالحديث، كالنسائي، وابن عبد البر، وأمثالهم، لا يبلغ إلى تفضيله على أبي بكر وعمر، فلا يُعرف في علماء الحديث من يفضِّله عليها، بل غاية المتشيع منهم أن يفضله على عثمان، أو يحصل منه كلام أو إعراض عن ذكر محاسن من قاتله ونحو ذلك؛ لأن علماء الحديث قد عصمهم وقيدهم ما يعرفون من الأحاديث الصحيحة الدالة على أفضلية الشيخين، ومن ترفض ممن له نوع اشتغال بالحديث كابن عقدة وأمثاله، فهذا غايته أن يجمع ما يُروى في فضائله المكذوبات و"الموضوعات" لا يقدر أن يدفع ما تواتر من فضائل الشيخين، فإنها باتفاق أهل العلم بالحديث أكثر مما صح في فضائل علي رضي الله عنه وأصح وأصرح في الدلالة اهـ.
الدليل الرابع: إخراجه حديث الطير في "مستدركه"، وتصحيحه له، وكذا حديث:"من كنت مولاه فعلي مولاه". قال الخطيب البغدادي في
"تاريخ بغداد"(5/ 474): كان ابن البيع يميل إلى التشيع، فحدثني أبو إسحاق إبراهيم بن محمَّد الأرموي بنيسابور -وكان شيخًا صالحًا فاضلًا عالمًا- قال: جمع الحاكم أبو عبد الله أحاديث زعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم يلزمهما إخراجها في "صحيحيهما" منها الحديث الطائر، و"من كنت مولاه فعلي مولاه"، فأنكر عليه أصحاب الحديث ذلك ولم يلتفوا فيه إلى قوله، ولا صوبوه في فعله اهـ.
ووجه استدلالهم بذلك على تشيع الحاكم، وأن تصحيحه لهذا الحديث الموضوع، وإيداعه له "مستدركه" وإفراده بجزء، دليل على أنه يرى تقديم علي رضي الله عنه على شيخ المهاجرين والأنصار أبي بكر الصديق رضي الله عنه. قالوا: وقد أشار إلى نحو ذلك الدارقطني، فغمز الحاكم بسوء العقيدة، حين أخبر أنه أخرجه في "المستدرك" فقد أخرج عبد القادر الرهاوي في كتابه "المادح والممدوح" عن أبي محمَّد السمرقندي أنه قال: بلغني أن "مستدرك الحاكم" ذكر بين يدي الدراقطني، فقال: نعم، يستدركُ عليهما حديث الطير، فبلغ ذلك الحاكم فأخرج الحديث من الكتاب.
وأجيب عن ذلك:
أولًا: قالوا: إن مجرد تخريج الحاكم لمثل هذه الأحاديث لا يدل بحال على تشيع الحاكم؛ لأنها رواية، وهي لا تحكم على من يتحملها ويؤديها بحكم ما. (1) قال السبكي في "طبقاته" (4/ 165): قلنا: وغاية جمع هذا الحديث أن يدل على أن الحاكم يحكم بصحته، ولولا ذلك لما أودعه
(1)"الإِمام الحاكم النيسابوري" ص (64).
"المستدرك"، ولا يدل منه على تقديم علي رضي الله عنه على شيخ المهاجرين والأنصار، أبي بكر الصديق رضي الله عنه، إذ له معارض أقوى، لا يقدر على دفعه، وكيف يظن بالحاكم مع سعة حفظه تقديم علي، ومن قدَّمه على أبي بكر فقد طعن علي المهاجرين والأنصار، فمعاذ الله أن يظن ذلك بالحاكم.
ثانيًا: قالوا: إن الحاكم لم ينفرد بإخراجه، فقد أخرجه الترمذي في "سننه"(5/ 636/ 3721)، فلم يتهم بمجرد إخراجه أنه شيعي. (1)
ثالثًا: قالوا: إن الحاكم قد تراجع عن تصحيحه لهذا الحديث ففي "تذكرة الحفاظ"(3/ 1042)، و"النبلاء"(17/ 168)، و"التاريخ"(28/ 127) للذهبي، و"النكت" للزركشي (1/ 219). قال أبو نعيم الحداد: سمعت الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ، سمعت أبا عبد الرحمن الشاذْيَاخي الحاكم يقول: كنا في مجلس السيد أبي الحسن، فسئل أبو عبد الله الحاكم عن حديث الطير، فقال: لا يصح، ولو صح لما كان أحدٌ أفضل من علي بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وقد قال الذهبي بعد إيراده هذه الحكاية في "تاريخه": هذه الحكاية سندها صحيح. وقال في "النبلاء": هذه حكايتة قوية. وقال أبو موسى المديني في "جزئه": سئل الحاكم عن حديث الطير، فقال: لا يصح.
قالوا: فإن قيل: ما تقولون في قول الذهبي عقب تصحيحه لهذه
(1)"النبلاء"(17/ 176)، مقدمة "سؤالات السجزي" ص (16)، مقدم السلوم لـ "المدخل إلى الإكليل" ص (19).
الحكاية: فما باله أخرج حديث الطير في "المستدرك على الصحيح"؟ فلعله تغير رأيه. وقال في موضع آخر: فما باله أخرج حديث الطير في "المستدرك"؟ فكأنه اختلف اجتهاده. وقال أيضًا: ثم تغير رأي الحاكم، وأخرج حديث الطير في "مستدركه".
قالوا: يجاب عن ذلك بما قاله السبكي في "طبقاته"(4/ 169): قلت: وكلام شيخنا حق، وإدخاله حديث الطير في "المستدرك" مستدرك، وقد جوَّزت أن يكون زيد في كتابه، وألا يكون هو أخرجه، وبحثت عن نسخ قديمة من "المستدرك"، فلم أجد ما ينشرح الصدر لعدمه، وتذكرت قول الدارقطني: إنه يستدرك حديث الطير (1)، فغلب على ظني أنه لم يوضع عليه، ثم تأملت قول من قال: إنه أخرجه من الكتاب، فجوّزت أن يكون خرّجه، ثم أخرجه من الكتاب وبقي في بعض النسخ، فإن ثبت هذا صَحَّتِ الحكايات، ويكون خرَّجه في الكتاب قبل أن يظهر له بطلانه، ثم أخرجه منه لاعتقاده عدم صحته، كما في هذه الحكاية التي صحح الذهبي سندها، ولكنه بقي في بعض النسخ؛ إما لانتشار النسخ بالكتاب، أو لإدخال بعض الطاعنين إياه، فكل هذا جائز، والعلم عند الله تعالي اهـ. (2)
قال مقيده -عفا الله عنه-: اعترض بعضهم على كلام السبكي هذا بأن الحاكم لم يعدد نسخ "المستدرك"، فإنه أملاه في أواخر أيامه، ولم يتم إملاءه، ثم قال: وتجويز السبكي أن يكون زيد في الكتاب قول عجيب، وكأنه
(1) سيأتي أنها حكايته لا تصح.
(2)
قال الشيخ الكشميري في "فيض الباري على صحيح البخاري"(1/ 36): وقال بعضهم ليس في "المستدرك" حديث صحيح، وتوهَّم بعضهم أن فيه إلحاقًا من الروافض
…
الخ.
عري عن معرفة ضبط العلماء للنسخ الحديثية، وكيفية روايتها، ولو فتح هذا الباب لأدى إلى كثير من المجاوزات، ولسنا بحاجة إلى هذا أصلًا اهـ. (1) قالوا: وهناك جواب آخر على ما سبق إيراه، وهو أن الحاكم سود كتابه "المستدرك" فعاجلته المنية قبل تنقيحه وتحريره. (2) فبقي الحديث فيه.
قال مقيده -عفا الله عنه-: ويرد على هذا الجواب ما قاله الحاكم في كتابه "المعرفة" ص (307) النوع (23): ومن الطوالات المشهورة التي لم تخرج في الصحيح حديث الطير اهـ. والله أعلم.
قالوا: وعلى فرض تسليمنا لكم بأن الحاكم قد تراجع تضعيفه لهذا الحديث إلى تصحيحه فليس في ذلك ما يدل على تشيع فيه، وإنما غايته أن الحاكم تغير اجتهاد ورأيه فيه من التضعيف إلى التصحيح، وهذا غير مستنكر عند أهل العلم. يقول الشيخ الألباني رحمه الله تعالي-: إن العلم لا يقبل الجمود،
…
، وذلك مما يوجب على المسلم أن يتراجع عن خطئه عند ظهوره، وأن لا يجمد عليه، أسوة بالأئمة الذين كان للواحد منهم في بعض الرواة أكثر من قول واحد توثيقًا وتجريحًا
…
(3) وإلى كون تراجع الحاكم -رحمه الله تعالى- عن تصحيحه إلى تضعيفه من باب اختلاف الاجتهاد في الحاكم، ذهب إليه الحافظ الذهبي، فقد قال كما سبقه نقله: كأنه اختلف اجتهاده. وقال مرة: فلعله تغير رأيه.
(1) مقدمة السلوم للمدخل ص (19).
(2)
"فتح المغيث"(1/ 41)، "التدريب"(1/ 113)، "توجيه النظر"(1/ 340)، مقدمة السلوم لـ "المدخل إلى الإكليل" ص (19)، "الإمام الحاكم النيسابوري" ص (65).
(3)
مقدمة تراجع الألباني ص (9).
قالوا: وقد يحمل تصحيحه له بعد تصريحه بضعفه أن ذلك بسبب ما ذكر عنه من أنه رحمه الله تعالي- اعترته غفلة وتغير في آخر عمره (1)، و"المستدرك" من أواخر مصنفاته، فوقع له بذلك تساهل في التصحيح حتى إن بعضهم نقل الإجماع على أنه لا اعتماد على تصحيحه. (2)
فإن قال قائل: أليس من المحتمل أن يكون السبب في رجوعه عن تضعيفه إلى إدخاله له في "المستدرك" وتساهله في تصحيحه يرجع إلى ما رمى به من التشيع؟
قيل: هو احتمال وارد، وقد أشار إليه بعضهم (3)، وقد رده المعلمي رحمه الله تعالي- في "التنكيل" (1/ 457) بقول: أقول لا أرى الذنب للتشيع، فإنه يتساهل في فضائل بقية الصحابة كالشيخين وغيرهما اهـ.
وأما الحكاية المذكورة عن الدارقطني فهي حكايته منقطعة، قال الذهبي بعد إيراده لها في "النبلاء" (17/ 167): قلت: هذه حكايته منقطعة، بل لم تقع، فإن الحاكم إنما ألف "المستخرج" في أواخر عمر بعد موت الدراقطني بمدة، وحديث الطير لم يحول منه بل هو -أيضًا- في جامع الترمذي اهـ.
قالوا: وعلى فرض صحتها إلى الدارقطني فليس فيها تعريض من الدارقطني بغمز الحاكم بسوء العقيدة كما زُعم. قال السبكي في "طبقاته"(4/ 164): وأما ما رواه الرواة عن الدارقطني: إن صح فليس فيه ما يُرمى به
(1)"اللسان"(7/ 257)، "فتح المغيث"(2/ 40 - 41).
(2)
"ظفر الأماني"(425)، "الرسالة المستطرفة" ص (121).
(3)
"فتح المغيث"(2/ 40 - 41).
الحاكم، بل غايته أنه استقبح منه ذكر حديث الطير في "المستدرك"، وليس هو بصحيح. وقال في (4/ 165): وإنما فيها عندنا الغمْرُ من كتاب "المستدرك" لما فيه مما يُسْتَدرك، وهو غمز صحيح اهـ.
وهناك جواب آخر أجاب به السبكي على افتراض صحتها يراجع في "الطبقات"(4/ 164).
وأما مجرد إفراده حديث الطير بجزء يجمع فيه طرقه، فلا يدل على تشيعه، فقد جمعه غيره، ولم يتهم بذلك. قال أبو موسى المديني في "جزئه" كما في "منهاج السنة" (7/ 371 - 372): قد جمع غير واحد من الحفاظ طرق أحاديث الطير للاعتبار والمعرفة، كالحاكم النيسابوري، وأبي نعيم، وابن مردويه. وقال الذهبي في "النبلاء" (17/ 169): وقد جمعت طرق حديث الطير في جزء.
قال السبكي: وأما الحكم على حديث الطير بالوضع فغير جيد، ورأيت لصاحبنا الحافظ صلاح الدين خليل بن كَيْكَلدي العلائي عليه كلامًا، قال فيه: بعد ما ذكر تخريج الترمذي له، وكذلك النسائي في "خصائص علي رضي الله عنه ": إن الحق في الحديث أنه رُبما ينتهي إلى درجة الحسن، أو يكون ضعيفًا يحتمل ضعفه، قال: فأما كونه ينتهي إلى أنه موضوع من جميع طرقه فلا .... وفي كتاب "الإِمام الحاكم النيسابوري" ص (64) للدكتور عادل: هناك من الأئمة من حكم بأن له أصلًا، كالذهبي، بل حكم عليه بعضهم بالحسن، مثل العلائي، والسبكي، وابن حجر اهـ.
قال مقيده -عفا الله عنه-: كما أن هناك -أيضًا- من الأئمة غير ابن طاهر المقدسي حكموا عليه بالوضع كابن الجوزي، وابن تيمية في "منهاج السنة"
(4/ 99). وقال العلامة المعلمي في "الطليعة": وحديث الطير مشهور، روي من طرق كثيرة، ولم ينكر أهل السنة مجيئه من طرق كثيرة، وإنما ينكرون صحته، وقد صححه الحاكم. وقال غيره: إن طرقه كثيرة يدل مجموعها أن له أصلًا. وضعفه الألباني في تعليقه على "المشكاة"(3/ 1721/ 6085).
وأما حديث: "من كنت مولاه فعلي مولاه"، فلا يمكن أن يتهم من يرويه ويصححه بالتشيع، فقد رواه عدد كثير من الصحابة. قال الحافظ في "الفتح" (7/ 74): هو كثير الطرق جدًا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان اهـ. وقد حكم عليه غير واحد بالتواتر، منهم الذهبي في "النبلاء"(8/ 335)، والسيوطي في "قطوف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة" ص (277)، والكتاني في "نظم المتناثر" برقم (232)، والعجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 261)، والألباني في "الصحيحة"(4/ 343).
الدليل الخامس: إفراده فضائل فاطمة رضي الله عنها في جزء: قال السبكي في "طبقاته"(4/ 166): وحكى شيخنا الذهبي كلام ابن طاهر، وذيل عليه أن للحاكم "جزءًا في فضائل فاطمة"، وهذا لا يلزم منه رفض ولا تشيع، ومن ذا الذي يُنكر فضائلها رضي الله عنها؟! اهـ.
الدليل السادس: عدم ذكره لمعاوية رضي الله عنه في كتابه "معرفة الصحابة" من كتابه "المستدرك"(1).
(1) مقدمة "المدخل إلى الإكليل" ص (16)، "الإمام الحاكم النيسابوري" ص (67).
وقد أجيب عن ذلك:
أولًا: بأن كتاب "المعرفة" هذا عقده الحاكم لبيان مناقب الصحابة، وقد سبق أن الحاكم -رحمه الله تعالى- يذهب إلى عدم صحة شيء في فضل معاوية رضي الله عنه.
ثانيًا: أنه لم يستوعب في هذا الكتاب جميع الصحابة. (1)
ثالثًا: أنه قد أخرج في كتابه "المستدرك" بعض أحاديثه المسندة، ومثل هذا لا يفعله شيعي، انظر "المستدرك"(1/ 94، 118، 128، 347)، (2/ 62 ، 554)، (4/ 351، 353/ 372). (2)
الدليل السابع: كثرة من نسب إليه ذلك من المؤرخين الثقات.
قال الدكتور عادل حسن علي في كتابه "الإِمام الحاكم النيسابوري" ص (67): غير أن نفي تشيع الحاكم ليس في نهاية الأمر سهلًا ميسورًا؛ فإن الخطيب الذي نسب إلى الحاكم ذلك، مؤرخ ثقة، ثم إنه ربما اشتهر عن الحاكم، فنُسِب إليه من بعد في مصنفات جَمْعٍ من المؤرخين الثقات، كالذهبي، وغيره اهـ.
وقد يجاب عن ذلك بوجهين:
أحدها: أن هناك في المقابل عدد كثير من المؤرخين الثقات ممن ترجموا له لم يذكروا هذا الأمر، فلم ينسبوا إلى الحاكم أي تشيع، مثل: أبي حازم العبدوي، والخليلي تلميذاه، فقد كتبا في حياته، وترجما له، ولم يذكر أحد منهما شيئًا عن تشيع الحاكم، بل ترجمتاهما له تفيض ثناءً
(1)"الإِمام الحاكم النيسابوري" ص (67).
(2)
المصدر السابق.
ومدحًا، وبيانًا لمكانته العالية في العلم، ومثل: عبد الغافر الفارسي، وأبي موسى المديني، ومحمَّد بن المفضل المقدسي، وابن عساكر، وابن الصلاح رحمهم الله جميعًا-.
ثانيًا: أن هناك ممن ذكر ذلك عنه أشار إلى خروجه من عهدته (1). كشيخ الإِسلام ابن تيمية في "منهاج السنة"(7/ 373)، وابن الملقن في "العقد المذهب" ص (71)، والله أعلم.
الدليل الثامن: مما استدل به ابن طاهر على تشيعه، قال: سمعت المظفر بن حمزة بجرجان يقول: سمعت أبا سعد الماليني يقول: طالعت "المستدرك" فلم أجد فيه حديثًا على شرط الشيخين. قال السبكي في "طبقاته"(4/ 165) قلت: ليس في هذا تعرض للتشيع بنفي ولا إثبات، ثم هو غير مسلم.
* وأما الذين رموه بالرفض، والغلو في التشيع، فهم أبو إسماعيل عبد الله بن محمَّد الأنصاري (ت 481 هـ)، ومحمد بن طاهر المقدسي (ت 509 هـ).
قال ابن طاهر: سألت أبا إسماعيل الأنصاري عن الحاكم فقال: ثقة في الحديث، رافضي خبيث. قال ابن طاهر: كان الحاكم شديد التعصب للشيعة في الباطن، وكان يظهر التسنن في التقديم والخلافة، وكان منحرفًا غاليًا عن معاوية وأهل بيته، يتظاهر به ولا يعتذر منه. (2) وفي "العلل المتناهية" لابن الجوزي (1/ 236): قال ابن طاهر: كان يتهم بالتعصب للرافضة.
(1) المصدر السابق ص (63).
(2)
"طبقات علماء الحديث"(3/ 241)، "التذكرة"(3/ 1045)، "النبلاء"(174)، الوافي الوفيات (3/ 320).
قال مقيده -عفا الله عنه-: وقد أنكر أهل العلم قول ابن طاهر وشيخه، ولم يلتفتوا إليه؛ لأنهما لم يأتيا بدليل أو برهان على ما ادعياه، والإنصاف يقتضي طرح كل رأي لا يقيم صاحبه عليه الدليل والبرهان. (1) قال ابن عبد الهادي في "طبقاته" (3/ 242): الحاكم ليس برافضي، هو معظم للشيخين. وقال الذهبي في "التذكرة" (3/ 608): هو شيعي لا رافضي. وقال في "النبلاء"(17/ 174): كلا ليس هو رافضيًا. وقال في "الميزان"(3/ 608): الله يحب الإنصاف، ما الرجل رافضي. وقال في "المعجم المختصر بالمحدثين" ص (303): كلا ما كان الرجل رافضيًا. وقال السبكي في "طبقاته"(4/ 163): وقد استخرت الله كثيرًا، واستهديته التوفيق، وقطعت القول بأن كلام أبي إسماعيل، وابن طاهر لا يجوز قبوله في حق هذا الإِمام، لما بينهم من مخالفة العقيدة، وما يُرْمَيان به من التجسيم أشهر مما يُرْمى به الحاكم من الرفض، ولا يُغرنك قول أبي إسماعيل قبل الطعن فيه:"إنه ثقة في الحديث" فمثل هذا الثناء يقدمه من يريد الإزراء بالكبار، قبل الإزراء عليهم، ليوهم البراءة من الغرض، وليس الأمر كذلك اهـ. وقال في (4/ 168): وأما قول من قال: "إنه رافضي خبيث"، ومن قال:"إنه شديد التعصب للشيعية"، فلا يعبأ بهما كما عرفناك. وقال العلامة المعلمي في "التنكيل" (1/ 455): وأما قول بعضهم: "إمام في الحديث، رافضي خبيث"، فقد أجاب عنها الذهبي في "الميزان" قال: إن الله يحب الإنصاف، ما الرجل برافضي، بل شيعي فقط. وتذكرني هذه الكلمة ما حكوه أن
(1)"الإِمام الحاكم النيسابوري" ص (60).
الصاحب ابن عباد كتب إلى قاضي قم:
أيها القاضي بقم
…
قد عزلناك فقم
فقال القاضي: ما عزلتني إلا هذه السجعة.
* الفريق الثالث: وهم الذين نفوا عنه التشيع أصلًا:
قال الدكتور موفق بن عبد القادر في مقدمته "سؤالات السجزي":
إن الأدلة المتقدمة والتي طعنت في عقيدة الحاكم لا تصلح أن تكون دليلًا على "تشيع" الحاكم فضلًا عن أن يُتَّهم بالرفض، كما أن اتهام مسلم في عقيدته أمر بالغ الخطورة؛ يحتاج إلى بينة واضحة، ودليل قوي، فكيف إذا كان هذا المسلم إمامًا من أئمة الدين، وعلمًا من أعلام السنة، ورجلًا من رجال الحديث الذين وثقه أهل عصره وشهدوا له بالحفظ والإتقان والإمام، وجلالة القدر، فضلًا عن التقوى والصلاح، بل قدموه على أنفسهم، وفوق ذلك كله أن له "مصنفات" تثبت خلاف ما اتهم به
…
الخ.
قال مقيده -عفا الله عنه-: ومما استدل به على نفي ما رمي به من التشيع، ما يلي:
1) أنه عقد في كتابه "الأربعين" بابًا لتفضيل أبي بكر وعمر وعثمان، واختصهم من بين الصحابة، وقدم في "المستدرك" ذكر عثمان على علي رضي الله عنه (1).
2) أنه أخرج في كتابه "المستدرك" فضائل عدد من الصحابة، ممن تبغضهم الشيعة كالزبير، وطلحة، وعمرو بن العاص، قالوا: فهل من يخرج
(1)"طبقات السبكي"(4/ 167).
فضائل هؤلاء الصحابة، ويصحح إسنادها يكون شيعيًا؟ (1)
3) أنه قال في "تاريخ نيسابور" ترجمة الحسين بن داود بن علي العلوي: كان سني العلوية في أيامه، ومن أكثر الناس صلاة ومحبة وصدقة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصره، صحبته برهة من الدهر ما سمعته يذكر أبا بكر إلا قال: إمام المسلمين في عصره رضي الله عنه، وما سمعته ذكر عثمان إلا قال: الشهيد وبكى، وما سمعته يذكر عائشة إلا قال: الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله وبكى (2).
4) أنه قال في "تاريخ نيسابور" -أيضًا- ترجمة أبي يعلى حمزة بن محمَّد العلوي: ما أعلمني رأيت في العلوية وغيرهم من مشايخ الإِسلام له شبيهًا ومثلًا ونظيرًا وقرينًا وجلالةً ومنظرًا وعقلًا وكمالًا وثباتًا وميلًا إلى الحديث وأهله، ونشر محاسن الخلفاء والمهاجرين والأنصار، وذبًا عنهم، وإنكارًا للوقيعة فيهم (3).
5) قوله عن شيخه أبي بكر بن أبي دارم: "رافضي غير ثقة"(4)، فهل يقول الحاكم عن شيخه هذا الكلام، ويتهمه بالرفض، وهو رافضي مثله؟! اللهم لا (5). وقال في "المدخل إلى الصحيح" (4/ 219): عباد بن يعقوب الرواجني كان من الغالين في التشيع، إلا أن أبا بكر محمَّد بن إسحاق يقول:
(1) المصدر السابق (4/ 167)، "الإمام الحاكم النيسابوري"(63).
(2)
"طبقات ابن الصلاح"(1/ 151)، "المنتظم"(14/ 176).
(3)
"الأنساب"(3/ 212).
(4)
"النبلاء"(15/ 578)، "الميزان"(1/ 139).
(5)
"الإِمام الحاكم النيسابوري" ص (62).
حدثنا الصدوق في روايته، المتهم في دينه. وقال في "المدخل" -أيضًا- (4/ 119): يونس بن بكير تأملت كل ما قيل فيه، فلم أجد أحدًا من أئمتنا استزراه في حفظ أو إتقان أو مخالفة للثقات في رواياته إلا لميله عن الطريق في تشيعه، وقد احتمل مثل هذا الحال عن جماعة من الكوفيين، فهو عندي من جملتهم. وقال في "المستدرك" (2/ 599/ 3938): وثور بن أبي فاختة لم ينقم عليه غير التشيع. وقال في (1/ 761/ 2111): وحكيم بن جبير إنما تركاه لغلوه في التشيع، وقال في (2/ 611): أبو حمزة الثمالي، لم ينقم عليه إلا الغلو في مذهبه فقط. فهل كان الحاكم يقول هذا إن كان هو نفسه رافضيًا أو شيعيًا!!
6) قال السبكي في "طبقاته"(4/ 161 - 162): وقد رمي هذا الإِمام الجليل بالتشيع،
…
، فنظرنا فإذا الرجل محدث، لا يختلف في ذلك، وهذه العقيدة تبعد على محدث، فإن التشيع فيهم نادر، وإن وجد في أفراد قليلين.
7) قال السبكي في "طبقاته"(4/ 162): وقد رمي هذا الإِمام الجليل بالتشيع،
…
، ثم نظرنا مشايخه الذين أخذ عنهم العلم، وكانت له بهم خصوصية فوجدناهم من كبار أهل السنة، ومن المُتَصَلِّبة في عقيدة أبي الحسن الأشعري، كالشيخ أبي بكر بن إسحاق الصبغي، والأستاذ أبي بكر بن فورك، والأستاذ أبي سهل الصعلوكي، وأمثالهم، وهؤلاء هم الذين كان يجالسهم في البحث، ويتكلم معهم في أصول الديانات، وما يجري مجراها،
…
، ثم رأينا الحافظ ابن عساكر أثبته في عداد الأشعريين، الذي يُبَدِّعون أهل التشيع، ويبرأون إلى الله منهم، فحصل لنا الريب فيما رمي به هذا الرجل على الجملة.
8) قال السبكي في "طبقاته"(4/ 162): استقريت فلم أجد مؤرخًا ينتحل عقيدة، ويخلو كتابه عن الغمز، ممن يحيد عنها، سنة الله في المؤرخين، وعادته في النقلة، ولا حول ولا قوة إلا بحبله المتين، ثم نظرنا تراجم أهل السنة في "تاريخه" فوجدناه يعطيهم حقهم من الإعظام والثناء مع ما ينتحلون، ولا يظهر عليه شيء من الغمز على عقائدهم اهـ. وقد توسط بعضهم فقال: أوسط الأقوال أن يقال؛ إن الحاكم كان له ميل إلى علي رضي الله عنه غايته أن يحصل بسببه إعراض عن ذكر محاسن بعض من قاتله ونحو ذلك، لكن لا يخرجه إلى تفضيل علي على الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، بل إنه لم يخرج الحاكم إلى تفضيله على عثمان رضي الله عنه، فهو إن سمى تشيعًا فهو على التوسع، أو تشيع خفيف؛ كما قال الذهبي (1) اهـ.
قال الزركشي في "النكت"(1/ 219): قد كان عند الحاكم ميل إلى علي، ونعيذه بالله من أن يبغض أبا بكر، أو عمر، أو عثمان رضي الله عنهم.
وقال السبكي في "طبقاته"(4/ 167) بعد دفاعه عما رمي به الحاكم من التشيع: فتأملت مع ما في النفس من الحاكم، من تخريجه حديث الطائر في "المستدرك"، وإن كان خرج أشياء غيره موضوعة، لا تعلق لها بتشيع ولا غيره، فأوقع الله في نفسي أن الرجل كان عند ميلٌ إلى علي رضي الله عنه يزيد على الميل الذي يطلب شرعًا، ولا أقول: إنه ينتهي به إلى أن يضع من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهما، فإني رأيته في كتابه
(1)"الإِمام الحاكم النيسابوري" ص (67 - 68).
"الأربعين" عقد بابًا لتفضيل أبي بكر وعمر وعثمان، واختصهم من بين الصحابة.
9) أن من ترجم لرواة الشيعة كالطوسي في "فهرسته"، و"رجاله"، والنجاشي في "رجاله"، وابن المطهر الحلي في "خلاصة الأقوال في علم الرجال"، و"إيضاح الاشتباه في أسماء الرواة"، لم يذكروه في رواة الشيعة. قالوا: فدل هذا على أنه لو كان رافضيًا أو شيعيًا لذكروه، والله أعلم.
قال مقيده -عفا الله عنه-: وأختم هذا المبحث من هذا المأخذ بقول الإِمام أحمد إمام أهل السنة في زمانه: كل رجل تثبت عدالته، لم يقبل فيه تجريح أحدٍ حتى يبين ذلك عليه بأمر لا يحتمل غير جرحه. (1) وقال ابن عبد البر في كتابه النافع الماتع "جامع بيان العلم وفضله"(2/ 1093) ومن صحت عدالته، وثبتت في العلم إمامته، وبانت ثقته، وبالعلم عنايته، لم يلتفت فيه إلى قول أحدٍ إلا أن يأتي في جرحته ببينةٍ عادلة، يصح بها جرحته على طريق الشهادات، والعمل فيها من المشاهدة والمعاينة لذلك بما يوجب تصديقه فيما قاله لبراءته من الغل، والحسد والعداوة والمنافسة، وسلامته من ذلك كله، فذلك كله يوجب قبول قوله من جهة الفقه والنظر اهـ. وقال ابن جرير الطبري كما في "مقدمة الفتح" (428): لو كان كل من ادُّعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادعي به، وسقطت عدالته، وبطلت شهادته بذلك للزم ترك أكثر محدثي الأمصار لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه. وقال ابن عساكر في مقدمة "تبيين
(1)"تهذيب التهذيب"(7/ 273).
كذب المفتري" ص (29): واعلم أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته، أن لحوم العلماء -رحمة الله عليهم- مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم براء أمره عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاف على من اختاره الله منهم لنعش العلم خلق ذميم، والاقتداء بما مدح الله به قول المتبعين من الاستغفار لمن سبقهم وصف كريم.
المأخذ الثاني: الغفلة والتغير.
قال ابن القطان الفاسي في "بيان الوهم والإيهام"(5/ 644): وقد نسب إلى الغفلة. وقال الحافظ في "اللسان"(7/ 257): وذكر بعضهم أنه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره، ويدل على ذلك أنه ذكر جماعة في كتاب "الضعفاء" له، وقطع بترك الرواية عنهم، ومنع من الاحتجاج بهم، ثم أخرج أحاديث بعضهم في "مستدركه" وصححها.
وقال العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي في "التنكيل"(1/ 456):
لعل المراد بقوله: "ذكر بعضهم" ما في "تذكرة الحفاظ"(3/ 1041) عن بعضهم (1) أن الحاكم قال له: "إذا ذاكرتُ في باب لا بد من المطالعة لكبر سني. وهذا لا يستلزم الغفلة. ثم قال رحمه الله (1/ 459): لكنه مع هذا كله لم يقع خلل ما في روايته؛ لأنه إنما كان ينقل من أصوله المضبوطة، وإنما وقع الخلل في أحكام، فكل حديث في "المستدرك" فقد سمعه الحاكم كما هو، هذا هو القدر الذي تحصل به الثقة، فأما حكمه،
…
، فهذا
(1) هو الخليلي كما في "الإرشاد"(3/ 852).
قد وقع كثير من الخلل.
المأخذ الثالث: الاختلاط الشديد:
قال الكوثري في "التأنيب" ص (139): اختلط في آخره اختلاطًا شنيعًا. وكذا قال في رسالته "الترحيب" ص (402). قال العلامة المعلمي في "التنكيل"(1/ 455): وأما قول الكوثري: "اختلط
…
اختلاطًا شنيعًا" فمجازفة، بل لم يختلط، وإنما قال في "اللسان"
…
، وذكر بعضهم أنه حصل له تغير وغفلة
…
، فقوله:"تغير وغفله" لا يؤدي معنى الاختلاط، فكيف الاختلاط الشنيع!!
المأخذ الرابع: التعصب:
قال الكوثري في "التأنيب" ص (291): "الحاكم شديد التعصب
…
". وقال ص (139): اختلط
…
على تعصبه البالغ. وكذا قال في "الترحيب" ص (452).
قال العلامة المعلمي في "التنكيل"(1/ 455): أقول: أما التعصب فإن كان للحاكم طرف منه ففي تشيعه الخفيف، أما على أهل الرأي فلم يعرف بتعصب.
قال مقيده -عفا الله عنه-: وفي "المنتظم"(6/ 133) لابن الجوزي الحنبلي: فأنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمَّد بن طاهر المقدسي عن أبيه، قال: سمعت إسماعيل بن أبي الفضل القومسي -وكان من أهل المعرفة بالحديث- يقول: ثلاثة من الحفاظ لا أحبهم لشدة تعصبهم وقلة إنصافهم: الحاكم أبو عبد الله، وأبو نعيم الأصبهاني، وأبو بكر الخطيب. قال ابن الجوزي: لقد صدق إسماعيل، وقد كان من كبار الحفاظ ثقةً صدوقًا، وله
معرفة بالرجال والمتون، غزير الديانة،
…
، وقال الحق، فإن الحاكم كان متشيعًا ظاهر التشيع
…
الخ. وفي "بغية الطلب"(6/ 2710) لابن العديم الحنفي: وقال الحاكم: سمعت أبا علي يقول: صحف فيه أبو حنيفة لإجماع أصحاب الزهريّ على روايته منه عن الربيع بن سبرة عن أبيه. قلت: هذا القول تحامل من أبي علي الحافظ ومن الحاكم أبي عبد الله على أبي حنيفة رضي الله عنه، حيث نسب الخطأ في ذلك إلى أبي حنيفة، ولم ينسبه إلى من دونه. قلت: قال الحافظ في مقدمة "الفتح" ص (385): واعلم أنه قد وقع من جماعة الطعن في جماعة بسبب اختلافهم في العقائد، فينبغي التنبه لذلك، وعدم الاعتداد به إلا بحق. وقال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالي- في "نثر الجوهر على حديث أبي ذر" ص (71): وليس الجرح باختلاف المذاهب والاعتقادات بمعتد به قط، ولا يلتفت إليه من له بصيرة اهـ.
المأخذ الخامس: قوله: أجمعت الأمة على أن القُتَبِيِ كذاب.
ففي "سؤالات السجزي" برقم (335): وسمعته يقول: أجمعت الأمة على أن القتبي كذاب.
قال الذهبي في "الميزان": (3/ 658): ومن شقاشقة قوله: أجمعت الأمة على أن القتبي كذاب.
وقال في "النبلاء"(13/ 299): قلت: هذه مجازفة وقلة ورع، فما علمت أحدًا اتهمه بالكذب قبل هذه المقولة، بل قال الخطيب: إنه ثقة، وقد أنبأني أحمد بن سلامة، عن حماد الحَرَّاني أنه سمع السِّلفي ينكر على الحاكم في قوله: لا تجوز الرواية عن ابن قتيبة، ويقول: ابن قتيبة من
"الثقات"، وأهل السنة، ثم قال: لكن الحاكم قصده لأجل المذهب .... وقال في "الميزان"(2/ 503): هذه مجازفة قبيحة، وكلام من لم يخف الله. وقال ابن الجزري في "غاية النهاية" (2/ 185): ومما انتقد عليه قوله: أجمعت الأمة على أن القتبي كذاب. وسألت شيخنا الحافظ ابن كثير عن ذلك فقال: هذا تصحيف، وإنما هو العتبي بالعين فإنهم أجمعوا على ضعفه.
قال مقيده -عفا الله عنه-: استبعد بعض المعاصرين اعتذار الحافظ ابن كثير، يراجع في مقدمة السلوم للمدخل ص (23).
المأخذ السادس: قوله: في أن المصطفى صلى الله عليه وسلم وُلد مسرورًا مختونًا قد تواتر هذا.
ففي "المستدرك"(2/ 707): وقد تواترت الأخبار أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ولد مختونًا مسرورًا. قال الذهبي في "التلخيص": ما أعلم صحة ذلك؟! فكيف يكون متواترًا؟!
وقال في "الميزان"(3/ 608): ومن شقاشقة قوله في أن المصطفى صلى الله عليه وسلم ولد مسرورًا مختونًا قد تواتر هذا. وقال ابن الجزري في "غاية النهاية"(2/ 185): ومما انتقد عليه، قوله: إن المصطفى صلى الله عليه وسلم ولد مختونًا مسرورًا قد تواتر هذا، ثم قال: والخلاف فيه مشهور بين العلماء اهـ.
قال العلامة أحمد بن محمَّد القسطلاني في "المواهب اللدنية"(1/ 133 - 134) بعد ذكره كلام الحاكم، وتعقب الذهبي عليه: وأجيب: باحتمال أن يكون أراد بتواتر الأخبار اشتهارها وكثرتها في السير، لا من طريق السند المصطلح عليه عند أئمة الحديث اهـ.