الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع السابع والخمسون
علم
المتواتر
المتواتر: هو ما نقله جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب، عن جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب، إلى منتهاه.
وغالب القراءة - كذلك - متواترة.
وقدى جرى الخلاف بين أهل العلم في البسملة.
فعن مالك - رحمه الله تعالى-: أنها ليست من القرآن.
وقال غيره من الفقهاء: بل هي من القرآن.
ويدل لكونها من القرآن التواتر، فإنها نقلت في أوائل السور - في المصحف - من عهد الصحابة رضي الله عنه إلى يومنا هذا، ولا يمكن أن يقال: إنها غير متواترة، لكن يمكن أن يقال - من طرف مالك - إنها، وإن تواترت، فيحتمل أنها كتبت للفصل بين السور، لا على أنها قرآن.
ويدل لكونها قرآنا منزلا أحاديث، منها: ما أخرجه أحمد، وأبو
داود، والحاكم، وغيرهم، عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ:{بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة: 1 - 2] الحديث، وفيه: وعد {بسم الله الرحمن الرحيم} آية، ولم يعد {عليهم} .
وأخرج ابن خزيمة، والبيهقي - في المعرفة - بسند صحيح، من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: استرق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن: {بسم الله الرحمن الرحيم} .
وأخرج البيهقي في الشعب، - وابن مردويه - بسند حسن، من
طريق مجاهد، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: أغفل الناس آية من كتاب الله، لم تنزل على أحد سوى النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون سليمان بن داود:{بسم الله الرحمن الرحيم} .
وأخرج الدارقطني والطبراني - في الأوسط - بسند ضعيف، عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بآية لم تنزل علىنبي - بعد سليمان - غير، ثم قال: بأي شيء تفتتح القرآن إذا افتتحت الصلاة؟ قلت: بـ {بسم الله الرحمن الرحيم} قال: هي هي".
وأخرج أبو داود، والحاكم، والبيهقي، والبزار، من طريق
سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان النبي - صلى الله [عليه وسلم]- لا يعرف فصل السور حتى تنزل عليه {بسم الله الرحمن [الرحيم]} ".
زاد البزار: فإذا نزلت عرف أن السورة قد ختمت، واستقبلت، أو ابتدأت سورة أخرى.
وأخرج الحاكم - من وجه آخر - عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل {بسم الله الرحمن الرحيم} ، فإذا نزلت علموا أن السورة قد انقضت. إسناده على شرط الشيخين.
وأخرج الحاكم، أيضا، من وجه آخر عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه جبريل فقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} ، علم أنها سورة. إسناده صحيح.
وأخرج البيهقي - في الشعب - وغيره، عن ابن مسعود رضي الله عنه
قال: كنا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتى / نزلت {بسم الله الرحمن الرحيم} .
قال أبو شامة: يحتمل أن يكون ذلك وقت عرضه - صلى الله [عليه وسلم]- على جبريل، كان لا يزال يقرأ من السورة، إلى أن يأمره جبريل بالتسمية، فيعلموا أن السورة قد انقضت.
وعبر صلى الله عليه وسلم بلفظ النزول، إشعارا بأنها قرآن في جميع أوائل السور، ويحتمل أن يكون المراد: أن جميع آيات كل سورة كانت تنزل قبل نزول البسملة، فإذا كملت آياتها، نزل جبريل عليه السلام بالبسملة، واستعرض السورة، فيعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنها ختمت، ولا يلحق بها شيء.
وأخرج ابن خزيمة، والبيهقي - بسند صحيح - عن ابن عباس
- رضي الله تعالى عنهما - قال: السبع المثاني فاتحة الكتاب، قيل: فأين السابعة؟ قال: {بسم الله الرحمن الرحيم} .
وأخرج الدارقطني - بسند صحيح - عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن السبع المثاني فقال: {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة: 2 - 7]، قيل: إنما هي ست آيات، فقال:{بسم الله الرحمن الرحيم} آية.
وأخرج الدارقطني، وأبو نعيم، والحاكم - في تاريخه - بسند ضعيف، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان جبريل إذا جاءني بالوحي، أول ما يلقي علي {بسم الله الرحمن الرحيم} .
وأخرج الواحدي - من وجه آخر - عن نافع، عن ابن عمر، قال: نزلت {بسم الله الرحمن الرحيم} في كل سورة.
وأخرج البيهقي - من وجه ثالث - عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يقرأ في الصلاة {بسم الله الرحمن الرحيم} ، وإذا ختم السورة قرأها، ويقول: ما كتبت في المصحف إلا لتقرأ.
وأخرج الدارقطني - بسند صحيح - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إذا قرأتم {الحمد لله} فاقرءوا {بسم الله الرحمن الرحيم} إنها أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، و {بسم الله الرحمن الرحيم} إحدى آياتها.
وأخرج مسلم، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا، إذ/ أغفى إغفاءة رفع رأسه مبتسما فقال: "أنزلت علي - آنفا - سورة، فقرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم * إنا أعطينك الكوثر
…
} [الكوثر: 1 - 3] " الحديث.
فهذه الأحاديث، تعطي التواتر المعنوي، بكونها قرآنا منزلا في أوائل السور.
ومن المشكل على هذا الفصل ما ذكره الإمام
فخر الدين، قال: نقل في بعض الكتب القديمة، أن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - كان ينكر سورة الفاتحة والمعوذتين من القرآن، وهو في غاية الصعوبة، لأنا إن قلنا: أن النقل المتواتر كان حاصلا في عصر الصحابة بكون ذلك من القرآن، فإنكاره يوجب الكفر، وإن قلنا: لم يكن حاصلا في ذلك الزمن، فيلزم أن القرآن ليس بمتواتر في الأصل، والأغلب على الظن، أن نقل هذا المذهب عن ابن مسعود نقل باطل، وبه يحصل الخلاص من هذه العقدة.
وكذا قال القاضي أبو بكر: لم يصح أنها ليست بقرآن، ولا حفظ عنه، إنما [حكها]، وأسقطها من مصحفه، إنكارا لكتابتها، لا جحدا لكونها قرآنا، لأنه كانت السنة عنده أن لا يكتب - في المصحف - إلا ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإثباته فيه، ولم يجده كتب ذلك، ولا سمعه أمر به.
وقال النووي - رحمه الله تعالى - في شرح المهذب: أجمع المسلمون على أن (المعوذتين) و (الفاتحة) من القرآن، وأن من جحد منها شيئا كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل، ليس بصحيح.
وقال ابن حزم/ - في المحلى -: هذا كذب على ابن مسعود، موضوع، وإنما صح عنه قراءة عاصم، عن زر، عنه، وفيها (المعوذتين) و (الفاتحة).
وقال ابن حجر في شرح البخاري:
قد صح عن ابن مسعود إنكار ذلك، فأخرج أحمد، وابن حبان، عنه أنه كان لا يكتب (المعوذتين) في مصحفه.
وأخرج عبدالله بن أحمد - في زيادات المسند -، والطبراني،
وابن مردويه، من طريق الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي، قال: كان عبد الله بن مسعود يخلي المعوذتين من مصاحفه، ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله.
وأخرج الطبراني، والبزار - من وجه آخر - أنه كان يخلي المعوذتين من المصحف ويقول: إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما، وكان عبد الله لا يقرأ بهما. أسانيده صحيحه.
قال البزار: لم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة رضي الله عنه، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم قرأهما في الصلاة.
قال ابن حجر: فقول من قال: إنه كذب عليه، مردود، والطعن في الرواية الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الرواية صحيحة، والتأويل محتمل.
قال: وقد أوله القاضي وغيره، على إنكار الكتابة - كما سبق -.
قال: وهو تأويل حسن، إلا أن الرواية الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك، حيث جاء فيها، يقول: إنهما ليستا من كتاب الله.
قال: ويمكن حمل ذلك: أن لفظ الله على المصحف، فيتم التأويل المذكور.
قال: لكن من تأمل سياق الطرق المذكورة استبعد هذا الجمع.
قال: وقد أجاب ابن الصباغ، بأنه لم يستقر عنده القطع بذلك، ثم حصل الاتفاق بعد ذلك، وحاصله أنهما كانتا متواترتين في عصره لكن لم يتواتر عنده، انتهى.
قال ابن قتيبه في مشكل إعراب القرآن: ظن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن المعوذتين ليستا من القرآن، لانه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ بهما الحسن والحسين، فأقام على ظنه، ولا نقول: إنه أصاب في ذلك، وأخطأ المهاجرون والأنصار.
وقال: وأما إسقاطه الفاتحة من مصحفه، فليس لظنه أنها ليست من القرآن - معاذ الله - ولكنه ذهب إلى أن القرآن إنما كتب وجمع بين اللوحين، مخافة الشك والنسيان، والزيادة والنقصان، ورأى أن ذلك مأمون في سورة (الحمد) لقصرها، ووجوب تعلمها على كل أحد.
وإسقاط (الفاتحة) من مصحفه، أخرجه أبو عبيد بسند صحيح انتهى.