الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثالث والسبعون
علم كيفية الاستعاذة
ولم يفرد هذا النوع الحافظ السيوطي -رحمه الله تعالى- في "الإتقان".
والاستعاذة:
هي الالتجاء، والاعتصام، والاستجارة، يقال: استعذت بفلان وتعوذت وعذت به، أي: التجأت إليه واستجرت به، استعاذ به وتعوذ عوذا أو عياذا ومعاذا.
وليست من القرآن في أول التلاوة بالإجماع، وهي دعاء بلفظ الخير، فالكلام عليها هنا في مباحث:
الأول: في دليل مشروعيتها ومحلها.
قال الله -تعالى شأنه- مخاطبا لرسوله صلى الله عليه وسلم: {فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل: 98]، وأصل الأمر للوجوب، وبه قال
الثوري وعطاء، لظاهر هذه الآية، وبأنه عليه الصلاة والسلام واظب عليها، فيكون واجبا لقوله تعالى:{فاتبعوه} [الأنعام: 155، 153]، ثم إن ذكر الحكم عقيب الوصف المناسب يدل على التعليل، والحكم يتكرر [134 ب/هـ] بتكرر العلة، فيجب/ التعوذ كلما قرأ. وقال ابن سيرين: إن تعوذ مرة واحدة في عمره كفى في إسقاط الواجب. وحمل الجمهور الأمر هنا على الندب، مستدلين بحديث المسيء صلاته، فإنه لما علمه الواجبات لم
يذكر له التعوذ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز، لكن لقائل أن يقول: إن ذلك الخبر غير مشتمل على بيان جملة واجبات الصلاة، فلا يلزم من عدم ذكر الاستعاذة له عدم وجوبها.
وقال بعضهم: موضع الخلاف إنما هو في الصلاة خاصة، وأما في غيرها فسنة غير واجب قطعا.
وقال آخرون: كانت فرضا على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تأسينا نحن به. انتهى. والظاهر أن الاستعاذة تعقب القراءة، وقد روى ذلك بعض الرواة عن حمزة، وعن ابن سيرين أنه قال: كلما قرأت الفاتحة حين تقول: آمين، فاستعذ، وكذا روي عن أبي هريرة رضي الله عنه والنخعي عملا بهذا الظاهر.
والفاء تقتضي الترتيب، ولا سيما إذا كانت جوابا للشرط؛ لأن الجواب متأخر عن الشرط، فوجب أن تكون الاستعاذة متأخرة عن القراءة. قالوا: ولا يجوز أن يكون المراد من قوله: {فإذا قرأت} أي: إذا أردت، كما في قوله:{إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا} [المائدة: 6]، والمعنى: إذا أرتم القيام؛ لأنه لم يقل: فإذا صليتم فاغسلوا حتى يكون نظير قوله: {فإذا قرأت القرءان} [النحل: 98]، ولئن سلمنا كون هذه الآية نظير تلك فنقول: نعم، إذا قام [يغتسل] عقيب قيامة إلى الصلاة؛ لأن الأمر إنما ورد بالغسل عقيب قيامة، وأيضا، فالإجماع على ترك هذا الظاهر، وإذا ترك الظاهر في موضع لدليل، لا يوجب تركه في سائر المواضع لغير ذلك، وكذا روي عن مالك، وداود، واستغربه القاضي أبو بكر بن العربي عن مالك ثم قال: وهذا قول لم يرد به أثر، ولا يعضده نظر.
وعورض بأن الإمام مالكا لم ينفرد به، بل نقل عن أبى هريرة كما سبق فصار له سلف في ذلك، لكن قال ابن الجزري: إنه لا يصح شيء من هذه الروايات/ عمن نقل عنه. انتهى.
وعن الفخر الرازي - رحمه الله تعالى -: يؤتى بالاستعاذة قبل القراءة بمقتضى الخبر، وبعدها بمقتدى القرآن جمعا بين الدلائل بقدر الإمكان وهذا لا يصح.
أيضا نقل ابن القاصح شارح الشاطبيه: والاستعاذه قبل القراءة بالإجماع، فنقل الاجماع.
وقال الشاطبي - رحمه الله تعالى -:
إذا ما أردت الدهر تقرأ فاستعذ
…
جهارا من الشيطان بالله مسجلا
والذى اتفق عليه الجمهور قديما وحديثا: ترك هذا الظاهر، وتأويله على إضمار الارادة. قال جار الله:
لأن [الفعل] يوجد [عند] القصد والإرادة بغير فاصل [و] على حسبه فكان منه بسبب قوي وملابسة ظاهرة؛ لقوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلوة فأغسلوا وجوهكم} [المائدة: 6]، وكقوله:"إذا أكلت فسم الله ".
وقال ابن عطيه: فإذا وصلة بين الكلاميين، والعرب تستعملها في مثل هذا، وتقدير الآية فإذا أخذت في قراءة القرآن فاستعذ، أي قبل القراءة لأنه وسيلة، والوسائل مقدمة. ويؤيد هذا أن المعنى الذي شرعت له الاستعاذه يقتضي أن تكون قبل القراءة؛ لأنها طهارة الفم مما كان
يتعاطى من اللغو والرفث، وتطيب له، و [تهيؤ] لتلاوة كلام الله، فهي التجاء إلى الله تعالى، واعتصام بجنابه من خلل يطرأ عليه، أو خطاء يحصل منه في القراءة وغيرها.
قال الحافظ عماد الدين ابن كثير: ومعنى أعوذ: أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرنى في ديني أو ادنياي، أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نهيت/ عنه، فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله تعالى. ولهذا أمر الله سبحانه وتعالى بمصانعة شيطان الإنس ومدارته بإسداء الجميل إليه ليرده طبعه عن ما هو فيه من الأذى، وامر بالاستعاذة [به] من شيطان الجن؛ لأنه لا يقبل رشوة، ولا يؤثر فيه جميل لأنه شرير بالطبع، ولا يكفه عنك إلا الذى خلقه.
وهذا المعنى يدل عليه ثلاثة آيات من القرآن، وهي قوله تعالي في (الأعراف):{خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجهلين} فهذا ما يتعلق بمعاملة الأعداء من البشر، ثم قال:{وإما ينزغنك من الشيطن نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} [الاعراف 200]، وقال في سورة