الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(المؤمنين): {أدفع بالتى هى أحسن السيئة نحن اعلم بما يصفون (96) وقل رب أعوذ بك من همزت الشيطين (97) وأعوذ بك رب أن يحضرون (98)} ، وقال تعالى:{ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عدوة كأنه ولى حميم وما يلقها الإ الذين صبروا وما يلقها الإ ذو حظ عظيم (35) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله} [فصلت: 34 - 36].
والشيطان مشتق من شطن إذا بعد، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر، وبعيد لفسقه عن كل خير، والظاهر أن المراد به إبليس وأعوانه.
المبحث الثاني: في كيفيتها:
ولم يرد في لفظها نص قطعي. والذى عليه الجمهور من القراء وغيرهم:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، موافقة للتنزيل الوارد في سوره (النحل) وحكى ابن [سوار]، . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
والقلانسي الاتفاق عليه، والسخاوي إجماع الأمة وهو متعقب بما روي من الزيادة والنقصان الآتي ذكرها قريبا إن شاء الله تعالى.
قال الداني: إنه المستعمل عند الحذاق دون غيره، وهو المأخوذ به عند عامة الفقهاء كالشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد وغيرهم، وورد النص به وفي الصحيحين من حديث سليمان بن صرد قال: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسب صاحبه مغضبا، قد احمر وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إني لأعلم كلمه لو قالها لذهب عنه ما يجده، لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". الحديث أورده ابن [الجزري] تبعا لشيخه الحافظ ابن كثير، لكن في الاستدلال به هنا نظر؛ لأن الكلام هو في الاستعاذة
خاصة، وهى الاستعاذه التي تتقدم القراءة، لا مطلق الاستعاذة فليتأمل.
وروى نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ قبل القرآن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال: وكذلك قرأ على جبريل. وروى أبو الفضل الخزاعي فيما ذكره في النشر حديثا مسلسلا إلى عاصم بن بهدلة، وقال: غريب جيد الإسناد من هذا الوجه، قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فأني قرأت على ابن مسعود، فقلت: أعوذ بالسميع العليم فقال لي: قل: أعوذب بالله من الشيطان الرجيم، فإني قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: اعوذ بالسميع العليم فقال لي: يا ابن أم عبد، قل: أعوذب بالله من
الشيطان الرجيم، هكذا أخذته عن جبريل، عن ميكائيل، عن اللوح المحفوظ.
وهذا صريح في أن المنقول في استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم عدم الزيادة على ما تقدم، وهو معنى قول صاحب الحرز:
وقد ذكرو لفظ الرسول فلم يزد. . . . . . . . . . . . . . . . . .
ثم أورد على نفسه سؤالا، وهو: أنه إذا لم يزد النبي صلى الله عليه وسلم ومنع من الزيادة في حديث ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - فكيف نبهت على جوازها في قولك:
. . . . . . . . . . وإن تزد
…
لربك تنزيها فلست مجهلا
فأجاب بأن المنع غير ثابت، فقال:
. . . . . . . . . . . . .
…
ولو صح هذا النقل لم يبق مجملا
إذ لو صح نقل ترك الزيادة لذهب إجمال الآية، واتضح معناها، وتعين لفظ النحل.
وتعقبه الجعبري بأن الحديثين ولو صحا لا يلزم من صحتهما نفي الاحتمال؛ لأن حديث جبير لا يمنع الزيادة، وحديث ابن مسعود معارض بقول أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول مرة: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". ولو قال: ولو دل هذا النقل لكان أصوب، والسنة تعين ما في الكتاب لقوله تعالى:{لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل 44]
وقد وردت الزيادة على التعوذ السابق بألفاظ:
منها: ما يتعلق [بتنزيه] الله، وأولها: أعوذ بالله السميع العليم منم الشيطان الرجيم، نص عليه الداني - رحمه الله تعالى - في "جامعه"، وقال: إن على استعماله عامة أهل الأداء من الحرمين، والعراقين، والشام. ورواه الأهوازي أداء عن الأرزاق، عن الرفاعي، عن سليم،
أن كلاهما عن حمزة. ورواه الخزاعي، عن أبي عدي، عن ورش أداء. ورواه أصحاب السنن الأربعة من حديث أبى سعيد الخدري بإسناد جيد.
ومنها: أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم، وروي عن أهل مصر، وسائر المغاربة كما في "جامع البيان"، وهو مروي عن قنبل والزينبي، وعن المصريين، وعن ورش وعن ابن كثير في غير رواية الزينبي.
ومنها: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم، وهو مروي من طريق الهذلي عن نافع في غير رواية أبى عدي عن ورش. ومن طريق الشهرزوري عن أهل المدينة، وابن عامر، والكسائي وحمزة في أحد وجوهه، وكذا أبو جعفر من طريق الهذلي. ووافقهم الأعمش لكن من طريق
الشنبوذي بإدغام في الهاء.
فإن قيل: ما الحكمة في قوله هنا: إن الله هو السميع العليم، دون أن يقول: الغفور الرحيم، ونحوه؟ أجيب: بأن الغرض من الاستعاذة الاحتراس من شر الوسوسة، ومعلوم ان الوسوسة كلام يخفى في قلب الإنسان، ولا يطلع عليها أحد، فكان العبد يقول: يا من هو يسمع كل مسموع، ويعلم كل أمر خفي، أنت تعلم وسوسة الشيطان، وتعلم غرضه منها، وأنت القادر على دفعها عنى، فادفعها عنى بفضلك، فلهذا كان ذكر السميع العليم أولى بهذا الموضوع من سائر الأذكار.
وأيضا، في القرآن:{وإما ينزغنك من الشيطن نزغ فأستعذ بالله إنه سميع عليم (200)} [الأعراف 200]، وفى حم السجدة {إنه هو السميع العليم}
ومنها: أعوذ بالله العظيم السميع العليم من الشيطان الرجيم، رواه الخزاعي عن [هبيرة عن حفص]، والهذلي عن أبى عدي عن ورش.
ومنها: أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم، وهو مروي عن الحسن، لكن مع إدغام الهاء في الهاء.
ومنها: [أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأستفتح الله وهو خير الفاتحين] وهو مروى عن إدريس، عن خلف، عن حمزة.
ثم إن ظاهر كلام الشاطبي يقتضي عدم النقض من التعوذ، والصحيح جوازه لما ورد، فقد نص الحلواني في "جامعه"/ على جوازه، فقال: وليس للاستعاذة حد ينتهى إليه، من شاء زاد ومن شاء نقص، أي بحسب الرواية، ففي حديث جبير بن مطعم المروي في أبى داود: أعوذب بالله من الشيطان، ومن غير ذكر: الرجيم.
وأما ما حكاه الجعبري عن حمزة في أعوذ وأسنعيذ [ونستعيذ] وأستعذت. واختاره صاحب "الهداية" وغيره محتجين بأنه مطابق للفظ الآية، وقول الجوهري:"عذت بفلان، وأستعذت به، أي: لجات إليه"، لم تدخل السين والتاء في فعل المستعيذ الماضي والمضارع، وقد قيل له:
استعذ، بل لا بقول إلا: أعوذب، دون أستعيذ، واستعذت، وتعوذت، وذلك لأن السين والتاء شأنهما الدلالة على الطلب فوردتا في الأمر إيذانا بطلب التعوذ، فمعنى استعذ بالله: أطلب منه أن يعيذك، فامتثال الأمر هو أن يقول: أعوذ بالله؛ لن قائله متعوذ ومستعيذ قد عاد والتجأ، والقائل: أستعيذ بالله، ليس بعائذ، وإنما هو طالب العياذ بالله، كما يقول: أستخير الله أي: أطلب خيرته. و [أستقيله]: أطلب إقالته، وأستغفره: أطلب مغفرته، فدخلت في فعل الأمر أيذانا بطلب هذا المعنى من المعاذ به، وإذا قال المأمور: أعوذ بالله فقد امتثل ما طلب منه، فإنه طلب من نفسه الاعتصام والالتجاء، وفرق بين الاعتصام، وبين طلب ذلك، فلما كان المستعيذ هاربا ملتجئا معتصما، أتى بالفعل الدال على طلب ذلك، فتأمله.
قال: والحكمة التي لأجلها امتثل المستغفر الأمر بقوله: أستغفر الله أنه طلب منه أن يطلب المغفرة التي لا تأتي إلا منه، بخلاف العياذ واللجأ والاعتصام، فأمتثل الأمر بقوله: أستغفر الله، أي اطلب منه أن يغفر لي.
وقال ابن القيم: القائل: أستعيذ بالله مخبر عن طلبه وسؤاله،
والقائل: أعوذب بالله مخبر عن حاله ولجئه واعتصامه بربه، وهذا أكمل حالا، ولهذا إنما جاء النبي صلى الله عليه وسلم امتثال هذا الأمر بلفظ أعوذ كقوله:"أعوذب بالله من عذاب جهنم". و"أعوذ بالله من جهد البلاء"، وكذلك سائر عوذه صلى الله عليه وسلم التي فالها والأمر بها، وكذلك أمره أن يقول:{أعوذ برب الفلق} [الفلق: 1]، {قل أعوذ برب الناس} [الناس: 1] دون أستعيذ.
فإن قلت: كيف جاء امتثال هذا الأمر في السورتين بلفظ الأمر والمأمور جميعا، فامر الله جل شأنه أن يقول: : {قل أعوذ برب الفلق} ، و {قل أعوذ برب الناس} ، فقال: قل: أعوذب، والمأمور به إنما هو قول الاستعاذة لا قول الأمر، كما إذا قال: قل: سبحان الله ثلاثا وثلاثين، فإنه يقول: سبحان الله، ولا يقول قل: / سبحان الله، فالجواب: أن هذا السؤال هو الذى أورده أبى بن كعب على النبي صلى الله عليه وسلم وأجاب عنه صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري عن [زر] قال: سألت أبى بن كعب عن المعوذتين، فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قيل لي، فقلت فنحن نقول كما قال صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية، أيضا عن [زر] قال سألت أبى بن كعب، قلت: يا أبا المنذر، أن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا، فقال إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قيل لي، فقلت نحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومفعول القول محذوف، تقديره: قيل لي: قل، أو قيل لي هذا اللفظ، فقلت كما قيل لي. وتحت هذا من السر أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له في القرآن إلا بلاغه، ولم [ينشئ] من قبل نفسه حرفا واحدا منه، بل هو المبلغ له عن الله تعالى، وقد قال الله له:{قل أعوذ برب الفلق/} ، فمقتضى البلاغ التام ان يقول:{قل أعوذ برب الفلق} كما قال الله تعالى، وهذا المعنى الذى أجاب به صلى الله عليه وسلم بقوله:"قيل لي، فقلت، غنى لست مبتدئا بل مبلغا، أقول كما يقال لي وأبلغ كلام ربي كما أنزله".
وهذا الحديث أدل دليل على انه صلى الله عليه وسلم بلغ القرآن الذى أمر بتبليغه على وجهه ولفظه، حتى أنه لما قيل له قل. قال: هو قل. لأنه مبلغ، {وما على الرسول إلا البلغ} [النور 54]. انتهى.