الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثاني والخمسون
علم حفاظه ورواته
النوع الثاني والخمسون
علم حفاظه ورواته
اشتهر في الزمن النبوي- بحفظ القرآن والتصدي لتعليمه- أربعة:
عبد الله بن مسعود، وسالم بن معقل، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، كما في البخاري بلفظ:(خذوا القرآن عن أربعة) فذكرهم، أي تعلموا منهم/.
قال في فتح الباري: ولا يلزم من ذلك أن لا يكون أحد في ذلك الوقت يشاركهم في حفظ القرآن؛ بل يكون الذين يحفظونه مثل الذى حفظوه أو أزيد، وقد قتل في غزوة بئر معونة جماعة من الصحابة كانوا يقال لهم القراء: وكانوا سبعين.
وقال الكرماني: يحتمل أنه عليه السلام أراد الإعلام بما يكون بعده؛ أي: أن هؤلاء الأربعة يبقون حتي ينفردوا بذلك.
وتعقب بأنهم لم ينفردوا؛ بل الذين مهروا في تجويد القرآن بعد العصر النبوي أضعاف المذكورين، والله أعلم.
وخطب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أعلمهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم. رواه البخاري.
وروى عنه مسروق أنه قال: والذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم نزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه. رواه البخاري.
وعن أنس رصي الله عنه: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، قال: ونحن ورثناه.
رواه البخاري.
قال [المازري]- كما عزاه له في فتح الباري-: لا يلزم من قول أنس: لا يجمعه غيرهم: أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك؛ لأن التقدير: أنه لا يعلم أن سواهم جمعه، وإلا فكيف الإحاطة بذلك مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلاد، وهذا لا يتم إلا إن [كان] لقي كل واحد منهم على انفراده وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جميع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا في غاية البعد، وإذا كان المرجع إلى ما في علمه، لم يلزم أن يكون الواقع كذلك. انتهى.
وعن قيادة: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. رواه البخاري.
وفي رواية الطبراني في أوله: افتخر الحيان، الأوس والخزرج، فقال
الأوس: منا أربعة: من اهتز له عرش الرحمن: سعد بن معاذ، ومن عدلت شهادته رجلين: خزيمة بن ثابت، ومن غسلته الملائكة: حنظلة بن [أبي] عامر، ومن حمته الدبر: عاصم بن
ثابت. فقال الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه غيرهم .. فذكرهم.
وهذا يحتمل أن يكون مراد أنس، لم يجمعه غيرهم؛ أي من الأوس؛ بقرينة المفاخرة المذكورة، ولم يرد نفي ذلك عن المهاجرين، وقد ذهب إلى هذا المعنى الحافظ بن حجر.
وقد أجاب القاضي أبو بكر الباقلاني وغيره عن حديث أنس- هذا- بأجوبة:
أحدهما: أنه لا مفهوم له، فلا يلزم أن لا يكون غيرهم جمعه.
ثانيها: المراد لم يجمعه على جميع الوجوه، والقراءات التي نزل بها، إلا أولئك.
وثالثها: لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته، ولم ينسخ إلا أولئك، وهو قريب من الثاني.
رابعها: أن المراد بجمعه: تلقية من في رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بواسطة، بخلاف غيرهم، فيحتمل أن يكون تلقى بعضه بالواسطة.
خامسها: أنهم تصدوا لتعليمه فاشتهروا به، وخفي حال غيرهم عن من عرف حالهم، فحصر ذلك فيهم بحسب علمه، وليس الأمر في نفس الأمر كذلك.
سادسها: المراد بالجمع: الكتابة، فلا يبعد أن يكون غيرهم جمعه حفظا عن ظهر قلبه، وأما هؤلاء فجمعوه كتابة، وحفظوه عن ظهر قلب.
قال في فتح الباري: والذي يظهر من كثير من الأحاديث أن أبا بكر رضي الله عنه كان يحفظ القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أنه بنى مسجدا بفناء داره، فكان يقرأ فيه القرآن، وهو محمول على/ ما كان نزل منه إذ ذاك، وهذا مما لا يرتاب فيه مع شدة حرص أبي بكر رضي الله عنه على تلقي القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم وفراغ باله له وهما بمكة، وكثرة ملازمة كل منهما للآخر. انتهى.
قال الحافظ عماد الدين ابن كثير كما عزاه له ابن [الجزري] في طبقاته-: إنا لا نشك أن الصديق رضى الله عنه- قرأ القرآن.
ثم قال: وقد رأيت نص الإمام أبي الحسن الأشعري- رحمه الله تعالى- على حفظه القرآن، واستدل على ذلك بحيث لا يرد، وهو أنه صح عنه صلى الله عليه وسلم لا أنظر، أنه قال:"يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأكثر قرآنا".
وتواتر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قدمه للإمامة.
ولم يكن صلى الله عليه وسلم ليأمر بأمر ثم يخالفه بلا سبب، فلولا أن أبا بكر رضي الله عنه كان متصفا بما يقدمه في الإمامة على سائر الصحابة- وهو القراءة- لما قدمه، وذلك على كل تقدير، سواء/ قلنا: المراد بالأقرأ الأكثر قراءة- كما هو ظاهر اللفظ، وذهب إليه الإمام أحمد وغيره-، أو الأعلم كما ذهب إليه الإمام الشافعي وغيره، بأن زيادة العلم في ذلك الزمان كان ناشئا عن زيادة القراءة: كنا إذا قرأنا الآية لا نجاوزها حتى نعلم فيم نزلت؟ .
وهذا يدل على أنه أقرأ الصحابة، وليس ذلك بمنكر؛ فإنه أفضل الصحابة مطلقا، وإن كنا لا ندعي له أفضلية كل فرد وفرد كما في سائر الفضائل، كما ادعاه غيرنا، بل نقول- كما قال إمامنا الشافعي-: إن
الأفضلية ف [(القراءة تستلزم الأفضلية في العلم، وكذلك الأفضلية في] العلم، إذا كان عندهم الأقرأ هو الأعلم، وكيف يسوغ لأحد نفي حفظ القرآن عن أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- بغير دليل ولا حجة؛ بل بمجرد الظن، مع أنه لا يسوغ لنا ذلك في آحاد الناس. انتهى.
أقول: لا يلزم إذا حمل الأقرأ على الأعلم أن يكون- سيدنا- أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- أكثر القوم قراءة.
وقد أخرج بن أشتة- في المصاحف- بسند صحيح، عن محمد بن سيرين، قال: مات أبو بكر ولم يجمع القرآن، وقتل عمر ولم يجمع القرآن.
قال ابن أشتة: قال بعضهم: يعني لم يقأ جميع القرآن [حفظا]، وقال بعضهم: جمع المصحف.
وأخرج النسائي- بإسناد صحيح- عن عبد الله بن [عمرو]- رضي الله تعالى عنهما- قال: جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"اقرأه في شهر".
وتقدم في الحديث الماضي ذكر ابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وكل هؤلاء من المهاجرين.
وقد ذكر أبو عبيد القراء من الصحابة- بعد الخلفاء الأربعة-: طلحة، وسعد، وابن مسعود، وحذيفة، وسالما، وأبا هريرة، وعبد الله بن السائب، والعبادلة. ومن النساء: عائشة، وحفصة، وأم سلمة. ولكن بعض هؤلاء أكمله بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يرد على الحصر المذكور في حديث أنس.
وعد ابن أبي داود- في كتاب (الشريعة) - من المهاجرين، أيضا: تميم بن أبي أوس الداري، ........................................
وعقبة بن عامر. ومن الأنصار: عبادة بن الصامت، ومعاذ بن الذي يكنى أبا [حليمة]، ومجمع بن جارية، وفضالة بن عبيد، و [مسلمة] بم مخلد، وغيرهم. وصرح بأن بعضهم إنما جمعه بعد النبى صلى الله عليه وسلم.
وممن جمعه، أيضا، أبو موسى الأشعري، ذكره أبو عمرو الداني- رحمه الله تعالى-، انتهى.