الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع التاسع والستون
علم تجويد القرآن
النوع التاسع والستون
علم تجويد القرآن
وهذا النوع لم يفرده الحافظ السيوطي في "الإتقان"، وهو حقيق بالإفراد، وقد ألف الناس في ذلك تآليف كثيرة.
اعلم أن التجويد هو مصدر جود تجويدا إذا أتى بالقراءة مجودة الألفاظ، وهو تقويم حروفها، وإعطاؤها حقها، وتوفيتها واجب مستحقها، من غير إفراط ولا تفريط، ولا تكلف ولا تعسف ولا تخليط، سالمة من تمضيغ اللسان، وتقعير الفم، وتعريج الفك، وتقطيع وتطنين الغنات، وحصرمة المدات، إلى غير ذلك مما
تنفر عنه الطباع، وتمجه القلوب والأسماع.
ويرحم الله الإمام أبا الحسن السخاوي، فلقد أجاد وأفاد حيث قال:
لا تحسب التجويد مدا مفرطا
…
أو مد ما لا مد فيه لوان
[أو] أن تشدد بعد مد همزة
…
أو أن تلوك الحرف كالسكران
أو أن تفوه بهمزة متهوعا
…
فيفر سامعها من الغثيان
للحرف ميزان فلا تك طاغيا
…
فيه ولا تك مخسر الميزان
فتنبه مريد التجويد على اجتناب أمور ربما يتوهم أنها المعول عليها في التجويد، محذرا من ارتكابها، إذ هي [خارجة] عن حد التجويد، منافية له، معدودة من اللحن الجلي والخفي، وهي الإفراط في [مد] حروف
المد، وهو مجاوزة الحد، وما لا مد فيه كواو {مالك يوم الدين (4)} [الفاتحة: 4] وصلا، والمبالغة في تشديد/ الهمزة إذا وقعت بعد حرف المد مبالغة في تحقيقها وبيانها، وتلوك الحروف نحو كلام السكران فإنه لاسترخاء لسانه وأعضائه بسبب السكر تذهب فصاحة كلامه وبيانه.
وقد روي عن نافع - رحمه الله تعالى - أنه قال: قراءتنا قراءة الصحابة، سهل جزل، لا تمضغ ولا تلوك.
والمبالغة في نبر الهمزة وضغط صوتها حتى تصير كصوت المتهوع، وهو المتقيء، فإذا أخرج الحرف من مخرجه وأعطاه حقه من الصفات على وجه العدل من غير إفراط ولا تفريط، فقد وزنه بميزانه، وقد روي عن حمزة إمام المحققين - رحمه الله تعالى - أنه قال لبعض من سمعه يبالغ في الإفراط: أما علمت أنه ما كان فوق الجعودة فهو قطط، وما كان فوق البياض فهو
برص، وما كان فوق القراءة فليس بقراءة.
فوزن الحرف عسر، ومشافهة الشيخ توضح طريقه، وإدمان الرياضة تصيره طبيعة وسليقة، ولله در العلامة ابن الجزري حين قال: ولا أعلم سببا لبلوغ نهاية الإتقان والتجويد، ووصول غاية التصحيح والتسديد، مثل رياضة الألسن، والتكرار على اللفظ المتلقى من فم المحسن، وما أحسن قول إمام هذا الفن الحافظ أبي عمرو الداني حيث يقول: ليس بين التجويد وتركه إلا رياضة القارئ وتدبره بفكه".
وأنت إذا تأملت ما صح وثبت من عرضه صلى الله عليه وسلم القرآن على جبريل عليه السلام كل عام مرة، وفي عام وفاته مرتين مع ما روي من قراءته صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب:{لم يكن الذين كفروا} السورة [البينة]، وضح ذلك مشروعية القراءة على
المشايخ، وأخذ الألفاظ عنهم بطريق المشافهة، فهو صلى الله عليه وسلم إنما قرأ على أبي بن كعب ليعلمه طريق التلاوة وترتيلها، وعلى أي صفة تكون قراءة القرآن، لكون ذلك سنة في الإقراء والتعليم، وقد وقع الأمر كذلك، فإن الصحابة - الآخذين للقرآن عنه صلى الله عليه وسلم عرض بعضهم على بعض، ثم وقع كذلك للتابعين وأتباعهم حتى اتصل الأمر إلينا مسلسلا متواترا، فمن ابتدع واجترأ بما تعلم من الكتب فقد أساء وخالف، وربما وقع في أمر عظيم وخطر جسيم، وأسأل الله العفو والعافية، وسلوك سواء السبيل.
وفي شرح البخاري للبرماوي في معنى مدارسة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: أن معناه تعلم مخارج الحروف وكيفية النطق بها، وكذا قال الكرماني، وعبارته: وفائدة درس جبريل تعليم الرسول تجويد لفظه، وتصحيح إخراج الحروف من مخارجها، وليكون سنة في حق الأمة لتجويد التلامذة على الشيوخ قراءتهم. انتهى.
ولا مرية أنه كما/ يتعبد بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده يتعبد بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة، العربية التي لا يجوز مخالفتها ولا العدول عنها، فمن أنف عن الأخذ عن أستاذ يوقفه على حقيقة ذلك، مع تماديه على تحريف ألفاظ القرآن، فهو عاص بلا شك، وآثم بلا