الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع السبعون
علم تحسين الصوت بالقراءة
والتغني بالقرآن
النوع السبعون
علم تحسين الصوت بالقراءة والتغني بالقرآن
/ وهذا النوع لم يذكره الحافظ السيوطي في "الإتقان".
قال البراء: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العشاء {والتين والزيتون} [التين: 1] فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه. متفق عليه.
وقد كانت قراءته عليه الصلاة والسلام ترتيلا، أو هذرمة ولا عجلة؛ بل قراءة مفسرة حرفا حرفا.
وقد كان يقطع قراءته آية آية، ويمد عند حروف المد، وكان يتغنى
بقراءته، ويرجع صوته بها أحيانا.
وقد روينا عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - موقوفا: "جودوا القرآن، وزينوه بأحسن الأصوات، وأعربوه فإنه عربي، والله [يحب أن يعرب] به".
وفي صحيح ابن خزيمة من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه مرفوعا: "إن الله يحب أن يقرأ القرآن كما أنزل".
وقد كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ممن أعطي في تجويد القرآن وتحقيقه وترتيله كما أنزل حظا عظيما، والشاهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يسمع
القرآن غضا كما أنزل فليسمع قراءة ابن أم عبد"، يعني ابن مسعود.
وفي البخاري: لما قرأ بكى صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو عثمان النهدي: صلى بنا ابن مسعود في المغرب فقرأ بـ {قل هو الله أحد (1)} ، ولوددت أنه قرأ بسورة (البقرة)، من حسن صوته وترتيله.
ومن العجيب ما حكاه في النشر عن الشيخ تقي الدين بن الصائغ/ قال - وكان أستاذا في التجويد -: أنه قرأ يوما في صلاة الصبح: {وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد} [النمل: 20] وكررها، فنزل طائر على رأسه ليسمع قراءته حتى أكملها، فنظروا إليه فإذا هو هدهد. وعن مؤلف "المبهج": أنه أسلم جماعة من اليهود والنصارى من سماع قراءته.
قال الشيخ القسطلاني: ولا يخفى أن النفوس لها حظ من الأصوات الحسنة، فإذا جليت ألفاظ القرآن العزيز بالأصوات الطيبة [مع] مراعاة قوانين الترتيل على الأسماع تلقتها القلوب، وأقبلت عليها النفوس، وربما أثمر ذلك تدبر آياته، والتفكر في مواضعه، والتبحر في مقاصده، فيحصل له حينئذ الامتثال لأوامره، والانتهاء عن مناهيه، والرغبة في وعده، والرهبة من وعيده، والطمع في ترغيبه، وهذه فائدة مشروعية الإنصات إلى التلاوة في الصلاة وغيرها، وسقوط السورة عن المأموم في الجهرية عند بعضهم، وسقوط كل القراءة عند بعض.
وقال [الشعراني] في "طبقاته": كان الشيخ أمين الدين إمام جامع
الغمري رضي الله عنه ينزل من بيته يتوضأ ويصلي ما شاء الله أن يصلي، ثم يقصد الكرسي فيقرأ في المصحف قبل الفجر نحو سبعة عشر جزءا سرا، فإذا أذن الصبح قرأ جهرا قراءة تكاد تأخذ القلوب عن أماكنها، فمر نصراني من [مباشري] القلعة يوما في السحر، فرق قلبه فطلع وأسلم على يد الشيخ - رضي الله تعالى عنه - وهو يقرأ على الكرسي، وصار يبكي، وحسن إسلامه، ورأيته يصلي خلفه إلى أن مات. وكان الناس يأتون للصلاة خلفه من بولاق ونواحي الجامع الأزهر في صلاة الصبح، لحسن صوته، وخشوعه، وكثرة بكائه حتى يبكي غالب الناس خلفه.
وقال غيره: كان إذا قرأ الشيخ أمين الدين في المحراب تخر الناس إلى الأرض من الخشوع قهرا عليهم. انتهى.
ومن ثم طلب تحسين الأصوات بالقراءة مع إقامة رسوم تجويدها والوقوف على مرسومها.
وقد كثر/ في القرآن ختم فواصله بحروف المد واللين وإلحاق النون، قيل: وحكمته: وجود التمكين من التطريب بذلك، كما قال بعضهم، وللناس في هذه المسألة قديما وحديثا خلاف طويل، وكل راء رأى بحسب ما فهم
من المروي في ذلك وأدى إليه اجتهاده.
روينا عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لم يأذن الله لشيء ما أذن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتغنى بالقرآن". قال سفيان: تفسيره يستغني به، رواهما البخاري، وفي رواية له:"من لم يتغن بالقرآن فليس منا".
وهو في السنن من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وغيره.
قال في فتح الباري: قوله في الحديث الأول: لشيء هو بشين معجمة عند الإسماعيلي، وسلم من جميع طرقه، ولغير الإسماعيلي:[لنبي] بنون وموحدة، وقوله: ما أذن [لنبي] كذا للأكثر، وعند أبي ذر: للنبي بزيادة اللام، فإن كانت محفوظة فهي للجنس، ووهم من ظنها للعهد، وتوهم أن المراد نبينا صلى الله عليه وسلم، وقوله: أذن، أي: استمع، وهو بفتحة ثم كسرة في الماضي، وكذا في المضارع، يشترك بين الإطلاق والاستماع، تقول: أذنت آذن، بالمد، فإن أردت الإطلاق فالمصدرية بكسرة ثم سكون، وإن أردت الاستماع فالمصدر بفتحتين، قال القرطبي: أصل الأذن بفتحتين: أن المستمع يميل بأذنه إلى جهة من يسمعه، وهذا المعنى في حق الله تعالى لا يراد به ظاهره، وإنما هو على سبيل التوسع على ما جرى به عرف التخاطب، والمراد به في حق الله تعالى إكرام القارئ، وإجزال ثوابه؛ لأن ذلك ثمرة الإصغاء، وفي رواية مسلم عن أبي سلمة في هذا الحديث: ما أذن لنبي كأذنه، بفتحتين، ومثله عند أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه، من
حديث فضالة بن عبيد: "لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقراءة من صاحب القينة إلى قينته".
وقال ابن الجوزي: اختلفوا في قوله: يتغنى على أربعة أقوال:
أحدها: تحسين الصوت، والثاني: الاستغناء، والثالث: التحزين، قاله الشافعي، والرابع: التشاغل به، تقول العرب: تغنى بالمكان: أقام به.
قال الحافظ ابن حجر: وفيه قول آخر حكاه ابن الأنباري في الزاهر قال: المراد به: التلذذ والاستحلاء له كما يلتذ أهل الطرب بالغناء، فأطلق عليه تغنيا من حيث أنه يفعل عنده ما يفعل عند الغناء.
وفيه قول آخر [حسن]، وهو أن يجعله هجيره كما يجعل
المسافر هجيره الغناء. قال ابن الأعرابي: كانت العرب إذا ركبت الإبل تتغنى، وإذا جلت في [أفنيتها] تتغنى، فلما أنزل القرآن أحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هجيره هو القرآن مكان التغني.
قال في "فتح الباري": فأما الذي نقله ابن الجوزي عن الشافعي فلم أره صريحا في تفسير الخبر، إنما قال في "مختصر المزني": وأحب أن يقرأ حدرا أو تحزينا. انتهى.
قال أهل اللغة: حدرت القراءة: أدرجتها ولم أمططها، وقرأ فلان
تحزينا، إذا رقق صوته وصار كصوت الحزين. وقد روى ابن أبي داود بإسناد حسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قرأ سورة فحزنها شبه الرثا.
وذكر/ الطبري عن الشافعي - رحمه الله تعالى - أنه سئل عن تأويل ابن عيينة بالاستغناء فلم يرتضه، وقال: لو أراد الاستغناء لقال: لم [يستغن]، وإنما أراد تحسين الصوت.
قال ابن بطال: وبذلك فسره ابن أبي مليكة، وعبد الله بن المبارك، والنضر بن شميل، ويؤيده رواية عبد الأعلى، عن معمر، عن ابن شهاب في حديث الباب بلفظ:"ما أذن لنبي في الترنم بالقرآن". أخرجه
الطبري. وعنده في رواية عبد الرزاق عن معمر: ما أذن لنبي حسن الصوت، وهذا اللفظ/ عند مسلم من رواية محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة، [عن أبي هريرة]، وعند أبي داود [والطحاوي] من رواية عمرو بن دينار عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -: حسن الترنم بالقرآن.
قال الطبري: والترنم لا يكون إلا بالصوت إذا حسنه وطربه، قال: ولو كان معناه الاستغناء لما كان لذكر الصوت ولا لذكر الجهر معنى.
وأخرج ابن ماجه، وصححه .......................................................................................
ابن حبان والحاكم من حديث فضالة بن عبيد مرفوعا: "لله أشد أذنا - أي: استماعا - للرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة [إلى قينته] "، والقينة: المغنية.
وقال عمر بن [شبة]: ذكرت لأبي عاصم النبيل تفسير ابن عيينة فقال: لم يصنع شيئا، حدثني ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير قال: كان داود عليه السلام ...................................................................................................................
يتغنى - حين يقرأ - يبكي ويبكي.
وعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن داود عليه السلام كان يقرأ الزبر بسبعين لحنا، ويقرأ قراءة يطيب منها المحموم، وكان إذا أراد أن يبكي نفسه لم تبق دابة في بر أو بحر إلا أنصتت له، واستمعت وبكت.
ويروى عنه عليه السلام كان إذا قرأ الزبور عكف عليه الطير والوحش والأودام، ويركد الماء، ويسكن الريح، ويحمل من مجلسه جماعة كثيرون أمواتا، من رقة قوله وحسن صوته.
وذهب إلى ما ذهب إليه سفيان أبو عبيد القاسم بن سلام، واستدل بقول الشاعر الأعشى:
وكنت امرءا زمنا بالعراق
…
عفيف المناخ طويل [التغن]
وقول الآخر:
كلانا غني عن أخيه حياته
…
ونحن إذا متنا أشد [تغانيا]
واحتج - أيضا - بما روي عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه -: من قرأ سورة آل عمران فهو غني، أي: مستغن. قال أبو عبيد: لو كان معناه الترجيع لعظمت المحنة علينا بذلك، إذ كان من لم يرجع بالقرآن ليس منه صلى الله عليه وسلم.
والحاصل أن في هذا الحديث ستة معان:
الأول: يستغني.
الثاني: تحسين الصوت بالقرآن.
الثالث: قراءته بالحزن.
الرابع: الإقامة عليه من باب تغنى بالمكان: إذا قام به، قال الله تعالى:{كأن لم تغن الأمس} [يونس: 24]، وقال تعالى:{كأن لم يغنوا فيها} [الأعراف: 92]، أي: لم يقيموا، وقال الأسود الإيادي:
ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة في ظل ملك ثابت الأوتاد
الخامس: التلذذ والاستحلاء بالقرآن كما يلتذ ويستحلي أهل الطرب [بالغناء].
السادس: أن يجعله هجيره كما كانت العرب تجعل الغناء هجيرها.
وأحسن المعاني في الحديث أنه بمعنى تحسين الصوت والترجيع بالقراءة.
وأما قوله عليه السلام: "ليس منا - يعني أنه ليس على أخلاقنا/ ولا على صفاتنا - من لا يتغنى بالقرآن". وقيل: ليس على ملتنا وديننا من لم يتغن بالقرآن، وهو بعيد جدا، إلا أن يحمل على نفي الكمال في الدين والملة، والله أعلم.
وكان بين السلف اختلاف في جواز القراءة بالألحان، أما تحسين الصوت وتقديم حسن الصوت على غيره فلا نزاع فيه. وقد حكى القاضي عبد الوهاب المالكي عن مالك - رحمه الله تعالى - تحريم القراءة بالألحان،
وحكاه أبو الطيب الطبري، وابن حمدان [الحنبلي] عن جماعة من أهل العلم.
وحكى ابن بطال، والقاضي عياض، والقرطبي من المالكية، والماوردي، والبندنيجي، والغزالي من الشافعية. وصاحب الذخيرة من الحنفية الكراهة، واختاره أبو يعلى ................................................................................................................
وابن عقيل من الحنابلة. وحكى ابن بطال عن جماعة من الصحابة والتابعين الجواز.
وقال في التتارخانية: الفصل السادس: في التغني بالقرآن والألحان. هذا الفصل على وجهين: إذا كانت الألحان لا تغير الكلمة عن موضعها، ولا يؤدي التغني بها إلى تطويل الحروف التي حصل التغني بها حتى لا يصير الحرف حرفين، بل يحسنه تحسين الصوت وتزيين القراءة، لا يوجب فساد الصلاة، وذلك مستحب، ولأن ذلك منهي عنه، وإنما يجوز إدخال المد في حروف المد واللين، وهي الهوائية والمعتلة، نحو الألف، والواو، والياء. وفي الخانية والألحان في حروف المد واللين لا تغير إلا إذا فحش. وإن قرأ بالألحان في غير الصلاة اختلفوا فيه، وعامة المشايخ كرهوا ذلك، وكرهوا الاستماع، أيضا، لأنه يشبه بالفسقة بما فعلوه في فسقهم.
وكذا الترجيع في الأذان.
ومراد قوله عليه الصلاة والسلام: "زينوا القرآن بأصواتكم" القراءة بنغمة العرب، وهو المنصوص للشافعي، ونقله الطحاوي عن الحنفية، وقال الفوراني من الشافعية في [الإبانة]: يجوز؛ بل يستحب. ومحل هذا الخلاف إذا لم يختل شيء من الحروف عن مخرجه، فلو يختل تغير، قال النووي في التبيان:[أجمعوا على تحريمه]، ولفظه: أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقرآن ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط فإن خرج حتى زاد حرفا وأخفاه حرم،
قال: وأما القراءة بالألحان فقد نص الشافعي رحمه الله في موضع على كراهتها، وقال في موضع: لا بأس بها، فقال أصحابه: ليس على اختلاف قولين؛ بل على اختلاف [حالين]، فإن لم يخرج بالألحان عن المنهج القويم جاز، وإلا حرم، وقال الغزالي، والبندنيجي، وصاحب الذهيرة من الحنفية: إذا لم يفرط في التمطيط الذي يشوش النظم استحب، وإلا فلا.
وقال الرافعي: إن أفرط في المد وفي إشباع الحركات حتى يتولد من الفتحة ألف، أو من الضمة واو، أو من الكسرة ياء، أو يدغم في غير موضعه [كره]، فإن لم ينته إلى هذا الحد فلا كراهة. وقال في زوائد الروضة: والصحيح أن الإفراط على الوجه المذكور حرام، فيفسق به القارئ، ويأثم المستمع لأنه عدل عن نهجه القويم، قال: وهذا مراد الشافعي بالكراهة. وأغرب الرافعي فحكى عن أمالي السرخسي أنه لا يضر التمطيط
مطلقا، وحكاه ابن حمدان رواية عن الحنابلة، وهذا شذوذ لا يعول عليه.
والذي تحصل من الأدلة أن حسن الصوت بالقرآن مطلوب، فإن لم يكن حسنا فليحسنه ما استطاع، كما قال ابن [أبي] مليكة أحد رواة الحديث، وقد أخرج ذلك عنه أبو داود بإسناد صحيح.
ومن جملة تحسينه أن تراعى فيه قوانين النغم، فإن الحسن الصوت يزداد حسنا بذلك، وإن خرج عنها أثر ذلك في حسنه، / وغير الحسن ربما انجبر بمراعاتها ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل الفن، فإن خرج عنها لم في تحسين الصوت بقبح/ الأداء، ولعل هذا مستند من كره القراءة بالأنغام؛ لأن الغالب على من راعى الأنغام أن لا يراعي الأداء، فإن وجد من يراعيهما معا فلاشك في أنه أرجح عن غيره؛ لأنه يأتي بالمطلوب من تحسين الصوت، وتجنب الممنوع من محرم الأداء.
وقد ابتدع قوم في القرآن أصوات الغناء الجامعة للتطريب الذي لا ينفك عن المد في غير موضعه، وزيادته فيه مما لا تجيزه الأئمة، وغير ذلك مما عمت به البلوى.
وقيل: وأول ما غني به من القرآن قوله تعالى {أما السفينة فكانت لمسكين يعملون في البحر} [الكهف: 79]، نقلوا ذلك من تغنيتهم بقول الشاعر:
أما القطاة فإني سوف أنعتها نعتا يوافق عندي بعض ما فيها
وقد قال عليه الصلاة والسلام في هؤلاء: "مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم". تاب الله علينا وهدانا.