الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع السابع والسبعون
علم ما يوقف به
النوع السابع والسبعون
علم ما يوقف به
ولم يفرد هذا النوع الحافظ السيوطي- رحمه الله تعالى- في "الإتقان".
الوقف- كما مر- عبارة عن قطع النطق عند آخر الكلمة الوضعية زمانا يتنفس فيه عادة/ بنية استئناف القراءة بما يلي الحرف الموقوف عليه، أو بما قبله لا بنية الإعراض، وله حالتان: ما يوقف عليه، وما يوقف به، وهو المراد هنا، وهو في أوجه تسعة: السكون، والروم، والإشمام، والإبدال، والزيادة، والحذف، والإثبات، والإدغام، والنقل.
فالأول: السكون، وهو الأصل في الحرف المتحرك في الموقوف عليه، لأن الوقف في الغالب يطلب الاستراحة فأعين بالأخف، وأيضا، فالوقف ضد الابتداء فأعطي ضد ما يختص به، وفي "النشر" مما عزاه الشرح الشافية: الابتداء بالمتحرك ضروري، والوقف على الساكن
استحساني، ويختص الوقف بالسكون فيما لا يجوز فيه روم ولا إشمام، وهو في خمسة يأتي التنبيه عليها قريبا إن شاء الله تعالى، وكلما جاز فيه الإشارة بالروم والإشمام يوقف عليه بالسكون، إذ هو الأصل في الوقف كما تقدم، كالوقوف على المشدد المفتوح نحو:{أيديهن} الآتي التنبيه عليه قريبا إن شاء تعالى.
الثاني: الروم، وهو الإتيان ببعض الحركة في الوقف، فلهذا ضعف صوتها لقصور زمانها، ويسمعها القريب المصغي، لأنه صوت دون البعيد لأنها غير تامة، وعليه قول الشاطبي:
ورومك إسماع المحرك واقفا
…
بصوت خفي كل دان تنولا
وهو معني قول الأصل: وهو تضعيفك الصوت بالحركة حتى يذهب معظم صوتها، فيسمع لها صوتا خفيا.
قال الجعبري: وأخصر منه الإتيان بأقل الحركة وقفا.
وقال المرادي في "شرح ألفية ابن مالك" مما عزاه "شرح الكافية": وهو عبارة عن إخفاء الصوت بالحركات.
وقال في "النشر": وسبقه إليه الجعبري مما
عزاء للجوهري: الروم الذي ذكره سيبويه: هو حركة مختلسة مخفاة بضرب من التخفيف، [وهي] أكثر من الإشمام لأنها تسمع، وهي بزنة الحركة وإن كانت مختلسة مثل همزة بين بين". انتهى. والأول قول القراء والثاني قول النحاة، فعند القراء: الروم غير الاختلاس وغير الإخفاء، والاختلاس والإخفاء عندهم واحد، وكذلك عبروا بكل منهما عن الآخر كما ذكروا في:{أرن} (النساء: 153]، و {نعما} [النساء: 58]، و {يهدى} [يونس: 35]، و {يخصمون} [يس: 49]، وربما عبروا بالإخفاء عن الروم، كما ذكره بعضهم في {تأمنا على يوسف} [يوسف: 11]. وقال الجعبري: الاختلاس والروم يشتركان في التبعيض، ويفترقان في أن الاختلاس يختص بالوصل، والثابت من الحركة أكثر من المحذوف. وقال الأهوازي: يأتي بثلثي الحركة كأن الذي يحذفه أقل مما يأتي به، ولا يضبطه إلا المشافهة، وإن الروم مختص بالوقف، والثابت أقل من المحذوف. ويكون في المرفوع نحو: {الله الصمد (2)} [الإخلاص: 2]، و {يخلق} [آل عمران: 47]، و {عذاب عظيم} [البقرة: 7]، ونحو ذلك مما حركته حركة إعراب. وفي المضموم
نحو: {من قبل ومن بعد} [الروم: 4]، و {يصلح} [الأعراف: 77]، ونحو ذلك مما حركته حركة بناء. وفي المجرور نحو:{ملك يوم الدين (4)} [الفاتحة: 4]، وفي:{الدار} [الأنعام: 135]، و {ومن الناس} [البقرة: 8]، ونحو/ ذلك مما حركته للإعراب. وفى المكسور نحو:{فارهبون} [البقرة: 40]، و {هؤلاء} [البقرة: 31]، ونحو ذلك مما حركته حركة بناء، في نحو:{المرء} [البقرة: 102]، و {شيء} [البقرة: 20]، و {ظن السوء} [الفتح: 6]، وشبه ذلك مما كسرته منقولة من حرف حذف في نفس الكلمة، كما في وقف حمزة ما لم تكن الضمة منقولة من كلمة أخرى نحو ضمة اللام في:{قل أوحى} [الجن: 1]، وضمه النون:{فمن أوتى} [الإسراء: 71]، أو لالتقاء الساكنين نحو ضمة التاء في:{وقال أخرج} [يوسف: 31]، وضمة الدال {ولقد استهزئ} [الأنعام: 10]، وفي قراءة من ضم الميم من {عليهم القتال} [البقرة: 246]، و {بهم الأسباب} [البقرة: 166]، عند من ضمها، وكذلك {ومنهم الذين} [التوبة: 61]، {وأنتم الأعلون} [آل عمران: 139] /، وما لم
تكن الكسرة منقولة من حرف كلمة أخرى نحو: {أرجع إليهم} [النمل: 37]، أو لالتقاء الساكنين مع كون الساكن من كلمة أخرى نحو:{وقالت أخرج} [يوسف: 31]، في قراءة من كسر التاء، و {إذا رجت الأرض} [الواقعة: 4]، في قراءة الجميع، أو مع كون الساكن الثاني عارضا للكلمة الأولى كالتنوين في {حينئذ} [الواقعة: 84]، فإن هذه الكلمة لا يوقف عليها إلا بالسكون. ولا روم في منصوب نحو:{إن الله} [البقرة: 20]، ولا في مفتوح نحو:{أن يضرب} [البقرة: 26]، ونحو:{إبراهيم} [الصافات: 83]، {ويا إسحاق} [هود: 71]، عند جمهور القراء وفاقا للفراء، وأجازه فيهما إمام النحو سيبويه وأتباعه، وعبارته في كتابه: أما ما كان في موضع نصب وجر فإنك تروم فيه الحركة. وعليه قول الشاطبي:
ولم يره في الفتح والنصب قارئ وعند إمام النحو في الكل أعملا
وإنما امتنع في الفتحة لخفتها فإذا خرج بعضها خرج سائرها، لأنهما لا تقبل التبعيض كما يقبله الكسر والضم، ومن ثم لم يجزه القراء إلا من شذ كأبي الطيب فيما حكاه الجعبري عن مكي عنه، إلا أنه قال: وتركه
أحب إلي، وإذا قلنا به على شذوذه فيحتاج في النطق به إلى الزيادة تامة كما نبه عليه المرادي في شرح ألفية النحو، وهو عسر لا يكاد يلفظ به على واجهه، ولذلك لم يجزه القراء ومرن وافقهم.
تنبيه:
إذا وقف على نحو: {صواف} [الحج: 36]، و {عليهن} [البقرة: 228]، و {بين أيديهن وأرجلهن} [الممتحنة: 12]، وشبهه مما هو مفتوح مشدد فبالسكون التام مع التشديد من غير روم، فكثير من الجهال يقف به معللا بالخروج من التقاء الساكنين. قال الجعبري: وهو خطأ في النقل والتعليل، أما النقل فلم يوجد في كتب أحد من أئمة الأمصار؛ بل نصوا على منعه كما سبق، وأما التعليل بالتقاء الساكنين فهو مغتفر في الوقف في الإجماع المحقق نحو:{مصر} [يوسف: 21]، فالمقدر أولى، إذ ليس في اللفظ إلا حرف مشدد، لكنه مقدر بحرفين، وعلى هذا إجماع أئمة العربية. انتهى.
الثالث: الإشمام، وهو حذف حركة المتحرك في الوقف، فضم الشفتين من غير صوت إشارة إلى الحركة، والفاء في فضم للتعقيب، فلو تراخى فإسكان مجرد لعدم التبعية، وهذا معنى قول الشاطبي:
والإشمام إطباق الشفاه بعيد ما يسكن [لا صوت] هناك [فيصحلا]
وهو أتم من قول الأصل بشفتيك بعد سكون الحرف أصلا لعدم إفادته التعقيب، وهذا مذهب القراء، والبصريين إلا ابن كيسان، وفى "النشر" مما عزاه لكتاب "الموضح" للنصر بن علي الشيرازي: أن الكوفيين ومن تابعهم ذهبوا إلى أن الإشمام هو الصوت، وهو الذي يسمع، لأنه عندهم بعض حركة، والروم هو الذي لا يسمع لأنه روم الحركة من غير تفوه به، قال: والأول هو المشهور عند أهل العربية. انتهى.
واللغة تساعد الفريقين تقول: رمت أفعل وما فعلت، وكذا رمت إتمام الحركة ولم أتمها، ورمت الحركة ولم ألفظ بها، وتقول: أشممت الفضة ذهبا: أنلتها شيئا منه، وكذا أشممت الحرف: أنلته شيئا من علاج الحركة، أو شبته بشيء منها. ومذهب الكوفيين أقوى مأخذا لظهور الحقيقة فيه.
والإشارة، وتطلق على المسموع والمرئي لأنها إيماء إلى الحركة بجزءيها أو حيزها، والأعمى يجيز الروم بسماعه لا الإشمام لعدم المشاهدة/ إلا بمباشرة أو بفمه ويحازهما كالأصم، وربما سمع الإشمام في الوصل كـ {تأمنا} [يوسف: 11]، وقيل: ويكون أولا ووسطا وآخرا، خلافا لمكي في تخصيصها بالآخر، قاله الجعبري، والإشمام يكون في المرفوع نحو:{الله الصمد (2)} [الإخلاص: 2]. والمضموم نحو: {من قبل ومن بعد} [الروم: 4]، ونحو:{رءوف} [البقرة: 207]، و {المرء} [البقرة: 102] في وقف حمزة. ولا يكون في كسرة ولا فتحة. قال المرادي: لأن الإشمام فيهما تشويه لهيئة الشفة، قال: وقد روي الإشمام في الجر عن بعض القراء،
وهو محمول على الروم، لأن بعض الكوفيين يسمي الروم إشماما، ولا مشاحة في الاصطلاح. انتهي.
فإن قلت: ما فائدة الإشارة في الوقف بالروم والإشمام؟ .
أجيب [بيان] الحركة التي تثبت في الوصل للحرف الموقوف عليه ليظهر للسامع والناظر كيف تلك الحركة الموقوف عليها. قال صاحب "المصباح" فيما ذكره ابن الجزري: وهو اصطلاح أهل هذه الصناعة ليعرفوا ما عند القارئ من معرفة الإعراب، انتهى. وهذا التعليل يقتضي استحباب الإشارة إذا كان بحضرة القارئ من يسمع قراءته، وإلا فلا يحتاج أن بين لنفسه، ويتأكد الإتيان بهما بين يدي الشيخ ليظهر له هل أصاب فيقره، أو أخطأ فيعلمه، وكثيرا ما يشتبه على المبتدئين؛ بل على من فوقهم ممن لم يوقفه شيخه على بيان الإشارة أن يميزوا بين حركات الإعراب في قوله تعالى:{وفوق كل ذي علم عليم} [يوسف: 76]، و {إني لما أنزلت إلى من خير فقير} [القصص: 24]، فإنهم إذا اعتادوا الوقف على مثل هذا