الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثالث والستون
علم حكمة الاختلاف
في القراءة
النوع الثالث والستون
علم حكمة الاختلاف في القراءة
ولم يذكر هذا النوع الحافظ السيوطي- رحمه الله تعالى - في "الإتقان".
قد تقدم في معرفة حديث: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" أن المقصود: التيسير والتخفيف على الأمة في القرآن، ومن هذه السبعة الأحرف نشأت القراءات الصحيحة على [أقسامها]، واختلفت القراءات الصحيحة.
قال الحافظ ابن الجزري في النشر: وأما حقيقة اختلاف هذه السبعة الأحرف المنصوص عليه من النبي صلى الله عليه وسلم وفائدته، فإن اختلاف المشار إليه في ذلك اختلاف تنوع وتغاير، لا اختلاف تضاد وتناقض، فإن هذا محال أن يكون في كلام الله تعالى {أفلا يتدبرون القرءان ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه أختلفا كثيرا} [النساء: 82]
وقد تدبرنا اختلاف القراءات فوجدناه لا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها: اختلاف اللفظ والمعنى واحد.
الثاني: اختلافهما جميعا مع جواز اجتماعهما في شيء واحد.
الثالث: اختلافهما جميعا مع امتناع جواز اجتماعهما في شيء واحد،
فأما الأول: فكالاختلاف في {الصراط} [الفاتحة: 6] و {عليهم} [الفاتحة: 7]، و {يؤده} [آل عمران: 75]، و {القدس} [البقرة: 87]،
و {يحسب} [الهمزة: 3]، ونحو ذلك مما يطلق عليه أنه لغات فقط.
وأما الثاني: فنحو: {ملك} في (الفاتحة)، لأن المراد في القراءتين هو الله تعالى لأنه مالك يوم الدين و [ملكة].
وكذا: "يكذبون"{يكذبون} [البقرة: 10]، لأن المراد بهما هم المنافقون، لأنهم يكذبون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويكذبون في أخبارهم.
وكذا: {كيف ننشزها} [البقرة: 259] بالراء والزاي، لأن المراد بهما هي العظام، وذلك أن الله- تعالى- نشرها: أي أحياها، وأنشزها: أي رفع بعضها إلى بعض حتى التأمت، فضم الله المعنيين في القراءتين.
وأما الثالث: فنحو: {وظنوا أنهم قد كذبوا} [يوسف: 110] بالتشديد والتخفيف، وكذا:{وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} [إبراهيم: 46]
بفتح اللام الأولى ورفع الأخرى، وبكسر الأولى وفتح الثانية.
وكذا: {للذين هاجروا من بعد ما فتنوا} [النحل: 110]، و "فتنوا" بالتسمية والتجهيل، وكذا:{قال لقد علمت} [الإسراء: 102] بضم التاء وفتحها، وكذلك ما قرئ شاذا:"وهو يطعم ولا يطعم"[الأنعام: 14] عكس القراءة المشهورة، وكذلك "يطعم ويطعم" على التسمية فيهما، فإن ذلك كله، وإن اختلف لفظا ومعنى وامتنع اجتماعه في شيء واحد، فإنه يجتمع من وجه آخر يمتنع فيه التضاد والتناقض.
فأما وجه تشديد "كذبوا" فالمعنى: وتيقن الرسل أن قومهم قد كذبوهم. ووجه التخفيف أي: وتوهم المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم. فالظن في الأولى تيقن، والضمير الأول للرسل، والثاني للمرسل إليهم، والظن في القراءة الثانية شك، والضمير الأول للمرسل
إليهم، والثاني للرسل
وأما وجه فتح اللام الأولى ورفع الثانية من "لتزول"[إبراهيم: 46] أن يكون "أن" مخففة من الثقيلة، أي: وإن كان مكرهم من الشدة بحيث تقتلع منه الجبال الراسيات من مواضعها، وفي القراءة الثانية "إن" نافية، أي: ما كان مكرهم وإن تعاظم وتفاقم ليزول منه أمر محمد صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام، ففي الأول [تكون] الجبال حقيقة، وفي الثاني، مجازا.
وأما وجه {من بعد ما فتنوا} [النحل: 110] على التجهيل: أن الضمير يعود على الذين هاجروا، وفي التسمية يعود إلى الخاسرين. وأما وجه ضم تاء "علمت" [الإسراء: 102] فإنه أسند العلم إلى موسى حديثا منه لفرعون، حيث قال:{إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون} [الشعراء: 27]، وقال موسى عنه نفسه:{لقد "علمت" ما انزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصابر} [الإسراء: 102]، فأخبر موسى عليه السلام عن نفسه بالعلم بذلك، أي: أن العالم بذلك ليس بمجنون، وقراءة فتح التاء: أنه أسند هذا العلم لفرعون، مخاطبة من موسى له بذلك على وجه التقريع لشدة معاندته
للحق بعد علمه.
وكذلك وجه قراءة/الجماعة: ["يطعم" بالتسمية]"ولا يطعم" على التجهيل: أن الضمير في "وهو" يعود إلى الله تعالى، أي: والله تعالى يرزق الخلق، ولا يرزقه أحد. [والضمير في عكس هذه القراءة يعود إلى الولي، أي: والولي المتخذ يرزق ولا يرزقه أحد]. والضمير في القراءة الثالثة إلى الله تعالى، أي: والله يطعم من شاء، لا يطعم من شاء. فليس في شيء من القراءات تناف، ولا تضاد، ولا تناقض، وكلما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقد وجب قبوله، ولم يسع أحد من الأمة/ رده، ولزم الإيمان به، وأن كله منزل من عند الله تعالى، إذ كل قراءة منها مع الأخرى بمنزلة الآية [مع الآية]، يجب الإيمان بها كلها، واتباع ما [تضمنته] من المعنى علما وعملا، ولا يجوز ترك موجب إحديهما لأجل الأخرى ظنا أن ذلك تعارض، وإلى ذلك أشار عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- بقوله: ولا تختلفون في القرآن، ولا تتنازعون فيه، فإنه لا يختلف ولا يتساقط، ألا ترون أن شريعة الإسلام فيه واحدة، حدودها وقراءتها؟ وأمر الله فيها [واحد]، ولو كان من الحرفين حرف يأمر بشيء
[ينهى عنه الآخر] كان ذلك الاختلاف، ولكنه جامع ذلك كله، ومن قرأ على قراءة فلا يدعها رغبة عنها، فإنه من كفر بحرف منه كفر به كله.
قلت: إلى ذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال [لأحد المختلفين: "أحسنت"]، وفي الحديث الآخر:"أصبت"، وفي الآخر:"هكذا أنزلت"، فصوب النبي صلى الله عليه وسلم قراءة كل المختلفين، وقطع [بأنها] كذلك أنزلت ن عند الله تعالى، وبهذا افترق اختلاف القراء من اختلاف الفقهاء فإن اختلاف [القراء كل حق وصواب نزل من عند الله، وهو كلامه لا شك