الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثمانون
علم فواصل الآي
النوع الثمانون
علم فواصل الآي
إنما احتيج إلى هذا العلم لأن بعض القراء زاد على رسم الخط ستين ياء في رؤوس الآي، وبعضهم أمال رؤوس الآي من بعض السور، وبعض أصحاب الأزرق رقق ما غلظ من اللامات الواقعة في رؤوس الآي الممالة، فمن ثم احتيج إلى تمييز الفواصل من غيرها.
وقد حدوا الآية بأنها: قرآن مركب من جملة فأكثروا ولو تقديرا، ] ذو مبدأ [ومقطع مندرج في سورة.
والفاصلة: بأنها كلمة آخر كقافية الشعر وقرينة السجع. وقال الداني: كلمة آخر الجملة.
قال الجعبري: وهو خلاف المصطلح، ولا دليل له في تمثيل سيبويه ب} يوم يأت} [هود: 105]، و} ماكنا نبغ} [الكهف: 64 [وليسا رأس آية، لأن مراده بالفواصل اللغوية لا الصناعية. ويلزم أبا عمرو إمالة من أعطى لأبي عمرو.
وقال القاضي أبو بكر: الفواصل حروف متشاكلة في المقاطع يقع بها إفهام المعاني.
وفرق الداني بين الفواصل ورؤوس الآي بأن الفاصلة: هي الكلام المنفصل عما بعده. والكلام المنفصل قد يكون رأس آية أخرى، وكذا الفواصل تكون رأس أي وغيرها، وكل رأس فاصلة، وليس كل فاصل رأس آية فاصلة، وليس كل فاصل رأي آي، قال فلأجل كون معنى الفاصلة هذا ذكر سيبويه في تمثيل القراء في} يوم يأت} {هود: 105]، {ما كنا نبغ] {الكهف: 64 [وليسا رأس آية] اجماعا مع} إذا يسر} [الفجر: 4] وهو رأس آية باتفاق.
وقال الجعبري: ثم إن لمعرفة الفواصف طريقين: السماع والقياس.
فأما الأول، فما روي في حديث أم سلمة عن أبي داود وغيره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته آية آية، وقرأت:{بسم الله الرحمن الرحيم {إلى} ملك يوم الدين {تقف عند كل آية. وظاهره أنه كان يقطع قراءته بالوقوف على رؤوس الآي في الفاتحة وغيرها. وروى أبو يعلى عنها قالت: كان رسول الله (صل الله عليه وسلم) يقرأ في الصلاة} بسم الله الرحمن الرحيم {آية، {الحمد لله رب العلمين {آيتين، {الرحمن الرحيم {ثلاث آيات
} ملك يوم الدين {أربع آيات. وفي رواية الإمام الشافعي- رحمه الله تعالى- قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب، فعد} بسم الله الرحمن الرحيم {آية، {الحمد لله رب العالمين {آية، {الرحمن الرحيم {آية، {ملك يوم الدين {آية، {إياك نعبد وإياك نستعين {آية، {إهدنا الصراط المستقيم {آية. وكذا في "المصباح"} إلى الضالين}.
ومعنى يقطع قراءته آية أو آيتين، او ثلاث الوقف على كل آية، لأن الصلاة ليس فيها كلام أجنبي، وكذا كانت قراءته-عليه الصلاة والسلام-ليعلم الناس رؤوس الآي.
وأما الثاني: وهو القياس، فاعلم أن ما وقف عليه (صلى الله وعليه وسلم) دائما تحققنا أنه فاصلة، وما وصله دائما تحققنا أنه ليس بفاصلة، وما وقف عليه مرة ووصلة أخرى احتمل الوقف أن يكون لتعريفها، أو لتعريف الوقف التام] أو [الاستراحة. والوصل أن يكون غير فاصلة، أو فاصلة] وصلها [لتقدم تعريفها، أو على الأصل فحصل التردد، وحينئذ احتيج إلى القياس، وهو: ماألحق من المحتمل غير المنصوص بالمنصوص لمناسب واحتاج القياس إلى طريق
تعرفه، وهي أن فاصلة الآية كقرينة السجعة في النثر، وقافية البيت في القصيدة. واختلف في حدها، فقال الخليل: هي من الحرف الأخير إلى أول الحرف الساكن قبله مع المتحرك. وقال الأخفش: هي الكلمة الأخيرة. وقيل: هي حرف الروي، وقيل غير ذلك.
وقد قسم بعضهم فواصل الآي على اصطلاح أهل العروض في الشعر ولا ينبغي ذلك، والله أعلم، لأن شائبة الشعر مسلوبة عنه، وكذلك السجع فلا يستحسن إيراد تلك المعاني في تعاريف الآيات والفواصل، ثم إن الآية تكون مختلف في عدها، مثل: /} بسم الله الرحمن الرحيم {عدها المكي والكوفي، ولم يعدها المدني، والبصري، والشامي. وسبب الاختلاف في الآي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف على رؤوس الآي للتعليم، فإذا علمت وصلها، فيظن السامع أنها متصله وليس هنا فاصلة، ومن علم قبل ذلك
عدها، ومن لم يعلم لم يعد، وبعض الآي متفق على عدها مثل: {الحمد لله رب العالمين {وبعض الفواصل شبه الآية وليس بآية مثل: {اهدنا الصراط المستقيم] {الفاتحه: 6 [
وقد أجمع العادون على ترك عدد آيات} بئاخرين} [133]{ولا الملئكة المقربون} [182] ب (النساء)} كذب بها الأولون} بـ (سبحان)] الإسراء: 59] و {لتبشر به المتقين} [97 [ب (مريم)، و} لعلهم يتقون {
ب (طه)، {وعنت الوجوه للحي القيوم} بـ (طه (أيضا، و} من الظلمات إلى النور}، و} أن الله على كل شئ قدير} [12] ب (الطلاق) حيث لم يشاكل طرفيه.
وعلى ترك عد: {أفغير دين الله يبغون {ب [آل عمران] [83] {أفحكم الجهلية يبغون} [50]، {إنما يستجيب الذين يسمعون} [36] ب (الأنعام)} فدلهما بغرور} [22] ب (الأعراف)، (إلا المتقون ([34] ب (الأنفال)، و} وقوم ءاخرون} [4] ب (الفرقان)، {وهم يخلقون} [3] ب (الفرقان) أيضا، حيث لم يساو طرفيه، وعلى ترك عد} من خلق} [102] أول (البقرة)، ويخلق ما يشاء} [47] ب (آل عمران)، و} قوما جبارين} [22] ب (المائدة)} فسوف تعلمون {(بالأنعام) [135]، و (هود) [39، 93]، و (آل عمران)، {بالسنين} [130] ب (الأعراف)، {ودخل معه السجن فتيان} [36] ب (يوسف)} وفى السماء بروجا} [61] ب (الفرقان)، حيث لم يتجرد عن تعلق ما قبله.
وعلى ترك عد: {كان مفعولا {ثاني الأنفال [44]، {منهن سكينا} [31]، {لأولي الألبب} [111] ب (يوسف)} دائبين} [33] ب (إبراهيم)، و} مراء ظهرا} [22] ب (الكهف)، و} الرأس شيبا} [مريم: 4] حيث خالفه في "المجموع"
وعدوا نظائرها للمناسبة، نحو:{لأولى الألبب} [190] ب (آل عمران)،
} على الله كذبا} [15] ب (الكهف)، {والسلوى} [166] ب (طه)، {وابتغوا أهواءهم} ب (القتال) [محمد: 16]، {والأنثى} [45] ب (النجم).
وقد يتوجه الأمران في كلمة فيختلف فيها، فمنها البسملة: وقد نزلت بعض آية في (النمل)] آية: 30].] وبعضها [آية في (الفاتحة)، ونزلت أولها في بعض الأحرف السبعة، فمن قرأ بحرف نزلت فيه عدها آية، لم يحتج إلى إثباتها بالقياس للنص المتقدم، خلافا للداني، ومن قرأ بحرف لم تنزل معه لم يعدها، ولزمه من إجماع كونها سبع آيات أن يعد عوضها} عليهم {الأولى، وهي مماثلة في] الروي].
وإن تجردت نحو: {ماغشيهم} [طه: 78]، و} ولا يضركم} [الأنبياء: 166 [} ذى ذكر} [ص: 1] و} اليوم الآخر} بـ (الطلاق)، ونزلت، أيضا، مع كل سورة غير (الفاتحة) في بعض الأحرف.
ومنها حروف الفواتح فوجه عدها استقلالها على الرفع والنصب، ومناسبة الروي والردف، ووجه عدمها الاختلاف في الكلمة والتعليق على الجر، ولم يلحق بها} الر} [يونس: 1، هو: 1، يوسف: 1، ابراهيم:
: 1، الحجر: 1] للمخالفة ولا} طس] {النمل: 1] للموازنة، وكذا نحو: {ص} [ص: 1] ولا يرد} يس] {يس: 1] لزيادة أوله، ولا} حم {للأطراد.
ومنها: ب (البقرة)} عذاب أليم} [البقرة: 10] و {إنما نحن مصلحون] {البقرة: 11] وجه عده: مناسبة الروي، ووجه عدمه: تعلقه بتالييه. وكذا} يأولى الألباب} [البقرة: 179]، و} من خلق} [البقرة: 200] الثاني لحمله على الأول، وكذا (ماذا ينفقون) [البقرة: 215] الثاني إلحاقا بالأول والثالث، وكذا} لعلكم تتفكرون} [البقرة: 219] وأما} الحى القيوم} [البقرة: 255]، فيرد حمله على (آل عمران) تسمية النبي صلى الله عليه وسلم (آية الكرسي): من} الله لا إله إلا هو الحي القيوم}.
ومنها: (إلى بني إسراءيل)[49] ب (آل عمران) حملا على ما في (الأعراف)[آية: 105] و (الشعراء)[آية: 17]، و (السجدة) [آية: 23]، و (الزخرف) [آية: 59] لتعلقه بتالييه، وحملا على} لبنى إسراءيل) [آل عمران: 93].
ومنها: {كم بدأكم تعودون} [29] ب (الأعراف)، للاستقلال بتقدير هذا فريق، أو تعودون فريقين.
ومنها: {ولا يزالون مختلفين] {هود: 118 [لتقدير اتصال الاستثناء وانفصاله.
ومنها: {واذكر في الكتب إبراهيم] {مريم: 41] ب (مريم) لمناسبة السابق ومباينة اللاحق.
ومنها: {فبشر عباد {هكذا ب (الزمر) لتقدير تالييه مفعولا ومبتدأ.
ومنها: {كالأعلم} بـ (الشورى)، لا} كالأعلم} بـ (بالرحمن)، ومخالفة الطرفين.
ومنها: {والطور} [الطور: 1]، و} الرحمن] {الرحمن: 1]، و} الحاقة} [الحاقة: 1]، {والقارعة} [القارعة: 1]، {والعصر} [العصر: 1] حملا على} والفجر] {الفجر: 1] و} والضحى} [الضحى: 1] والمناسبة، لكت تفاوتت في الكلمية.
وقال بعضهم: تقع الفاصلة عند الاستراحة في الخطاب لتحسين الكلام، وهي الطريقة التي يباين القرآن بها سائر الكلام، وتسمى فواصل؛ لأنه ينفصل عنده الكلامان، وذلك أن آخر الآية فصل بينها وبين ما يعدها، وأخذا من قوله تعالى: {كتب فصلت ءايته] {فصلت: 3 [ولا يجوز تسميتها قوافي إجماعا؛ لأن الله تعالى لما سلب عنه اسم الشعر وجب سلب القافية عنه أيضا؛ لأنها منه وخاصة به في الاصطلاح، وكما/يمتنع
استعمال القافية فيه يمتنع الفاصلة في الشعر؛ لأنها صفة لكتاب الله فلا تتعداه.
وهل يجوز استعمال السجع في القرآن؟ فيه خلاف: الجمهور على المنع، لأن أصله من سجع الطير فيشرف القرآن أن يستعار لشيء منه لفظ أصله مهمل، ولأجل تشريفه عن مشاركة غيره من الكلام الحادث بذلك، ولأن القرآن من صفاته تعالى، فلا يجوز وصفة بصفة لم يرد الإذن بها.
وقال الرماني في"إعجاز القرآن" ذهب الأشعرية إلى امتناع أن يقال في القرآن: سجع، فرقوا بأن السجع هو الذي يقصد في نفسه، ولذلك كانت الفواصل بلاغة، والسجع عيبا، وتبعه على ذلك القاضي أبو بكر الباقلاني، ونقل عن نص أبي الحسن الأشعري قال:
وأصحابنا كلهم، وقال: ذهب كثير من غير الأشاعره إلى إثبات السجع في القرآن، وزعموا أن ذلك مما يبين به فضل الكلام، وأنه من الأجناس التي يقع بها التفاضل في البيان والفصاحة كالجناس والالتفات ونحوهما، قال: وأقوى ما استدلوا به الإتفاق على أن موسى أفضل من هارون، ولمكان السجع قبل موضع:{وهرون وموسى} [طه: 70]، ولما كانت الفواصل في موضع آخر بالواو والنون قيل:{موسى وهرون} [الشعراء: 48] قالوا: وهذا بفارق امر الشعر، لأنه لا يجوز أن يقع في الخطاب إلا مقصودا إليه، وإذا وقع غير مقصود إليه كان دون القدر الذي تسمية شعرا، وذلك القدر مما يتفق وجوده من المفحم كما يتفق وجوده من الشاعر.
وأما ما جاء في القرآن من السجع فهو كثير، لا يصح أن يتفق كله
غير مقصود إليه. وبنوا الأمر في ذلك على تحديد معنى السجع.
فقال أهل اللغة: هو موالاة الكلام على حد واحد وقال ابن دريد: سجعت الحمامة: معناه رددت صوتها. قال القاضي: وهذا غير صحيح، ولو كان القرآن سجعا لكان غير خارج عن أساليب كلامهم، ولو كان داخلا فيها لم يقع بذلك إعجاز، ولو جاز أن يقال: سجع معجز، لجاز أن يقولوا: شعر معجز، والسجع مما كان يتألفه الكهان من العرب، ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفي الشعر، لأن الكهان من العرب تنافي النبوات بخلاف الشعر، وقد قال صلى الله وعليه وسلم "أسجع كسجع الكهان" فجعله مذموما.
قال: وما توهموا أنه سجع باطل لأن مجيئه على صورته لا يقتضى كونه هو، لأن السجع يتبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدي السجع، وليس كذلك ما اتفق مما هو في معنى السجع من القرآن، لأن اللفظ وقع فيه تابعا للمعنى، وفرق بين أن ينتظم الكلام في نفسه بألفاظه التي تؤدي المعنى المقصود منه، وبين أن يكون المعنى منتظما دون اللفظ، ومتى ارتبط
المعنى بالسجع، كان إفادة السجع كإفادة غيره، ومتى انتظم المعنى بنفسه دون السجع كان] مستجلبا [لتحسين الكلام دون تصحيح المعنى.
قال: وللسجع منهج، محفوظ وطريق مضبوط من أخل به وقع الخلل في كلامه، ونسب/إلى الخروج عن الفصاحة، كما أن الشاعر إذا خرج عن الوزن المعهود كان مخطئا، وأنت ترى فواصل القرآن متفاوتة بعضها متداني المقاطع وبعضها يمتد حتى يتضاعف طوله عليه وترد الفاصلة في ذلك الوزن الأول بعد كلام كثير، وهذا في السجع غير مرضي ولا محمود
قال: وما ذكروه من تقديم موسى على هارون في موضع، وتأخيره في موضع عنه لمكان السجع وتساوي مقاطع الكلام فليس بصحيح؛ بل الفائدة فيه إعادة القصة الواحدة بألفاظ مختلفة تؤدي معنى واحد، وذلك من الأمر الصعب الذي تظهر فيه الفصاحة، ويتبين فيه البلاغة، ولهذا] أعيدت [الكثير من القصص على ترتيبات متفاوتة تنبيها بذلك على عجزهم عن الإتيان بمثل مبتدأ به ومتكرر، ولو أمكنهم المعارضة لقصدوا تلك القصة وعبروا بألفاظ لهم تؤدي إلى تلك المعاني ونحوها، فعلى هذا القصد بتقديم بعض الكلام على بعض
وتأخيرها، إظهار الإعجاز دون السجع، إلى أن قال: فبان أن الحروف الواقعة في الفواصل متناسبة موقع النظائر التي تقع في الأسجاع لا تخرجها عن حدها، ولا تدخلها في باب السجع، وقد بينا انهم يذمون كل سجع خرج عن اعتدال الأجزاء، فكان بعض مصاريعه كلمتين، وبعضها أربع كلمات، ولا يرون ذلك فصاحة؛ بل يرونه عجزا، فلو فهموا اشتمال القرآن على السجع لقالوا: نحن نعارضه بسجع معتدل فيزيد في الفصاحة على طريق القرآن. انتهى كلام القاضي في كتاب "الإعجاز"
ونقل صاحب عروس الأفراح عنه أنه ذهب في الانتصار إلى جواز تسمية الفواصل سجعا. وقال الخفاجي في"سر الفصاحة": قول الرماني: إن السجع عيب والفواصل بلاغة، غلط، فإنه أراد بالسجع ما يتبع المعنى، وهو غير مقصود، فذلك بلاغة، والفواصل مثله، وإن أراد به ما تقع المعاني تابعة له، وهو مقصود متكلف فذلك عيب، والفواصل مثله
…
،
قال: وأظن الذي دعاهم إلى تسمية كل ما في القرآن فواصل، ولم يسموا ما تماثلت حروفه سجعا، رغبتهم في تنزيه القرآن عن الوصف اللاحق بغيره من الكلام المروي عن الكهنة وغيرهم، وهنا عرض في التسمية قريب، والحقيقة ما قلناه
…
قال: والتحقيق أن الأسجاع حروف متماثلة في مقاطع الفواصل.
قال: فإن قيل: إذا كان عندكم أن السجع محمود/فهلا ورد القرآن حله مسجوعا، و] ما [الوجه في ورود بعضة مسجوعا وبعضه غير مسجوع؟ .
قلنا: إن القرآن نزل بلغة العرب، وعلى عرفهم، وعادتهم، وكان الفصيح منهم لا يكون كلامه كله مسجوعا لما فيه من أمارة التكليف والاستكراه، لا سيما مع طول الكلام، فلم يرد كله مسجوعا جريا منه على عرفهم في ....
] الطبقة [العالية من كلامهم، ولم يخل من السجع لأنه يحسن في بعض الكلام على الصيغة السابقة.
قلت: قوله: نزل على عرفهم وعادتهم كلام غير محرر، فإنه قد اشتهر وتواتر عن العرب استغرابهم طريقة القرآن حتى قال قائلهم: قد نظرت في الشعر وأنواعه فلم أره يشبهه، وقد نظرت في السجع وأنواعه فلم أره منه،
ولكونه مخالفا لطرائقهم جاء مسجعا في بعض الآيات وغير مسجع في بعض الآيات
ليكون أنموذجا مفردا. قال ابن النفيس: يكفي في حسن السجع ورود القرآن به، قال: ولا يقدح في ذلك خلوه من بعض الآيات، لأن الحسن قد يقتضي المقام الانتقال إلى أحسن منه.
وقال حازم: من الناس من يكره تقطيع الكلام إلى مقادير متناسبة الأطراف] غير [متقاربة في الطول والقصر، لما فيه من/التكلف إلا ما يقع به الإلمام في النادر من الكلام، ومنهم من يرى أن التناسب الواقع بإفراغ
الكلام في قوالب التقفية وتحليتها بمناسبات المقاطع أكيد جدا، ومنهم-وهو الوسط- من يرى أن السجع- وإن كان زينة الكلام- فقد يدعو إلى التكلف، فرأى أن لا يستعمل في جملة الكلام، وأن لا يخل الكلام منه جملة، وأنه يقبل منه ما اجتلبه الخاطر عفوا بلا تكلف، قال وكيف يعاب السجع على الإطلاق، وإنما نزل القرآن على أساليب الفصيح] من [كلام العرب، فوردت الفواصل فيه بإزاء ورود الأسجاع في كلامهم، وإنما لم يجئ على أسلوب واحد لأنه لا يحسن في الكلام جميعا أن يكون مستمرا على نمط واحد لما فيه من التكلف، ولما في الطبع من ملل، ولأن الافتنان في ضروب الفصاحة أعلى من الاستمرار على ضرب واحد، فلهذا وردت بعض آي القرآن متماثلة المقاطع، وبعضها غير متماثلة.