الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثاني والسبعون
علم كيفية الأخذ بالجمع
في القراءات
النوع الثاني والسبعون
علم كيفية الأخذ بالجمع في القراءات
ولم يفرد هذا النوع الحافظ السيوطي في "الإتقان".
وإذا أراد الطالب معرفة تحقيق وتدقيق طريق الروايات فلا بد له من حفظ كتاب كامل، فيستحضر اختلاف القراء، ولا بد مع ذلك من معرفة اصطلاح ذلك الكتاب ومعرفة طرقه، ثم يفرد القراءات التي يريد معرفتها بقراءة راو راو، وشيخ شيخ، وهكذا إلى نهاية ما يريد معرفته من ذلك. وقد روينا عن أبي الحسن الحصري أنه قرأ القراءات السبع على شيخه أبي بكر القصري تسعين ختمة، كلما ختم قرأ غيرها حتى أكمل في مدة عشر سنين، وإلى ذلك أشار بقوله:
وأذكر أشياخي الذين قرأتها
…
عليهم فأبدأ بالإمام أبي بكر
قرأت عليه السبع تسعين ختمة
…
بدأت ابن عشر ثم أكملت في عشر
وقد كان السلف لا يجمعون رواية إلى أخرى، وإنما ظهر جمع القراءات في ختمة واحدة في أثناء المئة الخامسة، في عصر الداني، وابن شيطا، واستمر إلى هذه الأزمان، واستقر عليه العمل عند أهل الإتقان لقصد سرعة الترقي، لكنه مشروط بإفراد القراءات، وإتقان الطرق والروايات على النحو/ الذي ذكرته، وقد كانوا في الصدر الأول لا يزيدون القارئ على عشر آيات، ويشهد له قول [الخاقاني]:
وحكمك بالتحقيق إن كنت آخذا على أحد أن لا تزيد على عشر
وكان كثير من المشايخ يأخذون في الإفراد بجزء من أجزاء مئة وعشرين جزءا، وفي الجمع بجزء من أجزاء مئتين وأربعين جزءا، والصواب: الأخذ في ذلك بحسب قوة الطالب من غير حد ولا عد؛ فقد روينا أن أبا العباس بن الطحان قرأ على شيخه أبي العباس بن نحلة ختمة بحرف أبي
عمرو في يوم واحد، وأن ابن مؤمن قرأ على الصائغ القراءات جمعا بعدة كتب في سبعة عشر يوما، وأن المكين الأسمر قرأ على أبي إسحاق بن [وثيق] الإشبيلي ختمة بالقراءات السبع/ في ليلة واحدة، وأن ابن الجزري قرأ على الصائغ من أول النحل ليلة الجمعة، وختم ليلة الخميس في ذلك الأسبوع جمعا [للقراءات السبع بالشاطبية والتيسير والعنوان، وأن آخر مجلس ابتدأ فيه بأول الواقعة حتى ختم، فإذا أحكم القارئ القراءات إفرادا وصار له بالتلفظ بالأوجه ملكة من غير تكلف، وأراد أن يحكمها جمعا]، فليرض نفسه ولسانه فيما يريد أن يجمعه، ولينظر ما في ذلك من الخلاف أصولا وفرشا، فما أمكن فيه التداخل اكتفى منه بوجه، وما لم يمكن فيه نظر، فإن أمكن عطفه [عطفه]، وإلا رجع إلى موضع ابتداء حتى يستوعب الأوجه كلها من غير إهمال ولا تركيب ولا إعادة ما دخل، فإن الأول ممنوع، والثاني مكروه، والثالث معيب، وذلك كله بعد أن يحقق معرفة [أوجه]
الخلاف الواجب من أوجه الخلاف الجائز، وليميز بين الطرق والروايات، فمن لم يعرف الخلاف الواجب بين الجائز والواجب، لا سبيل له إلى الوصول إلى معرفة القراءات، ومن لم يميز بين الطرق والروايات لا منهاج له إلى السلامة من التركيب في القراءات.
وإذا علمت هذا، فاعلم أن الخلاف إما أن يكون للشيخ كابن كثير، أو للراوي عنه كالبزري، [أو] للراوي عن واحد من رواة المشايخ أو من بعده وإن سفل، أو لم يكن كذلك. فإن كان [للشيخ] بكماله، أي: مما اجتمعت عليه الروايات والطرق عنه فقراءة، وإن كان للراوي عن الشيخ فهي رواية، وإن كان لمن بعد الرواة وإن سفل فطريق، وما كان على غير هذه الصفة مما هو راجع إلى اختيار القارئ فيه كان وجها. [مثاله]: إثبات البسملة بين السورتين قراءة ابن كثير، وقراءة عاصم،
وقراءة الكسائي، وكذا قراءة أبي جعفر، ورواية قالون عن نافع، وطريق الأصبهاني عن ورش، وطريق صاحب الهادي عن أبي عمرو، وطريق صاحب "العنوان" عن [ابن] عامر، وطريق صاحب "التبصرة" عن الأزرق عن ورش، وطريق صاحب "التذكرة" عن يعقوب.
والوصل بين السورتين قراءة حمزة، وطريق صاحب "العنوان" عن الأزرق عن ورش، وطريق صاحب "العنوان" أيضا عن أبي عمرو، وطريق صاحب "الهداية" عن ابن عامر، وطريق صاحب "الغاية" عن يعقوب.
والسكت بينهما طريق صاحب التذكرة عن الأزرق عن ورش.
ومثال الأوجه الثلاثة في البسملة بين السورتين لمن بسمل، ولا يقال: ثلاث قراءات، ولا ثلاث روايات، ولا ثلاث طرق. كالوقوف على {العلمين} [الفاتحة: 2] ثلاثة أوجه كما يقول لكل من الأزرق عن ورش، وأبي عمرو، وابن عامر، وكذا يعقوب بين السورتين ثلاث طرق، وللأزرق في نحو {ءادم} [البقرة: 21]، و {ءامن} [البقرة: 13] ثلاث طرق، والفرق بين الخلافين أن خلاف القراءات والروايات والطرق خلاف نص ورواية/، فلو أخل القارئ بشيء منه كان نقصا في الرواية، فهو وضده واجب في إكمال الرواية، وخلاف الأوجه ليس كذلك، إذ هو على سبيل التخيير، فبأي وجه أتى القارئ أجزأ في تلك الرواية، ولا يكون مبطلا لشيء منها، [فهو] وضده جائزان في القراءة من حيث إن القارئ مخير في الإتيان بأيهما شاء ولا احتياج إلى الجمع بينهما في موضع واحد. ومن ثم كان بعض المحققين لا يأخذ منها إلا
بالأصح القوي، ويجعل الباقي مأذونا فيه، وبعضهم لا يلتزم شيئا؛ بل يترك القارئ يقرأ ما شاء منها، إذ كل ذلك جائز، مأذون فيه، منصوص عليه، وكان بعضهم يقرأ بواحد من الأوجه في موضع، وبآخر في غيره ليجمع الجميع مشافهة، وبعضهم يرى الجمع بينهما في أول موضع، ورب متكلف غير عارف بحقيقة أوجه الخلاف يأخذ بجميعها في كل موضع، وإنما ساغ بين الأوجه في نحو التسهيل في وقف حمزة لتذرب القارئ والمبتدئ، أو رياضته على الأوجه الغريبة، ليجري لسانه، ويعتاد التلفظ بها بلا كلفة، فيكون على سبيل التعريف، فلذلك لا يكلف العارف بجمعها في كل موضع، بل بحسب ما تقدم.
وإذا تقرر هذا، فاعلم أنه يشترط على جامعي القراءات شروط أربعة لا بد منها.
رعاية الوقف والابتداء، فلا يقف على مثل قوله:{أولئك أصحب الميمنة والذين كفروا} [البلد: 19، 18] حتى يأتي بما بعد، ولا نحو قوله:
{فويل للمصلين} [الماعون: 4]، وقرأ إنسان على أبي [بصخان]:{تبت يدا أبى} [المسد: 1] ووقف، وأخذ يعيدها ليسوي مراتب المد، فقال: يستاهل الذي أبرز مثلك.
وأما رعاية الترتيب، والتزام تقديم قارئ بعينه فلا يشترط، وكثير من الناس يرى تقديم قالون أولا، كما هو في كثير من كتب الخلاف، ثم ورش، وهكذا على حسب الترتيب السابق في هذا الموضع، ثم بعد إكمال خلاف السبعة يأتي بالثلاثة بعدها، ثم بالأربعة إن كانت سائغة كأن وافقت المتواتر، وكثير يرى تقديم ورش من طريق الأزرق لأجل انفراده في كثير من ورايته عن باقي القراء بأنواع من الخلاف، كالمد، والنقل، والتغليظ، والترقيق، فإنه يبتدئ له غالبا بالمد الطويل في نحو:{ءامنوا} [البقرة: 13]، و {بإيمن} [الطور: 21] ونحوه مما يكثر دوره، ثم بالمتوسط، ثم بالقصر، فيخرج مع قصره غالبا سائر القراء، ثم إذا أكمل طريق الأزرق فأتبعها بطريق الأصبهاني عن ورش، ثم بقالون، ثم بأبي جعفر، ثم بابن كثير، ثم بأبي عمرو، ثم يعقوب، ثم
ابن عامر، ثم بعاصم، ثم بحمزة، ثم بالكسائي، ثم بخلف، ويقدم عن كل شيخ الراوي المتقدم على الترتيب السابق، ولا ينتقل إلى من بعد حتى يكمل من قبل، حفظا لرعاية الترتيب وقصدا لاستدراك ما فاته. ثم إن الماهر عندهم هو الذي لا يلتزم تقديم شخص بعينه، ولكنه إذا وقف على وجه لقارئ يبتدئ بذلك القارئ بعينه، ثم يعطف الوجه الأقرب على ما يبدأ به عليه، وهكذا إلى آخر الأوجه، ويختصر كيف أمكن/ ويستوعبها فلا يخل بشيء منها.
واختلف الشيوخ في كيفية الأخذ بالجمع، فمنهم من كان يرى الجمع بالوقف. وكيفيته أنه إذا أخذ في قراءة من قدمه لا يزال في ذلك إلى الانتهاء إلى وقف يحسن الابتداء بما بعده، فيقف ثم يعود إلى القارئ الذي بعده إن لم يكن/ خلفه داخلا في سابقه، ولا يزال حتى يعود على الوقف الذي وقف عليه، ثم يفعل ذلك بقارئ قارئ حتى ينتهي الخلف، ثم يبتدئ بما بعد ذلك. ومنهم من كان يرى الجمع بالحرف، وكيفيته أن يشرع في القراءة، فإذا مر بكلمة فيها خلف من الأصول أو الفروع
أعاد تلك الكلمة بمفردها حتى يستوفي ما فيها من خلاف، فإن كانت مما يسوغ الوقف وقف واستأنف ما بعدها على الحكم المذكور، وإلا وصلها بآخر وجه انتهى عليه، حتى يبتدئ إلى وقف فيقف، وإن كان الخلف مما يتعلق بكلمتين كمد المنفصل، والسكت على ذي كلمتين، وقف على الكلمة الثانية، واستوعب الخلاف، ثم انتقل إلى ما بعدها على ذلك الحكم.
والأول: مذهب الشاميين، وهو أشد في الاستحضار، وأشد في الاستظهار، وأطول زمانا، وأجود مكانا.
والثاني: مذهب المصريين، وهو أوثق في استيفاء أوجه الخلاف، وسهل في الأخذ، وأخصر، ولكنه فيه خروج عن رونق التلاوة وحسن أدائها.
وللشيخ ابن الجزري مذهب ثالث مركب من هذين المذهبين، وهو أنه إذا ابتدأ بالقارئ ينظر إلى من يكون من القراء أكثر موافقة له، فإذا وصل إلى الكلمة بين [القارئين] فيها خلف وقف وأخرجه مع، ثم وصل حتى ينتهي إلى الوقف السائغ جوازه، وهكذا إلى أن ينتهي الخلاف.
ومنهم من كان يرى في الجمع كيفية أخرى، وهي التناسب، وكان