الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع السادس والسبعون
علم الوقوف
أما الوقف
، فقال أبو حيان في "شرح التسهيل": هو قطع النطق آخر اللفظ، وهو مجاز من السير، فكأن لسانه عامل في الحروف ثم قطع عمله فيها، وقال الجعبري: قطع صوت القارئ على [آخر] الكلمة الوضعية زمانا، قال: قطع الصوت: جنس، وآخر الكلمة: فصل، أخرج قطعة على بعضها، فهو لغوي لا صناعي، والوضعية ليندرج فيه نحو: كلما الموصولة، فإن أخرها وضعا الميم، وزمانا: وهو ما يزيد على الآن، أخرج به السكت، قال: وهذا أجود من قولهم: قطع الكلمة
عما بعدها، أو قطع الحرف عن الحركة لعمومه. انتهى.
وظاهر ذلك أن الوقف يكون من تنفس القارئ وعدم تنفسه، فقال ابن الجزري: قطع صوت القارئ على آخر الكلمة زمانا يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة بما يلي الحرف الموقوف عليه، أو بما قبله، لا بنية الإعراض، فخرج بقيد التنفس [السكت] فإنه قطع الصوت زمانا دون زمن الوقف، من غير تنفس كما اشترط في "النشر" حيث قال: فلو تنفس القارئ آخر سورة لصاحب السكت، أو على {عوجا} [الكهف: 1]، و {مرقدنا} [يس: 52]، لحفص من غير مهلة لم يكن ساكتا ولا واقفا، إذ الوقف يشترط فيه التنفس مع المهلة، والسكت لا يكون معه تنفس. انتهى.
وقد خرج بقوله: بنية استئناف القراءة القطع، والمراد به الانتهاء، كالقطع على حزب، أو ورد ونحوهما مما يشعر بالانقضاء،
واستدل بعضهم على وجوب تعلم الوقف بما ورد عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه/ ورضي عنه-: الترتيل معرفة الوقف وتجويد الحروف؛ لأن الترتيل المفسر في هذا الأثر بمعرفته مع تجويد الحروف مشروع للأمر به في سورة (المزمل) مع ما ورد عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- مما قد يفهم إجماع الصحابة على/ تعلمه، حيث قال فيما رووا عنه: لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على النبي صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها، وأمرها وزجرها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها.
أقول: كذا ذكر القسطلاني والسيوطي -رحمهما الله تعالى- أن معنى ما يوقف عنده في خبر ابن عمر هو الوقف في القراءة، والظاهر خلاف
ذلك، وأن المعنى ما ينبغي أن يوقف عنه من الأحكام الشرعية، ولو كان المراد ما ذكروه لقيل: ما يوقف عليه، فليتأمل، والله أعلم.
وقد شرط جماعة من الأئمة المتقدمين على الشيخ أن لا يجيز الطالب إلا بعد معرفة الوقف والابتداء، لكن ينبغي أن يكون غاية ذلك الحث على مشروعيته والاهتمام به، إذ الوجوب الذي يأثم تاركه هو الشرعي، فافهم.
ولا مرية أن [بمعرفتها] تظهر معاني التنزيل، ونعرف مقاصده، وتستعد القوة المفكرة للغوص في بحر معاينة على درر فوائده ومبانيه، وقد قال الهذلي في "كامله": الوقف حلية التلاوة، وزينة القارئ، وبلاغ التالي، وفهم للمستمع، وفخر للعالم، به يعرف الفرق بين المعنيين المختلفين، والنقيضين المتنافيين، والحكمين المتغايرين. وقال أبو حاتم: من لا يعرف الوقف لا يعلم القرآن. انتهى.
وقدموا الوقف على الابتداء وإن كان مؤخرا عنه في الرتبة، لأن كلامهم في الوقف الناشئ عن الوصل، والابتداء الناشئ عن الوقف، وهو بعد، وأما الابتداء الحقيقي فسابق على الوقف الحقيقي، فلا كلام فيهما، إذ لا يكونان إلا كاملين، كأول السورة، والخطبة وأواخرها.
ثم إن كلا من أئمة الوقف قسمة بحسب ما سنح له.
قال الحافظ القسطلاني -رحمه الله تعالى- والذي أعتمد من ذلك وأقول به أن اللفظ إما أن يتم أو لا. الثاني: الناقص وقد يسمى قبيحا نحو الوقف على {بسم} و {رب} ، والأول إما أن يستغني عن تاليه أو لا، والثاني إما أن يتعلق به من جهة المعنى فالكافي، أو من جهة اللفظ فالحسن، والأول إما أن يكون استغناؤه استغناء كليا أو لا، فالأول الكامل كأواخر السورة، و {المفلحون} [البقرة: 5] أول (البقرة)، والثاني التام: كـ {نستعين} [الفاتحة: 5]، وقد يشترط الحسن والناقص في التعلق اللفظ لكن تعلق الناقص فيكون أقوى، فكل حسن ناقص بالنظر لتاليه، وليس كل ناقص حسنا، وقد يشتد تعلقه بلا حقه حتى يقبح الوقف عليه. انتهى.
واعلم أن التام كما يوقف عليه يبتدي بلاحقه، ويكون بعد تمام الكلام والفواصل وانقضاء القصص والأخبار، وقد يكون قبل انقضاء الفاصلة نحو:{وجعلوا أعزة أهلها أذلة} [النمل: 34]، هذا انقضاء حكاية بلقيس، ثم قال تعالى:{وكذلك يغفلون} رأس الآية، وقد يكون في وسطها نحو:{لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني} [الفرقان: 29]، وقد يكون بعد انقضاء الفاصلة بكلمة كقوله: و {لم نجعل لهم من دونها سترا كذلك} [الكهف: 90 - 91] آخر الفاصلة: {سترا} ، والتام:{كذلك} ، وقد يكون تاما على قراة، حسنا على غيرها [نحو]:{إلى صراط العزيز الحميد} [إبراهيم: 1] تام على قراءة نافع برفع الجلالة، وعلى النعت حسن.
وقد يكون تاما على تأويل، وغير تام على آخر/ كقوله تعالى:{وما يعلم تأويله إلا الله} [7] في (آل عمران)، وقد يتأكد استحباب الوقف على التمام لبيان معنى مقصودة، وهو ما لو وصل طرفاه لأوهم معنى غير المراد نحو قوله تعالى:{ولا يحزنك قولهم} [يونس: 65]، والابتداء {إن العزة لله جميعا} [يونس: 65] لئلا يوهم أن ذلك من قولهم، وكقوله:{أصحب النار} [غافر: 6]، والابتداء {الذين يحملون العرش} [غافر: 7]، لئلا يوهم النعت، واستدلوا للتام بحديث أبي بكرة: أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده، فقال: اقرأ القرآن على حرفين، فقال ميكائيل: استزده
…
" الحديث. إلى أن قال: "كل حرف كاف شاف ما لم تختم آية عذاب بآية رحمة، أو آية رحمة بآية عذاب".
قلت: تقدم في نوع الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها معاني ذلك، والصحيح ما قدمناه، فراجعه، وما ذكر من حمل كاف على الوقف الكافي أو التمام بعيد، والله أعلم.
وأما الكافي فهو -أيضا- كالتمام في جواز الوقف عليه والابتداء بتاليه، ويكثر في الفواصل كغيرها، وقد يكون كافيا على تفسير أو إعراب غير كاف على آخر، نحو {يعلمون الناس السحر} كاف على أن (ما) بعده نافية، غير كاف على جعلها موصولها، فلا يبدأ بها حينئذ.
وقد يكون كافيا على قراءة غير كاف على غيرها، واستدلوا للكافي بحديث ابن مسعود المروي في "البخاري": قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ علي". فقلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: "فإني أحب أن أسمعه من غيري"، قال: فافتتحت سورة (النساء)، فلما بلغت:{فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد} [النساء: 41] قال: فرأيته فإذا عيناه تذرفان، فقال لي:"حسبك"، فأمره بالوقف على {شهيد} ، وهو متعلق بما بعده، لأنه بيان لحالهم حينئذ، أي: حينئذ يود الذين جمعوا بين الكفر وعصيان الأمر، أو الكفرة والعصاة في ذلك الوقت أن يدفنوا أو تسوى بهم الأرض كالموتى، أو لم يبعثوا/ أو لم يخلقوا، أو كانوا هم والأرض سواء، فما بعده متعلق بما قبله.
وأما الحسن: فيحسن الوقف عليه لا الابتداء بلا حقه لتعلقه به كالوقف على {الحمد لله} لأن تاليه غير مستغن عنه، إلا أن يكون رأس آية، وأمن اللبس كـ {رب العلمين} ، فقد قيل بسنيته لحديث أم سلمة المروي عن أبي داود وغيره: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية يقول: {بسم
الله الرحمن الرحيم}، ثم يقف، ثم يقول:{الحمد لله رب العلمين (2)} ثم يقف، ثم يقول: {الرحمن الرحيم
…
} الحديث.
وروى البويطي فيما نقله صاحب كتاب "المدد" عنها: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصلاة {بسم الله الرحمن الرحيم} آية، {ملك يوم الدين (4)} أربع آيات، وعد في المصباح إلى {الضالين} ، وإلى السنية في ذلك ذهب الداني وغيره، واختاره البيهقي في "الشعب"، لأن الاهتداء بهدية صلى الله عليه وسلم أحرى، والاقتداء بسنته أفضل وأولى. لكن تعقب الجعبري في كتابه
الاهتداء الاستدلال بهذا الحديث على سنية وقف الفواصل بأنه لا دلالة فيه على الوقف على ذلك، لأنه إنما قصد به إعلام الفواصل، قال: وجهل قوم هذا المعنى فسموه وقف السنة، إذ لا يسن إلا ما فعله تعبدا، ولكن هو وقف البيان. انتهى، أي: بيان الفواصل.
وقال في "المدد"/: فما وقف عليه الصلاة والسلام عليه دائما تحققنا أنه فاصلة، وما وصله دائما تحققنا أنه ليس بفاصلة، وما وصله مرة ووقف التام والاستراحة، واحتمل الوصل أن يكون غير فاصلة، أو فاصلة وصلها لتقديم تعريفها، أو على الوصل، أو لتعريف التام فتردد فيه. انتهى.
وقال الحافظ القسطلاني -رحمة الله تعالى-: وأقول: في الاستدلال بحديث أم سلمة رضي الله عنها هذا على السنية نظر من وجهين:
أحدهما: أنه رواه أبو داود عن سعيد بن يحيى الأموي قال: حدثني أبي، قال: حدثنا ابن جريج، ورواه الترمذي عن علي بن حجر
قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، عن ابن جريج، عن ابن [أبي] مليكة، عن أم سلمة بلفظ: يقطع قراءته، يقرأ:{الحمد لله رب العلمين (2)} ثم يقف،
…
إلى آخره. قال الترمذي: هذا حديث غريب، هكذا رواه يحيى بن سعيد الأموي وغيره، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة، وليس إسناده بمتصل لأن الليث روى هذا الحديث عن ابن أبي مليكة، عن يعلى بن [مملك]، عن أم سلمة أنها وصفت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم مفسرة حرفا حرفا.
الثاني: قال التوربشتي: هذه الرواية لبست سديدة في الألسنة، ولا بمرضية في اللهجة العربية؛ بل هي ضعيفة لا يكاد يرتضيها أهل البلاغة، وأن الراجحة رواية الليث قراءة، ولا ريب أنه صلى الله عليه وسلم كان أفصح الناس لهجة، فالأظهر أنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يقف ليبين للمستمعين رؤؤس الآي، ولو لم يكن لهذا لما وقف على {العلمين} ولا {الرحيم} لما في الوقف عليهما من قطع الصفة عن الموصوف، ولا يخفى ما في ذلك. ٍ
أقول كذا ذكر، وقد ثبت هذا الحديث من طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وقولهم: إنه ينافي البلاغة والفصاحة، محل نظر، بل في القراءة على هذا الوجه كمال الترتيل وحسن الأداء، والله أعلم.
وقد يكون الوقف حسنا على تقدير، وكافيا على آخره، وتاما على غيرهما.
وأما الناقص، فقد يكون [بعضه] أقبح من بعض، كالوقف على ما يخل بالمعنى نحو الوقف على {وإن كانت وحدة فلها النصف ولأبويه} [النساء: 11]، فلا يجوز تعمد الوقف عليه لفساد المعنى المراد من القرآن، وأقبح منه الوقف على {إن الله لا يستحى} [البقرة: 26]، و {لا إله} [البقرة: 163]، {وما مت إله} [آل عمران: 62] ما لم يقطع نفس القارئ، ولم يتمكن من الوصل.
واستدلوا بعدم جواز ذلك بما روي: أن رجلين جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم [فتشهد] أحدهما فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما .. ووقف، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قم واذهب، بئس الخطيب أنت".
قالوا: فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم الوقف على المستبشع، لأنه جمع فيه بين حالي المطيع، من أطاع الله ورسوله، ومن عصى، وكان حقه أن يقف على رشد، ثم يقول:"ومن يعصهما فقد غوى". وفي الاستدلال به نظر.
وكما يقبح الوقف بقبح الابتداء، وذلك نحو:{إن الله فقير} [آل عمران: 181]، و {يد الله مغلولة} [المائدة: 64]، و {لا أعبد الذي فطرني} [يس: 22]، فهذا ونحوه يحرم أن يقصد، إلا إن اضطر، لكن قالوا: يجب عليه العود ليخرج من الحرمة، لكن قول حمزة: / أكره الوقف المستبشع، يدل على الكراهة دون الحرمة، وتعين الجواز في نحو:{إني أنا الله} [القصص: 30]، و {أنا ربك} [طه: 12]، ومن ثم قال حمزة: ونية المسلم تخرجه عنها.
قال الجعبري: لأنه حاك كلام الله لا مخبر عن نفسه، والاحتياط العود.
وقد علم أن لا وقف محرم ولا لازم، خلافا لما ادعاه السجاوندي، بل
وصل الكل، والوقف على كل كلمة مستقلة جائز والكلام في الأولوية للإيصال والاستقلال، وذلك بناء على أن الفارق بين المعاني الوقف والوصل، وهو غلط؛ إذ هو وظيفة الإعراب الناشئ عن التركيب، فلا يلزم من الوقف على:{وما هم بمؤمنين} [البقرة: 8] تعين {يخدعون} [البقرة: 9] للاستئناف، ولا من وصله تعينه للصفة، كما لا يلزم في ذلك/ في قوله:{الحميد (1) الله} [إبراهيم: 1 - 2] أول سورة (إبراهيم)، وإلا لزم رفع [الله]، واللازم منتف. انتهى. نعم إذا قصد تحريف المعنى عن موضوعه، وخلاف المعنى الذي أراده الله تعالى حرم عليه ذلك.
قال في "التتارخانية" ناقلا عن "فتاوى الحجة": الأصل أن حفظ الوقف ومعرفة ذلك من باب الفضيلة، ولا يتعلق به قطع الصلاة، أينما وقف لا تفسد صلاته، وكذا التقديم والتأخير، حتى لو قرأ:{يخرجون الرسول وإياكم} [الممتحنة: 1] ووقف، ثم قال:{أن تؤمنوا بالله ربكم} [الممتحنة: 1]، هذا الوقف غير مستحسن، ولكن أن عددا من الوقف في القرآن في مواضع
معينة لو وقف عندها تقطع الصلاة، وسمعت أنهم يكفرون به صاحبها، ولكن الكفر إنما يكون بالقصد وهو الاعتقاد، والذي يقف في جمع القرآن للتنفس والضرورة لا يكون للكفر فيه مدخل، ولا يقطع الصلاة، فمن ذلك قول الله -جل شأنه- حكاية عن الشيطان يقول يوم القيامة للكفار:{إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطن إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل} [إبراهيم: 22]، فلو وقف عند قوله:{كفرت} قال بعض القراء: يكفر، وهذا ليس بكفر، لأن الشيطان يكفر بمن أشرك به. انتهى. وأطال في ذلك.
أقول: قد علمت أن الفقراء المحققين لا يقولون بشيء من الوقف واجبا وشرعيا في شيء من القرآن. والذي قالوه: إنه لا يوقف على الصفة دون الموصوف، ولا على المبتدأ دون الخبر، ولا على المضاف دون المضاف إليه في قوله:{والمقيمى} من قوله: {والمقيمى الصلوة} [الحج: 35]، ولا على الفعل دون الفاعل، ولا على المفعول دون الفاعل، ولا على المؤكد دون
المؤكد، ولا على الظرف دون ما عمل فيه، ولا على المعطوف عليه نسقا وبيانا دون المعطوف إلا إذا كثرت المعطوفات وطال الكلام [وعجزت] الطاقة عن بلوغ الوقف لقصر النفس، فيجوز في تضاعيف الكلام على التسامح، أو كان عطف جملة فسيوغ، أيضا، لأنهما يجريان مجرى الجملتين المستغنية إحداهما عن الأخرى، فاللاحقة كالمنفصلة عن السابقة، ولا بين الموصول وصلته لأن الموصول مع الصلة بمنزلة اسم واحد، فهو كالمنفصل بين حروف الاسم الواحد، وهو غير جائز، ولا على المبدل دون البدل، ولا على أحد مفعولي ظننت، ولا على اسم إن وأخواتها دون خبرها، ولا على خبر إن وجوابها دون اسمها، ولا على اسم كان وأخواتها دون خبرها، ولا على خبرها دون اسمها، ولا على التمني، والشرط، والاستفهام، والأمر، والنهي، دون أجوبتها، ولا على القسم دون جوابه، ولا على حرف دون ما دخل عليه، ولا على الرافع اللفظي دون المرفوع، ولا على الناصب دون المنصوب، ولا على الجار دون المجرور، ولا على الجازم دون/ المجزوم، ولا على المميز دون المميز، ولا على المفسر دون المفسر، ولا على ذي الحال دونها، ولا على المستثنى منه دون المستثنى، ولا على المشار به دون المشار إليه، ولا على ذي علة وسبب ودونهما كلام كي، ولا على المجاور دون ما جاوره نحو:{يشتهون} [الواقعة: 21] حتى يقول: {وحور عين (22)} [الواقعة: 22] في قراءة الجر.
وليس مرادهم تحتم ذلك ولزومه؛ بل يحمل إطلاق من قال: لا يجوز، على الجواز الأدائي الذي يحسن في القراءة، ويروق في التلاوة، لا الحرمة والكراهة، وقد [اغتفروا] في طول الفواصل والجمل المعترضة، في حال جمع القراءة، وقراءة التحقيق والترتيل، ما لم يغتفروا في غيره، فربما أجازوا الوقف والابتداء ببعض ما نصوا على اجتنابه.
وجوز بعضهم الابتداء بـ"ثم" في القرآن، لأنها للتراخي والمهلة نحو قوله تعالى:{ولقد خلقنا الإنسن من سلسلة من طين (12) ثم جعلنه نطفة في قرار مكين (13) ثم خلقنا النطفة علقة} [المؤمنون: 12 - 14]، وقوله:{الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم} [الروم: 40]، واستثني من ذلك قوله:{يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثلكم} [محمد: 38] لكونه مجزوما بالعطف على مجزوم.
وكذا يجوز الابتداء بـ"بل" إذا كانت بمعنى الإضراب، وهو يكون بمعنى الإبطال تلا جملة نحو:{وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحنه بل عباد مكرمون (26)} [الأنبياء: 26]، والانتقال من غرض إلى غرض نحو:{قد أفلح من تزكى (14) وذكر اسم ربه فصلى (15) بل} [الأعلى: 14 - 16]، وقوله:{ص والقرءان ذي الذكر (1) بل الذين كفروا} [ص: 1 - 2]، فإن كانت بل للعطف، وهو أن يليها مفرد كقوله: قام زيد بل عمرو. امتنع الابتداء بها، لأنه لا يفصل بينها وبين المعطوف عليه.
وأما "بلى" فهي حرف جواب تختص بالنفي، وتفيد إبطاله، سواء كان مجردا نحو:{زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي} [التغابن: 7]، أو مقرونا بالاستفهام حقيقيا كان نحو: أليس زيد بقائم؟ فيقول: بلى، أو تقريريا نحو:{ألم يأتكم نذير قالوا بلى} [الملك: 8، 9]، وقعت في القرآن في اثنتين وعشرين موضعا.
وهي على ثلاثة أقسام:
الأول: ما لا يجوز الوقف عليه إجماعا، لتعلق ما بعدها بما قبلها، وذلك في سبعة، في (الأنعام):{بلى وربنا} [30]، وفي (النحل):{بلى وعدا عليه حقا} [38]، وفي (سبأ):{بلى وربى لتأتينكم} [3]، وفي (التغابن):{بلى وربي} [7]، وفي (القيامة):{بلى قدرين} [4]. نعم جوزه السخاوي في (سبأ)، و (التغابن)، لأن ما بعد "بلى" يجوز الابتداء به، فيقول:{وربى لتبعثن} فيكون ردا لنفيهم البعث، ثم أقسم على البعث، فهو وقف كاف لأن تعلقه من جهة المعنى لا من جهة اللفظ.
القسم الثاني: ما فيه/ خلاف والاختيار المنع، وذلك في خمسة [مواضع]: في (البقرة): {ولكن ليطمئن قلبي} [260]، وفي (الزمر):{بلى ولكن حقت} [71]، وفي (الزخرف):{بلى ورسلنا} [80]، وفي (الحديد):{قالوا بلى ولكنكم فتلتم أنفسكم} [14]، وفي (الملك):{قالوا بلى قد جاءنا} [9].
القسم الثالث: في الاختيار وجواز الوقف عليه، وهو العشرة الباقية.
وأما "كلا" وهي في ثلاثة وثلاثين موضعا كلها في النصف الثاني من القرآن، فقال "المغني": عند سبيويه، والخليل، والمبرد، والزجاج، وأكثر البصريين حرف معناه الردع والزجر، لا معنى لها عندهم إلا ذلك، حتى إنهم يجيزون أبدا الوقف عليها، والابتداء بما بعدها. ورأى الكسائي، وأبي حاتم ومن وافقهما: أن معنى الردع والزجر، ليس مستمرا فيه فزادوا معنى/ ثانيا يصح أن يوقف عليه دونها ويبتدأ بها، ثم اختلفوا في تعيين ذلك المعنى على ثلاثة أقوال:
أحدها: قول الكسائي وتابعيه، تكون بمعنى "حقا".
والثاني: قول أبي حاتم ومتابعيه، تكون بمعنى "ألا" الاستفتاحية.
والثالث: قول النضر بن شميل ومن وافقه، تكون حرف
جواب بمنزلة: أي ونعم، وحملوا عليه {كلا والقمر (32)} [المدثر: 32] فقالوا: معناه: أي القمر. واختار ابن هشام قول أبي حاتم لأنه أكثر اطرادا، فإن قول النضر لا يأتي إلا في آيتي (المؤمنين) و (الشعراء)، إلا أن آية (المؤمنين) وهي:{رب ارجعون (99) لعلى أعمل صالحا فيما تركت كلا} [99 - 100] لو كانت بمعنى حقا لما كسرت همزة إن، ولو كانت بمعنى نعم لكانت بالوعد بالرجوع، لأنها بعد الطلب كما تقول: أكرم فلانا فيقول: نعم.
وأما آية (الشعراء) وهي: {فلما ترءا الجمعان قال أصحب موسى إنا لمدركون (61) قال كلا إن معي ربي سيهدين (62)} فبكسر إن، ولأن نعم بع الخير للتصديق.
وأما قول الكسائي: إنها تكون بمعنى حقا فلا يتأتي في نحو: {كلا إن كتب الأبرار} [المطففين: 18]، {كلا إن كتب الفجار} [المطففين: 7]، {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون (15)} [المطففين: 15] لأن إن تكسر بعد ألا الاستفتاحية، ولا تكسر بعد حقا، ولا بعدما كان بمعناها. وإذا صلح الموضع للردع وغيره جاز الوقف عليها والابتداء بها على اختلاف التقديرين، والأرجح حملها على الردع لأنه الغالب فيها نحو:{أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا (78) كلا سنكتب ما يقول} [مريم: 78، 79]. انتهى.
ويجوز الابتداء بـ (أم) المنقطعة التي بمعنى بل نحو: {أم تريدون أن
تسئلوا رسولكم} [البقرة: 108]، {وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض} [الرعد: 33]، فغن كانت معادلة لهمزة الاستفهام كقوله: خرج زيد أم عمرو، أو لهمزة التسوية نحو:{سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم} [البقرة: 6] لم يحسن الابتداء بهذا.
وكذا يجوز الابتداء، أيضا، بـ"حتى" كقوله تعالى:{حتى إذا فتحنا عليهم} [المؤمنون: 77]، و {حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج} [الأنبياء: 96]، و {حتى رأوا ما يوعدون} [مريم: 75].
واستثنى من ذلك قوله تعالى: {وابتلوا اليتمى حتى إذا بلغوا النكاح} [النساء: 6]، لأن الفائدة المقصودة لم تأت بعد، وكذا الابتداء بها إذا كان ما قبلها مغيا بما بعدها، كقوله تعالى:{ولا تقربوهن حتى يطهرن} [البقرة: 222]، {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله} [النور: 33] لقوة اتصال ما بين الغاية والمغيا.
وكل ما في القرآن من الذي والذين يجوز وصله بما قبله نعتا، وقطعه على أنه خبر مبتدأ، إلا سبعة مواضع فإنه يتعين الابتداء بها:{الذين ءاتينهم الكتب يتلونه} [البقرة: 121]. {الذين يأكلون الربوا} [275] في (البقرة)، {الذين ءاتينهم الكتب يعرفونه} فيها [146] وفي [20](الأنعام)، {الذين ءامنوا وهاجروا} [20] في (براءة)، {الذين يحشرون} [34] في (الفرقان)، {الذين يحملون العرش} [7] في (غافر)، وفي
"الكشاف" في قوله تعالى: {الذى يوسوس} [الناس: 5] يجوز أن يقف القارئ على الموصوف و [يبتدئ]{الذي} [الناس: 5] إن حملته على القطع بخلاف ما إذا جعلته صفة. وقال الرماني: الصفة إن كانت للاختصاص امتنع الوقف على موصوفها دونها. وإن كانت للمدح جاز، لأن عاملها في المدح غير عامل الموصوف.
وأما الوقف على المستثنى دون المستثنى منه إن كان منقطعا ففيه: [أولا]: الجواز مطلقا، لأنه في معنى مبتدأ حذف خبره للدلالة عليه.
[والثاني]: والمنع مطلقا لاحتياجه إلى ما قبله لفظا، لأنه لم يعهد استعمال إلا وما في معناها إلا متصلة بما قبلها لفظا ومعنى، لأن ما قبلها مشعر بتمام الكلام في المعنى، إذ قولك: ما في الدار أحد هو الذي صحح إلا الحمار، ولو قلت: الحمار، على انفراده كان خطأ.
[والثالث]: فإن صرح بالخبر جاز لاستقلال الجملة واستغنائها عما
قبلها، وإن لم يصرح به/ فلا، لافتقاره، قاله ابن الحاجب في "أماليه".
وأما الوقف على الجملة الندائية فجائز كما نقله ابن الحاجب عن المحققين، لأنها مستقلة، وما بعدها جملة أخرى، وإن كانت الأولى متعلقة بها.
وأما نعم، ففي أربعة مواضع: في الأعراف: {قالوا نعم فأذن} [الأعراف: 44]، والمختار الوقف عليها لأن ما بعدها لا تعلق له بما قبلها، إذ ليس من قول أهل النار، والبواقي فيها، ففي (الشعراء):{قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين (42)} ، وفي (الصافات):{قل نعم وأنتم داخرون (18)} ، والمختار: لا يوقف عليها لتعلق ما بعدها بما قبلها، لاتصاله بالقول.
وقد كان نافع- رحمه الله تعالى- يراعي محاسن الوقف والابتداء بحسب المعنى، كما جاء النص عنه بذلك، وابن كثير يقف على قوله عز وجل:{وما يعلم تأويله إلا الله} [آل عمران: 7]، وعلى قوله عزل وجل:{وما يشعركم} [الأنعام: 109]، و {إنما يعلمه بشر} [النحل: 103] ولم يبال بعدها وقف أم لا، كذا روي عنه، قال في "النشر": وهذا يدل على أنه كان [يقف] حيث ينقطع نفسه/ وفي رواية أخرى عنه: أنه كان يراعي الوقف على