الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحدث وعاد إلى ضيعته، وتوفي عن قريب بها.
وقال الذهبي في "تاريخه": من بيت الرِّواية والصلاح، سكن بيهق.
توفي سنة خمسين وأربعمائة.
قلت: [ثقة صالح].
"السنن الكبرى"(9/ 118 /ك: السير، باب فتح مكّة -حرسها الله تعالى-)، "دلائل النبوة"(5/ 57)، "المنتخب من السياق" برقم (59)، "النُّبَلاء"(16/ 428 عرضًا)، "تاريخ الإسلام"(30/ 257).
[162] محمَّد بن الحسن بن فُوْرك، أبو بكر، الأنصاري والأصبهاني، الفقيه الشّافعيّ
.
حَدَّث عن: أبي سهل أحمد بن محمَّد بن زياد القَطَّان البَغْدادي، والقاضي أبي بكر أحمد بن محمود بن خُرَّزاذ الأهوازي بها، وأبي محمَّد عبد الله بن جعفر بن محمَّد بن فارس الأصبهاني -ومنه سمع "مسند أبي داود الطيالسي"-، وأبي العباس محمَّد بن يعقوب الأصم، والدَّيْبُلي بمكة -ولعلّه أحمد بن عبد الله بن سعيد-.
وعنه: أبو بكر أحمد بن الحسين البَيْهقي - في "سننه الكبرى"، و"الصغرى"، و"الخلافيات"، و"الشعب"، و"القضاء والقدر"، و"إثبات عذاب القبر"، و"فضائل الأوقات"، و"البعث"، وأكثر عنه، وقال فيه: الشّيخ الإمام الأستاذ رحمه الله تعالي-، وقال -أيضًا-: أخبرنا الأستاذ الإمام الأشعري رضي الله عنه قراءة عليه. ومرة قال: أخبرنا لفظًا، وصحح إسناده حديث من طريقه -.
وعنه -أيضًا-: وأبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن، وأبو بكر
أحمد بن علي بن خلف الشيرازي، وأبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة بن محمَّد القُشَيْرِي، وأبو عبد الله محمَّد بن عبد الله بن محمَّد الحاكم ابن البيع -حديثًا واحدًا-.
قال الحاكم في "تاريخه": الأديب المتكلم الأصولي الواعظ النحوي، أقام أوَّلًا بالعراق إلى أنّ درس بها مذهب الأشعري، ثمّ لما ورد الري قصدته المبتدعة، فعقد عبد الله بن محمَّد الثقفي مجلسًا، وجمع أهل السُّنَّة، وتقدمنا إلى الأمير ناصر الدولة أبي الحسن محمَّد بن الحسن، والتمسنا منه المراسلة في توجهه إلى نيسابور، ففعل، وورد نيسابور، فبنا له الدَّار والمدرسة، فأحيى الله به في بلدنا أنواعًا من العلوم لما استوطنها وظهرت بركته على جماعة من المتفقهة وتخرَّجوا به، سمع عبد الله بن جعفر وأقرانه، وكثر سماعه بالبصرة وبغداد، وحدث بنيسابور، وحكى عنه أنّه قال: كان سبب اشتغالي بعلم الكلام أني كنت بأصبهان اختلف إلى فقيه، ثمّ سمعت أنّ الحجر يمين الله في الأرض، فسألت ذلك الفقيه عن معناه، فكان لا يجيب بجواب شافٍ، ويقول: أيش تريد من هذا؟ لأنّه كان لا يعرف حقيقة ذلك، فقيل لي: إنَّ أردت أنّ تعرف هذا فمن حقّك أنّ تخرج إلى فلان في البلد، وكان يحسن الكلام، فخرجت إليه وسألته، فأجاب بجواب شافٍ، فقلت: لا بد أنّ أعرف هذا العلم، فاشتغلت به. وقال عبد الغافر الفارسي في "السياق": بلغ تصانيفه في أصول الدِّين، وأصول الفقه، ومعاني القرآن قريبًا من المائة، ودُعي إلى غزنة، وجرت له بها مناظرة، وكان شديد الرَّدِّ على أصحاب أبي عبد الله، ولما عاد من غزنة سم في الطريق، ومضى إلى رحمة الله، ونقل إلى نيسابور، ودفن بالحيرة،
سمع ببغداد والبصرة، ومن الدَّيْبُلي بمكة -حرسها الله-، وسمع "مسند أبي داود الطيالسي" من عبد الله بن جعفر الأصبهاني، وحدث به، وتصدر للإفادة بنيسابور، سمعت الأستاذ أبا صالح المؤذن يقول: كان الأستاذ أوحد وقته أبو علي الحسن بن علي الدقاق يعقد المجلس ويدعو للحاضرين والغائبين من أعيان البلد وأئمتهم، فقيل له: قد نسيت ابن فورك ولم تدع له، فقال أبو علي: كيف أدعو له وكنت أقسم على الله البارحة بإيمانه أنّ يشفي علتي، وكان به وجع البطن تلك اللَّيلة. وقال عبد الغافر في ترجمة سبطه محمَّد بن أحمد من "السياق": أبو بكر بن فورك كان من انظر الفتيان على مذهب الأشعري، وأشدهم خاطرًا وبيانًا، وأجراهم لسانًا. وقال ابن مكتوم: كان ابن فورك قد اختص بابن عباد بأصبهان قبل الستين والثلاثمائة، وصنف له كتبًا، ثمّ بعضد الدولة بن بويه بشيراز، وصنف له كتبًا، ثمّ دخل نيسابور، وحدث هناك "بمسند أبي داود الطيالسي" عن عبد الله بن جعفر بن فارس، وروى عنه الحاكم، وأبو القاسم القُشَيْرِي وغيرهما. ولما حضرت الوفاة أبا عثمان المغربي -واحد عصره- أوصى بأن يُصلّي عليه ابن فورك، وذلك سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة. وقال أبو القاسم القُشَيْرِي: سمعت الإمام ابن فورك يقول: حملت مقيدًا إلى شيراز لفتنة في الدِّين، فوافينا باب البلد مصبحًا، وكنت مهموم القلب، فلما أسفر النهار وقع بصري على محراب باب في مسجد على باب البلد مكتوب عليه "أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَه" وحصل لي تعريف من باطني أني أكفى عن قريب، وكان كذلك، وصرفوني بالعز.
وقال الذهبي في "النُّبَلاء": الإمام العلّامة الصالح، شيخ المتكلمين،
كان أشعريًا رأسًا في فن الكلام، أخذ عن أبي الحسن الباهلي صاحب الأشعري، حُمل مقيدًا إلى شيراز للعقائد، روى عنه الحاكم حديثًا وتوفي قبله بسنة واحدة. وقال في "التاريخ": له تصانيف جمة، وكان رجلًا صالحًا، وكان مع دينه صاحب فلْتةٍ وبدعة، قال أبو الوليد سليمان الباجي: لما طالب ابن فُورك الكرامية أرسلوا إلى محمود بن سُبكتكين صاحب خراسان يقولون له: إنَّ هذا الّذي يؤلب علينا أعظم بدعةٍ وكفرًا عندك منك، فسَلْه عن محمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب، هل هو رسول الله اليوم أم لا؟ فعظُم على محمود الأمر وقال: إنَّ صح هذا عنه لأقتلنه، ثمّ طلبه وسأله، فقال: كان رسول الله، وأمّا اليوم فلا، فأمر بقتله، فشُفِع إليه، وقيل: هو رجل له سن، فأمر بقلته بالسم، وقد دعا ابن حزم للسلطان محمود إذ وفق لقتله ابن فُورك، لكونه قال: إنَّ رسول الله كان رسولًا في حياته فقط، وإن روحه قد بطل وتلاشى، وليس هو في الجنَّة عند الله تعالى؛ يعني روحه. قال الذهبي: وفي الجملة ابن فورك خير من ابن حزم وأجل وأحسن نحلة.
قال مقيده -أمده الله بتوفيقه-: وقد حكى ابن الصلاح ما ذكره ابن حزم، ثمّ قال: وزعم ابن خزم أنّ هذا قول جميع الأشعرية، وليس كما زعم، وإنّما هو تشنيع عليهم أثارته الكُرَّامية فيما حكاه القُشَيْرِي. وقال السبكي في "طبقاته" بعد ذكره للحكاية الآنفة الذكر: والذي لاح لنا من كلام المحرِّرين لما ينقلون، الواعين لما يحفظون، الذين يتقون الله فيما يحكون، أنّه لما حضر بين يديه، وسأله عن ذلك كذب الناقل، وقال ما هو معتقد الأشاعرة على الإطلاق، وعند ذلك وضح للسلطان الأمر، وأمر
بإعزازه، وإكرامه، ورجوعه إلى وطنه، فلما أيسَت الكرامية وعلمت أنّ ما وشت به لم يتم، وأن حيلتها ومكايدها قد وهت، عدلت إلى السعي في موته، والراحة من تعبه، فسلطوا عليه من سمَّه فمضى حميدًا شهيدًا، وأمّا أنّ السلطان أمر بقتله، فشفع إليه، إلى آخر الحكاية، فأكذوبة سَمِجَة، ظاهره الكذب من جهات متعددة
…
وهذا من ابن حزم مجرد تحامل، وحكاية لأكذوبة سَمِجَة، كان مقداره أجل من أنّ يحكيها.
قلت: وما سبق نقله عن أبي القاسم القُشَيْرِي عن ابن فُورك يؤيد ما قرره السبكي، وقد أثنى السبكي على ابن فُورك في بداية ترجمته له، وأطنب كعادته إذا ترجم لأشعري، فقال: الإمام الجليل، والحبر الّذي لا يجارى فقهًا وأصولًا وكلامًا ووعظًا ونحوًا مع مهابة، وجلالة، وورع بالغ، رفض الدنيا وراء ظهره، وعامل الله في سرِّه وجهره، وصمم على دينه:
مُصَمّمٌ ليس تَلْويه عواذلُه
…
في الدينِ ثَبْتٌ قويٌ بأسُه عسِرُ
وحوَّم على المنية في نصرة الحق، لا يخاف الأسد في عرينه:
ولا يَلينُ لغيرِ الحقِّ يَتْبعُه
…
حتّى يلينَ لضِرس الماضعِ الحجُر
وشمر عن ساق الاجتهاد:
بِهمَّةٍ في الثُّريّا إِثرِ أخمصِها
…
وعزمةٍ لَيْس من عاداتهِا السَّأَم
ودمر ديار الأعداء ذوي الفساد:
وعمَّر الدينَ عزمٌ منه معتضِدٌ
…
باللهِ تُشرِق من أنوارِه الظلمُ
وصبر والسيف يقطر دمًا:
والصبرُ أجملُ إِلَّا أنّه صَبِرٌ
…
وربما جَنَتِ الأعقابُ من عَسَلِهْ
وبدر بجنان لا يخادعه حب الحياة، ولا تشوقه ألحاظ الدُّمى:
لكنه مغرمٌ بالحقِّ يَتْبعُه
…
لله في الله هذا مُنْتَهى أَملهْ
مات سنة ست وأربعمائة، ولم يخلفَ ابنًا، وَبقيت له أعقاب من جهة البنات.
تنبيه: ترجم العلّامة ابن قُطْلُوبُغا لابن فورك في كتابه "تاج التراجم" الخاص بمن ذكر له تصانيف من أئمة الحنفية، تبعا لشيخه المقريزي، ولا أعلم أحدًا ترجمه فيهم غيره.
قلت: [من جهة الحديث حافظ مشهور].
"السنن الكبرى"(1/ 438/ ك: الصّلاة، باب تأخير الظهر في شدة الحر)، (4/ 203)، "الخلافيات"(1/ 351)، (2/ 468)، (3/ 168)، "الشعب"(9/ 20)، "القضاء والقدر"(3/ 857)، "فضائل الأوقات" برقم (22، 91، 296)، البعث برقم (51)، جزء الجويباري برقم (9). مختصر تاريخ نيسابور (50/ ب)، المنتخب من السياق (ص 17)، تبيين كذب المفتري (232)، طبقات ابن الصلاح (1/ 136)، إنباه الرواة (3/ 110)، التقييد (41)، تكملة الإكمال (5/ 511)، آثار البلاد وأخبار العباد (297)، وفيات الأعيان (4/ 610)، النُّبَلاء (17/ 214)، تاريخ الإسلام (28/ 147)، العبر (2/ 213)، الوافي بالوفيات (2/ 344)، مرآة الجنان (3/ 17)، طبقات السبكي (4/ 127)، والإسنوي (2/ 126)، وابن كثير (1/ 353)، العقد المذهب (156)، طبقات ابن قاضي شهبة (1/ 190)، تاج التراجم (232)، طبقات المفسرين للداودي (2/ 132)،