الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[*] إسماعيل بن أحمد، أبو علي، البَيْهقي.
كذا في كتاب "الاعتقاد" ص (359)، تحقيق أحمد عصام الكاتب: أنا الشّيخ. الإمام الزاهد أبو علي إسماعيل بن أحمد البَيْهقي قراءة بمدينة تبريز بعد صلاة العصر، أنا الشّيخ والدي رحمه الله، أخبرنا أبو طاهر الفقيه
…
وساق الحديث. فظن محققه أنّ إسماعيل هذا شيخ للبيهقي، فقال في هامش رقم (3): هذا السند الّذي أورده المصنف لا علاقة له بما بعده؛ لأنّ أبا طاهر الفقيه من شيوخ البَيْهقي؛ فلا يحتاج إلى شيخين للوصول إليه، ولكنه أراد به والله أعلم أنّ يسند سماعه لنسب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، ولذلك كان ينبغي أنّ يقول:(أناه)، وويما سقطت الهاء من النساخ اهـ.
قال مقيده -أمده الله بتوفيقه-: ما ذهب إليه المحقق غير صواب، فإن إسماعيل هذا هو ولد البَيْهقي، أحد رواة كتاب "الاعتقاد"، فلذا قال: أنا الشّيخ والدي -يعني أحمد بن الحسين البَيْهقي، وليس بشيخ للبيهقي كما ظن، والله الموفق.
[36] إسماعيل بن عبد الرّحمن بن أبي حامد أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عامر بن عابد، أبو عثمان بن أبي نصر، الصَّابوني، النيسابوري الفقيه الشّافعيّ
.
حَدَّث عن: أبي بكر أحمد بن إبراهيم القراب، وجده أبي حامد أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عابد الصابوني، وأبي بكر أحمد بن الحسين بن مهران المُقرئ الأصبهاني النيسابوري، وأبي العلاء أحمد بن عبد الملك بن سليمان المعري التنوخي -شيئًا من شعره-، وأبي العباس أحمد بن محمَّد بن
إسحاق البالوي، وأبي عبيد أحمد بن محمَّد بن عبد الرّحمن الهروي، وأبي الحسين أحمد بن محمَّد بن عمر الزاهد الخفاف، وأبي حامد أحمد بن محمَّد المُعَدَّل، وأبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم العدل، وأبي محمَّد الحسن بن أحمد بن محمَّد المخلدي الشيباني، وأبي علي الحسن بن أحمد المعروف براهوا، وأبي علي زاهر بن أحمد السرخسي بـ"مسند" محمَّد بن أسلم-، وأبي الطيب محهل بن محمَّد الصُّعلوكي، وأبي معاذ شاه بن عبد الرّحمن الهروي، وأبي الحسن عبد الرّحمن بن إبراهيم بن محمَّد بن يحيى المزكي، وأبي محمَّد عبد الرّحمن بن أبي شريح أحمد بن محمَّد الرهوي، وأبي محمَّد عبد الله بن أحمد بن الرومي، وأبي سعيد عبد الله بن محمَّد بن عبد الوهّاب الصُّوفي الرازي، وأبي نعيم عبد الملك بن الحسن الأزهري، والسيد أبي الحسن محمَّد بن الحسين بن داود الحسني الهمذاني، وأبي عبد الرّحمن محمَّد بن الحسين بن محمَّد بن موسى السُّلمي النيسابوري، وأبي سعيد محمَّد بن الحسين بن موسى السمسار، وأبي جعفر محمَّد بن صالح بن هانئ بن زيد الورَّاق النيسابوري، وأبي منصور محمَّد بن عبد الله بن حمشاذ الواعظ، وأبي بكر محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن زكريا الجَوْزَقي الشيباني - بـ "المتفق والمتفرق الكبير"، ويقع في ثلاثمائة جزء، وبعض كتاب "التمييز" لمسلم-، وأبي عبد الله محمَّد بن عبد الله بن محمَّد الحاكم النيسابوري -بـ "تاريخ نيسابور"- وأبي الحسن محمَّد بن علي بن سهل الماسرجسي، وأبي طاهر محمَّد بن الفضل بن محمَّد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري -بـ"صحيح ابن خزيمة"، وبعض كتاب "التّوحيد" -.
وعنه: أبو بكر أحمد بن الحسين البَيْهقي: في "سنن الكبرى"، و"الشعب"، و"البعث والنشور"، و"الأسماء والصفات"، وغيرها، وهو من أقرانه، ووصفه بالأستاذ الإمام، وقال مرّة: حدّثنا إمام المسلمين حقًا وشيخ الإسلام صدقًا أبو عثمان الصابوني - ومرة قال: الإمام- قدس الله روحه-، وقال -أيضًا - الإمام رحمه الله: وأبو صالح أحمد بن عبد الملك بن علي بن أحمد المؤذن النيسابوري، وأبو الوفاء أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن عمر بن جعفر النَّهْشلي، وأبي العباس أحمد بن منصور بن محمَّد الغساني، وأبو علي بن أبي بكر إسماعيل بن أحمد بن الحسين بن علي موسى البَيْهقي، وأبو سعد الحسن بن محمَّد بن محمود بن سورة التميمي، وأبو علي الحسين بن أحمد بن عبد الواحد الصُّوري، وأبو الفتح سهل بن أحمد بن علي الأرغياني، وأبو الحسن ظريف بن محمَّد بن عبد العزيز الحيري، وأبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هَوازن القُشَيْرِي النيسابوري، وأبو غانم عبد الرزّاق بن أبي حصين المعري، وأبو محمَّد عبد العزيز بن أحمد بن محمَّد الكتاني، وأبو بكر عبد الغفار بن محمَّد بن الحسين الشيروي، وعبد الله بن عبد الرزّاق بن فضَيل الدمشقي، وأبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد الرُّوَياني، وأبو الحسن علي بن الحسين بن صَصْري الدمشقي، وعلي بن الخضر السلمي الدمشقي، وأبو القاسم علي بن سعد بن علي بن الحسين بن سيف الآمُلي، وأبو الحسن علي بن عبد الله الواعظ النيسابوري، وأبو الحسن علي بن محمَّد بن شجاع الرَّبَعي، وأبو القاسم علي بن محمَّد بن علي بن أحمد بن أبي العلاء المِصِّيصي، ومحمد بن علي بن أحمد بن المبارك الفراء الدمشقي، وأبو
عبد الله محمَّد بن الفضل بن أحمد الصاعدي القراوي - ووصفه بالإمام شيخ الإسلام، وهو آخر من روى عنه -، وأبو القاسم محمود بن سعادة بن أحمد بن يوسف الهلالي السّلَماسي، وأبو الفضل هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن أبي حرارة، ونج ابن أحمد العطار، وأبو علي نصر الله بن أحمد بن عثمان الخُشنامي النيسابوري، وأبو بكر يحيى بن عبد الرحيم الليكي، وأبو العباس بن قُبَيس الدمشقي، وأبو القاسم بن أبي العلاء الدمشقي. قال السمعاني: سمع منه عالم لا يُحْصَوْن.
قال عبد العزيز الكتاني في "ذيل تاريخ ابن زبر": كان شيخًا ما رأيت في معناه زهدًا وعلمًا، كان يحفظ من كلّ فن لا يقعد به شيءٍ، وكان يحفظ القرآن وتفسيره من كتب كثيرة، وكان من حفاظ الحديث، مقدمًا في الوعظ والأدب وغير ذلك من العلوم. وقال الإمام أبو علي الحسن بن العباس: اتفق مشايخنا من أئمة الفريقين وسائر من ينتهي إلى علم التفسير والتذكير- أنّ أبا عثمان كامل في آلاته مستحق للإمامة بصفاته، لم يترقَّل الكرسي في زمانه على ظرفه وبيانه وثقته وصدق لسانه. وقال أبو طالب الحرَّاني: توسطت مجالس أعيان الوقت أيّام السلطان أبي القاسم رحمه الله فصادفتهم مجمعين على أنّ أبا عثمان إذا نطق بالتفسير قرطس في غرض الإجادة والإصابة، وإذا أخذ في التذكير والرقائق أجابته القلوب القاسية أحسن الإجابة، صانه في علم الحديث عَلَمٌ بل عالمَ، وبسائر العلوم مُتحقق عالم. وقال أبو منصور المُقرئ الأسداباذي: كانوا يعدّون بخراسان وأفنية العلم رحاب، ويد العدل مجاب، والعيش عذب مستطاب في علوم التفسير رجلين: أبا جعفر فاخرًا بسجستان، والصابوني بخراسان لا يثلثهما فاضل،
ولا يدخل في حسابهما كامل، فأمّا اليوم فلا مثل لأبي عثمان في الموضعين. وقال أبو عبد الله الخُوارزمي: دخلت نيسابور عند اجتيازي إلى العراق لطلب العلم، فرأيت أبا عثمان مائسًا في حُلّة الشباب، ولمته يومئذ كجناح الغُداف، أو حنك الغراب، وشيوخ التفسير إذ ذاك متوافرون كأبي سعد، وأبي القاسم، وهو يُعدّ على تقارب سنّه صدرًا وجيهًا، وشيخًا نبيهًا، له ما شئت من إكرام وإعظام وإجلال وإفضال.
وقال أبو شَيْبَة مولي الهرويين: وقد أبو عثمان عن السلطان المعظم إلى الهند فلما صدر منها دخل هَراة وعقد المجلس أيّام، وأبو زكريا -يعني يحيى بن عمار- في قيد الحياة قد انتهت إليه رئاسة الحنابلة في جميع الإقليم، فكان إذا فرغ من المجلس جاءه وجلس عنده، وأبو زكريا يُظهر السرور بمكانت ويُصرِّح أنّه ابن حسنات أقرانه. وقال أبو الفضل محمَّد بن سعيد النديم: كان مشايخنا الذين ينظم بقولهم عقد الإجماع يسلمون لأبي عثمان مقاليد الإمامة في علم التفسير، والحديث وما يتعلق بهما من الفنون، أيّام السلطان المعظم والمراتب متنافسٌ فيها. وقال أبو الوفاء أحمد بن عبيد الله النَّهْشَلي: لقيت المئات من الرواة ومن تبع من الفقهاء العصر من بعدهم، وذكر جماعة منهم ثمّ قال: فكانت آراؤهم مجمعة على أنّ أبا عثمان فيهم عين الإكليل، وأنّه:
يجلوالقلوب بوعظه وكلامه
…
كالثلج بالعسل المشوب لسانه
وقال الحسين بن إبراهيم مُسْتَملي المالكي، ما زلنا نسمع بالعراق من الشيوخ، ثمّ بديار بكر من القاضي أبي عبد الله المالكي أنّ الصابوني في الحفظ والتفسير وغيرهما ممّن شهدت له أعيان الرجال بالكمال. وقال
محمَّد بن عبد الله العامري الإسفراييني: أدركتُ آخر أيّام الأئمة الذين كانوا أئمة الأرض دون خراسان كأبي إسحاق، وأبي منصور البَغْدادِي، وأبي بكر القفال إمام الشفعوية في المشرق، وأبي زكريا يحيى بن عمار المفسر، وكان النَّاس يطلقون القول في مجالس النظر المعقودة عندهم أنّ أبا عثمان لا يُدافع في كماله، ولا يُنازَع في شيءٍ من خصالهم.
وقال أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي في "السياق": الأستاذ الإمام شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني الخطيب المُفَسر المحَدِّث الواعظ، أوحد وقته في طريقته، وعظ المسلمين في مجالس التذكير سبعين سنة، وخطب وصلّى في الجامع نحوًا من عشرين سنقع وكان أكثر أهل العصر من المشايخ سماعًا وحفظًا ونشرًا لمسموعاته، وتصنيفًا وجمعًا وتحريضًا على السماع، وإقامةً لمجالس الحديث.
سمع الحديث بنيسابور -وذكر بعض شيوخه- وبسَرْخس وبهِراة، وسمع بالشام والحجاز وبالجبال وغيرها من البلاد، وحدّث بخراسان إلى غَزْنة وبلاد الهند، وبجُرْجان، وآمل، وطبرستان، والثغور، وبالشام، وبيت المقدس، والحجاز، وأكثر النَّاس السماع منه، ثمّ قال: ورُزقَ العز والجاه في الدِّين، والدنيا، وكان جمالًا للبلد، زينًا للمحافل والمجالس، مقبولًا عند الموافق والمخالف، مجمَعًا على أنّه عدم النظير، وَثَّق السُّنَّة، ودافع البدعة.
وهو النَّسيب، المعم، المخول، المدلي من جهة الأمومة إلى الحنفية، والفضلية، والشيبانية، والقر شيبة، والتميمية، والمزنية، والضَّبِّيَّة، من الشُّعب النازلة إلى الشّيخ إبي سعد يحيى بن منصور بن حَسْنُويه السلمي، الزاهد
الأكبر، على ما هو مشهور من أنسابهم، عند جماعة من العارفين بالإنساب؛ لأنّه أبو عثمان إسماعيل بن زين البيت ابنة الشّيخ أبي سعد الزاهد بن أحمد بن مريم بنت أبي سعد الأكبر الزاهد.
وأمّا من جهة الأب، فهو الأصل الّذي لا يحتاج نسبه إلى زيادة، فقال: وكان أبوه أبو نصر من كبار الواعظين بنيسابور، ففُتِك به لأجل التعصب والمذهب، وقلِّد الأُمَّة صبيًا، بعد حول سبع سنين، فاستدعى أنّ يذكر صبيًا، دُعي للختم على رأس قبر أبيه كلّ يوم، وأُقعِد بمجلس الوعظ مقام أبيه، وحضر أئمة الوقت مجالسه.
وأخذ الإمام أبو الطيب سهل بن محمَّد بن سليمان الصعلوكي في تربيته، وتهيئة أسبابه، وترتيب حشتمته ونُوَبه، وكان يحضر مجالسه، ويثني عليه، مع تكبره في نفسه، وكذلك سائر الأئمة، كالأستاذ الإمام أبي إسحاق الإسفراييني، والأستاذ أبي بكر بن فُورَك، وسائر الأئمة كان يحضرون مجلس تذكيره، ويتعجبون من كمال ذكائه، وعقله، وحسن إيراده الكلام، عربيه وفارسيه، وحفظه الأحاديث، حتّى كبر وبلغ مبلغ الرجال، وقام مقام أسلافه في جميع ما كان إليهم من النُّوَب، ولم يزل يرتفع شأنّه، حتّى صار إلى ما صار إليه من الحشمة التامة، والجاه العريض، وهو في جميع أوقاته مشتغل بكثرة العبادات، ووظائف الطاعات، بالغ في العفاف، والسداد، وصيانة النفس، معروف بحُسْنِ الصّلاة، وطول القنوت، واستشعار الهيبة حتّى كان يُضرب به المثل في ذلك، وكان محترمًا للحديث، ولثبت الكتب، قرأت من خط الفقيه أبي سعيد السكري، أنّه حكى عن بعض من يوثق بقوله من الصالحين أنّ شيخ الإسلام قال: ما رويت خبرًا، ولا أثرًا في المجلس
إِلَّا وعندي إسناده، وما دخلت بيت الكتب قط إِلَّا على طهارف وما رويت الحديث إِلَّا عقدت المجلس، ولا قعدت للتدريس قط، إِلَّا على الطّهارة.
وقال: منذ صح عندي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بسورة الجمعة والمنافقين في ركعتي صلاة العشاء، ليلة الجمعة، ما تركت قراءتهما فيهما.
قال: وكنت في بعض الأسفار المخوفة، وكان أصحا بي يَفْرَقونَ من اللصوص، وقطاع الطريق، وينكرون عليَّ في التطويل بقراءة السورتين، وغير ذلك، فلم أمتنع عن ذلك، ولم أنقص شيئًا ممّا كنت أواظب عليه في الحضر، فتولانا الله بحفظه، ولم تلحقنا آفة.
وقرأت من خط السُّكري -أيضًا -، قال: قرأت في كتابٍ كتبه الإمام سهل الصعلوكي، إلى زاهر بن أحمد الإمام بسرخس، حين قصد الأستاذ الإمام إسماعيل أنّ يرحل إليه؛ لسماع الحديث في صباه، بعد ما قتل أبوه شهيدًا، وفي الكتاب بعد الخطّاب:"وإذا عدت الأحداث الّتي كانت في هذه السنين الخالية قطارًا أرسالًا، ومتصلةً اتصالًا، ومتوالية حالًا فحالًا، كان أعظمها نكاية في الدِّين، وجناية عليه ما جرى من الفتك بأبي نصر الصابوني رحمه الله، نهارًا؛ والمكر الّذي مكر به كُبَّارًا؛ كما إذا عُدَّت غرائب الوقت وعجائبه في الحسن، كان بولده الولد الفقيه أبي عثمان إسماعيل- أدام الله بقاءه وسلامته- الابتداء، وبذكره الافتتاح؛ فإنّه بلغ ولم يبلغ بالسن ما تقصر عنه الأمنية والاقتراح، من التدبر، والتعلم، والوجاهة، والتقدم على التحفظ، والتورع، والتيقظ، وقد كان في نفسه لذكائهِ، وكيسه، وفطنته، وهدايته، وعقله الرحلة إلى الشّيخ. فذكر فصلًا فيه، ثمّ قال: "ولا نشك أنّه يصادف منه في الإكرام، والتقديم، والتعظيم، ما يليق بصفاته،
وإنجابه، ودرجاته، وأنا شريك في الامتنان لذلك كله وراغب في تعجيل إصداره إلى موضعه، ومكانه في عمارة العلم، بقعوده للتذكير والتبصير، وما يحصل به من النفع الكثير، فإن الرجوع لغيبته شديد، والاقتضاء بالعموم لعوده أكيد، والسلام.
وذكر الشيخ أحمد البَيْهقي أنه قال: عهدي بالحاكم الإِمام أبي عبد الله، مع تقدمه في السنن، والحفظ، والإتقان، أنه يقوم للأستاذ عند دخوله إليه، ويخاطبه بالأستاذ الأوحد، وينشر علمه وفضله، ويعيد كلامه في وعظه، متعجباً من حسنه، معتداً بكونه من أصحابه.
قال السكري: ورأيت كتاب الأستاذ الإمام أبي إسحاق الإسفراييني، الذي كتبه بخطه، وخاطبه الأستاذ الجليل، سيف السنة، وفي كتاب آخر: غيظ أهل الزيغ.
وحكى الأستاذ أبو القاسم الصيرفي المتكلم، أن الإِمام أبا بكر بن فورك كان رجع عن مجلسه يوماً، فقال: تعجبت اليوم من كلام هذا الشاب، تكلم بكلام مهذب عذب، بالعربية والفارسية.
وحكى عن الشيخ الإِمام سهل -أيضاً- أنه كان يقول له بالفارسية: "أبي سرايخ براتيش است بيش است".
قرأت بخط السكري، أن الأستاذ أبا عثمان كان يتكلم بين يدي الإمام سهل الصعلوكي، وكان ينحرف بوجهه عن جانبه، فصاح به الإِمام سهل: استقبلني، واترك الانحراف عني.
فقال: إني أستحي أن أتكلم في حُرِّ وجهك.
فقال الإمام سهل: انظروا إلى عقله.
ولقد أكثر الأئمة الثناء عليمع ولذلك مدحه الشعراء في صباه إلى وقت شبابه ومشيبه، بما يطول ذكره، فمن ذلك ما قال فيه بعض من ذُكر من أئمة الأصحاب:
بينا المُهَذَّبُ إسماعيل أرجحهم
…
علماً وحلماً ولم يبلغ مدى الحُلُمِ
وكتب أبو المظفر الجمحي إليه، بعد أن سمع خطبته، بهذه الأبيات:
أستدفعُ الله عنه آفة العين
…
وكم قرأتُ عليه آية العين
العلم يفخر والآدابُ فاخرةٌ
…
مُنيرة يهتدي فيها ذوو الشين
لو عاد سحبان حياً قال من عجبٍ
…
عين الإله على عين الفريقين
قدكان ديني على إتمام رؤيتهِ
…
لما رأيتُ محيَّاهُ قُضي ديني
قل للذي زانه علمٌ ومعرفة
…
كم للعلوم بإسماعيل من زينِ
وقال فيه البارع الروياني:
ماذا اختلاف الناس في مُتَفَنِّنٍ
…
لم يبصروا للقدح فيه سبيلا
والله مارقي المنابر خاطبٌ
…
أو واعظ كالحبر إسماعيلا
ولقد عاش عيشاً حميداً بعد ما قتل أبوه شهيداً، إلى آخر عمره، فكان من قضاء الله تعالى أنه كان يعقد المجلس، فيما حكاه الإثبات والثقات يوم الجمعة في جانب الحسين، على العادة المألوفة منذ نيِّف وستين سنة، ويعظ الناس، فبالغ فيه ودفع إليه كتاب ورد من بخارى مشتملاً على ذكر وباءٍ عظيم وقع بها، واستُدْعي فيه أغنياء المسلمين بالدعاء على رؤوس الإملاء، في كشف ذلك النُّبَلاء عنهم، ووُصِف فيه أن واحداً تقدم إلى خباز يشتري الخبر، فدفع الدراهم إلى صاحب الحانوت، فكان يزنها، والخباز
يخبر والمشتري واقف، فمات الثلاثة في الحال، فاشتد الأمر على عامة الناس.
فلما قرأ الكتاب هاله ذلك، واستقرأ من القارئ قول الله تعالي:{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ} [النحل: 45]، ونظائرها، وبالغ في التخويف والتحذير، وأثر فيه ذلك، وتغير في الحال، وغلبه وجع البطن من ساعته، وأنزل من المنبر، فكان يصيح من الوجع، وحمل إلى الحمام، إلى قريب غروب الشمس، فكان يتقلب ظهراً لبطن، ويصيح، ويئن، فلم يسكن ما به، فحمل إلى بيته، وبقي فيه ستة أيام، لم ينفعه علاج، فلما كان يوم الخميس سابع مرضه، ظهرت آثار سكرة الموت عليه، وودع أولاده، وأوصاهم بالخير، ونهاهم عن لطم الخدود، وشق الجيوب، والنياحة، ورفع الصوت بالبكاء، ثم دعا المقرئ أبي عبد الله خاصته، حتى قرأ سورة يس، وتغير حاله، وطاب وقته، وكان يعالج سكرات الموت، إلى أن قرأ إسناداً، فيه ما روى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"من كان اخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"، ثم توفي من ساعته عصر يوم الخميس، وحملت جنازته من الغد، عصر يوم الجمعة، إلى ميدان الحسين، الرابع من المحرم سنة تسع وأربعين وأربعمائة، واجتمع من الخلائق ما الله أعلم بعددهم، وصلى عليه ابنة أبو بكر، ثم أخوه أبو يعلى، ثم نقل إلى مشهد أبيه في سكة حرب، ودفن بين يدي أبيه، وكان مولده سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة، وكان وفاته طاعناً في سنة سبع وسبعين من سنَتِه.
وسمعت الإمام خالي أبا سعيد يذكر مجلسه في موسم من ذلك العام، على ملأٍ عظيم من الخلق، وأنه يصيح بصوت عالٍ مراراً ويقول لنفسه: يا
إسماعيل مهفتا لو هفت هفتادو هفت، بالفارسية، فلم يأتِ عليه إلا أيام قلائل، ثم توفي؛ لأنه كان يذكر المشايخ الذين ماتوا في هذا السنن من أعمارهم.
ثم قرأت في المنامات التي رؤيت له في حياته، وبعد مماته، أجزاء لو خليتها لطال النفس فيها، فاقتصر على شيء من ذلك.
ومن جملته ما حكاه الفقيه أبو المحاسن بن الشيخ أبي الحسن القَطَّان؛ في عزاء شيخ الإِسلام أنه رأى في النوم كأنه خان الحسن، وشيخ الإسلام على المنبر، مستقبل القبلة يذكر الناس، إذ نعس نعسة ثم انتبه، وقال: نعست نعسة، فلقيت ربي، ورحمني، ورحم أهلي، ورحم من شيعني.
وحكى الثقات عن المقرئ أبي عبد الله، المخصوص به، أنه رأى قبيل مرض شيخ الإسلام، كان منبره خالٍ عنه، وقد أحدق الناس بالمقرئ، ينتظرون قراءته فجاء على لسانه:{وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} [الأعراف: 185] الآية.
قال: فانتبهت، ولم أر أحداً، فما مضت إلا أيام قلائل، حتى بدأ مرضه، وتوفي منه. وحكى بعض الصالحين، أنه رأى أبا بكر بن أبي نصر المفسر الحنفي، جالساً على كرسي، وبيده جزء يقرؤه، فسأله عما فيه، فقال: إذا احتاج الملائكة إلى الحج، وزيارة بيت الله العتيق، جاءوا إلى زيارة قبر إسماعيل الصابوني.
وقرأت من خط الفقيه أبي سعد السكري، أنه حكى عن السيد أبي إبراهيم بن أبي الحسن بن ظفر الحسيني، أنه قال: رأيت في النوم السيد النقيب زيد بن أبي الحسن بن الحسين بن محمَّد بن الحسين، وبين يديه
طبق عليه من الجواهر ما شاء الله، فسألته، فقال: أُتحِفتُ بهذا مما نثر على روح إسماعيل الصابوني.
وحكى المقرئ محمَّد بن عبد الحميد الأبيوردي، الرجل الصالح، عن الإمام فخر الإسلام أبي المعالي الجويني، أنه رأى في المنام، كأنه قيل له: عُدَّ جمقائد أهل عقائد أهل الحق، قال: فكنت أذكرها، إذ سمعت نداء كان مفهومي منه، أنيِّ أسمعه من الحق -تبارك وتعالي-، يقول: ألم نقل إن الصابوني رجل مسلم.
وسمعت الإِمام أبو المعالي الجويني يقول: كنت بمكة أتردد في المذاهب فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: عليك باعتقاد ابن الصابوني.
وقرأت -أيضاً- من خط السكري حكايته رؤيا رآها الشيخ أبو العباس الشقاني، واستدعى منه شيخ الإسلام أن يكتبها، فكتب: يقول أحمد بن محمَّد الحسنوي: لولا امتناع خروجي عن طاعة الأستاذ الإمام شيخ الإِسلام؛ لوجوبها علي، لم أكن لأحكي شيئاً من هذه الرؤيا، هيبة لها لما فيها مما لا أستجيز ذكرها، فرقاً منها، ثم ذكر زيارته لتربة الإِمام محمَّد بن إسحاق بن خزيمة يوماً، وأنه طاب وقته عندها، فرجع إلى بيته ونام وقت الهاجرة، فرأى الحق -تبارك وتعالي- في منامه ذكر الإِمام. بما قال: ولم يحك ذلك، ثم عقب ذلك بحديث الأستاذ الإمام، وذكر أشياءً نسيت بعضها، والذي أذكر منها أنه قال:
وأما ابن ذلك المظلوم، فإن له عندنا قِرى، ونُعْمى، وزُلفى، إلى آخر ما كان منه.
ثم قال أبو العباس كتبته وحق الحق، لحرمته، وطاعة لأمره.
وقرأت من خط قديم معروف، أنه حكي عن يهودي أنه قال: اغتممت لوفاة أبي نصر الصابوني، وقتله فاستغفرت له، ونمت، فرأيته في المنام، وعليه ثياب خضر، ما رأيت مثلُها قط، وهو جالس على كرسي، بين يديه جماعة كثيرة من الملائكة، وعليهم ثياب خضر، فقلت: يا أستاذ، أليس قد قتلوك؟
قال: فعلوا بي ما رأيت.
فقلت: ما فعل بك ربك.
فقال: يا أبا جوايمرد، كلمة فارسية، لمثلي يقال هذا؟ غفر لي، وغفر لمن صلى علي، كبيرهم وصغيرهم، ومن يكون على طريقي.
قلت: أما أنا فلم أصل عليك.
قال: لأنك لم تكن على طريقي.
فقلت: أيش أفعل كون على طريقك؟
فقال: قل أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
فقلت ذلك، ثم قلت: أنا مولاك.
قال: لا، أنت مولى الله.
قال: فانتبهت، فجاء من عنده إلى قبره، وذكر ما رأى في المنام، وقال: أنا مولاه، وأسلم عند قبره، ولم يأخذ شيئاً من أحد، وقال: إني غني أسلمت لوجه الله، لا لوجه المال.
وحكى أبو سهل بن هارون، قال: قال أبو بكر الصَّيْدَلاني، وكان من الصالحين: كنت حاضراً قبره؛ حين جاء اليهودي، فأسلم.
وقرأت من مضمون كتاب كتبه الإمام زين الإسلام من طوس، في تعزية
شيخ الإسلام أبي عثمان، فصولاً، كتبت منها هذه الكلمات اختصاراً: يا ليلةَ فترة الشريعة، ليتك تري الإصباح، ويا محنة أهل السنة، أنخت بكلْكلكِ، لعله لا براح، ويا معراج السماء، ليت شعري كيف حالك؟ وقد خلوت من صواعد دعواتِ مجلس شيخ الإِسلام، ويا ضَلَّةَ الإِسلام، لولا أنك محكوم لك بالدوام لقلنا فنيت عن كل النظام؛ ويا أصحاب المحابر، حطوا رحالكم، فقد استتر بخلال التراب من كان عليه إلمامكم، ويا أرباب المنابر، أعظم الله أجوركم، فلقد مضى سيدكم وإمامكم.
وقالوا الإمامُ قضى نحبَهُ
…
وصيحةُ من قد نعاهُ عَلَتْ
فقلتُ فما واحدٌ قد مضى
…
ولكنَّه أمَّةٌ قد خَلَتْ
وفيه في فصل آخر: "أليس لم يجْسُر مفترٍ أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقته أليست السنة كانت بمكانه منصورة، والبدعة لفرط حشمته مقهورة؟ أليس كان داعياً إلى الله، هادياً عباد الله، شاباً لا صبوة له، ثم كهلاً لا كبوة له، ثم شيخاً لا هفوة له؟ أليس دموع ألف من المسلمين كل مجلس بذكره كانت تتبرَّج، وقلوبهم بتأثير وعظة كانت تتوهج؟ تُرى أن الملائكة لم يؤمروا باستقباله، والأنبياء والصديقين، لم يستبشروا بقدومه عليهم وإقباله!
قلت: ولما انقلب إلى رحمة الله، كثرت فيه المراثي والأشعار، وكانت حاله كما قيل:
لقد حَسُنَتْ فيك المراثي وذكرها
…
كما حَسُنَت من قبل فيك المدائحُ
ومن أحسن ما قيل فيه، ما كتبته بهراة، في مرثيته للإمام جمال الإسلام أبي الحسن، عبد الرحمن بن محمَّد الدَّاوودي البوشنجي، حيث يقول:
أودى الإمامُ الحَبْرُ إسماعيلُ
…
لهْفي عليه فليس منهُ بديلُ
بكت السما والأرضُ يومَ وفاته
…
وبكى عليه الوحي والتنزيل
والشمس والقمرُ المنير تناوَحا
…
حزناً عليه وللنجوم عويلُ
والأرض خاشعةٌ تبكِّي شجْوها
…
ويلي تولول أين إسماعيل
إن الإمام الفرد في آدابه
…
ما إن له في العالمين عديل
لاتخدنك مني لحياة فإنها
…
تلهى وتنسي والمنى تضليل
وتأهبنْ للموت قبل نزولهِ
…
فالموتُ حتمٌ والبقاء قليلُ
قال ابن نقطة في "تكملة الإكمال": ذكر عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر ترجمة حسنة، فيها حكايات من فضائله.
وقال الذهبي في "النُّبَلاء": أطنب عبد الغافر في وصفه، وأسهب. وقال في "التاريخ": وقد طوَّل عبد الغافر ترجمته شيخ الإِسلام، وأطنب في وصفه. وقال السبكي في "طبقاته" بعد نقله كلام عبد الغافر الآنف الذكر:
هذا كلام عبد الغافر، وقد اشتمل من ترجمة شيخ الإسلام على ما فيه مَقْنَع وبلاغ.
وقال السمعاني في "الأنساب": كان إماماً مفسراً محدثاً فقيهاً، واعظاً خطيباً، أوحد وقته في طريقته، وعظ المسلمين في مجالس التذكير ستين سنة، وخطب على منبر نيسابور نحواً من عشرين سنة، سمع منه جماعة من أقرانه، مثل أبي بكر أحمد بن الحسين البَيْهقي، وجماعة سواه، وسمع منه الحديث عالم لا يحصون بخراسان إلى غَزْنة وبلاد الهند، وبجرجان، وطبرستان، والثغور إلى حران، والشام، وبيت المقدس، والحجاز، وبلاد أذربيجان، ودفن بمدرسته بسكة حرب بجنب أبيه، وزرت قبره ما لا أحصيه كثرة، ورأيت أثر الإجابة لكل دعاء دعوته ثم والله، الله يغفر له. وقال ابن
عساكر في "تاريخه": الحافظ الواعظ المفَسّر، قدم دمشق حاجاً سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وحدث بها وقعد مجلس التذكير. وقال الرافعي في كتاب "الأمالي": نشر العلم إملاءً، وتصنيفاً، وتذكيراً، واستفاد منه الناس على اختلاف طبقاتهم. وقال عماد الدين إسماعيل أبي الفداء في "المختصر في أخبار البشر": مقدم أصحاب الحديث بخراسان، وكان فقيهاً خطيباً إماماً في عدة علوم. وقال الذهبي في "النُّبَلاء": الإِمام العلامة، القدوة المفسِّر، المذكر، المحدث شيخ الإِسلام،
…
، كان من أئمة الأثر، له مصنف في السنة واعتقاد السلف، ما راه مُنْصِفٌ إلا اعترف له. وفي "تاريخ الإِسلام": ولأبي عثمان مصنَّف في السُّنة واعتقاد السلف، أفصح فيه بالحق، فرحمه الله ورضي عنه. وقال في "العبر": شيخ خراسان في زمانه. وقال السبكي في "طبقاته": الفقيه، المحدث، المفسِّر، الخطيب، الواعظ، المشهور الاسم، الملقب بشيخ الإِسلام، لقَّبه أهل السنة في بلاد خراسان، فلا يَعْنُون عند إطلاقهم هذه اللفظة غيره،
…
، وبالجملة كان مجمَعاً على دينه، وسيادته وعلمه، لا يختلف عليه أحد من الفِرَق، وقد حدث عنه البَيْهقي وهو من أقرانه، وقال فيه: إنه إمام المسلمين حقاً، وشيخ الإسلام صدقاً. وأهل عصره كلُّهم مذعنون لعُلوِّ شأنه في الدين والسيادة، وحسن الاعتقاد، وكثرة العلم، ولزوم طريقة السَّلف،
…
، ولو لم يكن في ترجمته هذا الرجل، إلا ما حكيناه من قول البَيْهقي فيه، يكفي في الدلالة على عُلُوِّ شأنه، فما ظنك بما تقدم من كلام أئمة عصره. وقال ابن ناصر الدمشقي في "بديعته":
كالحافظ العلامة المَصُونِ
…
ذاك أبو عثمان الصَّابوني
وقال في "شرحهاها"ـ: كان إماماً حافظاً، عمدة، مقدماً في الوعظ والأدب وغيرهما من العلوم، وحفظه للحدلث وتفسير القرآن معلوم، ومن مصنفاته كتاب "الفصول في الأصول". وقال ابن القيم في "اجتماع الجيوش": إمام أهل الحديث والفقه والتصوف في وقته.
قال مقيده -أمده الله بتوفيقه-: ومما يحكى عن هذا الإِمام ما ذكره ابن العديم في "بغية الطلب"، بإسناده إلى أبي محمَّد الحسن بن أحمد السمرقندي أنه قال: لما عزم شيخ الإِسلام أبو عثمان الصابوني على الحج؛ فابتكر يوماٌ وقد أسرجت الدواب، وزمت الركاب، وهيئت الأقتاب، وهو يبكي مودعاً أهله وينشد هذه الأبيات:
ماكنت أعلم ما في البين من جزع
…
حتى تنادوا بأن قد جيء بالسفن
قالت تودعني والدمع يغلبها
…
كما يميل نسيم الريح بالغصن
وأعرضت ثم قالت وهي باكية
…
يا ليت معرفتي إياك لم تكن
ولها قدم من الحج مدحه الشيخ أحمد بن عثمان الخُشْنامي بقصيدة يهنئه بالقدم من الحج، قال فيها:
من أبر شهر (1) الآن إذْ هبّت بها
…
ريحُ السعادةِ بُكرةً وأصيلاً
بقدم من أضحى فريد زمانه
…
أعني أبا عثمان إسماعيلا
فضلاً وعقلاً واشتهار صيانةٍ
…
وعُلوَّ شأنٍ في الورى وقبولا
من شاء أن يلقى الكمال بأسرِهِ
…
خَدَمَ أحساباً ربَّهُ المأمولا
لازالَ رُكناً للمفاخر والعُلى
…
مالاحَ نجمٌ للسراةِ دليلاً
(1) يعني نيسابور.
وقال السِّلفي في "معجم السَّفَر": سمعت الحسن بن أبي الحر بسَلَمَاس يقول: قدم أبو عثمان الصابوني بعد حجه ومعه أخوه أبو يعلى في أتباع ودواب، فنزل على جدِّي أحمد بن يوسف الهلالي، فقام بجميع مُؤنِه، وكان يَعْقُد المجلس كلَّ يوم، وافْتَتَن الناس به، وكان أخوه فيه دُعابة، فسمعت أبا عثمان يقول وقت أن ودعَّ الناس: يا أهل سَلَمَاسَ لي عندكم أشهر أعظ وأنا في تفسير آية وما يتعلَّق بها، ولو بَقْيتُ عندكم تمام سنةٍ لما تعرَّضت لغيرها، والحمد لله. (1)
وقال السِّلفي في "معجم السَّفَر" -أيضاً-: سمعت أبا الحسن علي بن أبي بكر النيسابوري يقول: رأيت الأستاذ أبا عثمان الصابوني بنيسابور، وقد دخل على أبي سعيد فضل الله الميهَني؛ في زيّ حسن، وقعد معه على دَكّته التي كان يقعد عليها فلمَّا تمكن قال له: أيها الأستاذ أتذكر اجتماعنا عند الشيخ أبي علي زاهر بن أحمد بسرخس وسماعنا منه فقال: نعم، فقال: ما أوّل حديث رواه لنا فقال: يذكره الشيخ فقال: "حب الدنيا رأس كلّ خطيئة"، سمعناه وكتباه فأغنانا عمَّا سواه، ثم تحدَّثا ساعة وقام الأستاذ وخرج.
وفيه -أيضاً- قال السِّلفي: سمعت أبا نصر أحمد بن سعد بن أبي صابر يقول: كان أبو إسماعيل عبد الله بن محمَّد الأنصاري الحافظ بَهَراة يقول: لم أرَ في أئمة العلم أقل حسداً من إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني بنيسابور، وفي "بغية الطلب": قال أبو القاسم عبد الله بن علي بن إسحاق الطوسي: كنا نقرأ على إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني جزءاً، فلما بقي
(1) قال الذهبي في "تاريخه" معلقاً على ذلك: قلت: هكذا كان والله شيخنا ابن تيمية، بقي أزْيد من سنةٍ يُفَسِّر في سورة نوح، وكان بحراً لا تكدِّره الدِّلاء رحمه الله.
منه قدر قريب قام وتوضأ ورجع، وقال: شككت في الوضوءة فلم أر لي أن أكون شاكاً في وضوئي ويقرأ عليّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد كان أبو عثمان رحمه الله تعالي- ينظم الشعر أحياناً؛ قال عبد الغافر الفارسي: من فضائله نظم الشعر على ما يليق بالعلماء من غير مبالغة في تعمق يلحقه بالمنهي. ومن نموذج شعره -يرحمه الله -:
ما لي أرى الدّهرَ لايسخو بذي كرم
…
ولا يجود بمعوانٍ ومفضالِ
ولا أرى أحداً في الناس مُشْترياً
…
حُسنَ الثناء بإنعامٍ وإفضال
ولا أرى أحداً في الناس مُكتَنزًا
…
ظهورَ أثينةٍ أو مدح مقوالِ
صاروا سواسيةً في لؤمهم شَرَعًا
…
كأنما نسجوا فيه بمنوالِ
قال عبد الغافر: ثم توفي رحمه الله من ساعته عصر يوم الخميس، وحمل جنازته من الغد عصر يوم الجمعة إلى ميدان الحسين الرابع من المحرم سنة تسع وأربعين وأربعمائة، واجتمع من الخلائق ما الله أعلم بعددهم، وصلى عليه ابنه أبو بكر، ثم أخوه أبو يعلى، ثم نقل إلى مشهد أبيه في سكسة حرب، ودفن بين يدي أبيه، وكان مولده سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة. فكان وفاته طاعناً في سبع وسبعين من سنه.
قلت: [ثقة حافظ فقيه إمام مقدم في الأثر والواعظ والأدب وغير ذلك من العلوم].
"السنن الكبرى"(1/ 41/ ك: الطهارة، باب الاستياك بالأصابع)، (1/ 97)، "الأسماء والصفات"(1/ 415)، "الشعب"(4/ 430)، "البعث والنشور" برقم (280)، "الاعتقاد" ص (506)، "المنتخب من السياق" برقم (307)، "الأنساب"(3/ 517)، "مختصره"(2/ 228)، "تاريخ دمشق"(9/ 3)، "مختصره"(4/ 360)، "تهذيبه"(3/ 30)، معجم الأدباء