الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثّالث: علومه وآثاره العلمية ومكانته بين العلماء
المبحث الأوّل: نبذة عن بعض العلوم الّتي برز فيها
كان الإمام البَيْهقي -رحمه الله تعالى- مع ما عرف عنه من إمامة في الحديث وبراعة فيه، ذا باع طويل في كثير من العلوم والمعارف الإِسلامية الّتي كانت معروفة في عصره، والتي أولاها أمثالها عنايتهم، كالتفسير، والفقه وأصوله، وأصول الدِّين، واللُّغة. قال الحافظ عبد الله بن يوسف الجرجاني في "طبقاته": جمع الفقه والحديث.
وقال عبد الغافر الفارسي في "السياق" كما في "المنتخب" ص (104): جمع فيها -يعني مصنفاته- بين علم الحديث وعلله، وبيان الصّحيح والسقيم، وذكر وجوه الجمع بين الأحاديث؛ ثمّ بيان الفقه والأصول، وشرح ما يتعلق بالعربيّة على وجه وقع من الأئمة كلهم موقع الرضا.
وقال السمعاني في "الأنساب"(1/ 461): كان إمامًا فقيهًا حافظًا جمع بين معرفة الحديث وفقهه.
وقال ابن الجوزي في "المنتظم"(16/ 97): جمع علم الحديث، والفقه، والأصول.
وقال أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي في "الأربعين" ص (511):
المُصنِّف في علم الحديث والفقه والأصول، والجمع بين المعقول والمنقول.
وقال الحافظ ابن حجر في كتابه "إنباء الغمر"(1/ 62) في ترجمة بن رافع السلّامي معلقًا على ما ذكر من المفاضلة بينه وبين ابن كثير: قلت: والإنصاف أنّ ابن رافع أقرب إلى وصف الحفظ على طريقة أهل الحديث من ابن كثير: لعنايته بالعوالي، والأجزاء، والوفيات، والمسموعات دون ابن كثير، وابن كثير أقرب إلى الوصف بالحفظ على طريقة الفقهاء لمعرفته بالمتون الفقهية والتفسيرية؛ دون ابن رافع، فمن يجمع بينهما يكون الحافظ الكامل، وقيل من جمعهما بعد أهل العصر الأوّل، كابن خزيمة والطحاوي، وابن حبّان، والبَيْهقي، وفي المتأخرين شيخنا العراقي.
قلت: وفيما يأتي أتحدث بإيجاز عن معرفته بأبرز تلك العلوم:
أوَّلًا: العقيدة:
كان رحمه الله صاحب معرفة واسعة بالمذاهب المختلفة الّتي تشعبت آراؤها، واختلفت أهواؤها، فكانت بمنأى عن العقيدة الإِسلامية الشّافعيّة، فألف في ذلك كتبًا قيمة، فمنها الخاص بمسائل معينة، ومنها العام لكل مسائل العقيدة، فمن الأوّل كتاب:
1 -
"إثبات عذاب القبر".
2 -
"الأسماء والصفات"
3 -
"الإيمان".
4 -
"البعث والنشور".
5 -
"الجامع المصنف في شعب الإيمان".
6 -
"حياة الأنبياء بعد وفاتهم".
7 -
"الرؤية".
8 -
"فضائل الصّحابة".
9 -
"القدر".
ومن الثّاني:
كتاب "الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد".
وانظر الكلام على هذه المصنفات في المبحث الثّاني الآتي -إن شاء الله تعالي- "آثاره ومصنفاته".
ثانيًا: الحديث:
قال السمعاني في "الأنساب"(1/ 461): سمع الحديث الكثير، وصنف فيه التصانيف الّتي لم يسبق إليها. وقال عبد الغافر الفارسي في "السياق" كما في "المنتخب" ص (104): جمع فيها -يعني مصنفاته- بين علم الحديث وعلله، وبيان الصّحيح والسقيم، وذكر وجوه الجمع بين الأحاديث .... وقال علي بن زيد البَيْهقي في "تاريخ بيهق" ص (344): الإمام الحافظ المحدث، لا ثاني له في علم الحديث. وقال ابن الأثير في "لبابه" (1/ 202): كان عالمًا بالحديث. وقال ابن خلكان في "وفيات الأعيان"(1/ 67): غلب عليه الحديث، واشتهر به، ورحل في طلبه. وقال الملك المؤيد عماد الدِّين إسماعيل أبو الفداء في "المختصر في أخبار البشر" (1/ 185): كان إمامًا في الحديث،
…
، رحل في طلب الحديث إلى العراق، والجبال، والحجاز. وكذا قال ابن الوردي في "تتمّة المختصر"
(1/ 516)، وقال السبكي في "طبقاته" (4/ 9): اشتغل بالتصنيف بعد أنّ صار أوحد زمانه، وفارس مَيْدانه، وأحذق المحدثين، وأحدَّهم ذِهنًا، وأسرعهم فهمًا، وأجودهم قريحة. وقال ابن كثير في "البداية" (16/ 9): كان محدثًا.
وقد صنف في ذلك مصنفات مفيدة لا تُسامى ولا تُدانى، يأتي الكلام عليها -إن شاء الله تعالي- في المبحث الثّاني "آثاره ومصنفاته":
ثالثًا: الفقه وأصوله:
لقد أولاه رحمه الله تعالي- عناية فائقة، حتّى أصبح فيه إمامًا ذا مكانة مرموقة.
قال عبد الغافر الفارسي في "السياق" كما في "المنتخب" ص (103): الفقيه الأصولي، تفقه وبرع فيه. وقال السمعاني في "الأنساب" (1/ 461): كان إمامًا فقيهًا. وقال علي بن زيد البَيْهقي في "تاريخ بيهق": لم يكن في عصره بخراسان من له قدرته على إدارك أحاديث المصطفى -صلوات الله عليه-، على أوجهها. وقال ابن الأثير في "لبابه" (1/ 202): كان عالمًا بالفقه. وقد وصفه بذلك عبد الله بن يوسف الجرجاني في "طبقاته"، وابن خلكان في "وفيات الأعيان"، والملك المؤيد عماد الدِّين في "مختصره"، والذهبي في "النُّبَلاء"، وابن كثير في "البداية"، وقال: كان واحد في الإتقان والحفظ والفقه، والتصنيف، كان فقيهًا محدثاَّ أَصولياَّ.
وقد صنف في ذلك مصنفات عديمة النظير، من ذلك:
- "المبسوط".
قال السبكي في "طبقاته": وأمّا "المبسوط" في نصوص الشّافعيّ، فما صنَّف في نوعه مثله.
ويراجع في مصنفاته المبحث الثّاني "آثاره ومصنفاته".
رابعًا: التفسير:
لقد كان له به رحمه الله تعالي- اهتمامًا كبيرًا، وعناية فائقة، وقد سلك فيه التفسير بالمأثور عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأصحابه، والتابعين ومن تبعهم، وقد قام بعمل جليل، حيث جمع آراء الإمام الشّافعيّ في التفسير في كتاب مستقل سماه "أحكام القرآن".
خامسًا: اللُّغة:
قال عبد الغافر الفارسي في "السياق" كما في "منتخبه" ص (104): جمع فيها -يعني مصنفاته- بين الأحاديث،
…
، وشرح ما يتعلق بالعربيّة على وجه وقع من الأئمة كلهم موقع الرضا.
ومما يدلُّ على تضلعه فيها، وخبرته بها، الكتاب الّذي ألفه للرد على منتقدي الإمام الشّافعيّ في مسائل لغوية ادعوا غلطه فيها، فرد عليهم البَيْهقي في كتاب خصصه لهذا الغرض سماه "رد الانتقاد على ألفاظ الشّافعيّ".