الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعامل بالربا
وكان التعامل بالربا سائدا في الجزيرة العربية، ولعل هذا الداء الوبيل سرى إلى العرب من اليهود الذين استحلوا الربا في معاملة غير شعب بني إسرائيل، وكان للمعاملات الربوية صور مؤلمة وبخاصة (ربا النساء) فقد كان الداين يقول لمدينه: إما أن تقضي وإما أن تربي وأزيدك في الأجل، فيقبل حتى يصير الدرهم أضعافا مضاعفة، وكان يتعامل به الأشراف وغيرهم، ولا سيما في ثقيف بالطائف، وقد كان الربا من المفاسد الاقتصادية التي قضى عليها الإسلام.
وكذلك كانت لهم معاملات أخرى في البيوع، منها ما حرمه الإسلام وأبطله، ومنها ما أقره وعدّل فيه حتى يصير شرعيا، وفي كتب الحديث، والفقه صور كثيرة لهذه البيوع.
رحلتا الشتاء والصيف
وكانت لقريش رحلتان عظيمتان شهيرتان: رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام، يذهبون فيهما امنين بينما الناس يتخطفون من حولهم، هذا عدا الرحلات الاخرى التي يقومون بها طوال العام، وقد تمنن الله عليهم بهما فقال سبحانه:
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)«1» .
أسواق العرب
وكان للعرب أسواق مشهورة: عكاظ؛ ومجنّة؛ وذو المجاز «2» . قال الإمام الفيومي: عكاظ- وزن غراب- سوق من أعظم أسواق الجاهلية، وراء قرن المنازل بمرحلة، من عمل الطائف على طريق اليمن، وقال أبو عبيد: هي
(1) سورة قريش.
(2)
عكاظ: بضم العين على وزن غراب، ومجنة: بفتح الميم وتكسر، وفتح الجيم وتشديد النون، وذو المجاز: بفتح الميم. أسماء أماكن كانت تقام هذه الأسواق فيها.
صحراء مستوية لا جبل بها ولا علم؛ وهي بين نجد، والطائف، وكان يقام فيها السوق في ذي القعدة نحوا من نصف شهر، ثم يأتون موضعا دونه إلى مكة يقال له: سوق مجنة فتقام فيه السوق إلى اخر الشهر؛ ثم يأتون موضعا قريبا منه يقال له: ذو المجاز، فيقام فيه السوق إلى يوم التروية، ثم يصدرون إلى منى «1» .
وكانت عكاظ أشهر هذه الأسواق، وأذكرها وأعظمها. يغشاها العرب من كل أنحاء الجزيرة العربية؛ وإن كانت قبائل مضر أكثر غشيانا لها من غيرها لوقوعها في منطقتها «2» .
وفي السيرة الحلبية «3» : أن العرب كانت إذا حجّت تقيم بعكاظ شهر شوال، ثم تجيء إلى سوق مجنة تقيم فيه عشرين يوما؛ ثم تجيء إلى ذي المجاز فتقيم به إلى أيام الحج؛ ولكن المعروف أن شوال ليس من الأشهر الحرم، وهذه الأسواق إنما كانت تقام فيها، حتى يأمن الناس على أنفسهم، وأموالهم.
ويذكر بعض المؤلفين في أخبار مكة أن العرب كانوا يقيمون بعكاظ هلال ذي القعدة، ثم يذهبون منه إلى مجنة بعد مضي عشرين يوما من ذي القعدة، فإذا رأوا هلال ذي الحجة ذهبوا إلى ذي المجاز فلبثوا فيها ثمان ليال، ثم يذهبون إلى عرفة «4» ، وهو قريب مما ذكره أبو عبيد، وكانوا لا يتبايعون في عرفة، ولا أيام منى حتى جاء الإسلام فأباح لهم ذلك قال تعالى:
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ (198)«5» .
يعني بالتجارة في منى وعرفات.
وقد استمرت هذه الأسواق في الإسلام إلى حين من الدهر، ثم درست،
(1) المصباح المنير مادة «عكاظ» .
(2)
مكة والمدينة، ص 84.
(3)
ج 1 ص 397.
(4)
درر الفوائد المنتظمة، في أخبار الحاج وطريق مكة، ص 66.
(5)
الاية 198 من سورة البقرة.
فأما عكاظ فتركت عام الحروري بمكة أبي حمزة المختار بن عوف الإباضي في سنة تسع وعشرين ومائة، وخاف الناس أن ينتهبوا، وخافوا الفتنة فتركت حتى الان، ثم تركت مجنة؛ وذو المجاز بعد ذلك؛ واستغنوا بالأسواق بمكة ومنى وعرفات «1» . ولم تكن هذه الأسواق للتجارة فحسب، بل كانت أسواقا للأدب والشعر والخطابة يجتمع فيها فحول الشعراء ومصاقع الخطباء، ويتبارون فيها في ذكر أنسابهم، ومفاخرهم، وماثرهم، وبذلك كانت ثروة كبرى للغة، والأدب، إلى جانب كونها ثروة تجارية، وقد أتاحت هذه الفرص لقريش أن يطعّموا لغتهم بغيرها من لغات القبائل، ويختاروا منها ما يشاؤون، فمن ثمّ كانت اللغة القرشية أعذب اللغات على اللسان، وأحلاها عند الأسماع، وأثراها وأكثرها شمولا، كما كانت هذه الأسواق أدوات تقريب بين اللهجات العربية.
(1) درر الفوائد المنتظمة، ص 67.