الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عثور عبد المطلب على زمزم
فلما بيّن له شأنها، ودلّ على موضعها، خرج بمعوله، ومعه ابنه الحارث، وليس له ولد غيره يومئذ، فحفر فيها، فلما بدا لعبد المطلب الطي «1» كبّر، فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته، فقاموا إليه، فقالوا: يا عبد المطلب إنها بئر أبينا إسماعيل، وإن لنا فيها لحقا، فأشركنا معك فيها، قال: ما أنا بفاعل!! إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم، قالوا: فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها، قال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه، قالوا:
كاهنة بني سعد هذيم، قال: نعم وكانت بأشراف الشام، فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني عبد مناف، وركب من كل قبيلة من قريش نفر، والأرض إذ ذاك مفاوز، فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق فني ماء عبد المطلب وأصحابه حتى كادت أعناقهم تنقطع من العطش، وضن عليهم بنو قومهم من قريش بالماء، وقالوا: إنا بمفاوز وإنا لنخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم، فرأى عبد المطلب أن يحفر كل واحد لنفسه قبره، ففعلوا، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشى.
ثم بدا لعبد المطلب، فقال لأصحابه: والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لا نضرب في الأرض ولا نبتغي لأنفسنا الماء لعجز، فعسى أن يرزقنا الله ماء ببعض البلاد فارتحلوا، حتى إذا بعث عبد المطلب راحلته انفجرت عين ماء عذب من تحت خفّها، فكبّر عبد المطّلب، وكبّر أصحابه، ثم نزل فشرب وشربوا، وملأوا أسقيتهم، ثم دعا قريشا، فقال: هلمّوا إلى الماء فقد سقانا الله، فجاؤا، وشربوا، واستقوا ثم قالوا: قد- والله- قضي لك علينا يا عبد المطلب، والله لا نخاصمك في زمزم أبدا، إن الذي سقاك الماء بهذه الفلاة
- وهي لا تحرث، ولا تزرع، وقرية النمل لا تحرث، ولا تبذر، وتجلب الحبوب إلى قريتها من كل جانب» ، قال الزرقاني في «شرح المواهب» :«وأطال: يعني الإمام السهيلي في الروض في وجه تأويل هذه الرؤيا بما يحسن كتبه بالعسجد» . (شرح المواهب، ج 1 ص 112) .
(1)
الحجارة التي غطي بها البئر.
لهو الذي سقاك زمزم، فارجع إلى سقايتك راشدا، فرجع ورجعوا معه، ولم يصلوا إلى الكاهنة، وخلّوا بينه وبينها.
وفي رواية أخرى أن عبد المطلب لما رأى رؤياه غدا ومعه ابنه الحارث إلى حيث وصف له مكانها، فوجد قرية النمل، ووجد الغراب الأعصم ينقر عندها بين الوثنين: إساف، ونائلة، فجاء بالمعول وقام ليحفر حيث أمر، فقامت إليه قريش، وقالوا: والله لا نتركك تحفر بين وثنينا هذين اللذين ننحر عندهما، فقال عبد المطلب لابنه: ذد عنّي حتى أحفر، فو الله لأمضين لما أمرت، فلما عرفوا أنّه جادّ خلّوا بينه وبين الحفر، فلم يحفر إلا يسيرا حتى بدا له الطي فكبر، وعرف أنه صدق.
فلما تمادى به الحفر وجد غزالين من ذهب، ووجد الأسياف والأدرع، فقالت له قريش: لنا معك في هذا شرك. فقال: لا، ولكن هلمّ إلى أمر نصف بيني وبينكم، نضرب عليها القداح «1» ، قالوا: وكيف تصنع؟ قال: أجعل للكعبة قدحين، ولي قدحين، ولكم قدحين، فمن خرج له قدحاه على شيء كان له، ومن تخلّف قدحاه فلا شيء له، قالوا: أنصفت، فجعل قدحين أصفرين للكعبة، وقدحين أسودين لعبد المطلب، وقدحين أبيضين لقريش، ثم أعطوا القداح لسادن هبل، وقام عبد المطلب يدعو الله عز وجل، فضرب صاحب القداح، فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة، وخرج الأسودان على الأسياف والأدرع لعبد المطلب، وتخلّف قدحا قريش، فضرب عبد المطلب الأسياف بابا للكعبة، وضرب الغزالين حلية للباب، فكان أول ذهب حليت به الكعبة، ثم أقام عبد المطلب سقايتها للحاج، فكانت له عزا وفخرا على قريش، وعلى سائر العرب، وقد ذكر عنه أنه قال: إني لا أحلها لمغتسل، وهي لشارب حل وبل «2» .
(1) جمع قدح بكسر القاف وهو السهم من الخشب الذي كانوا يستقسمون به.
(2)
في القاموس: والبل- بالكسر- الشفاء والمباح، ويقال: حل وبل، وهو إتباع يعني بمعنى حل.