الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستقسام بالأزلام
«1»
ومن عقائدهم الاستقسام بالأزلام، وكانت ثلاثة مكتوب على أحدها «أمرني ربي» ، وعلى الاخر «نهاني ربي» ، والثالث غفل- ليس عليه شيء-.
كان أحدهم إذا أراد سفرا، أو غزوا، أو تجارة، أو نكاحا، أو أمرا ما ضرب القداح، وكانت عند سادن- خادم- الصنم الأكبر (هبل) ، وكانت توضع في خريطة «2» ، ثم يجلجلها، ثم يضع السادن يده، فإذا خرج الامر مضى لشأنه، وإذا خرج الناهي أمسك، وإذا خرج الغافل أجالها مرة أخرى «3» .
وقد حرم الإسلام هذا قال تعالى:
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ....
إلى قوله:
…
وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ (3)«4» .
وقال:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)«5» .
التحليل والتحريم
وقد كانوا يحلّلون ويحرمون ما لم يأذن الله به، ومن ذلك تحريمهم البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، وكان أول من سيّب السوائب عمرو بن لحيّ، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه «6» في النار، وكان أول من سيب السوائب» .
(1) الأزلام جمع زلم بفتح الزاي واللام: القدح وهو قطعة من خشب، والاستقسام: طلب معرفة ما قسم له.
(2)
كيس من جلد.
(3)
تفسير الكشاف عند قوله: «وأن تستقسموا بالأزلام» .
(4)
الاية 3 من سورة المائدة.
(5)
الاية 90 من سورة المائدة.
(6)
في القاموس «القصب- بالضم- الظهر والمعي» أي يجر أمعاءه في النار.
أما البحيرة فهي التي بحرت أذنها أي شقت، كانت الناقة، أو الشاة إذا ولدت خمسة أبطن شقوا أذنها، وتركوها للطواغيت- الأصنام- فلا يركبها أحد، ولا ينتفع بلحمها ولا وبرها، ولا لبنها.
وأما السائبة: فكان الواحد منهم ينذر إن برأ من مرضه، أو قدم من سفر ليسيّبنّ بعيرا. فكانوا يتركونه لالهتهم فلا يحمل عليه شيء.
وأما الوصيلة: فهي الناقة البكر تبكر في أول نتاجها بأنثى ثم تثني بأنثى فكانوا يسيّبونها لالهتهم، ويقولون: وصلت إحدى الأنثيين بالاخرى، ليس بينهما ذكر.
وأما الحام: فهو فحل الإبل إذا نتج منه عشرة أبطن قالوا: حمى ظهره، ويتركونه لأصنامهم، ولا ينتفعون منه بشيء. وهذا ولا شك تشريع بما لم يأذن به الله، وفيه إضاعة للمال بغير داع؛ فلذلك أنكر الله سبحانه عليهم ذلك، قال عز شأنه:
ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103)«1» .
كما بين لهم أن التحليل والتحريم من الله، وأن صنيعهم هذا كذب، وافتراء على الله قال عز شأنه:
وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116)«2» .
وكذلك جعلوا للأصنام نصيبا في الأنعام والزروع، وجعلوا لله نصيبا واثروا جانب الأصنام على جانب الله، قال سبحانه:
(1) الاية 103 من سورة المائدة.
(2)
الاية 116 من سورة النحل.
وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ «1» وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ «2» ساءَ ما يَحْكُمُونَ (136)«3» .
وكذلك كانوا يحرمون ذكور الأنعام حينا، ويحرمون إناثها حينا اخر، وتارة ثالثة كانوا يحرمون الذكور والإناث، لا يستقرون على حال ولا يستندون إلى حجة، فجادلهم الله بالحكمة، والمنطق القويم، فقال سبحانه:
ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)«4» .
إلى غير ذلك من ابتداعاتهم وافترااتهم.
(1) أي لا يصل إلى الوجوه التي كانوا يصرفونه إليها من قرى الضيفان، والتصدق على الفقراء والمساكين.
(2)
من إنفاق عليها بذبح الذبائح عندها والعناية بها، وإجراء الأرزاق على سدنتها ونحو ذلك.
(3)
الاية 136 من سورة الأنعام.
(4)
الايتان 143- 144 من سورة الأنعام.