الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن السابقين إلى الإسلام: أبوذر الغفاري، وأخوه أنيس، وأمه، وقصة إسلامه مبسوطة في صحيح البخاري، وفي صحيح مسلم «1» .
وهكذا نجد أنه دخل في الإسلام أرسال من الرجال والنساء حتى فشا الإسلام بمكة، وتحدث به الناس في كل مكان.
في دار الأرقم بن أبي الأرقم
وكان الأرقم- رضي الله عنه من السابقين الأولين كما رأيت، وكانت داره منتدى يجتمع فيه المسلمون، ويعبدون الله سرا، ويلقنهم النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام وأصوله، ويتعهّدهم بالتربية حتى كوّن منهم أناسا يستهينون بكل الالام والبلاء في سبيل دينهم وعقيدتهم، وكان من يريد الإسلام يأتي إليها مستخفيا خشية أن يناله أذى قريش، وكانت هذه الدار عند الصفا.
ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في هذه الدار حتى أسلم الفاروق عمر بن الخطاب- رضي الله عنه فاستعلنوا بعبادتهم وراغموا أهل مكة، وأذلوهم، وقد أعطى رسول الله الأرقم دارا بالمدينة، ولعل هذا مكافأة له على ما أدته داره بمكة من خدمة جليلة للإسلام في أول عهده، فلله هذه الدار التي فاقت أعظم مدارس العالم، وجامعات الدنيا، وخرّجت أعظم رجال عرفهم التاريخ، ولا تزال هذه الدار مفخرة خالدة للأرقم، وشذى يتضوّع إلى يوم القيامة.
شجاعة للصديق ومحنة
وعرض الصدّيق أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وصل عدد المسلمين حوالي ثمانية وثلاثين رجلا- أن يظهروا ويستعلنوا، فقال له:«يا أبا بكر إنا قليل» ولم يزل الصدّيق برسول الله حتى أذن لهم في الخروج إلى المسجد الحرام، وتفرق المسلمون فيه كل رجل في عشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيبا ورسول الله جالس، فكان أول خطيب دعا إلى الله، وإلى رسول الله، وثار المشركون على أبي بكر والمسلمين، فضربوا في نواحي المسجد ضربا شديدا،
(1) صحيح البخاري- كتاب فضائل الصحابة- باب إسلام أبي ذر، صحيح مسلم كتاب الفضائل- باب فضل أبي ذر.
ووطىء أبو بكر، وضرب ضربا مبرّحا، وجعل عتبة بن ربيعة يضربه بنعلين مخصوفتين، ويحرفهما لوجهه حتى فقد وعيه، فحمله بنو تيم إلى منزله، وقالوا:
لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة، وجعل أبو قحافة والد الصديق وقومه يكلمونه حتى أفاق، وأجاب اخر النهار «1» .
فماذا كان من أبي بكر وقد أفاق؟ لقد كان أول ما قال: ما فعل رسول الله؟ فمسّوه بألسنتهم وعذلوه، فلما خلت به أمه قال لها: ما فعل رسول الله؟ فقالت: والله ما لي علم بصاحبك، فقال: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه- وكانت تخفي إسلامها- فذهبت إليها وقالت: إن أبا بكر يسألك عن صاحبه محمد بن عبد الله؟ فقالت: ما أعرف أبا بكر، ولا محمد بن عبد الله!! وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك فعلت، قالت:
نعم، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا، دنفا، فدنت منه أم جميل، وصاحت قائلة: والله إن قوما نالوا منك هذا لأهل فسق وكفر، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم، قال: فما فعل رسول الله؟ قالت: هذه أمك تسمع؛ قال:
فلا شيء عليك منها، قالت: سالم صالح! قال: أين هو؟ قالت: في دار الأرقم، قال: فإن لله عليّ ألاأذوق طعاما، ولا أشرب شرابا، أو اتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأمهلتاه حتى إذا هدأت الرجل «2» ، وسكن الناس خرجتا به يتكىء عليهما، حتى أدخلتاه على رسول الله، فأكب عليه رسول الله فقبله، وقبله المسلمون، ورقّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة، فقال: بأبي أنت وأمي ليس بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي، وهذه أمي برّة بولدها، وأنت مبارك، فادعها إلى الله، وادع لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاها إلى الله، فأسلمت «3» .
(1) في القاموس: النعل ذات الطراق، وكل طراق خصفة، وخصف النعل يخصفها خرزها، فهي إما مرقعة أو جعل جلدها طبقة فوق طبقة، فهي الم وأوجع.
(2)
أي قلّ السائرون في الطريق.
(3)
البداية والنهاية، ج 3 ص 30.