الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قال بعضهم لبعض: إنه- والله- ما هذا الرجل بمعطيكم شيئا مما تريدون، فانطلقوا وامضوا على دين ابائكم حتى يحكم الله بينكم وبينه، ثم تفرقوا، فقال أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: والله يا ابن أخي ما رأيتك سألتهم شططا!! فأنزل الله في ذلك قوله:
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (6) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (8)«1» .
عرض رسول الله الإيمان على أبي طالب
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا جدّ الحرص على إيمان عمه، وأن يختم له بهذه الخاتمة السعيدة، ولكن شياطين الإنس من قريش وعنجهية الجاهلية حالت بينه وبين ذلك. روى البخاري في صحيحه أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل، فقال:«أي عم، قل لا إله إلا الله كلمة أحاجّ لك بها عند الله» وفي رواية: «أشهد لك بها عند الله» فقال أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب ترغب عن ملّة عبد المطلب! فلم يزالا يكلمانه حتى قال اخر شيء كلمهم به: هو «2» على ملّة عبد المطلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك» فنزلت:
(1) الايات 1- 8 من سورة ص.
(2)
عبر الراوي بضمير الغيبة تنزها من نسبة الشرك إلى نفسه ولو تلفظا، ولكن أبا طالب نطق بضمير المتكلم.
ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) .
ونزلت: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ «1» .
وقد علّق على ذلك الحافظ ابن حجر في «الفتح» فقال: أما نزول هذه الثانية فواضح في قصة أبي طالب، وأما نزول التي قبلها ففيه نظر «2» ، ويظهر أن المراد أن الاية المتعلقة بالاستغفار نزلت بعد أبي طالب بمدة، وهي عامة في حقه، وفي حق غيره، ويوضح ذلك ما سيأتي في «التفسير» «3» بلفظ «فأنزل الله بعد ذلك ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا.. الاية، وأنزل في أبي طالب إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ولأحمد من طريق أبي حازم عن أبي هريرة في قصة أبي طالب قال: فأنزل الله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، وهذا كله ظاهر في أنه مات على غير الإسلام، ويضعف ما ذكره السهيلي أنه رأى في بعض كتب المسعودي أنه أسلم، لأن مثل ذلك لا يعارض ما في الصحيح «4» .
وأما الإمام الزرقاني في شرح «المواهب اللدنية» فقد نحا منحى اخر، فجعل الاية مكية وتكون مستثناة من كون سورة براءة مدنية حيث قال:
«ولا يشكل بأن براءة من أواخر ما نزل بالمدينة، وهذه القصة قبل الهجرة بثلاث سنين؛ لأن هذه الاية مستثناة من كون السورة مدنية كما نقله في الإتقان عن بعضهم وأقره، فلا حاجة إلى تجويز أنه كان يستغفر له إلى نزولها، لأن التشديد مع الكفار إنما ظهر في هذه السورة..
قال وأما قول السيوطي في «التوشيح» : المعروف أنها نزلت لما زار صلى الله عليه وسلم قبر
(1) صحيح البخاري- باب قصة أبي طالب.
(2)
لأن قصة أبي طالب كانت بمكة، واية ما كانَ لِلنَّبِيِّ.. من سورة براءة وهي من أواخر السور المدنية نزولا، فمن ثمّ أول الحافظ الرواية هذا التأويل.
(3)
يعني كتاب «التفسير» من صحيح البخاري.
(4)
فتح الباري ج 6 ص 153.