الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضعفا. ورأيت العرب والعجم لها ساجدين، وهي تزداد كل ساعة عظاما ونورا وارتفاعا، ساعة تخفى، وساعة تظهر.
ورأيت رهطا من قريش قد تعلّقوا بأغصانها، ورأيت قوما من قريش يريدون قطعها، فإذا دنوا منها أخذهم شاب لم أر قط أحسن منه وجها، ولا أطيب منه ريحا، فيكسر أظهرهم، ويقلع أعينهم، فرفعت يدي لأتناول منها نصيبا، فلم أنل، فقلت: لمن النصيب؟ فقال: النصيب لهؤلاء الذين تعلّقوا بها وسبقوك.
فانتبهت مذعورا، فرأيت وجه الكاهنة قد تغيّر، ثم قالت: لئن صدقت رؤياك ليخرجنّ من صلبك رجل يملك المشرق والمغرب، وتدين له الناس.
فقال عبد المطلب لأبي طالب: لعلك أن تكون هو المولود، فكان أبو طالب يحدّث بهذا الحديث والنبي صلى الله عليه وسلم قد خرج «1» ، ويقول: كانت الشجرة والله- أبا القاسم الأمين، فيقال له: ألا تؤمن؟ فيقول: السبة والعار «2» .
وحكاها بعضهم «3» على وجه اخر قال: زعموا أن عبد المطلب رأى في منامه كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف في السماء، وطرف في الأرض، وطرف في المشرق، وطرف في المغرب، ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور، وإذا أهل المشرق والمغرب يتعلّقون بها. فقصّها، فعبّرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق، ويحمده أهل السماء، وأهل الأرض.
قصة الفيل
هي قصة مشهورة أرّخ بها العرب لدلالتها على مزيد عناية الله تعالى ببيته، ذلك أن أبرهة الحبشي لما غلب على بلاد اليمن، ورأى الناس يقصدون
(1) أي بعث.
(2)
أي أخشى السبة والعار أو يمنعني.
(3)
هو علي القيرواني العابر في كتابه «البستان» .
زرافات، وواحدانا، ورجالا وركبانا- الكعبة البيت الحرام قال: إلام يقصدون؟ قالوا له: إلى الكعبة بمكة يحجون، قال: وما هو؟ قالوا له: بيت من الحجارة، قال: وما كسوته؟ قالوا: ما يأتي ههنا من الوصائل «1» ، قال: لأبنينّ خيرا منه.
فبنى لهم كنيسة بصنعاء تفنّن في بنائها، وتزيينها، وسماها «القلّيس» «2» قاصدا صرف العرب عن الكعبة، ولكن أعرابيا عمد إليها فتغوّط فيها، فلما علم أبرهة استشاط غضبا، وعزم على هدم الكعبة، وسار في جيش لجب لا قبل لأهل مكة والعرب به، وقد تعرض له في الطريق بعض قبائل العرب، ولكنه تغلب عليهم، وعند مشارف مكة وجدوا إبلا لعبد المطلب بن هاشم، فاستاقوها، فذهب عبد المطلب إليه، وكان وسيما جميلا تعلوه المهابة والوقار، فاستعظمه أبرهة، وأكرمه، فلما كلّمه في الإبل عجب وقال له: أتكلمني في الإبل، ولا تكلمني في بيت فيه عزك، وشرفك، وشرف ابائك؟! فقال عبد المطلب هذه الكلمة التي سارت مسير الأمثال:«أنا رب الإبل، وللبيت رب يحميه» «3» !!
ثم رجع عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة ومعه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده، فقال:
لاهمّ «4» إنّ المرء يمنع
…
رحله فامنع رحالك
وانصر على ال الصليب
…
وعابديه اليوم الك
لا يغلبنّ صليبهم
…
ومحالهم «5» أبدا محالك
إن كنت تاركهم وقبلتنا
…
فأمر ما بدا لك
(1) الوصائل هي ثياب مخططة يمانية، كانت تكسى بها الكعبة.
(2)
بضم القاف وفتح اللام المشددة، وسكون الياء، وقيل: بفتح القاف وكسر اللام.
(3)
رب الإبل: صاحبها ومالكها.
(4)
أصلها اللهمّ، حذفت الألف واللام منها، واكتفي بالباقي.
(5)
المحال- بكسر الميم- القوة والشدة.
ثم أرسل حلقة البيت وانطلق هو ومن معه من قريش إلى الجبال ينظرون ما أبرهة فاعل بالبيت، وكان في جيش أبرهة فيل عظيم، فصار كلما وجّهوه إلى الطريق المؤدّي إلى مكة أبى وبرك، وإذا وجّهوه إلى غير طريق مكة سار وجرى، ومع هذه الاية أصر أبرهة وجيشه على هدم الكعبة، فما كان إلا أن أرسل الله عليهم طيرا أبابيل «1» ، في مناقيرها وأرجلها حجارة صغار، فصارت ترميهم بهذه الحجارة، وليس كلهم أصابت، فكان من صادفه حجر تمزّق جسمه ومات، وخرجوا هاربين يتساقطون بكل طريق، ويهلكون بكل مهلك، ونكّل الله بأبرهة وجيشه شر تنكيل، وقد ذكر الله سبحانه هذه القصة في سورة الفيل قال:
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ «2» (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ «3» (5) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلّط عليها رسوله والمؤمنين» «4» .
فهي لمّا أراد بها أبرهة وجنده سوا أهلكهم الله، ولمّا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بفتحها خيرا أعينوا ونصروا، وقد كانت هذه الاية إرهاصا بين يدي ميلاد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ودلالة على يمنه، وخيره، وبركته.
(1) جمع إبيل أو إبول أي جماعات جماعات، وقيل: لا واحد له من لفظه.
(2)
سجيّل: الطين المحروق بالنار قيل: إنه فارسي معرب.
(3)
العصف المأكول: هشيم الزرع بعد ما يؤخذ منه الحب كالقمح مثلا.
(4)
رواه الشيخان.