الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إسماعيل وأمه هاجر بهذا الوادي، فنشأ إسماعيل به حتى صار رجلا، واختلط بهم وصاهرهم، ثم غلبت خزاعة جرهما عليها، واستمروا حكامها حتى جاء قصي بن كلاب، فجمع قريشا فيها، بعد أن تمكن من إجلاء خزاعة عنها، وبذلك عادت لقريش السيادة على مكة وحماية البيت حتى ظهور الإسلام.
والذي تدل عليه قصة بناء الكعبة في صحيح البخاري، أن الخليل لما أسكن ابنه وأمّه هناك لم يكن بها أحد. وأن الجراهمة أول من أقاموا بجوار إسماعيل، مما يدل على أن مكة لم تنشأ إلا بعد نبع زمزم، وبناء البيت، واتصال إسماعيل بالجراهمة، ومصاهرته فيهم، وستأتي هذه القصة إن شاء الله تعالى.
المدينة
وهي تقع على بعد نحو من ثلاثمائة ميل شمال مكة، وكان اسمها الغالب عليها في الجاهلية يثرب، وقد ورد في القران الكريم، وهي تقع بين حرّتين، وأرضها تشتهر بالخصب من قديم، وبها البساتين، والنخيل، والفواكه، والزروع.
وقيل إن تاريخ نشأتها يرجع إلى نحو سنة ستمائة وألف قبل الميلاد، وكان يسكنها العماليق في بادىء الأمر، ثم ارتحل إليها بعض اليهود لما تعرضوا لموجات من الاضطهاد، والقتل، والأسر على يد «بختنصر» البابلي وغيره فأقاموا بها «1» ، حتى نزل بعد انهيار (سد مأرب) بعض القبائل العربية الجنوبية، وهما قبيلتا الأوس والخزرج، فوجدوا الثروة والمال مع اليهود فاستعانوا بإخوانهم
- وأسسوا بها دولة حمورابي اسم أكبر ملوكها، ومؤسس أقدم شريعة في العالم في القرن السالف الذكر، وقد أغار على الدولة البابلية الأولى، وقد فني المقهورون في القاهرين وصارت الدولة البابلية عربية بحتة (دائرة معارف القرن العشرين مادة عرب) .
(1)
من هذا يتبين أن اليهود طارئون ودخلاء على المدينة، ومن كرم العرب أن تركوهم يساكنونهم فيها، حتى جاء الإسلام، فاستعملوا الدس، والغدر، والخيانة مع النبي والمؤمنين، فلم يكن بدّ من إجلائهم عنها كما سيأتي في الجزء الثاني إن شاء الله تعالى.
العرب، فأعانوهم، فقتلوا رؤساءهم وأذلوهم، وأصبح للأوس والخزرج الزعامة بيثرب.
وقد استمرت الحال على هذا حتى مجيء الإسلام، وسارعت إليه القبيلتان، وعرفتا فيما بعد (بالأنصار) .
وكانت المدينة من قديم الزمان تقع على طريق القوافل التجارية بين الجنوب والشمال، وبين مكة والشام، مما جعلها تزدهر، وقد اكتسبت بعد مجيء الإسلام وهجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إليها مكانة ممتازة، فقد أضحت عاصمة الإسلام، وقلبه النابض، وقطبه الذي تدور عليه رحاه، وقد جعل النبي المدينة حرما امنا، ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«إن إبراهيم حرّم مكة ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها، ومدّها، بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة» وفي رواية: «بمثل ما دعا به إبراهيم» «1» . وفي الحديث الصحيح أيضا: «إن إبراهيم حرّم مكة وأنا أحرم ما بين لابتيها فلا يسفك فيها دم، ولا يصاد بها صيد، ولا يهاج بها طير، ولا يعضد «2» بها شجر» ، وكذلك ورد أنها حرم في صحيح البخاري «3» .
وكانت تسمى (يثرب) فسماها النبي (طيبة) و (طابة) ، ونهى أن يقال (يثرب) ، وفي المدينة المسجد النبوي، ثاني المساجد المشرفة التي تشد إليها الرحال، وإن كان ثالثها في البناء، وفي المسجد النبوي (الروضة) ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة» وفي المسجد النبوي أفضل بقعة ضمّت أفضل جسد لبشر.
وفي المدينة وما جاورها اثار وذكريات عزيزة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، ولأيام
(1) صحيح مسلم- كتاب الحج- باب فضل المدينة.
(2)
يقطع.
(3)
صحيح البخاري- كتاب الحج- باب حرم المدينة.