الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجمادى يذكّر ويؤنث، فيقال: جمادى الأولى، والأول، وجمادى الاخرة، والاخر. و (رجب) من الترجيب وهو التعظيم، وقد بيّنا أن مضر كانت تعظمه جدا. وقد كانوا لتعظيمه يتركون فيه القتال ويحرمونه. و (شعبان) من تشعّب القبائل، وتفرقها للغارة بعد تركهم ذلك في رجب. و (رمضان) من الرمضاء وهي شدة الحر، فقد صادف وقت التسمية أن كان الطقس حارا جدا. و (شوال) من شالت الإبل بأذنابها، لأجل الطراق من الفحل. و (ذو القعدة) بفتح القاف وكسرها لقعودهم عن القتال فيه استعدادا للحج. و (ذو الحجة) بفتح الحاء وكسرها لحجهم فيه «1» .
النسيء
النسء والنسيء: تأخير حرمة شهر حرام إلى شهر اخر، ذلك أن العرب كانوا أصحاب حروب وغارات وثارات، فإذا حلّ عليهم شهر حرام، وهم يحاربون شقّ عليهم ترك المحاربة، فيحلونه ويحرمون مكانه شهرا اخر ليس من الحرم، كما كانوا يشق عليهم ترك القتال ثلاثة أشهر متوالية، فإذا فرغت العرب من حجها قام رجل منهم معروف بذلك وأحلّ لهم المحرم، وجعل مكانه صفرا شهرا حراما، فإذا أرادوا الصدر «2» قام هذا الرجل فيهم فقال: اللهمّ إني نسأت لك أحد الصفرين: الصفر الأول «3» ، ونسأت الاخر للعام المقبل، فإذا جاء صفر ووجدوا أنفسهم في حاجة إلى قتال نسأوه، وهكذا حتى صار من أمرهم عدم تخصيص الأشهر الحرم بالتحريم، فكانوا يحرمون من بين الشهور أربعة أشهر، فجعلوا التحريم لعدد الشهور، لا لأعيانها وذواتها.
وكان أول من نسأ الشهور على العرب (القلمّس) وهو حذيفة بن عبد بن
(1) تفسير ابن كثير والبغوي، ج 4 ص 161، 162.
(2)
الرجوع إلى مكة.
(3)
يريد المحرم.
فقيم، ينتهي نسبه إلى كنانة بن خزيمة، ثم قام بعده على ذلك ابنه عبّاد بن حذيفة، ثم قام بعد عبّاد قلع بن عبّاد، ثم قام بعد قلع أمية بن قلع، ثم قام بعد أمية عوف بن أمية، ثم قام بعد عوف أبو ثمامة جنادة بن عوف، وكان اخرهم، وعليه قام الإسلام «1» ، وقد اختلف في جنادة هذا أسلم أم لم يسلم؟
ويدل على إسلامه ما جاء في بعض الأخبار أنه حضر الحج في زمن سيدنا عمر، فرأى الناس يزدحمون على الحجر الأسود، فنادى أيها الناس إني قد أجرته منكم، فخفقه عمر بالدرة، وقال: ويحك، إن الله قد أبطل أمر الجاهلية «2» .
وقد ذكر السهيلي في «الروض الأنف» «3» أن النسيء كان عند العرب على ضربين: أحدهما: ما ذكره ابن إسحاق من تأخير شهر المحرم إلى صفر لحاجتهم إلى شن الغارات، وطلب الثارات.
والثاني: تأخيرهم الحج عن وقته تحريا منهم للسنة الشمسية، فكانوا يؤخرونه كل عام أحد عشر يوما أو أكثر قليلا، حتى يدور الدور إلى ثلاث وثلاثين سنة، فيعود إلى وقته، ولذا قال- عليه السلام في حجة الوداع:«إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض» وكانت حجة الوداع في السنة التي عاد فيها الحج إلى وقته «4» ، ولم يحج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى
(1) سيرة ابن هشام، ج 2 ص 43، 44.
(2)
الروض الأنف، ج 1 ص 42، ط الجمالية؛ الإصابة في تاريخ الصحابة، ج 1 ص 347، ط أولى.
(3)
ج 1 ص 41.
(4)
يوهم كلام السهيلي هذا أن الحج في السنة التاسعة وهي الحجة التي أمّر فيها النبي صلى الله عليه وسلم الصدّيق كانت في غير شهرها، وهو غير صحيح وإن قاله البعض، ويدل على هذا ما روي في الصحيحين عن أبي هريرة قال:«بعثني أبو بكر الصدّيق في الحجة التي أمّره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذّنون في الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» ولا يقال يوم النحر إلا لليوم العاشر من ذي الحجة، وأيضا فنسيء الحج لا يتوقف على الصورة التي ذكرها السهيلي، فيجوز أن ينسأ على ما ذكره ابن إسحاق، وذلك كأن يكون بينهم قتال في شوال مثلا، فيضطرون إلى مواصلته في ذي القعدة وذي الحجة، فيؤخرون حرمتهما إلى شهرين اخرين حلالين.
مكة غير تلك الحجة، وذلك لإخراج الكفار الحج عن وقته، ولطوافهم بالبيت عراة.
وقد جاء الإسلام فحرم النسيء بنوعيه تحريما مؤكّدا مؤبّدا قال تعالى:
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37)«1» .
وقد أكد النبي حرمة الأشهر الحرم، وحرّم النسيء، وبيّن أن الزمان عاد كما كان منذ أن خلقه الله، فلا نسيء بعد اليوم، ولا تغيير، ولا تبديل في الأشهر الحرم، فقال في خطبته في حجة الوداع: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض: السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم: ثلاث متواليات:
ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى الاخرة، وشعبان» «2» .
وقد دلت اية النسيء على أن التحليل والتحريم إنما هو لله، ولرسله المبلّغين عنه، وليس لأحد أن يحلّل أو يحرّم، وإلا كان افتراء وكذبا على الله، قال عز شأنه:
وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ «3» .
(1) الاية 37 من سورة التوبة.
(2)
رواه البخاري.
(3)
الاية 116 من سورة النحل.