الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجوع النبي لخديجة
وبعد نزول هذه الايات الخمس في قصة مثيرة التقت فيها البشرية بالملائكية على غير عهد سابق رجع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرتعد من شدة الخوف، حتى أتى السيدة خديجة فأخبرها بما جرى، وقال لها:«لقد خشيت على نفسي» فطمأنته وأكدت له أنه ما كان الله ليخزيه أبدا، وقالت له:«أبشر يا ابن عم، فو الذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة» «1» .
إلى ورقة بن نوفل
ثم انطلقت به خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان ممن تنصّر في الجاهلية، وعنده علم بالتوراة والإنجيل، وكان ممن يعبد الله ويواحده، فقص عليه النبي قصته فبشره بالنبوة، وقال له: هذا هو الناموس «2» الذي كان ينزل على موسى، وأخبره بما سيجده من قومه من عنت وأذى، وأنهم سيخرجونه من بلده مكة، وتمنى لو أدركته الرسالة لينصره نصرا مؤزرا، ولكن ورقة لم يلبث أن توفي بعد أن امن بالنبي وصدق به.
قصة بدء الوحي كما رواها الشيخان
وإليك ما رواه الشيخان: البخاري ومسلم في صحيحيهما «3» بسندهما واللفظ للبخاري- عن عائشة- رضي الله عنها قالت:
«أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة «4» في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح «5» ، ثم حبّب إليه الخلاء، وكان
(1) سيرة ابن هشام ج 1 ص 238.
(2)
الناموس: رسول الخير، والمراد به جبريل- عليه السلام.
(3)
رواه البخاري في باب كيف كان بدء الوحي.. وفي كتاب التفسير «سورة اقرأ» وفي كتاب التعبير، ورواه مسلم في باب بدء الوحي إلى رسول الله.
(4)
في رواية «الصادقة» وهي التي ليس فيها أضغاث أحلام، وهما بمعنى بالنسبة لأمور الاخرة، وأما في شؤون الدنيا فقد تكون صالحة وهو الأكثر، وقد تكون غير صالحة كرؤياه قبيل أحد.
(5)
فلق الصبح: ضياؤه.
يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه- وهو التعبد- «1» الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع «2» إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ، قال:«ما أنا بقارىء» قال:
فأخذني، فغطّني «3» ، حتى بلغ مني الجهد «4» ، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت:«ما أنا بقارىء» فأخذني فغطّني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت:«ما أنا بقارىء» فأخذني فغطّني الثالثة «5» ثم أرسلني، فقال:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) .
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده «6» فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: زمّلوني «7» ، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع «8» ، فقال لخديجة- وأخبرها الخبر-: لقد خشيت على نفسي «9» ، فقالت
(1) أصل التحنث ترك الحنث وهو الإثم ويلزمه التعبد، وهذا التفسير مدرج من الزهري راوي الحديث عن عروة عن عائشة.
(2)
يرجع وزنا ومعنى.
(3)
عصرني حتى كاد يكتم أنفاسي.
(4)
بفتح الجيم والنصب أي المشقة، وبضم الجيم والرفع أي غاية الوسع حتى بلغ مني الجهد مبلغه.
(5)
وإنما فعل به ذلك ليبلو صبره، ويختبر احتماله فيرتاض لاحتمال ما كلف به من أعباء النبوة، وأثقال الوحي، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا أوحي إليه يثقل جسمه، ويغط كما يغط البكر، ويتصبب عرقه، وكأنه يقول له: استعد لما ينتظرك في تبليغ الرسالة من شدائد والام.
(6)
يضطرب من الخوف.
(7)
غطوني ولفوني بالثياب.
(8)
بفتح الراء: الخوف.
(9)
أي المرض أو الموت من شدة الضغط والضم، وقد كان ذلك قبل أن يحصل له العلم الضروري بأن الذي جاءه ملك من الله، ولا يصح تفسير الخشية بغير هذا، ولا تلتفت لما يوجد في بعض الكتاب.