الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحمامة «1» أم بلال بن رباح كانت تعذب في الله، وجارية بني المؤمل «2» وهم من بني عدي بن كعب، وكانت قد أسلمت، فكان عمر بن الخطاب يعذبها ويضربها حتى إذا ملّ قال: إني أعتذر إليك بأني لم أتركك إلا ملالة!! فتقول:
كذلك فعل الله بك.
والنهدية وابنتها، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار «3» .
ولعلك- أيها القارىء الكريم- امنت معي بعد ما سمعت هذه النماذج البشرية العالية أن التاريخ لا يكاد يعرف قوما استعذبوا العذاب في سبيل الإيمان والعقيدة، وهانت عليهم نفوسهم في الله مثل ما عرف ذلك لأصحاب خاتم الأنبياء محمد، وأني لم أكن مسرفا، ولا مبالغا حينما قلت هذا القول، وأن هؤلاء الرجال والنساء خطّوا صحائف مشرقة في تاريخ الإيمان، والبطولة، والتضحية.
فلله هذه النفوس المؤمنة، ما أزكاها، وما أشرفها، وما أخلدها على الدهر.
واهب الحريات
أما واهب الحريات ومحرر العبيد فهو شيخ الإسلام الوقور، الذي عرف بين قومه بأنه يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب «4» الحق، لم ينغمس في إثم في جاهليته، أليف مألوف، يسيل قلبه رقة ورحمة على الضعفاء والأرقاء، أنفق جزا كبيرا من ماله في شراء العبيد، وعتقهم لله وفي الله، قبل أن تنزل التشريعات الإسلامية المحببة في العتق، والواعدة عليه أجزل الثواب، ذلكم المحرر للعبيد هو صدّيق هذه
(1) بفتح الحاء المهملة، وتخفيف الميم.
(2)
قال في الإصابة: وردت في غالب الروايات غير مسماة، وسماها البلاذري لبينة بضم اللام ومواحدة تصغير لبنة.
(3)
سيرة ابن هشام، ج 1 ص 317- 320؛ شرح المواهب، ج 1 ص 320- 325.
(4)
هكذا وصف ابن الدغنّة سيد قبيلة القارة أبا بكر- رضي الله عنه ومن قبل وصفت السيدة الجليلة المهيبة خديجة رسول الله بهذه الأوصاف، فانظر يا قارئي كيف تطابق وصف الصادق، ووصف الصديق.
الأمة، والوزير الأول لرسول الله أبو بكر بن أبي قحافة- رضي الله عنه وأرضاه- ومن هؤلاء السادة الذين أعتقهم:
بلال بن رباح: وقد قدّمنا طرفا من قصته، وإذا علمت أن الغلام الذي أعطاه سيدنا أبو بكر كان يسمى:(نسطاس) ويقال: كان صاحب عشرة الاف دينار، وغلمان، وجوار، ومواش- أدركت عظم الفداء الذي فدى به الصديق أبو بكر بلالا، ولا تعجب إذا كان الفاروق عمر قال هذه القولة التي تدل على عظم منزلة الفادي والمفدى:«أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا» يريد بلالا، رواه البخاري في صحيحه.
ومن موالي الصديق: أبو فكيهة اشتراه وأعتقه، وعامر بن فهيرة اشتراه وأعتقه لوجه الله.
ومن الإماء اللاتي اشتراهنّ وأعتقهن لله: حمامة أم بلال، وأم عنيس وزنّيرة، وجارية بني المؤمل، والنهدية وابنتها، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار، فمر بهما، وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها «1» وهي تقول: والله لا أعتقكما أبدا، وتتوعدهما، فقال الصدّيق: حل «2» يا أم فلان، فقالت حل. أنت أفسدتهما، فأعتقهما، قال: فبكم هما؟ قالت: بكذا وكذا. قال قد أخذتهما وهما حرتان، أرجعا إليها طحينها، قالتا: أو نفرغ منه يا أبا بكر، ثم نرده إليها؟ قال:
وذلك إن شئتما.
وإن لنا هنا لوقفة ترينا كيف سوى الإسلام بين الصدّيق والجاريتين حتى خاطبتاه خطاب الند للند، لا خطاب المسود للسيد، وتقبّل الصديق- على شرفه وجلالته في الجاهلية والإسلام- منهما ذلك، مع أن له يدا عليهما بالعتق، وكيف صقل الإسلام الجاريتين حتى تخلقتا بهذا الخلق الكريم، وكان يمكنهما وقد أعتقتا وتحررتا من الظلم أن تدعا لها طحينها يذهب أدراج الرياح، أو يأكله
(1) بحب ليطحن.
(2)
أي تحللي من يمينك واستثني فيه، وأكثر ما تقوله العرب بالفتح.