الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزيرة صدق، كما كانت نعم الزوجة الصالحة العاقلة، يجد فيها سكن النفس وطمأنينة القلب وراحة الروح، فكان كلما ناله من قريش أذى عاد إليها فتزيل عنه اثار الأذى بيديها، وتسرّي عن نفسه بقلبها وحنانها وحديثها المؤمن المستطاب.
وكانت وفاة أبي طالب في السنة العاشرة من النبوة، وتوفيت بعده في شهر رمضان بقليل، قيل بأيام، وقيل بشهر، فلا عجب وقد فجع الرسول بهاتين الفجيعتين إذا كان سمي هذا العام «عام الحزن» .
ولما قالت له خولة بنت حكيم: يا رسول الله كأني أراك قد دخلتك خلّة «1» لفقد خديجة قال: «أجل، كانت أم العيال، وربة البيت» وكانت إقامتها معه خمسا وعشرين سنة على الصحيح، وقد أفنى زهرة الشباب، وميعة الكهولة، ولم يشأ أن يتزوج عليها؛ وفاء لها وتقديرا لخدماتها، وحرصا على عدم تكدير خاطرها، وإيلام نفسها بإدخال ضرّة عليها مهما كانت، فقد هيأت له صلى الله عليه وسلم كل أسباب الراحة النفسية، والبدنية، والمالية، والمعيشية، فكان صنع رسول الله معها ردا للجميل بمثله أو بأكثر منه.
فضلها رضي الله عنها
لا خلاف بين علماء الأمة- إذا استثنينا السيدة فاطمة بنت الرسول- في أن أفضل نساء هذه الأمة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى:
يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً (32)«2» .
وأن أفضل أزواجه خديجة وعائشة، وقد اختلفوا في التفضيل بينهما، فمنهم من فضّل خديجة، ومنهم من فضّل عائشة، ومنهم من توقف في التفضيل
(1) حاجة وحزن بسبب الفراغ الذي تركته خديجة بموتها.
(2)
الاية 32 من سورة الأحزاب.
بينهما، وليس هنا مجال تفصيل القول في هذا، والذي اختاره الإمام السبكي في «الحلبيات» ، تفضيل خديجة ثم عائشة، ثم حفصة، ثم الباقيات سواء، والذي أميل إليه ما ذهب إليه السبكي من تفضيل خديجة- رضي الله عنها لأنها أول من امن بالنبي على الإطلاق، وواسته بنفسها ومالها، ووفرت له كل وسائل الراحة التي أعانته على تأدية رسالة ربه.
وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما بسندهما عن علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد» أي كل منهما خير نساء زمانها، ورويا أيضا بسندهما عن أبي هريرة قال:«أتى جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام، أو طعام، أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها، ومني وبشّرها ببيت في الجنة من قصب «1» ، لا صخب فيه ولا نصب» فقد أقرأها ربها السلام، ولم يثبت ذلك لأحد من نساء النبي، وكل ما ثبت للسيدة عائشة إقراء جبريل عليه السلام لها، وقد وفرت السيدة الفاضلة خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم كل وسائل الراحة في دنياها، فكان جزاء وفاقا أن يوفر الله سبحانه لها كل وسائل الراحة والنعيم في أخراها.
وقد زاد الطبراني في رواية الصحيحين السابقة أنها قالت لما بلغها النبي عن جبريل سلام ربها: «هو السلام، ومنه السلام، وعلى جبريل السلام» ، وفي رواية النسائي بزيادة:«وعليك يا رسول الله السلام، ورحمة الله وبركاته» وهذا الجواب يدل على فقهها، ووفور عقلها، وحسن أدبها، رضي الله عنها.
وأصرح من ذلك في الدلالة على تفضيلها على عائشة ما رواه ابن مردويه في تفسيره بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا ثلاث: مريم بنت عمران، واسية امرأة فرعون،
(1) القصب: اللؤلؤ المجوف، وفي اختيار هذا اللفظ إيماء إلى أنها حازت قصب السبق بإيمانها وفضائلها.