الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة
من بقي مع النبي بمكة
وهكذا هاجر المسلمون جماعات وفرادى، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين رجاء أن يؤذن له في الهجرة، ولم يبق بمكة من أصحابه إلا من فتن وحبسه المشركون، وإلا أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما فقد تخلّفا معه.
وكان الصدّيق قد همّ بالهجرة إلى المدينة فقال له النبي: «لا تعجّل لعل الله يجعل لك صاحبا» فيفهم أبو بكر أن النبي يعني بالصاحب نفسه، ففي صحيح البخاري في سياق حديث الهجرة الطويل:«وتجهّز أبو بكر قبل المدينة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على رسلك «1» ، فإني أرجو أن يؤذن لي» فقال: وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: «نعم» فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر- وهو الخبط- «2» أربعة أشهر
…
» استعدادا للهجرة إلى المدينة.
ائتمار قريش برسول الله
ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصبح له أتباع كثيرون، وأنصار من أهل المدينة يفدونه بأنفسهم وأهليهم وأولادهم وأن أصحابه من المهاجرين قد
(1) بكسر الراء على مهلك.
(2)
السمر بفتح السين، وضم الميم: شجرة تسمى أم غيلان، وقيل ورق الطلح. والخبط بفتح الخاء والباء: ما يخبط بالعصى فيسقط من ورق الشجر.
أمسوا بدار أمان وعزّ ومنعة بعد أن هاجروا إليها، وتجمعوا فيها، فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، وحينئذ تكون الطامة، فإنهم لا يلبثون أن يحاربوهم، ويغتضوا عليهم بلدهم، ويدخلوها عليهم.
فاجتمع أشرافهم ورؤساؤهم في دار الندوة- وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها «1» - يتشاورون في أمر النبي الذي أقضّ مضاجعهم، وأصبحت له ولأصحابه قوة تهددهم، واعترضهم إبليس في صورة شيخ نجدي عليه بتّ «2» ، فلما رأوه واقفا على الباب قالوا: من الشيخ؟
قال: شيخ من نجد «3» سمع بالذي اتّعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى ألايعدمكم منه رأيا ونصحا، قالوا: أجل، فادخل، فدخل معهم.
وقد اجتمع فيها أشراف من قريش منهم من بني عبد شمس: عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، وأبو سفيان بن حرب، ومن بني مخزوم: أبو جهل بن هشام، ومن بني نوفل بن عبد مناف: طعيمة بن عدي، وجبير بن مطعم، ومن بني عبد الدار: النضر بن الحارث بن كلدة، ومن بني أسد بن عبد العزّى:
أبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود بن المطلب، وحكيم بن حزام، ومن
(1) قال في شرح المواهب، ج 1 ص 387: قال الماوردي صارت بعد قصي لولده عبد الدار، فبقيت في نسله حتى اشتراها معاوية بن أبي سفيان من عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وجعلها دار الإمارة، وقبل لما حج معاوية اشتراها من الزبير العبدري بمائة ألف درهم، ثم صارت كلها في المسجد الحرام بعد توسعته. وقال السهيلي: صارت بعد بني عبد الدار إلى حكيم بن حزام، فباعها في الإسلام بمائة ألف زمن معاوية، فلامه وقال له: أبعت مكرمة ابائك وشرفهم؟! فقال حكيم: ذهبت والله- المكارم إلا التقوى، والله لقد اشتريتها في الجاهلية بزق خمر، وقد بعتها بمائة ألف، وأشهدكم أن ثمنها في سبيل الله، فأينا المغبون؟!!
(2)
كساء غليظ.
(3)
قال السهيلي في الروض: وإنما قال لهم إنه من أهل نجد فيما ذكر بعض أهل السير، لأنهم قالوا: لا يدخل معكم في المشاورة أحد من أهل تهامة، لأن هواهم مع محمد، فلذلك تمثل في صورة شيخ نجدي.
بني جمح: أمية بن خلف، ومن بني سهم نبيه ومنبّه ابنا الحجاج، وغيرهم ممن لا يعد من قريش.
فقال بعضهم لبعض: إن هذا الرجل قد كان من أمره ما رأيتم، فإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا، فأجمعوا فيه رأيا، فتشاوروا، فقال قائل منهم- وهو أبو البختري بن هشام-: احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا، ثم تربّصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله: زهيرا والنابغة، ومن مضى منهم حتى يأتيه الموت.
فقال الشيخ النجدي: لا، والله ما هذا لكم برأي، والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجنّ أمره من وراء الباب إلى أصحابه، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه من بين أيديكم، ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم، ما هذا لكم برأي فانظروا غيره.
فتشاوروا، ثم قال قائل منهم: نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا، فإذا أخرج عنّا فو الله ما نبالي أين ذهب، ولا حيث وقع، وتعود لنا واحدتنا وإلفتنا كما كانت.
فقال الشيخ النجدي: ما هذا لكم برأي، ألم تروا حسن حديثه، وحلاوة منطقه، وغلبته على قلوب الرجال، فو الله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب فيتابعوه، ثم يسير بهم إليكم حتى يغلبكم، وينتزع الأمر من أيديكم، ثم يفعل بكم ما أراد، أديروا فيه رأيا غير هذا.
فقال أبو جهل بن هشام: والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد، قالوا: ما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جليدا، نسيبا وسيطا فينا، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما، ثم يعمدوا إليه، فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه، فإنهم إن فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعها، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا، فرضوا منا بالعقل «1» فعقلناه لهم.
(1) العقل: الدية، سميت بذلك لأنهم كانوا يعقلون الإبل التي يقدمونها في الدية بالعقل جمع عقال، وهو الحبل الذي تشد به الإبل حتى لا تفلت.