الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم تكن لتطمع أحدا فيه، فمن ثمّ بقي أهله على ما فطروا عليه من الحرية، والانطلاق، وما اتصفوا به من الخلال الكريمة، وبقيت أنسابهم سليمة من الهجنة «1» ، ولغتهم سليمة من العجمة، ولا سيما
مكة
المكرمة، فلم يكن بها إلا العرب الخلّص، ما عدا أناسا لا حول لهم ولا طول، ولا أثر لهم يذكر في حياة العرب في الجاهلية، وإنما كانوا يحترفون بعض الحرف كالحدادة، والصياغة، وخدمة الأشراف، والعمل لهم في تجاراتهم، وبساتينهم، وهم طبقة العبيد والأرقاء من الحبشة، والروم وفارس، ممن لا يتطاولون إلى قريش، أو مصاهرتها، أو التأثير فيها.
وبعضهم كان نصرانيا كجبر الرومي، وعدّاس النّينوي، إلا أنهم لم يكن لهم من علم النصرانية إلا الانتماء إليها، وبعضهم كان على دين قريش، وقد صار معظم هؤلاء من أسعد الناس بالإسلام وأكرمهم عند الله تبارك وتعالى، أمثال بلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي- رضي الله عنهم وأرضاهم.
أشهر مدن الحجاز
يشتمل الحجاز على قرى ومدن كثيرة أهمها: مكة، ويثرب (المدينة) ، والطائف، وجدة.
مكّة
وهي بلد الله الحرام، وفيها الكعبة المشرفة التي يحيط بها المسجد الحرام، وهي تقع في واد سهل منبسط غير ذي زرع، تحيط به الجبال من كل جانب مع تخلل شعاب بين هذه الجبال، وفي شمال مكة يوجد جبل «حراء» الذي به «غار حراء» ، وفي جنوبها يقع جبل ثور الذي يوجد به «غار ثور» .
ومكة مدينة في نشأتها لعين (زمزم) وللكعبة البيت الحرام، وهي وما حولها
(1) الهجين من الإبل والخيل: من أبوه عربي وأمه غير عربية، الهجنة: اختلاط نسب العرب بنسب العجم.
حرم معلوم الحدود. وضعت على حدوده نصب، وعلامات يعرف بها، يأمن فيه الإنسان، والحيوان، والطير، فلا يسفك فيه دم، ولا يهاج فيه حيوان، ولا يصاد فيه طير، بل ولا يقطع شجرها، وقد حرمها الله وما حولها من يوم أن خلق السموات والأرض، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة كما روي في الصحيحين «1» ، وقد أظهر الله هذا التحريم على لسان الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وتسمى (بكّة)، قال تعالى:
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (96)«2» .
وتسمى: (أم القرى)«3» قال تعالى:
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها (7)«4» .
ولمكة مكانة ممتازة في نفوس المسلمين، ففيها الكعبة، والمسجد الحرام، والصفا والمروة، وبجوارها عرفات، والمزدلفة، ومنى، وهي من مشاعر الحج، فلذلك تهفو إليها قلوب الألوف لقضاء الحج والعمرة، من لدن الخليل إبراهيم عليه السلام إلى وقتنا هذا.
ويرجح بعض الباحثين في السيرة نشأتها إلى سنة خمسين وألفين قبل الميلاد «5» ، وقد اختلف في أول من أنشأها، فجمهور المؤرخين على أن أول من بناها وسكنها العماليق «6» ، ثم خلفهم عليها جرهم حتى أسكن الخليل إبراهيم
(1) صحيح البخاري- كتاب الحج- باب لا يحل القتال بمكة؛ وصحيح مسلم- كتاب الحج- باب تحريم مكة.
(2)
الاية 96 من سورة ال عمران.
(3)
العرب يطلقون القرية على البيوت المجتمعة صغرت أم كبرت، وفي الحديث الصحيح «أمرت بقرية تأكل القرى» أي المدينة.
(4)
الاية 7 من سورة الشورى.
(5)
حياة محمد ورسالته، ص 14.
(6)
هم من العرب البائدة، وهم من نسل لاوز بن سام بن نوح، والعماليق ملكوا مصر مدة، وكونوا بها أسرة مالكة حوالي القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد، وملكوا العراق