الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والخير، والرحمة بقيام دولة الإسلام، ولم تكن الحروب انذاك حروبا مشروعة يقصد بها حماية دين، أو إقامة عدل، أو نصر فضيلة؛ وإنما كانت استجابة للأهواء، وحبا في الغلب، والتسلط، واستعباد الشعوب وإذلالهم!!.
ومن هذه الصورة المصغّرة يتبين لنا أن العالم حينئذ كان عالما مضطربا لا أمان فيه، ولا سلام، وشمل الفساد جميع أحواله، ونواحيه، وحقت عليه كلمة الله:
ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)«1» .
حاجة العالم إلى مخلص ومنقذ
ترى- أيها القارىء- هل يترك الله سبحانه- وهو الرحمن الرحيم- العالم يتخبط في هذه الدياجير المظلمة، ووسط هذه الأمواج الهائجة، التي تتقاذفه ذات اليمين وذات الشمال، وهذه الأوضاع السيئة الجائرة التي ذكرنا لك ذروا منها؟!!.
لا، ما كان الله ليدع العالم هكذا، فيا ترى من ذا الذي اختارته العناية الإلهية والرحمة الربانية ليخلص هذا العالم الحائر المضطرب المظلم، الخائف الذي أمسى على شفا جرف هار؟
إنه نبي التوحيد، ونبي البر، ونبي الرحمة، ونبي العدل، ونبي الملحمة، إنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
لماذا اختار الله خاتم أنبيائه من العرب
؟
قلت فيما سبق إن العرب هم أفضل الجنس السامي، وإن لغتهم هي أسمى اللغات السامية، وأثراها، وأكثرها خصائص، وأصلحها لأن ينزل بها كتاب معجز باق على وجه الدهر.
ولئن كان الفساد والاضطراب قد ساد العالم المعروف قبل البعثة المحمدية
(1) الاية 41 من سورة الروم.
- عربا وغير عرب-، إلا أنه- والحق يقال- لم يكن هناك شعب من الشعوب له رصيد من الفضائل النفسية، والذاتية، والخصائص الجسدية، والعقلية، والأخلاقية مثل ما كان للشعب العربي، كالمحافظة على الأنساب، وسلامة اللغة، والذكاء، والفطنة، وصفاء النفس، وإرهاف الحس، والشجاعة، والمروءة، والنجدة، وحماية الجار، والعزة، والحرية، وإباء الضيم، والوفاء بالعهد، والقدرة على البيان، وفصاحة اللسان، وتملك نواصي فنون القول، والتأثر بالكلمة، والغيرة على الأعراض، والتضحية بالنفس والأهل والمال في سبيل ما يعتقد، أو يقتنع به، واقتحام المخاطر ومواطن الأهوال من غير تهيب ولا وجل، إلى غير ذلك من الصفات التي كانت متأصلة في العرب، وقد علمت فيما سبق عزم عبد المطلب على ذبح أحب أبنائه إليه وفاء بنذره، وما كان من السموأل حينما ضحّى بابنه وفاء بوعده، وما كان من النعمان بن المنذر حينما أنف- وهو التابع- أن يزوج ابنته من كسرى- وهو المتبوع الغالب- وتحمّل في سبيل ذلك ما تحمل، إلى غير ذلك مما لا يتسع المقام لبسط القول فيه، وهي أحداث تدل على معان كبيرة، وعلى خصائص أصيلة لهذا الجنس العربي.
لهذا- ولغيره- اختار الله خاتم أنبيائه ورسله من العرب برسالة عامة خالدة، واستأهل العرب أن يكونوا أحق الشعوب بحمل هذه الرسالة، وتبليغها إلى الناس جميعا، ولم يمض قرن من الزمان حتى بلغ الإسلام ما بلغ الليل والنهار، وامتدت دولته من المحيط إلى المحيط.
ومن هذا العرض الموجز نرى أن بعثة النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه كانت ضرورة بشرية لإنقاذ العالم مما تردّى فيه من مهاوي الضلال، والمفاسد، والاثام، وصدق الحق تبارك وتعالى حيث يقول:
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107)«1» .
وها هو العالم اليوم في جاهلية دونها الجاهلية الأولى، ولا مخلّص له مما يعانيه إلا اتباع شريعة الحق والعدل، والخير والسلام: شريعة الإسلام.
(1) الاية 107 من سورة الأنبياء.