الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم خرج بهما دليلهما من العرج فسلك بهما ثنية العائر عن يمين ركوبة، ويقال: ثنية الغائر- فيما قال ابن هشام- حتى هبط بهما بطن رئم، ثم قدم بهما قباء على بني عمرو بن عوف لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول يوم الاثنين حين اشتد الضحاء، وكادت الشمس تعتدل.
في خيمة أم معبد
وفي الطريق إلى المدينة مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بأم معبد، وإليك قصتها لما فيها من معجزة ظاهرة للنبي، ولما فيها من صورة صادقة للمرأة العربية في عفتها وشهامتها، ومروءتها، وكرمها، وبلاغتها وفصاحتها، فقد وصفت النبي صلى الله عليه وسلم بما يعجز عنه بيان غيرها.
روى البيهقي وغيره «1» عن أخي أم معبد حبيش صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه أبو بكر، وعامر بن فهيرة، وابن أريقط يدلهم على الطريق مرّوا بقديد على أم معبد: عاتكة بنت خالد بن خليد «2» الخزاعية، وكانت برزة «3» ، جلدة «4» ، تحتبي بفناء القبة «5» ، ثم تسقي وتطعم من يمر بها، وكان القوم مرملين «6» مسنتين «7» ، فسألوها: هل عندها لبن أو لحم يشترونه منها فلم يجدوا عندها شيئا، وقالت: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى «8» .
(1) ورواها أيضا ابن خزيمة، والحاكم وصحّحها، وصاحب الغيلانيات، ومن طريقه اليعمري عن أبي سليط الأنصاري البدري، وابن عبد البر، وابن شاهين، وابن السكن، والطبراني وغيرهم.
(2)
على صيغة المصغر كما صرّح به ابن الأثير في الجامع، وقيل: ابن خنيف مصغرا، وقيل ابن منقذ، وهي صحابية خرّج لها ابن السكن.
(3)
كضخمة عفيفة مسنة فلم تتخدر لسنها، وخرجت من حد المحجوبات.
(4)
قوية.
(5)
الفناء: المكان الواسع أمام البيت أو القبة وهي الخيمة.
(6)
نفدت أزوادهم.
(7)
أصابتهم سنة أي جدب.
(8)
القرى: إكرام الضيف أي ما منعناه عنكم.
فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة «1» خلّفها الجهد «2» عن الغنم، فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هل بها من لبن» ؟ فقالت: هي أجهد من ذلك، فقال:«أتأذنين لي أن أحلبها «3» ؟ فقالت: نعم بأبي أنت وأمي إن رأيت حلبا «4» فاحلبها، فدعا بالشاة فاعتقلها «5» ، ومسح ضرعها- وفي رواية وظهرها- وسمّى الله- وفي رواية: ودعا لها في شائها- فتفاجّت «6» ، ودرّت، ودعا بإناء يربض «7» الرهط، فحلب فيه ثجا «8» ، وسقى القوم حتى رووا، وسقى أم معبد حتى رويت، ثم شرب اخرهم وقال:«ساقي القوم اخرهم شربا» ثم حلب فيه مرة أخرى فشربوا عللا بعد نهل «9» ، ثم حلب فيه اخرا، وغادره عندها- وفي رواية أنه قال لها أن «ارفعي هذا لأبي معبد إذا جاءك» - ثم ركبوا، وذهبوا.
فقلما لبث أن جاء أبو معبد «10» زوجها يسوق أعنزا عجافا «11» ، يتساوكن هزلا «12» لا نقي بهن «13» ، فلما رأى اللبن أبو معبد عجب، وقال:
(1) بكسر الكاف وفتحها: جانب الخيمة.
(2)
بضم الجيم وفتحها: المشقة والهزال.
(3)
بضم اللام وكسرها.
(4)
أي لبنا في الضرع.
(5)
وضع رجلها بين ساقه وفخذه.
(6)
فتحت ما بين رجليها كما هو شأن الغنم إذا حلبت.
(7)
أي يشبع الجماعة ويرويهم حتى يربضوا: أي يناموا ويمتدوا على الأرض.
(8)
أي حلبا كثيرا.
(9)
النهل: الشربة الأولى، والعلل: الشربة الثانية.
(10)
قال السهيلي: لا يعرف اسمه، وله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وتوفي في حياته، وقال العسكري: اسمه أكثم بن أبي الجون، وقال الذهبي: قيل اسمه حبيش بضم الحاء، وفتح المواحدة، وسكون الياء، اخره شين معجمة على الأصح، وقيل بمعجمة مضمومة ونون مفتوحة، وقيل: أكثم قديم الوفاة.
(11)
جمع عجفاء أي هزالا.
(12)
يتمايلن في مشيتهن من الهزال.
(13)
النقي: مخ العظام أي مخهن قليل.
ما هذا يا أم معبد؟ أنّى لك هذا؟! والشاء عازب، حيال «1» ولا حلوب «2» بالبيت، فقالت: لا- والله- إلا أنه مرّ بنا رجل مبارك فمن حاله كذا، وكذا «3» ، فقال: صفيه يا أم معبد، فقالت:
رأيت رجلا ظاهر الوضاءة «4» ، مبلج الوجه»
، حسن الخلق «6» ، لم تعبه ثجلة «7» ، ولم تزر به صعلة «8» ، وسيم قسيم، في عينيه دعج «9» ، وفي أشفاره وطف «10» ، وفي صوته صحل «11» ، أحور «12» ، أكحل «13» ، أزج «14» ، أقرن «15» ، شديد سواد الشعر، في عنقه سطح «16» ، وفي لحيته كثاثة «17» ، إذا صمت فعليه
(1) العازب: بعيدة المرعى، الحيال: بكسر الحاء المهملة جمع حائل وهي التي ليس بها حمل.
(2)
ذات لبن.
(3)
كناية عن القصة التي حدثت بها.
(4)
الحسن والبهجة.
(5)
مشرقه.
(6)
بفتح الخاء وسكون اللام، أو بضم الخاء واللام، وعرفت ذلك من تواضعه وحسن معاملته لرفقته.
(7)
بفتح الثاء وسكون الجيم عظم البطن.
(8)
صغر الرأس.
(9)
شدة سواد العينين.
(10)
أشفاره: رموش عينيه، وطف: طول وغزارة.
(11)
بفتح الصاد والحاء بحة خفيفة فليس في صوته غلظ.
(12)
الحور بفتح الحاء والواو: شدة بياض العينين، وشدة سواد سوادهما.
(13)
الكحل بفتح الكاف والحاء: سواد في أجفان العينين خلقة، والرجل أكحل وكحيل، والمرأة كحلاء.
(14)
دقيق الحاجبين في طول.
(15)
مقرون الحاجبين.
(16)
ارتفاع وطول.
(17)
غزارة من غير دقة.